إعلان
إعلان

إلى طهـــران أعــــود ـ بقلم : ليلى صـــعب

#سفيربرس

إعلان

للمرة الثانية أنا في المطار ،شتاءً كما في المرة الأولى ،اتدثر معطفي الكحلي ،انتظر مكبر الصوت ليعلن دخول ركاب طهران الى الصالة .
أفرد شالي الاصفر الجميل ،أحكمه على رأسي وأشعر أني أدخل الصومعة المقدسة وأناأنظر إلى صورتي المنعكسة على زجاج النافذة المقابلة ،في المرة السابقة تعرضت الى الكثير من الجدل حول ماهية وأهمية وضع الحجاب ،وقد قلت دائماً: أنني أحترم طقس هذه الدولة وعاداتها ، كما أحترم حرمة الاماكن المقدسة ورهبتها في كل الديانات ، وأظن أن أمنيات وتضرعات زوارها كافية لتضفي عليها هالة من نور ..اضافة الى إيمانهم بها ،اذاً الحجاب مسألة خاصة داخلية طالما انها غلالة لا تحجب الجمال ولاتغلق الفكر .
صعدنا الطائرة ،ولم نشعر بمرور الدقائق الخمس بعد المئة ،ومع هبوطها واقتراب الوصول ،كان أكثر ما يقلقني في هذه اللحظة هو فقدان الدهشة الأولى ،كنت أخشى الملل والتكرار وأنا المجبولة على الحركة والتغيير ،الملولة سريعا من كل روتين .
منظر طهران الاولي على كاميرا الطائرة لحظة الهبوط ساحر بحق ،قرص الشمس احمر قان معلق على الافق بخيط من زعفران ،وقد بدأ الضوء يخفت رويدا رويدا ..
ها انا اعود الى مدينة أحببتها فادخلها وقت الغروب ،واشهد عناقيدها ثريات من نور تتلألأ على صدر المساء.
سبقتني دهشتي ..واشتد بي الشوق.
غادرنا الطائرة كل منا يمسك جواز سفره ،اجراءات لم تستغرق أكثر من دقائق ،تأشيرة الكترونية أسوة بأرقى مطارات العالم بدات مع مطلع العام الجديد ،هي جزء من منظومة ادارية حديثة تسير الجمهورية نحوها رغم كل التحديات .
في المسافة بين المطار وقلب المدينة حيث يقع الفندق الفخم ، اتخيل نفسي على طريق الحرير،طريق القوافل التجارية القديمة ،أستعيد كل الصفحات والكتب التي قرأت عن العمارة الفارسية الفخمة وقصورها الباذخة ،وأوابدها الشامخة، إلا أنني أجد واجهات المباني عادية قليلة الزخارف نادرة الشرفات بسيطة النوافذ والتصاميم ، تتخللها أبنية شاهقة وعمارات حكومية واقتصادية ، وهذا أمر عادي بالنسبة لمدينة ظهرت الى الضوء اواخر القرن الثامن عشر ، عندما بدأت بالتنامي بعد أن كانت احدى ضواحي مدينة الري الموجودة في جنوبها حاليا ، والمذكورة في كتب التاريخ ، والتي يقال ان زرادشت خرج منها، وغيره كثر من العلماء المسلمين ممن لقبوا بال(الرازي )مثل “أبي بكر الرازي كما “.ينسب اليها”هارون الرشيد”و”الغزالي”وقد نقل اليها القاجار “آغا محمد خان “العاصمة من شيراز عام (1797).
ترتفع طهران عن سطح البحر (1200)متر وتمتد مساحتها على (1500) كم تشرب من مياه ثلوج جبال البرز المشرفة عليها،تقسم الى قسمين جنوبي شعبي ،وشمالي يسكنه الأثرياء في منازل فسيحة وجميلة كما سنشاهد عندما سنزور معلماً هاماً فيه لاحقاً.
مدينة أنيقة نظيفة ،قلما يشوبها التلوث البصري ،يفوق عدد سكانها ال(10)ملايين نسمة . تزخر بمعالم عمارة هندسية حديثة تعطيها طابعاً غربيا ، عبر شواهق مثل “برج ميلاد” “وجسر الطبيعة “اللذان يستقطبان السياح من كل انحاء العالم ، ويفاخر الايرانيون الذين يرشدونك في ارجائها الواسعة بان المصممين هم من الايرانيين مثل “ليلى اراغيان” مصممة اجمل جسور ايران ،حالة من الاعتزاز بالإرث التاريخي ،كما بالمنجز الحضاري الحديث تلحظها لديهم وتبعث على الاعجاب .
وصلنا الفندق بعد ان أخذ منا التعب كل مأخذ ، تناولنا العشاء ، وتوزعنا على الغرف الانيقة ، بعد أن بدانا التعرف الى مرافقَينا “ميثم “و”ابو جاسم” الشابين الذين ستكون لهما حكاية ولن يكونا مجرد مرافق ومترجم ابدا ..
ندخل بوابة النوم ونحن نتطلع الى صباح يحمل أحداثاً ومشاهدات ستبقى في ذاكرة أيامنا طويلا ، وستضيف الى رؤانا الفكرية المزيد ،وربما سيصحح بعضنا من الصور المزيفة التي دأبت أمريكا على ترويجها وغرسها في أذهاننا عبر وسائل الاعلام منذ انتصار الثورة الاسلامية .
يومنا الاول انتهى ،رحلتنا بدأت ..وأعدكم انها لن تكون كباقي الرحلات ..

#سفيربرس ـ ليلى صعب

سفيربرس ـ ليلى صعب
إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *