لعنة البدايات والنهايات: بقلم دلال ابراهيم
#سفير برس
دوماً يجرنا الجوع إلى المطبخ صاغرين مسلوبي الإرادة وتستبد بنا فكرة ما نوع الطعام الذي نحبه كي نطهيه؟ بينما بعضك الآخر يُذكرك بالمتوفر ويقنعك أنه لذيذ وكاف ولا مانع من بعض البهرجة إلى جانبه كنوع من الاكسسوارات. خطر في بالي طبق العجة, ومكوناتها في متناول يدي, على حد علمي. حسناَ..وجدت حبة بطاطا وحيدة في سلة الخضار, فقد اعتدنا بحكم التغيير الذي طرأ على أنماط معيشتنا عدم استجرار كميات كبيرة من الخضار وتخزينها, فقط نكتفي بحاجتنا. تركتها على لوح التقطيع تؤدي رقصتها الأخيرة وشرعت في رحلة البحث عن حبة بصل, أي كانت, لما خذلتني سلة خضاري ولم أجد فيها ضالتي. تذكرت أني احتفظت بنصف بصلة كنت قد لففتها في كيس بلاستيكي لاستخدامها عند الحاجة, ودائماً ما يحدث أن تأتي الحاجة فهي لا تبارح ديارنا. وجدتها أخيراً في مكان وكأنها كانت تحاول أن تختبأ عني أو ربما تهرب مني, لا سبيل لك سينتهي بك الأمر في طبقي. تذكرت حديث طبيب أمراض نسائية, عندما تحدث عن عمليات الاجهاض, حديث لا يغيب عن بالي ودائماً يطفو إلى ذاكرتي. مما قاله أنهم في عمليات الاجهاض دائماً ما يهرب الجنين وهو بالكاد يبلغ ( المضغة ) في تكوينه الحنيني, من مبضع الجراح في محاولته التشبث بالحياة. وأعود, لكن نقلني تفكيري وبشكل تعسفي إلى تذكر أطباقنا الشهية التي كنا ننتقي مكوناتها بعناية فائقة ومن أجود وأفخرالأنواع. ولو اضطرنا الأمر أن نوصي عليها من خارج جغرافية بلدنا. يزداد جوعي وتفكيري في الأكل, انتقل إلى ذكريات ” مقلي الفخار ” الذي كانت تحرص جدتي على طهي الطعام به وعلى موقد الحطب, وتهف رائحة طعامها وتعبق بالمكان وكأن القدر للتو على الموقد في رحلة النضج. يصعد الدم إلى رأسي وتتملكني الكآبة والنقمة والحقد العارم على المآل الذي أصبحت عليه أوضاعنا الحالية. جلست أحدق في طبقي قليلاً بعد أن فقدت شهيتي له. تذكرت ما قرأته حول ذلك, وكيف أن الشخص الذي يطهو لا يستمتع بكامل مذاق الطعام, والتفسير العلمي لذلك – كما يزعمون- لأنه بقي معه لمدة طويلة يتشمم رائحته!!! فيطرأ سؤال آخر من وحي التجربة. ترى هل يفقد الرجل حبه للمرأة التي طالما عبر لها بصدق ووعي عنه؟ وهل يفقد شغفه بها كالطاهي؟ وهل مبدأ الاستهلاك ينطبق على العلاقات أيضاً؟ أسئلة كثيراً ما نتناولها في جلساتنا وتأخذ حيزاً واسعاً من أحاديثنا. ونتسائل لماذا البداية في عالم المشاعر لا تشبه النهاية؟ أنا في قناعتي أن لا بداية ولا نهاية في عالم المشاعر, الزمن هو الزمن. بداية الشعور وخاتمته فينا. وإنما الأمر يتعلق في كيفية ادارتنا لمشاعرنا. والذي يحدث هو أن الغالبية منا تفتقد القدرة على ضبط انفعالاتها بمستويات هادئة وثابتة, فيدفعون الثمن لاحقاً, فبعد كل فوران يعقبه شعور طبيعي بالخيبة, يهيجون بقوة عالية في بداية اتصالهم بالآخر, ثم ينصدمون من خفوت هذا الوهج بالتدريج. ولو أردتم رأي: أنا بطبعي أنفر من المتعة الصاخبة, وأميل إلى الفرح الهاديء, اسيطر عليه في بدايته, اخفض صخبه وأقحم جواره شعوراً آخراً يوازيه, ثم ادعه يتسرب بشكل مرتب, اقتصاد شعوري دائم ومتجدد. وبذلك انجو من لعنة البداية والنهاية. ويغدو الزمن لدي موجة واحدة تفيض بشكل موحد في اليوم الألف بما يشبه اليوم الأول وربما أكثر. لذلك لا تخدعني البدايات بكل بريقها ولمعانهاَ واشعاعها. بل ادع الزمن يمضي لكي اصدر حكماً دقيقاً متحرراً من تأثيرات اللحظة. أنا لا أفهم ما هي البداية وما هي النهاية وما الحدود الفاصلة بينهما. لا أفهم لماذا يكون احساس الانسان قوياً بالآخر ويالشيء, ثم يخفت بفعل الزمن كما يغتقدون. لماذا يشعر المرء اليوم بغليان داخي تجاه هذه المرأة بحياته, ثم بعد فترة يتجمد انفعاله هذا. هل تتغير الأشياء والأشخاص ويتحولون لمخلوقات مختلفة عما كانت عليه؟ أم أن الخلل يحدث فينا, نحن الذين نتبلد ونفقد قدرتنا على الاحساس النشط بروابطنا مع الآخرين, وتخفت قدرتنا الداخلية على الاحساس الحار بالحياة. ونعجز عن أن نكون كالماء حين يأخذ شكل الإناء الذي يوضع به..
#سفير برس – دلال ابراهيم