المشهد الروائي التونسي اليوم: نهضة سردية تؤسس لمستقبل واعد
#سفيربرس _ نورس برو _ تونس

الرواية التونسية في زمن التحوّل
يشهد الأدب الروائي التونسي اليوم ديناميكية لافتة تُبشّر بمرحلة جديدة من النضج والتنوّع، بعد سنوات من التحولات الاجتماعية والثقافية العميقة. لقد أصبحت الرواية في تونس فضاءً مفتوحًا للتجريب والبوح، ومنبرًا تعبيريًا يعكس تعقيدات الواقع التونسي وتطلعات الإنسان فيه. ومع تزايد عدد الكتّاب والكاتبات، وتنوّع الأشكال والموضوعات، يمكن القول بثقة إن الرواية التونسية باتت اليوم في قلب الحراك الثقافي العربي، تمثّل وجهاً حيوياً من وجوه الهوية الوطنية المتجددة.
حيوية في الكمّ وتطور في الكيف
خلال العقد الأخير، عرفت الرواية التونسية ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الإصدارات، وهو مؤشر إيجابي على اتساع دائرة المهتمين بالسرد الروائي .لكن الأهم من ذلك هو التحسّن النوعي الملحوظ في بنية النصوص، من حيث الأسلوب والبناء السردي، وعمق المعالجة الموضوعية. لقد غادر العديد من الروائيين فكرة الكتابة التجريبية فقط لبدخلوا في مشاريع سردية متكاملة، تتأسّس على وعي فني بالكتابة، ومعرفة دقيقة بأدوات السرد الحديثة.
تنوّع موضوعاتي وجرأة في الطرح
المشهد الروائي التونسي الحالي لا يخضع لسلطة موضوع واحد، بل ينفتح على قضايا شتّى: من الأسئلة الوجودية والفردية، إلى سرديات الثورة والهوية، مرورًا بالتاريخ والذاكرة، ووصولًا إلى الحب، والعلاقات الإنسانية، والهجرة، والنسوية، والتحوّلات الرقمية. هذا التنوّع يعكس وعيًا جمعيًا متزايدًا لدى الكتّاب التونسيين بأهمية الرواية كأداة فكرية وجمالية تعيد صياغة الواقع ولا تكتفي بوصفه.
الكاتبة التونسية: صوت قوي وحضور مشرق
يُحسب للمشهد الروائي التونسي الحضور اللافت للكاتبات، عددًا وتأثيرًا. فقد أسهمت أقلام نسائية في تشكيل تيار سردي خاص يتميّز بالحساسية العالية تجاه القضايا الاجتماعية والجندرية والنفسية، دون الوقوع في فخ التنميط أو التكرار. كاتبات مثل آمال مختار، حفيظة قارة بيبان، نسرين بن حداد، ريم اللواتي، مريم الزياني وغيرهن، أثبتن حضورًا قويًا على الساحة الثقافية، وأضفن إلى الرواية التونسية بعدًا إنسانيًا وأسلوبًا دقيقًا في مقاربة التفاصيل.
اللغة السردية: بين الفصحى والدارجة
أحد أبرز تطوّرات المشهد الروائي في تونس هو الانفتاح اللغوي الذكي. فالعديد من الكتّاب باتوا يوظفون الدارجة التونسية في الحوارات أو حتى في السرد، ما يُضفي طابعًا محليًا أصيلًا على النصوص، دون أن يفقدها أبعادها الجمالية أو الأدبية.
النشر والتوزيع: تحديات تُواجه بإصرار
صحيح أن النشر في تونس لا يزال يواجه بعض التحديات، خاصة في ما يتعلق بالتوزيع الداخلي والخارجي، لكن يُلاحظ اليوم ازدياد في عدد دور النشر النشطة التي ترافق المؤلفين وتراهن على الأدب الجيد، من دون اعتبار لحسابات السوق فقط.
الرواية التاريخية: قراءة نقدية للماضي
شهدت الرواية التونسية اهتمامًا متزايدًا بالسرد التاريخي، ليس بمنطق التوثيق، بل بروح نقدية وفنية تستحضر الماضي لتفكيك الحاضر. أعمال مثل رواية ‘الطلياني’ لشكري المبخوت، و’برج الرومي’ لحبيب السالمي، و’نوارس الذاكرة’ لحسونة المصباحي، أعادت الاعتبار لذاكرة تونس بأسلوب سردي يتوازن فيه الحكي مع التأمل والتحليل.
جيل شاب يفتح أبواب المستقبل
ما يلفت الانتباه في السنوات الأخيرة هو الحضور المتميّز لجيل جديد من الروائيين، يحملون رؤية متجددة للكتابة، ويواكبون الأدوات المعاصرة في النشر والترويج والتفاعل مع القراء. هذا الجيل لا يكتب فقط للورق، بل يتحرك داخل الفضاء الرقمي، ويناقش أعماله عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نحو رواية تونسية عالمية
الرواية التونسية اليوم ليست في أزمة، بل في حالة تحوّل ونمو وتوسّع. هناك مواهب حقيقية، وتجارب فنية تستحق المتابعة، وأصوات جديدة تحمل رؤى عميقة. يبقى التحدي اليوم هو تطوير البنية الحاضنة لهذا الإبداع: من نقد متخصص، إلى نشر احترافي، وصولًا إلى الترجمة والترويج الدولي.
#سفيربرس _ نورس برو _ تونس