إعلان
إعلان

اختراق الهيكل: كيف استطاعت إسرائيل اختراق حز…ب الله في حين بقيت ح…ماس عصية؟. _ بقلم : ميرال حسن

#سفيربرس

إعلان

عندما نتحدث عن الصراعات في الشرق الأوسط، هناك دائمًا عامل غامض يقلب كل الحسابات، عامل يجعل من الحروب ليست فقط ساحة قتال بين الجيوش، بل أيضًا بين عقول واستخبارات تتصارع في الظل. اليوم، نجد أن إسرائيل قد نجحت بشكلٍ مذهل في تحقيق اختراقٍ مفاجئ داخل هيكل حزب الله، مستهدفةً بنيته القيادية والعسكرية بشكل لم يكن متوقعًا، بينما ظلّت حركة حماس، رغم أنها تتواجد في عمق البيئة الجغرافية الإسرائيلية، غير قابلة للاختراق بنفس الكفاءة.

الحزب المتحصّن… ولكن؟

لنتحدث بدايةً عن حزب الله. حزب الله، الذي ولد من رحم المقاومة في الثمانينات ليصبح قوة عسكرية وسياسية معتبرة في لبنان، يملك هيكلية وتنظيماً على مستوى عالٍ من التعقيد. قيادة الحزب لطالما تفاخرت بقدرتها على التصدي لإسرائيل، وإبقاء أسرارها بعيدة عن أيدي الخصوم، مما جعلها تبدو عصية على الاختراق لفترات طويلة. لكن، كيف استطاعت إسرائيل اليوم أن تخترق هذه المنظومة الحديدية؟

أحد أهم الأسباب يعود إلى البنية الهرمية لحزب الله، التي تعتمد على التراتبية الصارمة والمركزية في اتخاذ القرار. هذا النوع من التنظيم، وإن كان يعطي القيادة سلطة كبيرة وسيطرة واضحة، فإنه أيضًا يجعله عرضة للاختراق عبر نقاط الضعف في تلك المستويات العليا. القيادات العليا التي تحمل كل تفاصيل العمليات والخطط، هي نقاط التركيز التي تجعل من الاختراق مسألة وقت إذا تم إيجاد الشخص المناسب في المكان المناسب.

إسرائيل، بخبراتها الاستخباراتية المميزة، استطاعت أن تستغل هذه البنية بذكاء شديد، مستخدمة أدوات عدة تشمل التقنية الحديثة والتجسس البشري والضغوط النفسية والاقتصادية، مستهدفة العناصر المحورية داخل الحزب. هذا الاختراق لم يكن مجرد ضربة بسيطة، بل كان عميقاً لدرجة أنه هز أسس الحزب وقيادته، مسببًا تساؤلات داخلية حول مصداقية الأمن الداخلي، وقدرة الحزب على حماية نفسه أمام عدو أثبت تفوقه الاستخباراتي.

الخيانة الإيرانية والفرس الذين لا عهد لهم

من الأسباب المؤثرة أيضًا هي السياسات الإيرانية الخائنة تجاه حلفائها. إن إيران، والتي تُعتبر داعمة رئيسية لحزب الله، أظهرت في كثير من الأحيان أن مصالحها الذاتية تأتي فوق كل شيء، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها. إيران، بقيادتها الفارسية التي لا عهد لها، لم تكن أبدًا شريكًا موثوقًا. فقد أظهرت مرارًا أنها مستعدة لتقديم تنازلات، وتغيير مواقفها، بل وحتى التلاعب بمصائر حلفائها من أجل تحقيق أهدافها الشخصية.

هذا السلوك الإيراني أثر بشكل كبير على قدرة الحزب على الصمود والاستمرار في وجه الضغوط. فالدعم الذي يعتمد عليه حزب الله يأتي في كثير من الأحيان مشروطًا بمصالح إيران الإقليمية، التي لا تتوافق دائمًا مع استراتيجيات الحزب وأهدافه. تلك الخيانة الإيرانية المستترة هي جزء من أسباب اختراق إسرائيل للمنظومة، إذ تركت الحزب مكشوفًا بلا حماية حقيقية.

حماس والاختلاف الكبير

على الجهة الأخرى، نجد حركة حماس في غزة. حماس، التي تتواجد على مرمى حجر من الحدود الإسرائيلية، استطاعت أن تحتفظ بأسرارها بشكل أعجز المخابرات الإسرائيلية عن تحقيق نفس الاختراق الذي حققته داخل حزب الله. فما هو السر في هذا التفوق الأمني لحماس؟

يكمن الفرق الأساسي بين حزب الله وحماس في طبيعة البنية التنظيمية. حماس، رغم أنها تنظيم قوي ومتماسك، إلا أنها تعتمد على شبكة أكثر مرونة وتفتيتًا في اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات. القيادة في حماس لا تحتفظ بكل التفاصيل في مركز واحد، بل تُوزع المهام على عدة مستويات وأشخاص، مما يجعل من الصعب استهداف القيادة العليا دون فقدان القدرة على الوصول إلى التفاصيل الحيوية.

بالإضافة إلى ذلك، تعيش حماس وسط بيئة مغلقة ومترابطة اجتماعيًا، مما يصعب على عناصر استخباراتية أجنبية الوصول إليها دون إثارة الشكوك. العلاقات الاجتماعية القوية والانغماس في المجتمع الفلسطيني المحلي يجعل من كل شخص تقريبًا جزءًا من نظام أمني غير رسمي يحمي الحركة من الاختراق. هذه الطبيعة المجتمعية تتناقض مع البيئة السياسية في لبنان، حيث التعقيدات الطائفية والسياسية تسهل عملية التسلل والاختراق.

الهيكلية vs. الشبكية: درس في المرونة والأمن

من أهم الدروس المستفادة هنا هو الفرق بين الهيكلية الهرمية والتنظيم الشبكي المرن. بينما يعتبر حزب الله منظمة ذات تسلسل هرمي صريح يعتمد على التركيز الشديد للمعلومات، يتجه تنظيم حماس نحو توزيع السلطة والمعلومات بشكل يجعل من الاستهداف المباشر لقيادتها عملية أقل فاعلية بالنسبة للخصوم.

إسرائيل، باختراقها حزب الله، لم تستهدف فقط بنية عسكرية، بل استهدفت الروح المعنوية داخل التنظيم. هذا النوع من الاختراق لا يهدف فقط إلى الحصول على معلومات استراتيجية، بل إلى زرع الشكوك والقلق بين العناصر. حينما يبدأ أفراد الحزب بالتساؤل عمن يمكن الوثوق به، وعندما تتحول القيادة إلى كتلة من الشكوك المتبادلة، فإن التنظيم يضعف داخليًا قبل أن يضعف عسكريًا.

التوجه نحو روسيا كحليف جديد

في ظل هذا الضعف والاختراق الذي أصاب الحزب، يجب على حزب الله التفكير بجدية في التحالف مع قوى أخرى تُظهر التزامًا أكبر وصدقًا أكثر في مواقفها. روسيا قد تكون الحليف المناسب في هذا السياق، فهي ليست فقط قوة عظمى عسكرية، بل أيضًا ذات مصالح حيوية في المنطقة، وخاصة في سوريا، مما يجعلها حريصة على دعم أي طرف يساهم في استقرار النفوذ الروسي.

روسيا، التي أثبتت في السنوات الأخيرة عدم ترددها في دعم حلفائها ومصالحها الإقليمية، من الممكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا يضمن للحزب الدعم الذي يحتاجه لمواجهة التحديات الأمنية والضغط الإسرائيلي. في هذا السياق، قد يكون من الضروري على حزب الله أن يبحث عن وسائل جديدة للتواصل مع الروس، والتخلي عن اعتماده الكامل على إيران، التي أظهرت مواقفها المتذبذبة والخائنة.

الفضائح والانعكاسات

لا يمكن إنكار أن هذه الاختراقات قد كشفت عن أوجه الضعف في حزب الله، وأظهرت أن الهالة التي تحيط به لم تكن منيعة كما كان يعتقد البعض. إن الانكشاف أمام إسرائيل يعكس ضعفًا في قدرة الحزب على التكيف مع التطورات الحديثة في أساليب التجسس، سواء عبر التكنولوجيا أو عبر تجنيد العملاء. إلى جانب الخيانة الإيرانية، التي جعلت الحزب مكشوفًا وغير قادر على الاعتماد الكامل على حلفائه المفترضين، بدت الصورة أقل صلابة وأكثر هشاشة.

على النقيض، فإن بقاء حماس غير مخترقة بشكل مشابه يظهر قدرتها على التعلم والتكيف مع أساليب التهديد الجديدة، ويعكس فهمًا عميقًا لأهمية الحفاظ على السرية والتوزيع الذكي للمهام. هذه الأمور تجعل من الحركة أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات الاستخباراتية.

الختام: ماذا بعد؟

ما يجري اليوم هو ليس مجرد صراع على الأرض، بل هو صراع بين العقول والاستراتيجيات. إسرائيل، بخبراتها الممتدة، استطاعت أن تضرب عمق حزب الله، في حين بقيت حماس عصية على نفس الاختراق. هذا الواقع يجب أن يدفع حزب الله ومحور المقاومة إلى إعادة التفكير في أساليبهم الأمنية والتنظيمية.

من الضروري اليوم أن يتخلى حزب الله عن اعتماده على إيران، التي أظهرت مرارًا أن مصالحها تأتي أولًا، وأن يستبدلها بحليف مثل روسيا، التي يبدو أنها على استعداد لدعم من يقف في صفها بشكل حقيقي. هذا التوجه الجديد قد يمنح حزب الله القدرة على الصمود مجددًا، والتعامل مع التحديات المعقدة التي يواجهها، لكن الوقت يمضي، والحاجة ملحة لإعادة تقييم الخيارات قبل أن يتحول الحزب إلى كيان مكشوف بالكامل أمام أعدائه.

#سفيربرس _ بقلم : ميرال حسن
مفكرة حرة | أعيش خارج الصندوق | أثير الجدل ولا أتبع الحشود | أطرح الأسئلة التي يخشاها الجميع | متمردة على القوالب التقليدية.

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *