إعلان
إعلان

مستقبل القضية الفلسطينية بين عصا ترامب وجزرة إسرائيل . بقلم : د. عبير الحيّالي

سفيربرس _لندن

إعلان

نسمع كثيراً عن الممارسات الأميركية المختلفة في تعاملاتها مع الدول التي ترفض الجريان في فلكها، والسير وفق الخطط الموضوعة في البيت الأبيض دون أية معارضة، وتتراوح هذه الممارسات طبعاً بين الترغيب من جهة، والنرهيب من جهة أخرى وهو ما يمكن أن يطلق عليه “سياسة العصا والجزرة”. وترجع أصول هذه الفكرة إلى القرون الوسطى الأوربية ضمن فلسفة الثواب والعقاب للنفس البشرية الآثمة! وبناءً على السياسة الأميركية فالعصا لمن عصا، وهذه العصا ربما تكون خليطا من الاجراءات الجائرة بحق الدول النامية، والتي من الممكن أن تبدأ بالحصار الاقتصادي والسياسي، وتنتهي بضربات عسكرية وحرب ضارية. أما أصحاب الجزرة فهم أولئك اللذين تغدق عليهم أميركا سيل العطايا والمنح المادية والمعنوية والمساعدات المباشرة وغير المباشرة وصولاً إلى الحماية العسكرية.

هذه النظرية اللا أخلاقية في العمل السياسي والدبلوماسي، لازمت المؤسسة الصهيونية منذ ولادتها، ومارستها بامتياز اتجاه الشعب الفلسطيني، ولم يتردد وزير الأمن الإسرائيلي ليبرمان بالإعلان عنها على الملأ، وتحويلها إلى سياسة عملية. حيث تم تقديم مجموعة كبيرة من التسهيلات الاقتصادية في مناطق محددة في الضفة وهي ما يشار اليها باللون الأخضر على خريطة توزيع المناطق الإسرائيلية، وتعتبر المناطق الآمنة حسب تصنيفاتهم. وهؤلاء حصلوا على الدعم على مستويات مختلفة كالزيادة في تصاريح العمل، وتقديم التسهيلات في خطط البناء، وإقامة الملاعب الرياضية وغيرها من وسائل الترفيه وتسهيل أمور الحياة اليومية.

على الجانب الآخر تم تشديد الخناق على بعض مناطق الضفة وغزة وهي ماتم تسميتها ب “المناطق الساخنة” التي تم تلوينها باللون الأحمر، وهي المناطق التي تخرج منها العمليات ضد الإسرائيليين. فقاموا بهدم منارل الفلسطينيين، وإلغاء تصاريح العمل لزيادة الضغط الاقتصادي عليهم، بالإضافة إلى ترهيبهم عن طريق زيادة نشاط الجيش الإسرائيلي في مناطقهم. وتوضح جملة ليبرمان بما يخص غزة خطته في الترغيب والترهيب حين قال (إذا أوقفوا أنفاقهم ونشاطهم بتلك الأنفاق وإطلاق صواريخهم ضدنا، نحن سنكون أول المستثمرين في مينائهم ومطارهم، وسيكون بالإمكان أن نرى في يوم من الأيام غزة سنغافورة أو هونغ كونغ الجديدة). هذا الخطاب يمثل تماماً سياسة العصا والجزرة فأنتم إما أن تخالفوننا الرأي ونضعكم تحت آلة القتل، أو أن تعيشوا في ظلنا وتستمتعون بالرفاه الاقتصادي. وهكذا حملت إسرائيل الجزرة فقط في الفترة الأخيرة لأن هناك من قرر حمل العصا للمشاركة في نجاح العملية على أكمل وجه.

وجدت إسرائيل بعد جلوس ترامب على كرسي الرئاسة الأمريكية، من يمثلها خير تمثيل وسلمته عصاها الغليظة ليضرب بها كل من تسول له نفسه أن يخرج عن املاءاتها من الفصائل الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يبعد عنها الحرج أمام الرأي العام العالمي. وفى ترامب بجميع وعوده الانتخابية اتجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية، ونزع عن الولايات المتحدة ثوب الوسيط وألبسها ثوب التطرف الإسرائيلي، كما أقدم على مجموعة من الخطوات التي تعتبر خطراً حقيقياً على مستقبل القضية الفلسطينية، حيث نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس، واعترف بها عاصمة موحدة لإسرائيل. وقام بإيقاف جميع المساعدات المالية للمنظمات ووكالات الغوث التي ترعى بعض مصالح الشعب في الداخل كوكالة الغوث الأونروا. وقام زيادة على ذلك، بإغلاق مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، في إشارة واضحة إلى عدم اعترافه بها، وعدم قبوله التعامل معها كطرف أساسي في القضية، و بلغة أكثر وضوحاً، قام بإلغاء الجانب الفلسطيني تماماً.

وهكذا استخدم ترامب العصا بشكل عملي ولم يكتف بالتهديد والتلويح بها، ممهداً الطريق لمستشاره كوشنر للظهور بصفقة القرن التي ننتظرها بنسختها الأخيرة بعد أن مارسوا كل أنواع الضغوطات الاقتصادية والنفسية على الشعب الفلسطيني، مما أدى إلى ظهور بعض الشخصيات الفلسطينية التي ترغب بالحصول على الجزرة تحت شعارات التنمية والتجديد وإيجاد المنافذ المنقذة للشعب، وهذا تماماً ما كانت تسعى إليه إسرائيل لعقود من الزمن.

تدرك إسرائيل تماماً حالة الانقسام وغياب الرؤيا الفلسطينية المشتركة، وهي تعمل جاهدة على تعزيز هذه الحالة واستمرارها لأنها تهدف إلى القضاء على المشروع الفلسطيني كاملاً. حيث ساعدت خطة ليبرمان “العصا والجزرة” على فتح قنوات تواصل مع بعض الفلسطيينين البارزين متجاوزة بها السلطة الفلسطينية بمساعدة كوشنر. حيث ساهمت بعض الشخصيات الاقتصادية الفلسطينية بدعم الخطة الإسرائيلية عن طريق القبول والموافقة على التعاون الكامل مع الإسرائيليين والحكومة الأمريكية، وهم غالباً سيكونون النسخة الحديثة للحكومة الفلسطينية التي يتم التحضير لها للمرحلة المقبلة. وهم اللذين ينطبق عليهم قوله تعالى في كتابه العزيز (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ). هؤلاء المتعاونون أضعفوا القضية الفلسطينية وقدموا مصالحهم على المصلحة الوطنية، وشاركوا في صناعة النسخة الأخيرة من صفقة القرن.

دامت هذه الخطة الإسرائيلية لفترة طويلة، وربما سأل البعض أنفسهم في البداية إلى أين ستوصلنا هذه السياسة؟ من المؤكد الآن أننا نستطيع القول إنها أوصلتنا إلى “صفقة القرن المشؤومة” التي ستقضي على حقوق الشعب الفلسطيني. تبدو هذه الخطة في شكلها أقل خطورة من الحروب العسكرية ولكنني أجدها أكثر شراسة وبشاعة من أية وسيلة أخرى، حيث أنها تحمل في طياتها سم زعاف يتغلغل داخل المجتمع ويعمل على تقسيمه تحت ظروف الحاجة والقهر والاستغلال. إذا ما نجحت إسرائيل ومن ورائها الحكومة الأميركية بتمرير هذه الصفقة فسيكون المشهد الأخير في القضية الفلسطينية وربما سنسمع عنها في كتب التاريخ فقط.

سفيربرس. بقلم: د.عبير الحيّالي

باحثه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية- لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *