إعلان
إعلان

كتب سامر محمد إسماعيل…”أدرينالين” لـ زهير قنوع..عرض يفتتح مسرح العصابات السورية..

#سفيربرس

إعلان

حزم الفنان زهير قنوع أمره بتحويل سيناريو فيلمه “أدرينالين” إلى عرض مسرحي، وذلك بعد رفض الرقابة للنص الذي وجد فيه مخرج مسلسل “أبو جانتي” فرصة لإنقاذ روائيّه الطويل من عتمة الأدراج وشِحّ المنتجين، متوجّهاً إلى خشبة مسرح الحمراء.

المكان الذي شهد منذ أيام افتتاح عرض بدا في مناخه مغاير شكلياً عن السائد في تجارب المسرح القومي، مصدّراً فرجة متداخلة بين الخشبة والشاشة، منجزاً قصة العرض الذي كتبه بالتعاون مع يارا جروج عن عصابة تقوم باختطاف رجل وامرأة، ومن ثم إجبارهما تحت تهديد السلاح على الظهور في بثٍّ مباشر على موقع “الفيس بوك”، وذلك للاعتراف بما قاما به من خطايا وذنوب في حياتهما، حيث نكتشف رويداً رويداً ماضي كل من “نوح- سليمان رزق” مكنسيان السيارات الذي سرق أموال جدته وتسبب في موتها، وقام بغشِّ زبائنه مما أدى إلى وقوع حوادث سير أودت بحياة بعضهم.

سفيربرس ـ “أدرينالين” لـ زهير قنوع

بينما تعترف “ليديا- سيرينا محمد” الممثلة العاطلة عن العمل بأنها قامت بالإجهاض ثلاث مرات، وخانت زوجها “سامر سفاف” أحد رجال العصابة المقنّعين المشرفين على تعذيبها، والتي لا تعرف بوجوده بينهم، إذ نرى ردود أفعال هذا الأخير فاترة إزاء اعترافات زوجته على الهواء مباشرةً، دون مبرر وجود الزوج بالمصادفة بين أفراد عصابة خطفت شريكة حياته على مرأى من عينيه! .

تتداعى هذه الاعترافات والعلاقات المشوّشة مع ما يشبه أجواء تحقيق أدارها “زعيم العصابة- إسماعيل ديركي” وكأنه حكم وسط حلبة ملاكمة، أو مقدِّماً لبرامج تلفزيون الواقع؛ جنباً إلى جنب مع ظهورات الممثلة ديمة قندلفت على شاشة يمين الخشبة، والتي سنكتشف بأنها العقل المدبّر لعمليات الخطف التي تقوم بها العصابة المجهولة لأشخاص تضعهم في مباراة دموية لحصد “اللايكات” من متابعي البث المباشر كلما اعترفوا بخطاياهم الصغيرة منها قبل الكبيرة، للخلاص في نهاية المطاف إلى قتل من يفشل في الحصول على أخفض نسب إعجاب من المتابعين، لتكون المرأة المُختَطفة هي الحلقة الأضعف في هذه اللعبة الجهنمية، حيث يُجبر أفراد العصابة “نوح” على إطلاق النار على “ليديا” بمسدس حربي، مُردياً إياها قتيلةً على أرضية الخشبة، مقابل حصول هؤلاء على أموال طائلة مع كل نجاح يحققونه في جلسات التعذيب والجنس المنقولة على تطبيق البث المباشر لفايس بوك.

“أدرينالين” الذي تخلل في فقراته نِمرة جاءت بعنوان “مهام خاصة” أُجبر فيها كل من الشاب والشابة على تقديم وصلة “بورنو” على الهواء مباشرةً على أنغام أغنية “يا له من عالمٍ رائع” لمغني الجاز الأمريكي لويس أرمسترونغ- (1901- 1971) في مقاربة دمجت بين الجنس والإثارة، ليمضي هذا (العرض- البرنامج) في الخلط بين الجرأة الفنية والجرأة الاجتماعية، غير مفرّقٍ بين ما هو فني وما هو واقعي مباشر، وليكون التشويق هو الهاجس الأبرز لهذه التجربة التي نجحت في خلق أجواء مختلفة على صعيد السينوغرافيا “صممها أدهم سفر” مستخدماً صورة ثابتة في عمق الخشبة للقِردة الثلاثة “لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم” مع تنويعات متفاوتة في السطوع والظلال للإضاءة، واستخدام الكاميرات ذات الدقة العالية في تجسيد النقل الحي المباشر للحدث المسرحي.

بينما بقيت موسيقى سيمون مريش على آلة الدرامز الكهربائي في مونوتون رتيب لإيقاعات متكررة طوال فترة العرض، محاولاً هو الآخر خلق مناخ متوتر ومشحون، بموازاة التوجه العام لأداء الممثلين، والذي جاء بدوره متفقاً مع الفهم الإخراجي المباشر لشكل مسرح العنف والقسوة، حيث ينهال أفراد العصابة بالضرب والشتائم على المُختَطفين بمناسبة ومن غيرها، دون مراعاة لكيفية دلالات الجسد وسيميائه، وجماليات الحركة على المسرح، وبلا اعتناء كافٍ بتنظيم هذه الحركة وتوظيفها درامياً، لتظل مجرد عراك واقعي مع الضحايا، ورغبة في رفع نسبة “الأدرينالين” عند جمهور “متعطش للعنف” محققين أكبر قدر ممكن من التفنن في تحطيم الضحايا وضعضعتها، وشيطنة المجرمين وتشويههم، دون التفكير في الدفاع عن الشخصيات، أو حمايتها من الانجرار نحو تجسيد العنف لذاته.

فالمهم كان هنا هو زيادة جرعات “الأكشن” وجعل القصة تبدو كما لو أنها تحدث داخل حلبة مصارعة حرة. التشويش في المضمون الفانتازي، والقصة الخيالية لـ “أدرينالين” تضافرا في تحييد تجربة كان يمكن لها أن تبدو أكثر نضوجاً وهجاءً لعالم الجرائم الإلكترونية، لولا أن المخرج ومؤلفة العرض انساقا نحو حذافير أفلام العصابات، محاكيين بذلك نمطاً غرائبياً من مقاربة الشرط الفني لسينما التشويق وإقحامه ضمن مسرح القسوة. طبعاً ليس من باب تجاور الفنون، بل عبر الاستعراض لعضلات الممثلين بأزيائهم وأقنعتهم السوداء، وإتقانهم السادي في كيل اللكمات واللطمات والسُباب مراراً وتكراراً، وتنفيذ التمارين السويدية والتحمية قبل الذهاب من جديد إلى جلسات التعذيب الحيّة، بينما ترزح الضحية معصوبة العينين، وموثوقة الأيدي بجنازير حديدية. إنها مشلولة تماماً أمام نزوات ثلة من مهووسي الجنس ومدمني المخدرات. أنماط لشخصيات جاهزة ومُستهلكة في سينما الجريمة والرعب، إلا أنها بقيت على الخشبة نيئة وغير واقعية، فالحدث المسرحي الذي يجري الآن وهنا، غاب عنه الصراع الأفقي بين الشخصيات، ليتحول إلى تنفيذ أوامر الجلاد، مع بعض الإذعان الذي كان يُقابل بالرفس ووضع المسدس في الصدغ من قِبل رجال العصابة، ما كان كافياً لإخماد أي تصعيد درامي مرتقب إلا على مستوى المبالغة في التنكيل بالضحية، وجعلها خرقة بشرية راضخة لكل اقتراحات هذه العصابة الكاريكاتورية، فماذا بإمكان شخصيات مسلوبة الحركة والإرادة أن تفعل سوى الامتثال لرغبات القتلة؟ .

هذا الفخ كان كافياً لجعل الحوارات تبدو إخبارية الطابع، ناهيك عن التحدث طويلاً إلى الجمهور على أنه حديث مع كاميرات البث المباشر، مع مفصلة بنية العرض بأسره إلى فقرات برامجية لاهبة، وعبر وعود رئيس العصابة للجمهور بأنه سيكون مع فقرات قادمة أكثر سخونةً ودموية، وأكثر استدراجاً وتخليقاً للعنف مع كل جولة جديدة. وهذا ما كان يحتاج إلى معالجة فنية ونصية، لم تحلُّها إطلالة “رئيسة العصابة” ديمة قندلفت عبر إسقاط ضوئي بين حفلات التعذيب، ولا القرار المفاجئ وغير المبرر لزوج المرأة المُختطفة بتهريبها بعد أن سمع اعترافاتها بخيانته، أو إقامة علاقات غرامية قبله للظفر بفرصة عمل في مسلسلات التلفزيون. لقد كان من الممكن تطوير هذا الخط درامياً على الرغم من عدم منطقيته، لكن نزوع مخرج “أدرينالين” ومؤلفته إلى عنصر التهييج البرامجي أضاع هذه الفرصة لإنضاج النص والعرض على حدٍ سواء.

حتى لحظة قتل الرجل للمرأة بعد فوزه في تجميع عدد “لايكات” أكثر منها، ظلت لحظة عادية ومستعجلة دون إتاحة فرصة لمواجهة فعلية بين الضحية والضحية التي تتنتصر لتصبح قاتلاً، وليأتي انضمام الشاب إلى أفراد العصابة بعد تصفيته للمرأة المُختَطفة غير مفهوم هو الآخر؛ ومناقضاً بذلك لكاركتر الرجل البسيط المغلوب على أمره، والذي كان يحلم بالسفر خارج البلد، ولمّ الشمل مع زوجته وابنه الوحيد في أوروبا.

ما زاد الطين بِلة أن شخصية “المُستخدم المحني الظهر- سمير الشماط” قام هو الآخر بالإعلان عن نفسه على أنه هو الزعيم الفعلي للعصابة الغريبة الأطوار، في لفتة تذكر بنهايات أفلام السينما العربية، ما يؤكد على أن “أدرينالين” الذي أنتجته (مديرية المسارح والموسيقى) ظل حتى اللحظات الأخيرة منه مخلصاً لتوليد المفارقات على حساب القراءة الهادئة لظاهرة العنف في العالم الافتراضي، ومحاولة ملامستها خارج جوهرها العبثي، فالعنف هنا كان مرآة لنفسه، دون البحث في العالم الداخلي للشخصيات، ومحاولة نبشها وتعريتها، لا تقديمها كما هي كقتلة مستترين خلف حجاب الشاشة.

فالجرائم الإلكترونية التي نوّه المخرج قنوع إليها في كلمته على بروشور العرض، ليست جرائم جنائية من سلب وخطف وقتل حيّ ومباشر، بل هي نوع من التورية الجماعية على العنف والتحريض الديني والعرقي، والتزوير وسرقة حقوق المؤلفين، وقرصنة حسابات بنكية عبر الكوكب، وهي نوع جديد من الابتزاز الممنهج والمدروس عبر عالم الصوت والصورة، لكن ما حدث في العرض هو جرائم تقليدية تُنقل على الهواء مباشرةً، ليس أكثر ولا أقل! .

#سفيربرس ـ بقلم :سامر محمد إسماعيل

سفيربرس ـ “أدرينالين” لـ زهير قنوع ـ تحقيق سامر محمد اسماعيل
إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *