إعلان
إعلان

هل تستطيع الهند أن تصبح صين جديدة؟.. بقلم: فراس علي

#سفيربرس

إعلان

تراقب الولايات المتحدة النفوذ المتزايد للصين والصعود السريع لجارتها الهند، ولحسن الحظ بالنسبة للولايات المتحدة، ظهرت الهند لتنافس الصين، فهل هذه إرادة حقيقية أم أنها أمنيات أمريكية بحتة؟

بينما كان يرى العالم الهند والصين على أنهما الدولتان اللتان تشكلان عبئاً على هذا الكوكب لأنهما موطن لأكبر تجمع بشري، فإن العالم نفسه الآن يلقي بيضه في سلتهما وأصبحا أهم اقتصادين صاعدين ويتنافسان على احتضان أغلب الشركات، وتحتكران غالبية القوى العاملة. لكن لأن رأس القمة ضيق لا يستوعب الكثيرين، فلا لهذه القمة أن تجمع بين عملاقين جديدين، إما الصين أو الهند والبقاء للأقوى، وسأتحدث عن الأقوى هنا في مقارنة بين العملاقين الصاعدين.

جغرافياً وديموغرافياً، تبلغ مساحة الهند 3.28 مليون كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة الصين 9.6 مليون كيلومتر مربع، أي ثلاثة أضعاف مساحة الهند. من حيث عدد السكان، يبلغ عدد سكان الهند مليار و326 مليون نسمة والصين أكثر قليلاً ويبلغ عدد سكانها مليار و390 مليون نسمة. من حيث الانتماء العرقي والديني لهذه المجموعة السكانية، يوجد في الهند مجموعات عرقية كبيرة تتراوح من الهندوسية الآرية إلى الدرافيدية، وهي أيضاً موطن للهندوسية والإسلام والسيخ والمسيحية أما الصين فأغلبية سكانها من عرقية الهان والديانات الغالبة هي المسيحية والبوذية والأقلية المسلمة بالإضافة إلى الإلحاد الذي تؤمن به الدولة وترعاه ويعتنقه أغلب السكان. بينما تتجاوز الهند الصين بنسبة تصل إلى 83٪ من السكان تحت سن 55 عاماً، فإن هذا المعدل لا يتجاوز 75٪ في الصين. أما بالنسبة للنمو السكاني في الهند فهو يبلغ حوالي 1.1٪ وفي الصين لا تتعدى 0.3٪. أما بالنسبة لمتوسط ​​العمر فتسيطر الصين حيث يبلغ متوسط ​​العمر المتوقع 76 عاماً والهند 70 عاماً. تصل نسبة الأمية بين السكان في الصين 4٪، بينما في الهند تتعدى 25٪. فيما يتعلق بالصحة، بينما يوجد في الصين 4 أسرّة لكل 1000 مواطن، يوجد في الهند سرير واحد لكل 1500 شخص.

وأنتقل إلى المقارنة بين العملاقين من الناحية الاقتصادية، بدءاً من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 2.6 تريليون دولار في الهند، يصل حجم الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى 13.1 تريليون دولار وبنسبة نمو تصل إلى 6.7٪. في الهند، وهي قريبة من معدل نمو الصين البالغ 6.9٪. وفقاً للميزانية، تمتلك الصين 2.55 تريليون دولار من العائدات و3 تريليونات دولار في الإنفاق، بينما الهند لديها 238 مليار دولار من العائدات و329 مليار دولار في الإنفاق. يبلغ عدد السكان في القوة العاملة في الصين حوالي 807 مليون عامل وفي الهند 522 مليون عامل، بينما يبلغ معدل البطالة في الهند 8.5٪ يصل هذا المعدل إلى 3.9٪ في الصين. وبالنسبة لمعدل الفقر ففي الهند 68% من السكان تحصل على أقل من 2 دولار في اليوم، بينما تصل هذه النسبة في الصين إلى 3.3% فقط (2 دولار في اليوم هو خط الفقر). من حيث الدين العام في البلدين، يمثل الدين العام للهند 71٪ من الميزانية العامة، بينما يمثل الدين العام للصين 47٪ فقط. من حيث الصادرات، تصدّر الهند حوالي 304 مليار دولار سنوياً بينما تزيد الصين عن 2.5 تريليون دولار وتستورد الهند 452 مليار دولار وتستورد الصين 2.14 تريليون دولار. يتجاوز متوسط ​​دخل الفرد 10 آلاف دولار سنوياً في الصين، بينما يصل إلى 1800 دولار سنوياً في الهند. أما بالنسبة لاحتياطيات النقد الأجنبي، فتبلغ احتياطيات الصين 3.2 تريليون دولار والهند 410 مليار دولار.

لنقارن الآن القدرات العسكرية للبلدين: تخصص الصين ميزانية عسكرية قدرها 237 مليار دولار ولديها 2.183 مليون جندي، و3210 طائرات مقاتلة، و3500 دبابة، و33 ألف عربة مدرعة، و3800 مدفع، و777 عدد قطع الأسطول البحري منها 2 حاملة طائرات و74 غواصة. تخصص الهند 61 مليار دولار لميزانيتها الدفاعية ولديها أسطول بحري مكون من 285 قطعة منها حاملة طائرات واحدة و16 غواصة، و1.444 مليون جندي و2123 طائرة مقاتلة، بالإضافة إلى 4292 دبابة و8686 عربة مسلحة و235 مدفع. ولا ينبغي نسيان الترسانة النووية التي يمتلكها البلدان.

بفضل هذه المقارنة بين البلدين، يمكننا ببساطة القول إن التنين الصيني يبتلع الفيل الهندي. على الرغم من التقارب في بعض النواحي، يحتل الاقتصاد الصيني المرتبة الثانية في العالم، ويحتل اقتصاد الهند المرتبة الخامسة. والصين هي ثالث قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة وروسيا، بينما تحتل الهند المرتبة الرابعة خلف الصين مباشرةً.

في عام 2021، ظهرت دراسة أجرتها مؤسسة Observer Research Foundation قائلة إن الهند هي صين جديدة وتلاحق بكين لغزو القارة الأفريقية، وتبدو فرصة الهند كبيرة بحسب التقرير حيث أن هناك كثير من السكان من أصول هندية إضافةً إلى العدد الكبير للهنود المقيمين في القارة الافريقية، والهند هي أقرب جغرافياً إلى القارة السمراء، لكن السؤال لماذا تلاحق الهند الصين نحو القارة الأفريقية؟ ببساطة، يُنظر إلى إفريقيا على أنها مستقبل الاستثمار بالإضافة إلى الكنوز الباطنية التي لم يتم اكتشافها بعد، والهند تنظر إلى الغد أي إلى المستقبل

من ناحية أخرى، أفاد تقرير نشرته صحيفة Les Echos الفرنسية، أن سياسة الهند الجديدة هزت عرش الصين فهي تقوم بجذب الشركات الكبرى إلى أراضيها من خلال تسهيل إجراءات الاستثمار وتسهيل العمل والتملك، وكذلك إنشاء شبكات النقل البري والبحري والجوي المكافئ للصين، كما زادت عدد ساعات العمل من 8 ساعات إلى 12 ساعة في بعض الولايات وهو ما يغري الشركات والمصانع الكبرى التي تهتم فقط بالإنتاج والربح. والشيء الأكثر أهمية، قد تكون الهند البديل الأكثر قابلية بالنسبة للدول الصناعية للاستثمار فيها بدلاً من الصين حيث تُعتبر بكين وحشاً يخيف الغرب وحلفائه وتنين يطمح بأكثر من مكاسب اقتصادية وإنما هيمنة على العالم، وهذا هو السبب في أننا سنجد بعض الدول مثل اليابان، على سبيل المثال، تدفع حوالي 2.2 مليار دولار في عام 2020 لتسهيل نقل مصانع شركاتها من الصين إلى الهند. وأزمة كورونا التي نشأت في الصين أضرت بسمعة البلاد كثيراً، مما دفع العديد من الشركات إلى إعادة النظر في توطين مصانعها داخل الصين. علاوة على ذلك، الصين التي منعت الزيادة في معدل المواليد لسنوات الآن إنها تعاني من نقص في اليد العاملة والتي ليس لها بديل في العالم إلا في الهند التي تقترب من الصدارة في عدد السكان مما يعني أن عرش الصين مهدد من قبل الهند المجاورة. إضافة إلى ذلك، الأزمة السياسية للصين فهي محاصرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لدرجة أن الصين لا تستطيع استعادة جزيرة تايوان التي تدعي أنها تنتمي إليها، فهي تخشى استفزاز العالم حتى لا تدق مسماراً في نعش اقتصادها. من وجهة نظر أخرى، لا يزال الوقت مبكراً لصعود الهند، فالهند في حرب مزمنة مع جارتها باكستان المدعومة من الصين، هذه حرب بين قوتين نوويتين يمكن أن تعيد كلا البلدين إلى الوراء عشرات السنوات إذا اندلعت، هناك أيضاً أقليات في الهند تحاول الانفصال ولديها رغبة أقوى من تلك التي لدى الأقليات الصينية، والولايات المتحدة نفسها غير قادرة على إثارة غضب الصين كثيراً وسحب البساط من تحت أقدامها فموسكو حليفة بكين تشن حرباً ضد الغرب، ودخول الصين على خط هذه الحرب بكل قوتها ليس في مصلحة الغرب.

هناك منافسة بين الصين والهند، لكن بكين تحاول بكل الطرق إحباط الهند التي لديها آمال كبيرة في أن الانهيار الداخلي للصين سيهز اقتصادها وقوتها حتى يكون لدى الهند فرصة لمهاجمة إرث الصين. إنه أمرٌ لا يستبعده أحد فمعظم الإمبراطوريات الكبرى تجلس على صفيح ساخن ولطالما احتوت على عناصر انهيارها، إنها أمنية الهند الدائمة. المستفيد الوحيد من هذا الصراع هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تبرع بتأجيج نيران الصراع وتغذيتها بكل ما استطاعت من قوة ودهاء، ومن مصلحتها استمرار الصراع وعدم انتهائه بانتصار أحد منهما.

#سفيربرس _ بقلم: فراس علي

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *