كرم خليل لسفير برس: “يجب حلَ جميع الأفرع الأمنية، وإعادة بناءها على أسس أمنية استخباراتية مهنية منفصلة عن الولاء”.
#سفيربرس ـ حاورته: هبة الكل

يرى مسؤول الشؤون العسكرية في “استاند آب أمريكا للشرق الاوسط ” الباحث السوري “كرم خليل” أننا في مرحلة إعادة بناء وليس إصلاح للقطاع الأمني السوري، الأمر الذي يتطلب الكثير من الشفافية والدقة في اختيار الضباط المسؤولين عن هذا الجهاز، والمشهود لهم بالنزاهة والمصداقية والخبرة، مع ضرورة استبعاد كل من كان يتبع لهذه الأفرع والأجهزة بعد سقوط النظام باستثناء المنشقين عنه في بداية الثورة.
حيث يعتبر “خليل” وخلال حوارنا معه أن الجهاز الأمني لأي دولة يركز في جوهره على حفظ السلم الأهلي واحترام حقوق الإنسان ومتابعة تطبيق القوانين، انطلاقاً من مبدأ كيان سيادي مكلف بالحفاظ على النظام العام وحماية سيادة الدولة وضمان أمن المواطنين، ومتمثلاً بقوة شرعية تستخدم العنف المنظم ضمن إطار القوانين والضوابط الأخلاقية لتحقيق العدالة وحماية المجتمع، مع ضمان توازن دقيق بين الأمن والحرية.
الجهاز الأمني في عهد الأسد
ويفند “خليل” سياسة الرئيس المخلوع ” بشار الأسد” في التعامل مع أجهزة الأمن، حيث كانت تقوم على الحكم بقبضة أمنيّة حديدية، وتتدخل في كافة مفاصل الدولة وحياة المواطنين والأجانب المقيمين داخل الأراضي السورية حتى في دول الجوار، كما لبنان مثالاً.
ويرجع السبب وفق “خليل” إلى السياسة الأمنية التي قام بها الأسد الأب والابن عبر إعطاء الأجهزة الأمنيّة صلاحيات واسعة مقنونة كقانون الطوارئ، وتحت إشرافه كي لا يشكل تحالف قوى ضده في المستقبل، فقام بكلّ ما يلزم لإضعاف سيادة القانون، واستقلال القضاء، محدثاً المحاكم الاستثنائيّة التعسفيّة، كمحاكم الميدانية والعسكريّة، ومحكمة أمن الدولة، ومحكمة الإرهاب، لتصفية المعارضين لنظامه.
ويضيف: “لذلك كانت التغييرات في الأجهزة الأمنيّة والمناصب تجري بشكل دائم، وفي نفس الوقت كان بشار الأسد يمنع الاجتماعات الثنائيّة بين قادة هذه الأجهزة ويجعلها تتنافس فيما بينها بهدف إضعافهم وفي سبيل نيل رضاه”.
ويلفت ” خليل” إلى أن النظام الساقط كان يبطش بحق كلّ من يتجرأ على تحديه أو مشاركته الحكم، على سبيل المثال لا للحصر اللواء رستم غزالة واللواء غازي كنعان وغيرهما كثير.
كما ويشير ” خليل” إلى مهام أجهزة الأمن الأسدي البائد، في قوله: “كانت مهمة مكتب الأمن الوطني سابقاً قيادة وتوجيه بقيّة الأجهزة الأمنيّة والتنسيق بينها. فرع الأمن السياسي مثلاً كان يضم عدة أقسام كقسم التحقيق، قسم شؤون الطلبة، قسم المدينة، قسم المراقبة والملاحقة، قسم المهام الخاصة، قسم أمن المعلومات، قسم الأحزاب ، وقسم الأجانب والعرب”.
ويوضح ” خليل” أن الاستخبارات العسكرية والتي تضم أهم الأفرع ” كفرع فلسطين” والذي يحمل رقم 235 كان دوره يقوم بمراقبة ومتابعة الفصائل الفلسطينية المتواجدة داخل الأرضي السورية وخارجها بالإضافة إلى مراقبة السوريين والأجانب.
وفي بداية الثورة 2011 يذكر ” خليل” أنه تمّ تشكيل “خلية الأزمة” والتي تضمنت وزيري الدفاع والداخليّة، ورئيس الأركان، بالإضافة إلى رؤوساء الأجهزة الأمنيّة، واستمرت في عملها حتى تم تفجيرها وقتل قياداتها من قبل النظام نفسه خوفا من الانقلاب عليه، وكان دورها يكمن في التنسيق فيما بينها ورفع تقارير عن الأوضاع الأمنيّة في البلاد إلى بشار الأسد.
ويتابع ” خليل” في عرض المهام بقوله: ” كانت المخابرات العامة والفروع التابعة له “كفرع المعلومات 255″ يختص بمراقبة من ينشطون في الأحزاب والشؤون الدينيّة والإعلاميّة، وفرع التحقيق (285): يقوم بالتحقيق في التقارير المحالة من بقيّة فروع الإدارة من كلّ المحافظات، أما فرع مكافحة الإرهاب (295): مهمته الرئيسيّة هي عمليات المداهمة والاغتيالات ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تدريب المتطوعين لصالح فروع الإدارة، وفرع مكافحة التجسس (300): مهمته متابعة الأجانب والمواطنين والمؤسسات الحكوميّة والخاصة والسياسيين الذين يتم التواصل بينهم وبين جهات خارجيّة، والفرع الخارجي (279): يُشرف على عمل عناصر المخابرات في السفارات وخارج البلاد وزرع الجواسيس، ومراقبة المغتربين، والفرع الفني (280): مهمته في عمليات التنصت والتشويش ومراقبة البريد والإنترنت، والفرع الداخلي (251): مهمته إجراء دراسات عن المسؤولين الحكوميين والنقابات والتجار والصناعيين والجامعات”.
ويشير إلى أنه تجري حاليًا في المحكمة الإقليميّة في مدينة “كوبلنز” الألمانيّة محاكمة رئيس قسم التحقيق في الفرع الداخلي، بعد أن أُصدر الحكم على أحد عناصر صف الضباط في العام الفائت.
يعتبر ” خليل” أن الجهاز الأمني السوري السابق في عهد بشار الأسد عانى من أزمة هوية عميقة وأزمة اخلاقية، حيث انفصل عن دوره الطبيعي كحامٍ لسيادة الدولة والمواطنين وتوجه إلى حماية الرئيس وتثبيت حكم الأسد ككيان يخدم مصالح السلطة المستبدة، مما أدى إلى انعدام فعاليته في حماية الحقوق الأساسية والأمن العام، وازدياد حالات الفوضى وعدم الاستقرار.
متطلبات المرحلة الأمنية لسوريا الجديدة
يجد ” خليل” أنّ دور المخابرات يمتد ليشمل مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية على حد سواء، ما يجعله محوريًا في حفظ الاستقرار وتعزيز السلام.
ويرى أن متطلبات المرحلة الراهنة لعملية بناء جهاز أمني جديد، عميقة ومعقدة، وتتجاوز إعادة الهيكلة التقليدية لتشمل إعادة تصور دور هذه المؤسسة في المجتمع.
فيقول: ” يجب أن نبدأ بتأسيس مفهوم جديد للأمن مبني على احترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، حيث يصبح الأمن وسيلة لتحقيق الاستقرار والسلام المجتمعي بدلاً من كونه أداة للقمع والسيطرة و الإجرام”.
ويشدّد على أن تكون عملية البناء الأمنية قائمة على مبدأي الشفافية والمسائلة لضمان خضوع الأنشطة الأمنية للرقابة القانونية العامة، وتعزيز الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية.
ويؤكد “خليل” على ضرورة وجود هيئات مستقلة تقوم بمتابعة أداء الأجهزة الأمنية وتقييمها بشكل دوري لضمان التزامها بالمعايير المهنية والأخلاقية.
مع ضرورة بناء ثقافة أمنية جديدة تقوم على الولاء للوطن والمواطنين وليس للحاكم وسلطته، بشكل يُشجع الأفراد على التفكير النقدي والمساهمة في تحسين النظام الأمني باستمرار، مما يضمن تكوين بيئة عمل تتصف بالإبداع والابتكار، وفق قوله.
ويضيف إلى المتطلبات: ” يجب أن يكون هناك تركيز على التعليم والتدريب، ليس فقط من الناحية التقنية وإنما من الناحية الإنسانية والأخلاقية أيضاً. حيث يجب أن تشمل برامج التدريب مواد عن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتدريبات على كيفية التعامل مع المواطنين بإنسانية واحترام، الأمر الذي يعزز الاحترافية الأمنية لصالح الخدمة العامة”.
كما تلعب منظومة العدالة الانتقالية دورًا محوريًا في هذا السياق أيضًا، فيقول: ” يجب محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم السابقة وتقديم العدالة للضحايا، كخطوة ضرورية لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان عدم تكرار أية انتهاكات وجرائم بحق المدنيين”.
يخلص الباحث “كرم خليل” في هذا الحوار إلى أنه وبإعادة بناء الجهاز الأمني على هذه الأسس الفلسفية، نضمن تكوين مؤسسة أمنية تسعى لحماية حقوق الإنسان وتعزيز الاستقرار والسلام المجتمعي، مما يعكس تحولاً جوهريًا في فهمنا للأمن والامان في سوريا الجديدة.
#سفيربرس ـ حاورته: هبة الكل