إعلان
إعلان

مآلاتُ العبورِ السُّورِيِّ الأخيرِ (5) عِنْد الأسْمال ..بقلم : منصور جاسم الشامسي

#سفيربرس

إعلان

عِنْد الأسْمال

أسيرةٌ تَقاسَموا جَمالَها /
ثُمَّ هَدموهُ بِمَعاولَ.
عَيْنايَ على شَفَقٍ يُغْلِقُ مَنازلَهُ ويَرْتَدي سَوادَهُ /
سألْتُهُ قَبْلَ الرَّحيلِ عَنْ قِطافِ التّينِ، وسِيَرِ الطَّيّبينْ!؟
ظَلَّ صامتاً، يَطْوي المَمَرّاتِ في ذاتِهِ /
غَيّرَ الجِهاتِ، كُلَّها، سَكَبَها في رئاتِهِ /
مَسَّدَ في السَّيْرِ وغابْ.
وأنا، على عِشْقي الأوَّلِ، أسْألُ الغَيْبَ الّذي يُرافِقُني،
عَنْ نَفْسٍ فَقَدَتْ حَنينَها، امْتَلأْتْ صَديداً
وكَسَرْتُ الأبْوابْ
كَيْفَ هي؟ ومَنْ تكونْ؟
مِنْ رَمادٍ أمْ مِنْ حَجَرٍ مَسْنونْ
يالَها صَدَأ مَدَّ حُطامَهُ /
لا تَشُدَّني مِنْ قَميصي أيُّها العَذابْ /
يَكْفي أنَّ قَلْبي يَرى /
يَطيرُ بِجَناحَيْهِ عِنْدَ الأسْمالْ.
اهْتَدَيْتُ لَها،
واقِفةٌ دِمَشْقُ فَوْقَ الهَتْكِ وعلى كُتَلِ الأنْقاضِ /
تُداوي المُنْتَهَبِ /
قابِضَةً على الوَرْدِ /
وإنْ تَنَحَّيْتُ جانباً، بَقِيَتْ بِجانبي، في نَشْوَةِ النَّجْمِ البَعيدْ،
وإنْ قُمْتُ واقِفاً، ظَلَّتْ بِمُحاذاتي، إطْراقَةُ المَلِكَةِ على عَرْشِها،
كِلانا في السُّنْدسِ العَبِقِ
والعِشْقِ الأكْمَلِ، نَدْفَعُ بالّتي هي أحْسَنُ،
والطُرُقُ نُعْمى خَفِيَّةٌ /
جَميلةٌ على كُلِّ شَكْلٍ، مِنْ تَصاويرَ مَنْقوشَةٍ، على كُلِّ مَجَرَّةٍ، وغَيْهَبٍ،
حَتّى الشَّكُّ تَجَمَّلَ مَعها، نادى اليَقينْ؛
أَخْبَرَني عَنْ شَجَرَةِ اليَقْطينْ؛
دِمَشْقُ أمُّ المَساكينْ،
تُسارِرُني عَنِ الوِشاحِ المُمَزَّقِ، والزّينَةِ المُمْتَهَنّة
والدّارِ المَهْجورةِ، والدُّجى الموحِشِ، والنِّعْمَةِ الجَريحَةِ، والعَدَمِ الزَّائرِ.
تَقولُ لي:
أيُلْهيكَ سَيْرٌ، والسَّائرونَ مِلْحٌ أُجاجٌ، أيُّها الصَّديق؟

ولأكْتُمَنَّ الحُبَّ، ولأُخْفِيَنَّ الهَوى، فاصْغِ:
مَسَسْتُ بِراحَتي مَعاطِفَها العابِرَةَ وتَذَكَّرْتُ الأرْحامْ /
هُنا القَطيعةُ؛
طُيوفُها الشّارِدَةُ، فَرَّتْ مِنْ ألْوانِها،
والحَدائقُ راكِضةٌ تَبْحَثُ عَنْ عِنَبِها، حتّى يومِ القِيامَة /
بُروقُها مُنْشَغِلَةٌ بِدَفْعِ الرّيحِ،
لا تَعْرِفُكَ
كأنَّكَ غَريبٌ
في هذا الطَّريقِ /
ما الّذي يَفْعَلُهُ المَوْتُ الآخَرُ ؟
فَلْأنْهَضْ لِما بَقِيَ مِنْ أرْضِ رَسولٍ، ومِيراثِ قَلْبِهِ،
ولِأَنّها الأطْوارُ
ونايُ الغُدْرانِ
وسَيْرُ الأفْلاكِ
ولِأَنّها الوِصالُ
والوَصايا والآمادُ،
ولِأَنّها الأَسْلابْ
غَدَتْ فَوْقَ التُّرابْ.

سارَرَتْني دِمَشْقُ عَنْ عَصْرِ الهَذَيانْ /
حائرةُ مِنْ هذهِ الزَّنازينِ المُتَجَوِّلَةِ، ضَجِرَةً مِنْ هَوْلِ المِهْرَجانْ
ومِنْ قُيودٍ يَشُدّونَ بها مِعْصَمَ الشَّاعِرَةِ /
بُقْعَةُ شَظايا كَبيرةٌ تَمْتدُّ فَوْقَ الجِراحِ،
قَذَفَتْ الفِرْدَوْسَ بالنّارِ، ومالَتْ على الرُّفوفِ تُهَشِّمُها
حتّى غابَ سَهَرُ العُشّاقِ. ماذا تَبَقّى مِنْهُ؟
تَهَتَّكَتِ القَصيدةُ /
اجْتاحَها غُبارُ كَثيفٌ؛
حَماقَةٌ في أشْكالِ سائلٍ مُرَوَّضٍ شَرِبَهُ قَراصِنةٌ راحوا يوقِظونَ النّاس بالأسلحَةِ
كُلُّ زَهْرةٍ تَئنُّ في أصيصِها، حَتّى مَرَّ سِرْبُ حمامٍ على حِكْمَةٍ في عَزاءٍ
أرادتْ أنْ تَبْقى، وتُحِبَّ، فَكيفَ تُحبُّ!؟
وكَيْفَ يكُفّونَ عَنْ هذا الهَدْمِ / ونَتَّفِقُ على سَلامٍ ما /

سارَرَتْني دِمَشْقُ ومَشَتْ باتّجاهي؛
تَحْملُ حَصادَها الأخيرَ مَلْأى بِحُلْمٍ،
وبِحُلْمٍ آخَرَ مُشْتَعِلٍ في شَكْلِهِ الأوّلِ لَمْ تَسَعْهُ الأرضُ
تأخذُهُ مَعَها، تزرعُهُ في السّماواتِ أشْجاراً تُظِلُّ الأرضَ مِنْ جَديدٍ،
لا مُتناهِياتُ الأحْلامِ السُّوريةِ
لا تَتَوقَّفُ،
لا تُحَدُّ،
تَتدَفَّقُ /
تَشْبِكُ الفَجْرَ الأوّلَ بآخرِ فَجْرٍ
وتَبْتَكِرُ فَجْراً جديداً
يَعْقُبُهُ فتحٌ آخَرُ، غَيْرُ الفَتْحِ الماكِثِ، غَيْرُ الفَتْحِ الأوّلِ
غَيْرُ الفَتْحِ الّذي قَبْلَهُ / فَتْحُ المَهْدِ.
تَتوالى الفُتوحُ /
لا تُرى /
لَيْسَ كُلُّ شَيءٍ يُرى الآنَ !
العَلاماتُ تَتَوالى
المَخاضاتُ تَتْرى،
النَّصْرُ باذخٌ.

لَكِنَّ أشْكالَ الوَرْدِ لا تُلْهيني عَنْ أشْكالِ المتاهاتِ الباقِيَةِ؛
مَسارُ الرّمادِ
وسُمْكُ الفَحْمِ /
مَنْ سارَ في الشَّذى
ومَنْ خاضَ في الرَّجْمِ /
وكَيْفَ فاضَ نَهْرُ الدَّمِ.

دِمَشْقُ /
كُنْتُ بانْتِظارِها عِنْدَ الجِسْرِ؛
تَقاطرُ الأعْنابِ،
الذَّهَبُ يَخْرُجُ مِنْ دَكاكينِهِ مَسْروراً
يُحْيي العَذْراءَ الفاتِنةَ العَربيَّةَ المارَّةَ بالعُهودِ الدّافئةِ المتراخِيةِ والموجِ والدُّعاباتِ السَّاحِرةِ، يَغْمُرها الحُبُّ العَربيُّ تَعْزِفُهُ مَسَرّاتٌ حُلْوةٌ وراءَ نَجْمٍ في فؤادٍ عالٍ /
حَتّى جاءتِ الفُتوق
فَدارَيْتُها عَنِ القَصْفِ، ودَفَعْتُ عَنْها هَجْمَةَ الضّباعِ،
جُنودٌ كالعاصِفَةِ
جاؤوا مِنْ خَلْفِ النَّهْرِ، يُهَرْولونَ تَباعاً
لا يُحْسِنونَ الكَلامَ، حَتّى وصلوا إلى ظِلالِ البَيْتِ/
البابُ لَمْ يَكْنٍ موصَداً /
عادَةُ، دِمَشْقَ، تَتْرُكُهُ مُوارَباً /
لِلْعابِرِ الصَّديقِ
يَدْخُلُ ويَسْتريحُ.
كانَتْ تُبَلِّلُ شَعْرَها،
مَشْغولَةً بموسيقاها
كَيْ تَغْمُرَ الكَوْنَ بِلَحْنٍ جَديدٍ /
كانَتْ تُعِدُّ قَصصاً تَحْكيها لَنا عِنْدَ المساءِ
كَيْ يكونَ لَنا ثَوْبُ عيدٍ /

تَهَدَّجَتْ دِمَشْقُ في تلافيفِ السَّريرِ
ونَهَضَتْ تُصلّي في الِمحْرابِ
حينَ قُدَّ قَميصُها مِنْ دُبُرٍ
وباغَتَتْها الحِرابُ/
سَقَطَتْ ثُمَّ نَهَضَتْ /
سَقَطَتْ ثُمَّ نَهَضَتْ /
يَداها تَتّكئانِ على الجِدارِ،
على ما تَبَقّى مِنْ حُبٍّ،
تَميلُ على الزَّهْرِ، تَحْضُنُه لِئلّا تَدوسَهُ الأقْدامُ /
قَلْبُها يتَّقِدُ،
رئةُ الأرْضُ تَنْزِفُ،
آلامُها مُتصاعِدَةٌ،
تَئنُّ /
هكذا،
حاسِرةً /
استدارتْ،

تَلْمَحُ وَجْهَ مَنْ، مِن خَلْفِ زُجاجِ النّافِذَة ؟
تَكْتُبُ اسْمَ مَنْ، خُطوطُ هذي الطّابِعَة ؟

مَشاريعُ الحُبِّ باتَتْ تَدورُ، مَهْدورةً، كَجرارٍ مُتَكَسِّرَةٍ، تَنْهارُ حُقولُها، تَهْوي، كأصْواتِ أجْراسٍ في دِيارٍ خاويَةٍ، كَخُطُواتِ مَروانَ بنِ مُحمدٍ الطريد الماضي في دُروبٍ قَلِقَةٍ، تلاشَتْ أعْراسُهُ، تَغْرَقُ أحْلامُهُ في فَراغِ الخَوْفِ مِنَ القادمِ، يُحاذي الأرْضَ، لا يَنامُ، يَهْبِط من سَفْحٍ، يَدْخُلُ مُنْحَدَراً، تَرْميه النُبْلُ مِنْ بَعيدٍ، بَيْنَ مَوْتٍ وخَرابٍ /

لا راحِلَةَ /
تَمَزَّقَتِ القافلةُ العَربيَّةُ
تَقَطَّعَتْ رِحْلَةُ الشّتاءِ والصَّيْفِ.

أيْنَ أضَعُ قَلْبي بَعْدَ اليَوْمِ
وكَيْفَ تَكونُ الكِتابةُ
كَيْفَ تَمْشي الحُروفُ مُتَباهِيَةً
وكَيْفَ تَتَحَرَّرُ مُدُنُ الكآبَةِ.

كَنْزَ الأيّامِ القادماتِ / أيْنُ مفاتيحكَ؟
لا أحَدَ في شُرُفاتِ أحْلامي
وقَصيدتي سابِحَةٌ لا تَنْتَهي
تائقةٌ لِنَهاراتِها.

لا تَرْفَعْ بَعْضَ هذا الحَديدِ / اجْعَلْهُ شاهداً.

# سفيربرس _ بقلم: منصور جاسم الشامسي
شاعر/
دولة الإمارات العربية المتحدة
30 أبريل 2023

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *