إعلان
إعلان

رحلة البحث عن السعادة.. بقلم : الدكتورة .دارين السماوي

#سفيربرس _ بغداد

إعلان

أسئلة عديدة تطرح علينا كبشر يمكنأن نجيب عليها بنعم كما يمكن أن نجيب عليها بلا، إلا سؤال واحد وهو “هل تريد أن تكون سعيد؟” هذا هو السؤال الوحيد الذي لو طرحناه على سكان الأرض كلها لكانت إجابتهم واحدة: نعم أريد أن أكون سعيد.
و مادام الكل يحلم بالسعادة و يطمح لها، لماذا إذا نجد اغلب الناس لا يعيشونها؟ بل أغلبهم إذا تمعنت في ملامح وجهه لقرأت بين سطورها سعادة مصطنعة و تعاسة مخفية. لماذا لسنا سعداء؟ لماذا لا نعيش السعادة؟ مالذي يقف بيننا و بينها؟ في أغلب محاضراتي عندما أطرح هذا السؤال على الحاضرين تأتي الإجابات مختلفة و لكنها تصب في كأس واحدة و هي كأس الظروف المرّة التي نتجرعها و التي تقف حائلة بيننا و بين طعم السعادة الحلو، الظروف هي الشماعة التي نعلق عليها فشلنا و تقاعسنا و عدم سعينا، الظروف هي النظارة السوداء التي نلبسها لنرى العالم حالكا لا ضوء فيه و في الحقيقة لو مددنا يدنا إلى هذه النظارة و مسحناها بقطعة من الأمل لرأينا منظرا خلابا و رائعا يسرّنا و يسعدنا. لماذا لا نعيش السعادة؟ ألأنّنا لا نستحقها؟ أم لأنّنا نراها بعيدة عنا و نرى أنفسنا عاجزين على الوصول اليها؟ أم لأننا نراها حكر على المحظوظين من أصحاب الشهرة و الأموال الطائلة؟ هل السعادة حظوظ؟ يمكننا أن تطرح ألف سؤال و سؤال دون أن نصل إلى نتيجة. و لكن دعني أنا و انت نكون عمليين و صادقين مع أنفسنا.. تعالى نتصارح و نعترف بأننا نحن من يقف حائلا بيننا و بين السعادة.. و قبل أن تسألني كيف دعني أسألك أنا… هل تستمتع يا صديقي بتفاصيل حياتك الصغيرة؟ هل ترى فيها مصدرا للسعادة؟ أم أنك تحمل في عقلك و قلبك لائحة الشروط التي لو تحققت سوف تكون سعيد و الا فلن تسعد أبدا؟ نحن يا صديقي لا نعيش السعادة لأنّنا نضع لها شروط مجحفة و مكلفة فتقف أمامنا عاجزة مع رغبتها في معانقتنا و لكنها عندما تنظر إلى لائحة الشروط المجحفة التي نخطها بأيدينا تولّي هاربة لتعانق أحدا فتح لها ذراعيه برغم ما يمرّ به من ظروف عصيبة.
و تعالى أنت و أنا نلقي نظرة على لائحة الشروط هذه التي جعلت السعادة تهرب منا، إنها قائمة طويلة فعلا : سيارة فارهة تليق بنا ، حب مثالي يعوضنا عن ما مضى ، منزل فخم بأثاث ملكي ، جسد قوي و خارق لا يعرف المرض و لا التعب، مشروع يدر علينا اموالا كثيرة، رصيد بنكي محترم جدا ، وقت فراغ نستطيع أن نمارس فيه ما نريد لأنّ الأربع و العشرون ساعة ليست كافية بالنسبة لنا، رحلة إلى أوروبا أو أمريكا مع إقامة في أرقى النزل نأخذ اثناءها مجموعة من الصور ننشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لنقول للآخرين انظرو كم نحن سعداء، رجل وسيم مفتول العضلات و ثريّ و صاحب جاه و سلطان للزواج لأن المال هو السعادة ، فتاة جميلة كحورية بحر لا خطأ فيها تجيد كل كلمات الحب و كل أنواع الغنج و الدلال، سهرة رومانسية على شاطئ البحر في جزيرة أو منتجع عالمي حتى يعود الحب و الرومانسية إلى حياتنا من جديد. تخيل معي لو أن لديك كل ما سبق.. هل ستكون سعيدا يا صديقي؟ و قبل أن تهز رأسك بفرح و تجيني بنعم
دعني أخبرك بأن هناك من يملك كل هذا و ليس سعيدا، لأن حتى هذه اللائحة التي تراها مثالية إن امتلكتها ستصبح عادية بالنسبة لك و سوف تبحث عن أشياء أخرى تجلب لك السعادة هكذا نحن بني البشر نبقى في بحث دائم عن المفقود و لا نسعد أبدا بالموجود وتبقى لائحة السعادة في تغيير مستمر حسب ما نملك و ما لا نملك و إن دققنا في حياة المحظوظين من حولنا و الذين يمتلكون لائحة طويلة للسعادة سنرى بنظرتنا السطحية للأشياء أنهم أسعد الناس و أنه لا يحق لهم أبدا أن يكونوا في قائمة التعساء مثلنا و لكن إن فتحنا أعيننا جيدا على الحقيقة سنرى أنّ الكثير من هؤلاء إن امتلك شيئا يفتقد الآخر، إن امتلك مالا يفتقد العافية و إن امتلك العافية يفتقد الحب و إن امتلك الحب يفتقد العلم و إن امتلك العلم يفتقد الأهل و إن امتلك الأهل يفتقد القرب من الله و هكذا لن نجد أحدا منهم يعيش حياة الكمال و لا السعادة التي نتصورها نحن لذلك إذا أردت أن تكون سعيدا كن أبسط من هذا بكثير.
مزّق هذه اللائحة التي تسكن دماغك و أعد كتابة لائحة أخرى إن قرأتها السعادة لن تهرب منك أبدا بل ستعانقك و ترقص معك على لحن الحياة.
أكتب لها بأنها من الممكن أن تتجسد لك في ابتسامة طفلك لأنّ العديد من الذين لم يرزقوا بأطفال يتمنون أن يروها و لو للحظات و أن يشعروا بهذا الشعور الجميل، في دعوة من أمك و نصيحة من أبيك فالعديد ممن رحل عنهم آباؤهم و أمهاتهم يتمنون لحظة واحدة يسمعون فيها صوت أمهم أو أبيهم.
قل للسعادة بأنها يمكن أن تجلس معك على ناصية مقهى عتيق في شارع من شوارع بلدك صحبة صديق وفيّ تجمعك به مشاعر بعيدة عن المصلحة و البيزنس والنفاق الاجتماعي.قل لها بأن تشاركك تلك اللحظة التي تتلقى فيها رسالة صباحية من شخص يجعلك تبتسم حبا أو فرحا أو امتنانا
قل لها بأنها من الممكن أن تعانق يدك عندما تعانق أنت أحد أفراد عائلتك أو شخصا عزيزا على قلبك فتلك المشاعر التي تغمرك في تلك اللحظة لا يمكن إلاّ أن تشعرك بسعادة غامرة
حدّث السعادة عن شعورك و أنت ترى نفسك تنجح و تتقدم في مصاف المتميزين و تنحت في الصخر و تتعب و تتلذذ بطعم التعب و تواصل طريقك نحو القمة.
قل للسعادة بأنها تسكن في تلك التفاصيل الصغيرة، في مكالمة من صديق يسأل عنك لأنه لم يراك منذ مدة فانشغل باله، في دعوة شيخ كبير لك بالتوفيق عندما تركت له مقعدك في الحافلة، في نظرة امتنان من سيدة عجوز أعنتها على حمل قفة ثقيلة بيدها، في نظرة اعجاب ثم قصة حب ثم شراكة حياة بحلوها و مرّها و لكنها مليئة بالوفاء و المودة، في لحظة جنون تعود فيها كطفل فتجري مع أطفال الحي تقاسمهم لعب الكرة فيفرحون و يضحكون و كأنّ من يقاسمهم اللعب أشهر لاعب كرة في العالم.
قل للسعادة بأنك تراها جيّدا في لحظة ضعف و انكسار مررت بها فمدّ لك أحدهم يد المساعدة و طبطب على كتفك فجعل القوة تسري فيك بعد أن أحسست بالوهن، قل لها بأنك استشعرتها في سجدة طويلة لله بثثت فيها همومك و أمانيك فشعرت بها في قربك من الله. قل لها بأنها موجودة في كلمة طيبة سمعتها من جار أو زميل فأعطتك انتعاشة ككأس شاي ليمون بالنعناع.
قل للسعادة بأنها موجودة في القناعة و الرضاء و الشكر و الامتنان الذي تشعر به كل يوم في كل نعمة متعك الله بها، قل لها بأنك في هذه اللحظة و أنت تقرأ هذا المقال تشعر بالسعادة لأنّ الله متعك بنعمة البصر و نعمة العقل التي حرم منها الكثيرون في هذا العالم.
قل للسعادة بأنك تشعر بها في كلّ لحظة و كلّ حركة و كلّ سكون، ابتسم أجل ابتسم الآن دعها ترى ابتسامتك دعها تبتسم لك دعها تصاحبك و اجذبها إليك و اجعلها عادة حتى تتعود هي عليك و سترى كم ستكون الحياة جميلة و ممتعة بدون لائحة و لا شروط مجحفة و لا تعقيدات يجب أن تريد السعادة و ان تجعلها في حياتك عادة لان السعادة يا صديقي عادة تكتسبها بالرضا و العزم والإرادة ..

#سفيربرس _ بغداد _ بقلم الدكتورة دارين السماوي

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *