إعلان
إعلان

“مهرجان الثقافة في حلب – مهرجان الحياة.”. بمشاركة ستين شاعرا وقاصا وباحثا

سفيربرس- بيانكا ماضيّة

إعلان

فرع اتحاد الكتاب العرب بحلب يستعيد ألقَه الثقافي بعد الحرب

بعد تخريبٍ طال بعضَ أجزائه في الحرب التي دمّرت البلاد، يعود مقرّ اتحاد الكتاب العرب بحلب، بعد توقفٍ دام سبع سنوات، للانطلاق من جديد ضمن احتفالية ثقافية مهمّة أقامها اتحاد الكتّاب العرب في سورية؛ لمناسبة الذكرى الثانية لتحرير المدينة من الإرهاب تحت عنوان (مهرجان الثقافة- مهرجان الحياة)، شارك فيه ستون أديباً وشاعراً من مدينة حلب وغيرها من محافظات القطر، من أعضاء الاتحاد وأصدقائهم، ممن جاؤوا ليشاركوا بهذه الاحتفالية التي أعادت لحلب ألقاً ثقافياً افتقدته لسنوات..مما يعني ” أنّ الكلمة، وهي تصدح بالحقّ والخير والجمال، ابنة الضوء ضدّ الظلام، وابنة الوعي ضدّ الجهل، وابنة البناء ضدّ الخراب” حسب ماقاله الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب في سورية، في كلمته التي ألقاها مؤكداً فيها عظمة حلب، وعظمة الشهادة فوق أرضها، ودور الكلمة والحرف إلى جانب البندقية..

كلمات توفي حقّ حلب

وقد أشار الأديب والباحث عبد الفتاح قلعه جي في الكلمة التي ألقاها باسم أدباء حلب، إلى دور حلب منذ الأزل إلى يومنا هذا، ومساهمتها عبر أدبائها وكتابها ومفكريها بنشر الفكر العروبي، موضحاً أن هذا المهرجان القصصي والفكري والأدبي سيكون نواة لفعاليات متعددة بعد تأهيل هذا المنبر الثقافي.

أما رئيس فرع اتحاد الكتاب بحلب الدكتور أحمد زياد محبك فقد بيّن في كلمته أن النشاط الأدبي ظلّ قائماً تحت انهمار الرصاص وسقوط القذائف “فإذا كان مقر الفرع حجراً قد أغلق، لما لحق به من أضرار، فإن الأدباء من أعضاء الاتحاد وغير أعضاء الاتحاد ظلوا يكتبون ويشاركون ويعطون ملتزمين قيم الوطن وثوابته الأخلاقية العليا ومبادئه” مؤكداً أن “الحرب التي دمرت بعض الجدران فإنها لم تستطع أن تدمر الإنسان في هذا الوطن العزيز والجميل والحبيب، وها هو ذا الإنسان بكل قواه وطاقاته أعطى ومايزال يعطي، ويعيد البناء ويجدد ويقدم للتاريخ والحضارة والإنسان”.

وعلى مدى يومين، قدم الأدباء المشاركون نتاجاتهم الإبداعية، الشعرية والقصصيّة والفكريّة، من خلال مهرجانات للشعر والقصة، وعبر ندوة فكريّة تمحورت حول دور حلب الريادي في النهضة الأدبية العربية الحديثة. وكان، بحقّ، مهرجاناً للحياة والانتصار والثقافة والإبداع، إذ كانت النصوص محلّقة بحبّ الوطن وتمجيده، وتمجيد الشهادة، والإنسان الذي يدافع عنه بكل ما أوتي من حبّ وانتماء له.

على هامش المهرجان

وكان للقاءات التي تمّت على هامش المهرجان بين أدباء حلب والضيوف المشاركين في المهرجان، مسحة اتسمت بالمحبة وطيب اللقاء، وعطر الكلمة، أكد فيها الأدباء محبّتهم لهذه المدينة العريقة وراحوا يسترجعون ذكرياتهم فيها، واشتياقهم لشوارعها وهوائها، وأسواقها وأمكنتها الأثرية التي دمّرها الإرهاب التكفيري، كما تناولت هذه اللقاءات الجرحَ السوريّ على كامل المساحة الجغرافية، ومعاناةَ الأدباء خلالها، ونجاة البعض من أيدي القتلة المأجورين المرتزقة، ممن حملوا لواء “ثورةٍ” دمّرت البلاد، وقتلت الإنسان السوري المقاوم الشريف، وأشعلت الحرائق ونسفت البنى التحتية. تلك الأيادي التي جعلت الدمَ أنهاراً، وحاولت غير مرة استهدافَ الكتّاب والأدباء ممن حملوا راية الدفاع عن الوطن؛ وحملوا سلاحاً آخر إلى جانب حماة البلاد، هو سلاحُ الفكر والأدب وعشق الوطن، سلاحٌ كشف زيفَ ثورتهم، وتخرّصاتهم، وافتراءاتهم، وامّعيتهم، وتابعيتهم لأعداء هذا الوطن. كما تناولت اللقاءات حرص الأدباء والكتّاب على القيم الوطنيّة، وثباتهم على مواقفهم ومبادئهم والتزامهم بها، وعدم السماح لأيّ رأي مخالفٍ لهذه القيم، أيّ رأيّ يشكّل نشازاً في سيمفونية الوطن، من عودتِه إلى صفوف الأدباء الوطنيين، إذ أن معركةً تحررية أخرى يخوضها الشعب اليوم، ومنهم الأدباء، ألا وهي معركة الفكر.

أدباء مشاركون وحلب

اشتياق الكتّاب والأدباء لمدينة حلب، وفرحتهم بدعوتهم للمشاركة في هذا المهرجان، جعلهم لايتوانون عن تلبية الدعوة، فحلب اشتاقت لمحبيها، كما اشتاق محبّوها لها.. راحوا يتنقّلون في شوارعها، ومشاعر الغضب على ماحلّ بها من خراب تملؤهم، لكن هواء حلب يبرّد نيران الغضب، وجمالها يطغى على أي انفعال..

تقول الشاعرة انتصار سليمان المشاركة في مهرجان الثقافة عن زيارتها لحلب ومقر فرع الاتحاد بعد غياب طويل: “وصلنا حلب، القلب ينبض بسرعة، والعيون بنصف إغماضة كي لاترى آثار مدافع جهنم (من جرار الغاز والقازانات) التي أطلقها أولئك القتلة على رخام القلب؛ لأتابع أسماء الأحياء، وإحصاء أعداد الشهداء من الضحايا الأبرياء على مدى سنوات هذه الحرب الحاقدة على الشجر والحجر كما البشر، أريد أن أرى حلب كما هي في ذاكرتي.. يتابع السائق إلى ساحة سعدالله الجابري هنا حيث كنا نقيم متى حللنا في الفندق السياحي الذي تم تفجيره بسيارة مفخخة ومازال قيد البناء هي التفاتة لأعرف أننا في فندق مجاور لما تهدم …الأمطار تتساقط بغزارة وكأن السماء تبكي لأننا تأخرنا عنها، أو أنها تغسل وجهها كي تستقبلنا بإشراقة ابتسامتها المرسومة على كل وجه، أوكانت تربيتة على أكتافنا أن اهدؤوا سيكون كل شيء أحلى وأروع؟! الطريق مابين الفندق ومقر فرع اتحاد الكتاب العرب ليس ببعيد، ولكنه كان كفيلاً لكي نتحدث مع الباعة والمارة ونقرأ سرّ صمود حلب، فأي عشق يتملك لبّ المواطن الحلبي لمدينته؟! وأي دفء يبثه هواء حلب مابين الضلوع؟! صعدنا الدرج ليستقبلنا رئيس فرع اتحاد الكتاب بحلب فرحاً بترميم هذه القاعات بعد أن طالتها يد الغدر من حرق ونهب وتدمير.. صفقنا غبطة لنجاح هذه الخطوة بكينا لأن هذه القاعة عادت لتضمّنا من جديد من أنحاء سورية كافة، بعدما تقطعت السبل بنا للوصول إلى من نحبهم..شكراً حلب لأنك أعدت للروح يقينها بأن هناك شعباً قاوم وصبر وانتصر، شكراً لكل تلك الثلة من الأدباء الذين أغنوا الفكر والعقل بما قدموه، والشكر الأكبر لمن بذلوا الدماء كي تبقى حلب قبلة القلب وأيقونة العشق ونور اليقين.. سنلتقي نعم وأكيد لنضع وردة على كل ركن ارتقى فيه شهيد، ونشعل شمعة أضاءها لنا ذات حرب حالكة السواد، فهنيئاً حلب لنا بعشقك وهنيئاً لك حلب بعشق أبنائك ..فلك تاجُ النصر الموشى بحبات القلوب”.

الدكتور صلاح الدين يونس (الحلبي المولد والهوى) رئيس فرع اتحاد الكتّاب في اللاذقية، يعود بنا إلى الأصول المعرفية واللغوية لكلمة المهرجان، ويتوقف عند مصطلح (حب الحياة)، فيقول:

“المهرجان كلمة فارسية انتظمت في أبنية العربية تحت شرط وضعه علماء اللغة في القرن الهجري الثاني “ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم” وتعني الكلمة:”حب الحياة”، وماكان لأحد أن يدرك أهمية الحياة كما أدركها العقل السوري منذ الألف الثامنة ق.م حين أسس للعقل البشري معرفة الزراعة وإنبات الأرض وتدجين الحيوان، وحين ابتدع الأحرف الأبجدية في أوغاريت في القرن الرابع عشر ق.م، وعلم البشرية الكتابة؛ ومن الزراعة صنع الإنسان الحضارة ومن الكتابة صنع الإنسان الثقافة”…ويتابع حديثه عن حب الحياة، بالقول: “وأما حب الحياة فهو مصطلح حلبيّ صرف، لأن الحب هو العمل، والعمل هو الحياة، فالإنسان الحلبي كما طوّع الحجر وصنع منه البناء الفريد، وربط بين الجميل والنافع، دافع عن حصونه الحضارية، وعن تاريخه على أرضه، ولم يقبل أن يُساء إلى تاريخيته، ولم يكن يوماً خارج العقل التاريخي…هذا وذاك…العمل والفكر والحضارة في حلب السورية، كان موضوع مهرجان الثقافة والحياة الذي أقامه المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب في سورية، وهو يعيد تأهيل المكتب الفرعي بحلب في ذكرى تحررها من الظلامية القروسطوية، فكان الشعر منبرا عاطفيا، وكان النثر منبرا عقليا،و كان الطرفان منبرا وطنيا تقدميا. شخصياً….استعدت السعادة في حلب التي ألفتها وأنا طفل وناشئ، وماتزال حلب المدينة الأم التي تمسك بيدي حين أمسك بدواء وقرطاس”.

وللأدباء ذكرياتٌ لايمكن محوها من ذاكرتهم عن حلب، فها هو الشاعر والكاتب المسرحي والناقد سمير عدنان المطرود، يتحدث عن أول لقاء له بحلب، قائلاً: “كانت السماء تضحك ملء عينيها مطرا من شوق؛ ونحن نقترب إلى لحظة العناق.. يا إلهي.. ما هذا الذي أشعر به؛ كلما اقتربت منها يتقافز في صدري، بين قضبان سجن الضلوع. ألف سؤال وألف صورة وألف شوق وألف ذاكرة ممتلئة كلها تمسك بي من تلابيب الروح؛ وهي تبحث عن جواز سفر لقلب أنهكه البعد عنها كل تلك المدة. كان السؤال الذي لم يبرح وجداني هو من أين تأتي كل البدايات؟! أحد عشر عاماً كانت بيننا منذ آخر يوم شربت فيه الضوء على جنباتها، وأنا أستودع ذاكرة لي في تاريخ حلب وتاريخ ذلك البارون.. نعم سأذهب هناك لأمسك بفنجان القهوة الأخير الذي رشفت من حنينه وأنا أنظر حولي في الوجوه.. من خلف زجاج مقهى القصر الذي دخلته أول مرة في يوم السادس عشر من شهر آيار عام 1989. لايمكن أن أنسى ذلك التاريخ. أنهيت عرض أول مسرحية لي كأكاديمي بعد تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية؛ في الدفعة الأولى من قسم النقد والأدب المسرحي، على خشبة الحمراء بدمشق، كان اسم هذا العرض (قف لا تقل الحقيقة في بغداد).. وحين الطباعة صار اسمه (الحقيقة يا بغداد)، كيف سأنسى ذلك العام وهو بداية عشقي لأحجار قلعة حلب، ولروائح الجنة التي كانت ترافقني من ثكنة هنانو إلى حديقة السبيل وأزقة المدينة القديمة وذلك النصب الذي يشمخ في الحديقة العامة، وكان يقول لي في كل مرة أنظر إليه، مرحبا بك في بلاط الحمداني.ما أجمل أن أعود بعد غياب.،كنت في كل لحظة نتقاسم الأشواق، هي تسرق مني لبّي.. نعم.. حلب تسرق لبّي.. وأنا أتسول فيها قصة حبّي.. كم تحدثنا إيماء وتلميحا وتصريحاً. كلكم يا من فتحتم بوابات القلوب لنا هناك؛ كي أعيد عبور الذاكرة: الكاتب المسرحي عبد الفتاح القلعه جي، ورفيقا المحبة والسلاح وضاح السواس وعبد القادر الحلبي، ومحمد أبو معتوق، عصام ترشحاني، د. نضال الصالح، ونذير جعفر.. وكلكم يا أهلي.. في اليوم الأول للحب ولدت الضحكة؛ وفي اليوم الأول للضحكة ولدت الحياة.. وفي اليوم الأول للحياة ولدت حلب”.

ومن الشعراء من يؤكدون أنهم مدينون لهذه المدينة في الأشياء الجميلة، ها هو الشاعر عباس حيروقة، يتحدث عن حلب ومشاركته على منابرها: “كم عليّ أن أشكر الشعر لأنه دائما يتيح لي الالتقاء بمن أحب من أبناء وطني العظيم، فكيف وهو يتيح لي اليوم زيارة مدينة قلت غير مرة، ومن على غير منبر، إني مدين لها في كل الأشياء الجميلة التي مرت وستمر في حياتي إنها حلب المنتصرة دائما حتى وهي في فترة سيطرة أبناء العتمة على الكثير من أحيائها كانت المنتصرة .فكانت تسخر من القتلة وهي تلقم نهدها الطافح بالضوء وبالنور لترضع أطفالها أبهى مفردات النصر والحب والسلام”. ويتابع: “حلب التي أتيتها اليوم مشاركاً في فعاليات (مهرجان الثقافة ..مهرجان الحياة) والذي دعا إليه – اتحادنا – اتحاد الكتاب العرب بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لانتصار حلب، وإعادة تأهيل فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب، وأيضاً مشاركاً في فعاليات مديرية الثقافة في حلب – المركز الثقافي في الصاخور, كما شرفني أن أكون ضيفاً على صالون الشاعرة أديل برشيني ونخبة من رموز الشعر والفكر من الأصدقاء والصديقات..سرّني جدا أنني وإخوتي الأدباء وقفنا ورددنا معاً نشيد النصر بحضرة من يليق بهم النصر من أبناء مدينة النصر مدينة حلب، أتينا لنؤكد لأهلنا هنا حقيقة، مفادها أننا اليوم مثلنا كمثل أبنائنا وأخوتنا في القوات المسلحة، خضنا وسنخوض معركة الحياة معركة الثقافة وسننتصر؛ لأن ليس سوى النصر أمامنا نحن أبناء سورية، سلالة قمح ونور وماء”.

أخيراً..

إن عودة النشاط الأدبي والثقافي من خلال فرع اتحاد الكتّاب العرب بحلب، بعد تأهيل مقرّه، يضيف إلى هذه المدينة بعداً ثقافياً وأدبيّاً، ويشكل إنجازاً آخر من إنجازات الانتصار الذي تمّ بدماء الجيش العربي السوري، وبسواعد أبطاله، فتحرير الأرض يرافقه تحرير للصوت والكلمة والحرف، على الرغم من أن أدباء حلب الشرفاء لم يتوقف عطاؤهم وإبداعهم في الحرب، إذ قاوموا بالروح وبالجسد، وحاربوا بالقلم الذي مافتئ يشير إلى النزعة التدميرية التكفيرية التي يمتلكها أعداء سورية، وقد تعرضوا لها أثناء الحرب على حلب من قِبل العصابات الإرهابية التي فتكت بالحجر والبشر، وقاوموا وصمدوا حتى تحريرها.

سفيربرس ـ بيانكا ماضيّة ـ الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *