إعلان
إعلان

كتب الدكتور خلف المفتاح : الفساد : عالمية الظاهرة وخريطة طريق للمعالجة

#سفيربرس

إعلان

الفساد والافساد ليستا ظاهرتين جديدتين في حياة المجتمعات فقد جاء في احدى البرديات الفرعونية : اختلت الموازين واختفى الحق والبعض يحاول حتى خداع الآلهة يذبحون الأوز ويقدمونها قرابين زاعمين انها ثيران وهذا النص الوارد في الكتابات الفرعونية يشير بشكل واضح الى ان الفسادكان مترافقا مع وجود الانسان على هذه البسيطة والاكثر دلالة على ذلك أن الديانات السماوية قد افردت حيزا واسعا من تعاليمها لاصلاح النفس الانسانية مقدمة لاصلاح البشر .
لقد اصبح الفساد يشكل تهديدا خطيرا للمجتمعات التي تسير في طريق النمو او تواجه تحديات داخلية من قبيل الحروب والكوارث وغيرها بوصفه عائقا خطيرا من عوائق التنمية لجهة استنزافه الثروات الوطنية وتدميره للمنظومات الاخلاقية للمجتمع وما يستتبعه ذلك من ظواهر تدمر العقد الاجتماعي الوطني وتضعف الروح الوطنية وحس المسؤولية الذي تعتبر من اهم عوامل ووسائل الحفاظ على الأمن الاجتماعي والاقتصادي للدول .
وبادئ ذي بدء لا بد من من محاولة تعريف الفساد وفق منظمة الشفافية الدولية التي ترى أنه: استغلال الوظيفة العامة او السلطة من أجل تحقيق منافع خاصة ، أما صندوق النقد الدولي فلم يقف عندهذه الحدودفعرفه على انه : اساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ، كأن يقوم موظف او شخص بقبول او طلب رشوة لتسهيل عقد او استغلال وظيفة او سرقة مال عام او اسناد منصب لشخص يهمه او يرتبط به برابطة ما لجهة تحقيق مكاسب ومصالح شخصية او عندما يعرض وكلاء او وسطاء لشركات او اعمال خاصة بتقديم رشى للاستفادة من سياسات او اجراءات عامة للتغلب على متنافسين وتحقيق ارباح خارج نطاق القانون وكذلك استغلال مواقع عامة في الجهاز الوظيفي او في قطاع الاعمال العام والخاص للاتباع بهدف نهب واستغلال المال العام .
ولا شك أن للفساد كظاهرة عالمية اشكالا كثيرة وقد تتركز احيانا في حزمة واحدة او مستويات متعددة فهناك ما يمكن تسميته الفساد الكبير وكذلك الفساد الصغير ويقصد بالأول الفساد الذي يصيب المرافق الأساسية في الدولة وكبار المسؤولين في المواقع الاقتصادية والذي ينتج عن عقد الصفقات الخارجية وابرام عقود التصدير او الاستيراد وحصريتها او اسناد العقود للشركات الأجنبية وما يتلقاه مبرموها مما يسمى عمولة وهي رشى مستورة والى جانب الفساد الكبير هناك الفساد الصغير والذي يتراكم ليشكل في النهاية فسادا كبيرا وهو ما يصيب الجهاز الوظيفي في الدولة من خلال تفشي الرشوة وعدم تنفيذ المشاريع العامة بالمواصفات المطلوبة وضعف تحصيل الضرائب والتهرب منها وضعف الاداء الوظيفي وضعف او انعدام الشعور بالمسؤولية وانتهاك القوانين وعدم احترامها وضعف هيبة الدولة ومؤسساتها وتراجع دور المؤسسات التربوية والثقافية والمنبرية اضافة الى التزوير والتهريب والتلاعب بالأسعار والابتزاز وتبييض الأموال وعدم وضع الانسان المناسب في المكان المناسب وتكريس ثقافة الكسل الفكري واضعاف الروح الوطنية وحس الانتماء للوطن .
ولا شك أن لظاهرة الفساد اسباب عديدة وربما كان لظروف كل مجتمع خصوصية في ذلك ولكن في الاجمال يمكن الوقوف عند اسباب اجتماعية واقتصادية واخلاقية وتربوية وسياسية تقف وراء تفسير تلك الظاهرة الخطيرة منها ما يتعلق بالفقر المادي والفكري والمعرفي والمستوى المعيشي والفوارق الطبقية الحادة وقصورالسياسات التنموية وغياب العدالة الاجتماعية وإهمال الطبقات الفقيرة والمحتاجة وضعف مناهج التعليم ومنها ما يتعلق بالأجهزة الرقابية والقضائية وغياب المحاسبة وعدم تطبيق القوانين وسطوة الاجهزة التنفيذية على مؤسسات الدولة وتسلطها وغياب الشفافية في عمل المؤسسات وتغييب الرأي العام وقصورالأداء الاعلامي ولاسيما الاعلام الاستقصائي ولعل اهم اسباب الفساد تدمير المنظومة الاخلاقية للمجتمع بحيث يصبح وهج المال والمنافع اقوى من وهج الاخلاق والقيم وهذا ما حذر منه واشار اليه السيد الرئيس بشار الأسد غير مرة في خطبه وكلماته وتوجيهاته للحكومات المتعاقبة .
ولجهة أن الفساد ظاهرة عالمية ووفق سياقات العولمة والمتوحشة منها على وجه التحديد فلا مندوحة من تنسيق دولي لمكافحته والتضييق عليه فالفاسدون يتميزون بالقدرة على التحايل على القوانين والتملص منها عن طريق تبييض الأموال والاشخاص ؟ وعمليات التهريب والمخدرات وايداع الاموال في البنوك بأسماء مستعارة او مأجورة في ظل تشابكات مصالح فرضتها العولمة الاقتصادية والشركات متعددة الجنسية والراسمال العابر لكل الحدود.
من خلال ماسبق يتضح أن الفساد والافساد من اخطر التحديات التي تواجه المجتمعات بغض النظر عن موقعها وشكلها نظامها السياسي وهنا تبرز الحاجة لاستراتيجيات عالمية ووطنية لمكافحته فعلى المستوى الداخلي لابد من حزمة تدابير البعض منها يقع على عاتق الحكومة ومؤسساتها الرقابية والاعلامية والمنابر المختلفة والبعض الآخر على عاتق المجتمع ولا شك أن دور المجتمع لا يقل أهمية عن دور الدولة فاذا كانت الخطوة الاولى تتمثل بتجفيف منابعه بكافة اشكالها وعبر سياسات بناءة وفعالة وحاسمة فإن للتربية المنزلية والمنابر الثقافية والدينية والاعلامية الدور الأساس في ذلك عبر تكريس ثقافة النزاهة والى جانب ذلك لابد من المزيد من العمل على مبدأ الشفافية وان تشكل المؤسسات القيادية على مختلف مستوياتها حالة القدوة في عملها وسلوكها ونزاهتها وتحظى بثقة واحترام الرأي العام ويسار اليها بالنزاهة والغيرية على مصالح المجتمع والدولة لا العكس وان تحترم القوانين والانظمة وتتمثل اخلاقيات المجتمع الأصيلة وتمثلها وتتشدد في مراقبة سلوكها اولا ومحاسبة الفاسدين بأشد العقوبات التي تحقق الردعين العام والخاص وهذه من وجهة نظرنا هي خريطة الطريق الموصلة لنهايات مأموله ومضمونة النتائج .

# سفيربرس _ بقلم :  د خلف المفتاح

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *