إعلان
إعلان

تعديل الدستور في مصر أول مواليد ديمقراطية الربيع العربي .بقلم : د. عبير الحيّالي

سفيربرس ـ لندن

إعلان

تدورالسجالات حول ثورة ٢٥ يناير في مصر، وما تحقق من أهدافها، وماتبقى منها، والتغيير الذي قدمته إلى الشعب المصري الذي عقد الآمال على تحقيق الديمقراطية من خلالها. حملت هذه الثورة قيماً عليا ومبادىء إنسانية وشعارات طالب الشعب من خلالها بالحصول على الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وصولاً إلى الديمقراطية. ولكن سرعان ما بدأ محمد مرسي، أول رئيس منتخب “ديمقراطياً” في البلاد حملته لتثبيت حكمه، ومنح نفسه حصانة من الرقابة القضائية، مما أدى إلى الاطاحة به بانقلاب عسكري جاء بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي أثبت سريعاً أنه أيضاً يعمل على تثبيت نفسه كرئيس للبلاد إلى ما لانهاية، ولكن هذه المرة من خلال تغييرات دستورية جديدة تم تفصيلها على مقاس الحاكم لتضمن بقائه كرئيس للجمهورية، وكأن عقارب الساعه عادت بنا إلى ماقبل ٢٠١١.

وافق مجلس النواب المصري “مبدئياً” على تعديلات دستورية بتأييد أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان، وشملت التعديلات في أبرز نقاطها تمديد فترة الرئاسة إلى ست سنوات بدلاً من أربع، وإضافة مادة انتقالية تسمح للرئيس الحالي بالترشح مجدداً وهو ما يسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام ٢٠٣٤. ومن الواضح جليا أن جوهر عملية تعديل الدستور هوتمكين السيسي من الاستمراركرئيس للجمهورية، وهو مايقوّض بناء الدولة الديمقراطية الحديثة والتبادل السلمي للسلطة. ومن الملفت للنظر أن رعاة تعديل الدستور قد استندوا إلى المادة ٢٢٦ من الدستور الحالي للبلاد، والتي تنص على أنه يحق لخمسة أعضاء من مجلس النواب أو رئيس الجمهورية طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ولكنّ المادة ذاتها تنص أيضاً على عدم جواز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية وهو مايعتبر خرقاً كاملاً للدستور الحالي. وتضمنت التعديلات أيضا تعزيز دور الجيش في الحياة السياسية، بالإضافة إلى منح الرئيس سلطات جديدة كسلطة إعلان الحرب وتعيين القضاة والنائب العام، وإعفاء الحكومة من أداء عملها، وهكذا أصبح الرئيس يتمتع بصلاحيات مسيطرة على جميع مؤسسات الدولة دون محاسبة أو مراقبة، فهل هذا ما أراده المصريون من ثورة ٢٠١١ التي فخروا بها واعتبروها طريقهم إلى الديمقراطية؟

يرى المدافعون عن الخطوة، بأن فترة الأربع سنوات غير كافية للوفاء بالوعود الانتخابية التي يقدمها الرئيس، وهي لاتتعدى كونها أعذاراً واهية حيث أن تحديد فترة رئيس الجمهورية بأربع سنوات وإعطاء الرئيس الحق بالترشح لدورة ثانية كسقف زمني نهائي، هو مايتم ممارسته في الكثير من دول العالم على السواء تلك التي تتمتع باستقرار سياسي أو تلك التي لا تتمتع به. كما أن النظام السياسي في مصر لم يستطع الوفاء بأبسط التعهدات التي قدّمها للثوار مثل حرية التعبير، حيث أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن حملة قمع حرية التعبير عن الرأي وصلت إلى أعلى مستوياتها في مصر خلال فترة حكم السيسي، كما أشارت منظمة ” هيومن رايتس ووتش” إلى وجود ٦٠ ألف سجين سياسي في مصر. وعملت الحكومة على السيطرة التامة على وسائل الإعلام الخاصة، بالإضافة إلى قمع جميع الأصوات المعارضة بطرق مختلفة.

ومن جهة أخرى أراد القائمون على هذه الحملة إضافة بعض النقاط الجاذبة لبعض الفئات ضعيفة الحضور في الحياة السياسية ليتم خلط الأوراق أمام المصريين وخلق فئة اجتماعية تتبنى عملية الدفاع عن تغيير الدستور. فقاموا بدعم تمثيل المرأة في المجالس النيابية، واستمرار تمثيل العمال والفلاحين، وذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين في الخارج. ومن الجدير بالذكر هنا أن مصر شهدت عدداً من التعديلات الدستورية في عام ٢٠١١ وهو العام الذي بدأت به التغييرات السياسية في مصر، ثم أقر دستور آخر عام ٢٠١٢، وآخر في عام ٢٠١٤، ولكن على مايبدو أن التعديلات الحديثة ستتناسب مع مقاس الحكومة الحالية وسيطول أمد الدستور.

هذا الدستور الذي يتغير ويتحول ويتمدد ويتوسع حسب مصالح الحالكم، ماهو الا انعكاس للعودة إلى طبيعة النظام السلطوي الذي يرى في نفسه قوة أسمى من سيادة الدستور أو القانون، الذي من المفترض أن يكون عمود الدولة الرئيسي، والعقد المنظم للعلاقة بين الحاكم والشعب، ومراقبة من يمسكون بزمام السلطة ومحاسبتهم عند تقصيرهم في أداء مهامهم، وهوالذي يؤمّن حماية حقوق المواطنين ويحقق لهم الأمن والاستقرار. ولطالما اعتبر المفكرون والفلاسفة على مر العصور أن الدستور هو قمة الهرم الخاص بقانون الدولة، وقال عنه ارسطو”بديهي أن الدساتير كلها التي تقصد إلى المنفعة العامة هي صالحة، لأنها تتنوع في إقامة العدل، بينما كل الدساتير التي تقصد إلى المنفعة الشخصية للحاكمين ليست الا فساداً للدساتير الصالحة”

يحتاج نجاح الثورات والوصول إلى الديمقراطية إلى فهم طبيعة الإرث الاستبدادي للحكومات السابقة، كما يحتاج إلى الفهم الدقيق للأركان المتعددة للديمقراطية، والعمل على تشكيل جبهات موحدة وثابتة أثناء المرحلة الانتقالية لما بعد الثورات. فالثورات لا تعني أبداً الوصول إلى النظام الديمقراطي، وإنما ما يليها من ممارسات هو الذي يؤكد النجاح أو الفشل. ومن المؤكد أن هذه المرحلة تحتاج إلى أحزاب سياسية تمتلك مقومات الاستمرار، وقوى ثورية تحمل على كاهلها مواجهة التحديات المستمرة، وتكون قادرة على تمثيل المواطنين وتقديم خيارات سياسية تثبت قدرتها على ممارسة السلطة وخدمة المصلحة العامة. إن عدم قدرة الكيانات الثورية على الاتفاق على هدف محدد وإيجاد منهج وقيادة موحدة يؤدي إلى عودة الدولة العميقة بسبب حالة التشظي والانقسام. فهل نحن بصدد الإعلان النهائي عن فشل الثورة المصرية أم فشل المواطن العربي في لبس ثوب الديمقراطية المستورد بسبب افتقاده الوعي العام لمعاني الثورة والديمقراطية؟ .

سفيربرس. بقلم: د.عبير الحيّالي

باحثه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية- لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *