إعلان
إعلان

“كأنّكَ لستَ أنت ” شعر الصوفية والبيئة الجميلة._ بقلم : منذر يحيى عيسى

#سفيربرس

إعلان

-سؤال البداية: هل من علاقة بين المبدع وما يكتب؟ وهل نحن ما نكتب؟!
نلاحظ أن الشاعر “علي محمد إبراهيم” وهو من منبت كريم تربّى على الأخلاق والفضيلة وفق معايير الدين الحنيف، فهو يمتلك قيماً إنسانية منفتحة مسارهُ يوائم منظومة الأخلاق التي تُرفع رايتها في بيئته عبر العصور، وهو بشعره وسلوكه يكرّس هذه المنظومة التي تعود خيراً لمحيطة ولوطنه.
يحمل الإجازة في اللّغة العربيَّة وآدابها، ويعمل في حقل التربية، الحقل الأرحب لممارسة ما يؤمن به، والتربة الصالحة لغرس هذه القيم في الأجيال الشابَّة.
عضو اتحاد الكتاب العرب – جمعية الشعر
وقد صدر له
1-رمال وذكريات/ شعر
2-أنثى لظلّي/ شعر
3-أباطيل الكلام/ شعر
4-عين بازان/ قصص قصيرة
5-المقبرة / قصص قصيرة
آخر إصداراته مجموعة شعرية بعنون //كأنّكَ لست أنت// عام 2022م عن مطبعة المنار، وقد جاءت في 110 صفحات من القطع المتوسط.
تضمّنت /35/ قصيدة من الشّعر العمودي وشعر التفعيلة غلب عليها الطّابع الوطني والوجداني والإنساني، مؤكّداً بشكل صادق على الانتماء للوطن، وللبيئة وللمبادئ برهافة المشاعر والأحاسيس ومبرزاً عمق الخطّ الصّوفي الذي يسير عليه، والبعد الإيماني والفلسفي.
للدخول إلى المجموعة بدايةً:
1-الغلاف والعنوان:
حمل الغلاف لوحة فنيّة تشكيلية لم أرَ أنها تتناسب مع موضوعات المجموعة فاللوحة تبدي رجل وامرأة يسيران في شارع تحت مظلّة تقيهما المطر، في حين أن موضوعات المجموعة تتناول بيئة الريف وقرية الشاعر وقضايا إنسانية مختلفة وربما أقول :ربما ليس للشاعر رأيٌ في اختيار اللوحة وإنما ترك للمطبعة حرية الاختيار. ولا تشكل هذه القضية إضعافاً للمضمون أو إساءةً للمحتوى.
جاء العنوان
//كأنّك لست أنت// طارحاً تساؤلاً فلسفياً وخطاباً موجّهاً جاء على شكل قصيدة بعنوان
/توبة/ صفحة 54 خطابٌ كأني أرى أنه موجهٌ للشخص الآخر بداخل الشاعر أو ظلهّ حيث تجنب أن يخاطب ذاته مباشرةً يقول:
“لماذا
لا تتوب..؟
وتغلقُ جدارَ خوفكَ مرتين
وتركب الهروب
لا أريدك أن تتوبَ
وصفحةُ عمرك
مشكاةٌ لجرحى
لماذا لا تتوب
وتشعل المجمرة!
كأنكَ لستَ أنتَ
أهرب من ظلّك لظلّي
أختبأ خلف الأصابع
وأتبع خطوة الفجر
جرد سيفك من عشقهِ
كي تفيقَ زنابقُ جبّي
من شاطئ الوجود
إلى الوجود”.
حوارٌ وأسئلة فلسفيةٌ هي مدارُ هذه القصيدة
ثانياً:
في مواضيع المجموعة:
نوّع الشّاعر موضوعات قصائده مؤكداً على رؤية شاملة وارتباط مع التراب والبيئة والنشأة الأولى والوفاء لها، والتمسك بالوطن وتراثه ورموزه المناضلة ومعاناة الوطن والشعب بعد الحرب الظالمة عليه في قصيدة
/غناء القوافي/ يقول:
“رحلَ العمرُ فيا وجدي وشوقي
وشتاء الصيف حرّ غير دافي
يا خريفاً جاء عدوانا وغدرا
فرّق الأغراب أهلي في المنافي”.
ويتابع في نفس القصيدة مذكراً برموز نضاليه قارعت قوة الاحتلال وتصدت له، ومآثر قائد الوطن كما يتناول موضوعات إنسانية وجمالية كما في قصيدة
/حلم/ صفحة /11/ يقول:
“هتف الفجر .. رقص الغصن
فاضت الأنغامُ تغني .. نغماتي
عاشقٌ لصباحات مضت
وشموسٍ أبرقت .. فيها صفاتي “.
كما يشير إلى الخمرة وهي رمز صوفي يرمز إلى المعرفة عند الصوفيين، كما يشير إلى المعرفة في قصائده /شراب/ صفحة /13/، وقصيدة
/بوح/ صفحة /31/، كذلك في قصيدة /صرخة الحب/ صفحة /36/ وفيها يقول:
“سيعود الحرف وجهاً أقمرا
ستعود الشمسُ تشرق من خطابي
ما أنا إلاّ جرارٌ عُتّقت
وخمور الحب أسقيها رضابي”.
مازحاً بين الحنين إلى أيام الصفاء والحب التي خلت وتلك الخمرة التي تشرق في النفوس صفاءً ونقاءً ومعرفة.
ومن مواضيعه الشعرية القضايا القومية ومعاناة المواطن العربي، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني حيث يتناول مجزرة
/قانا/ ورمزيتها ومعجزة المسيح، دون أن ينسى الإشارة إلى تخاذل الحكام العرب وترك الشعب الفلسطيني لمصيره ومأساته، مشيراً إلى حتمية قيامة هذا الشعب وانتصاره مهما طال الوقت، واشتدت حلكة الأيام، في قصيدته /قانا/ صفحة /16/ يقول في بدايتها:
“قانا.. طفلة في العاشرة
صوتها.. لهفة أم..
منديلها .. فرح الطفولة في الجنوب
قلبها فراشة محاصرة
كان شكلها غارقاً..
كالليل في المآقي”.
ويختم القصيدة:
“قانا.. طفلة في العاشرة
جرح دم نازفٍ في الخاصرة
قانا.. حلم الحياة.. إلى الحياة
وتارات شعب من الممات إلى الممات
وميلاد المجد .. وانتصار الذاكرة “.
وقد أشرنا إلى انشغاله بالهم الوطني ومعاناة الوطن وما أصاب هذا البلد من عسف الحرب وقساوتها ففي قصيدة
/رسالة إلى سورية/ صفحة 47، يستعيد ماضيها الجميل والأمن والأمان فيها ورغد العيش، وما آلت إليه الأمور الآن يقول:
” كنتِ جدولاً
وغيمة وساقية
في المساء تنام الهمومُ
ينشر الفرح أجنحته
مطرزاً بشوق الأمنيات” .
ويتابع:
“صمت الحرف وجفت الساقية
أصبحت عصافير وجهك أشلاء
وزنابق مساءاتي ممزقة
وعينيك باكية” .
ومن موضوعات شعره في هذه المجموعة الحنين إلى البدايات وإلى أيام الطفولة والفضاءات المفتوحة والأحلام المعرّشة على شبابيك البيوت وأشجار القرية.
يقول في قصيدة /طفولة/ صفحة /66/
” أنا عمر في حوافي الصمت
كلغزٍ في المساء
قلبي شبابة راعي
تبرعمت في خوابيه النماء
أنا..
كل حرف في دمي نهرُ عطاء
أنا طفلٌ في توبته إباء
أنا قمح وزيتونةٌ وتين
إشراق فجر وقلب من ألف وياء” .
وللأم في نفس الشاعر وقع خاص لا يدانيه أو يزاحمهُ أي كائن آخر وبالتالي لا بدّ من حضورها بشدة في أناشيد هذا الشاعر يقول في قصيدة /أمي/ صفحة /74/
” ألفٌ تمد ظلّها
فيءٌ لروحي والجسد
هي سرّ الكون وبحرُ
ميلاد ولد
ميم التّجلي لحن الخلود
فيض الشروق للأبد..
تحنو فيرمش خاطري
سهر الليالي والوجد
ياء النداء
من اليمين إلى اليمين
إذا سجد “.
ولمكان الولادة والنشئة الأولى البيئة الحاضنة الأثر الكبير في نفس الشاعر ولها مكانتها في مشاعره وشعره.
يقول في قصيدة /قريتي/ صفحة /22/:
“حدّ الريح صوتي
أبي خصني بالحياة
وأمي العتيقة أهدتني قلباً
أشد أزري به عند التعب
ولي شمس على مدّ النظر لا تغيب
كلما هَمْهم الغمام
باعترافٍ
بأن وجه الفجر /مصطبتي
قامتي ورد وياسمين
وبوح نشيدي .. قمر المساء ” .
والمصطبة هي اسم قرية الشاعر
وللطفولة في هذه المجموعة نشيدها وأحلامها الجميلة الملوّنة كفراشات الحقول يقول الشاعر في قصيدة /طفولة حلم/ صفحة /27/ :
” قال الطفل: حلمي كبير
قال الحلم: طفلي صغير
صار الطفل: حلماً أحمر
صار الحلم طفلاً أخضر
كبر الحلمُ: صغر الطفل
بدأتُ:أطيرُ ..أطير..أطير “.
يختم الشاعر علي محمد إبراهيم مجموعته بقصيدة غزلية حيث لا يمكن للشاعر مهما تعدّدت موضوعاته أن يتجاوز الغزل وبالتأكيد غزله هنا صوفي وليس غزلاً مادياً حسياً لا سيما وهو صاحب النهج الصوفي العرفاني يقول في قصيدة
/شيخ الغرام/ صفحة
/106/:
“عبيرٌ إذ تشهاكِ العبيرُ
يطيبُ الليلُ عندكِ والسحورُ
أزاهيرٌ إذا اجتمعت يداكِ
ومن كفيك ينسكبُ العطورُ
أسامر فيك أحلامَ الليالي
يضيعُ عبيركِ والحلمُ غورُ”.
كما لاحظنا أن موضوعات الديوان متنوعة متعددة شاملة أشرت إلى بعض جوانبها فهي تناولت القضايا الوطنية والقومية والإنسانية والبيئية والبدايات والحنين إليها والغزل والرومانسية وهو أبن الريف؛ ومن أقدر من الشاعر على التقاط صور الجمال والبحث عنه في مكامنه.
كما رأيت تمتاز المجموعة برشاقتها وتنوعها كحديقة شاملة لكافة أنواع الزهور، تشبه صاحبها بظلالها الوارفة وجذابية مواضيعها والصدق المغلِّف للقصائد والطاغي على كل المشاعر.
إضافة إلى الكثير من الصور المبتكرة، والتي تخلق دهشة يحتاجها الشعر عندما ينشر طيوبه وعطره.
لم أحاول أن أدخل كثيراً في فنية القصائد فلست ناقداً وإنما حاولت تسليط الضوء على هذه المجموعة.
كما لم أحاول أن أدخل في أي تفسير، فتفسير الشعر يسقط مباهجه ووهيجه وهو المشبع بروحانية خالصة، وهو مزيج من الوعي واللاوعي، وخروج من الواقع إلى اللاواقع والنبوءات والأحلام والسطوع الجميل الجذاب التي لا تهمنا مصادره.
إشارة أخيرة ظلمت المطبعة هذه المجموعة بنقاط عدة منها وأبرزها الغلاف ولوحته الغير معبرة عن مضمون الديوان.
كما ظلمته بعدم إيراد فهرست القصائد في نهاية المجموعة.
وكذلك عدم التعريف بالشاعر.
كما أن تجليد المجموعة غير موفق على الإطلاق هي شكليات لا تسيء لمضمون المجموعة ولكن مناسب جداً أن نبحث عن أوعية جميلة ونظيفة للخمرة الجيدة.
أتمنى للشاعر علي إبراهيم المزيد من العطاء والإبحار في محيط الشعر الجميل.
**** ****
# سفيربرس _ بقلم  : منذر يحيى عيسى
رئيس اتحاد الكتاب العرب
فرع طرطوس
25/2/2023

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *