إعلان
إعلان

عن ظاهرة التسول الثقافي .بقلم: علي عمران

سفيربرس

إعلان

مقدمة :
حكي جرايد ,أصوات وعروض إذاعيّة ,كلام شاشات على مدار أكثر من ( 2900 يوم ) من عمر العدوان على سوريا ,سنوات عجاف مرت وسوريا ترد الرصاصة بالرصاصة و الغارة بالغارة فماذا عن توثيقك أيها التاريخ ,يا من وثقت التحريف والتزوير والغزو الفكري ؟
يا من شهدت َ اعنف مراحل الصراع وأكثرها ضراوة على امتداد صفحاتك؟..
يا من طويت صفحة المغول الهمجيّة وهجمات الوحشيّة الصليبيّة وهول الحرب العالميّة بعد أن وثــّـقـت ما شهدته الأرض السوريّة مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ؟!..
ما هو موقعك حيال من انتهج سرد الأحداث وتقديم الحقائق تزويرا ً وتحريفا ً ؟
هل تتسع مزبلتك قوافل العقول المنتهية الصلاحيّة على اعتبار أن اعادة تكريرها شبه مستحيل ؟
تلك أرتال سطوري تتصدر صنيع يراعي وأسترسل :
لا أحد يمكنه أن يشوه معالم الجغرافيا ويزور معالم المكان ,فالأرض على امتداد العصور بقيت كما هي بمدارها ومكوناتها الطبيعيّة ,لكن النفوذ البشري متغير وعلى الضفة المقابلة قام كثيرون من جراثيم الفكر بمحاولات لتحريف التاريخ ونجحوا في بعض المفاصل لكن السؤال يطرح نفسه :
كيف نجحوا في ذلك ,فالتاريخ والجغرافيا مكملان لبعضهما على اعتبار أن الزمان والمكان سياقان في حالة واحدة ؟..
أراء وأفكار :
ثمة أسئلة كثيرة ,معطيات ,تحليلات ومحاولات للعثور على عين مجهر توضح مجاهيل الحرب على سوريا ,فتارة ً يأتيك فلان ليوضح أنها سايكس بيكو بحلة جديدة والآخر يقول انه شكل جديد من أشكال المؤامرة على سوريا لأنها دولة مستقلة عن هيمنة البيت الأبيض ,إضافة إلى وابل المعلومات والاستنتاجات الذكيّة منها والخجولة ,ولكن رغم تنوع مصادر المعلومات الورقيّة منها والالكترونيّة إلا أن الحقيقة لا تزال غائبة عن الكثيرين ,فكيف سنحمي تلك الحقيقة من التحريف مع تقادم الأزمان ؟ هل لدينا احصائيات دقيقة ,براهين ,وثائق ؟
على المستوى الدولي :
في دراسة أجراها وزير خارجيّة أمريكا الأسبق هنري كسينجر في ثمانينيات القرن المنصرم ,نقتبس مما جاء فيها :
“خلال العقود المقبلة ستتحول الصين إلى قوة اقتصاديّة عظمى تبتلع اقتصاد الدول الرأسمالية مجتمعة وفي مقدمتها الولايات المتحدة لذا على الأخيرة أن تحتل سبع دول شرق أوسطيّة لاستكمال مشاريع الهيمنة الأمريكيّة على مقدرات الطاقة ومخزون المواد الاوليّة حول العالم بشكل منتظم ”
يبدو كلام كسينجر منطقيّا ً لأن الاتحاد السوفييتي مصدر القلق الرئيسي للولايات المتحدة وقع في مصيدة سباق التسلح وانهار أواخر القرن الماضي ,فهذه خطوة داعمة للإدمان للأمريكي على بسط النفوذ وقضم الجغرافيا ,لا سيما أن أوربا حليف دائم للأمريكي حيث يتشاركان الأخيران قبضة السيطرة على الطاقة والمواد الخام في الخليج العربي وعدد من دول افريقيا .
مطلع القرن الحالي – لمحة بانوراميّة :
صدر مشروع القرن الأمريكي الجديد وأصبحت أحداث الحادي عشر من أيلول أولى خطواته التي اقنعت الرأي العام بوجود عدو خفي فتاك مصدره الفكر الاسلامي المتطرف ,فكان ما ذكر سيناريو لمسرحية الحرب الأمريكيّة على الارهاب مما جعل من أفغانستان والعراق رقع جديدة دخلت مشبك النفوذ الأمريكي
تعليق سريع :
أمام انتشار النفوذ الأمريكي في أوربا وبعض دول آسيا وحتى افريقيا تقف مجتمعات العالم موقف المتفرج ,فلا أحد ينكر أن ما حصل فكرة ذكيّة وجهود تراكميّة من أحفاد الهنود الحمر في سبيل الالتفاف على منظومة الفكر الاشتراكي حول العالم .
تنوعت الوسائل وغايات الهيمنة واحدة :
لا احد يغفل ما حصل خلال سنوات القرن الحالي من متغيرات دوليّة في الشرق الأوسط بدءا ً بانعكاسات أحداث أيلول في أفغانستان والعراق مرورا ً باغتيال الحريري وحرب تموز وعدوان غزة وصولاً إلى ما يسمى الثورات الملونة ,فكل ما سبق ليس إلا مشاريع غايتها (وطن اسرائيل من الفرات إلى النيل ) ولكن جهودكم المنحرفة يا سادة البيت الأبيض باتت غبارا ً متناثرا ً كومته الرياح العابرة على أطراف المستنقعات وفي قيعانها الضحلة وأذكركم أن سوريا مركز الارض والرقعة المستهدفة عبر العصور لأنها نقطة التقاء شطري الأرض واستهدافها يعني اختلال التوازن الدولي .
ما الحل – لأجل مستقبل آمن :
تطوير التعليم في سوريا لبناء جيل متوازن يحمي سوريا في المستقبل .
لماذا التعليم ؟
لأنه يحمي العقل من وباء التحريف المقيت وأسأل مرة أخرى :
أين موروث ابن سينا وزملاؤه الذين شاركوه الحقبة العلميّة الذهبيّة فجعلوا من مؤلفاتهم على امتداد أميال قرون طوال روافد لا تنضب تروي زلالا ً من أراد ان ينهل منها ؟
أفكار من نصل اليراع :
هل يــُـعقل يا بني زماني أن نستغني عن موروث هؤلاء العلماء ونستبدله بقشور المحتوى الالكتروني للشبكة العنكبوتيّة ,مع العلم ان من فرض الأخير هم الغرب أحفاد العصور المظلمة وتلاعب به ولوثا ً وبلايا الفكر الاستخباراتي المعادي ؟! وليعذرني الجميع على صراحتي فأنا لا أصف المحتوى الالكتروني بأنه شيء سلبي بالمطلق لأنه ساهم بالانفتاح على مجتمعات العالم ولديه ثقافة مناسبة في بعض المستويات لكن بيت القصيد أننا كمجتمع له كيانه العربي وطابعه الشرقي تعاملنا معه بمبدأ التلقين فأصبح العقل مستودعا ً لتكديس الأفكار المعلبة و المعلومات الجاهزة إلى حد ٍ كبير ,وأعاود السؤال :
أين الإبداع والإلهام , التحليل والتمحيص ؟
أين التفكير الصحيح والدقة والمنهجيّة والغوص في جوهر الأشياء بغية التوصل إلى نتائج علميّة ,فتلك مجتمعة سمات أساسيّة للعقل والدليل على ذلك أنها شكلت خطوات نوعيّة قام بها العلماء العرب في قديم الزمان فشيدوا حضارات خالدة في صميم الشرق ولا عجب في خلودها مع الأيام لأن نتائجهم وأبحاثهم غدت نتاج جهود صادقة وفكر وقاد لا جهود عمياء مستنسخة ونتائج قيل عن قال …
إلى متى يا بني زماني سنظل نؤمن بمصداقيّة دعاة الثقافة والمتسولين على أبواب الفكر الذين ينقلون الصورة كما هي بشكل ببغائي ويقولون ما الذي يجري ويحللون في ذلك ؟ ومع الأسف لم يرتقي عقل احدهم للتفكير بالحالات استنادا ً على مبدأ (لماذا حصل هذا وكيف حصل ذاك ؟!)
يحاضرون دردشة ًخلف الشاشات بعد ان تقتات عقولهم من فتاة الفكر تارةً وطورا ً بحفنة معلومات لفظتها الصحف البالية والأروقة المرميّة على قارعة الاهتمام .
ترى الكثيرين قد اكتست رؤوسهم معطف الشيب فتجدهم يلخصون جهودهم و محاضراتهم ونشاطاتهم الاجتماعية بصورة (ٍSelfi ) على جدران التواصل الاجتماعي بحجة مواكبة التحضر الرقمي واني لأجزم يا من تمر على سطوري أن أكثرهم لا يعرف من التكنولوجيا سوى اسمها ,فكل غايتهم من تلك المتغيرات في الحقل التقني ( حفنة لايكات وشوية كومنتات ) على منشوراتهم اليوميّة لإرضاء عقولهم المراهقة ومسار فكرهم الضيق وبومضة بسيطة وجب التذكير أن العقل ينتج كمّا ً هائلا ً من الأفكار على يد مليارات الخلايا العصبية ووفقا ُ لأعقد العمليات العقليّة وأكثرها دقة ولكن تطبيق واحدة منها يتطلب جهدا ً جهيد !..
باختصار ,نحن كبشر نمتلك مخزونا ً هائلا ً من الأفكار فيجب أن لا نقع في مصيدة أن من يجيد الكلام وصنوف الأحاديث التي تبدو فكريّة هو مثقف ,فالكلب لا يعتبر كلبا ً جيدا ً إذا كان يجيد النباح والأمثلة واضحة نشاهدها في حياتنا اليوميّة ,كأن نرى على الشاشات متملق فكري يلقب نفسه ( محلل سياسي , مفكر كهرو ذري ,خبير عسكري متقاعد وأحيانا ً جيودماغي , سيد فريد من نوعه ) فهذه الألقاب ليست إلا (صرعة موسم وليدة الأزمة) انساق خلفها من يجد في داخله عقدة نقص في القبول الاجتماعي ,ناهيك عن لجوئه المضحك لجدران التواصل الاجتماعي فمن جراء الاعجابات والتعليقات تغمره سعادة آنيّة فيصاب بالغرور ولكن حسب قول أحد الشعراء:
إذا عصف الغرور برأس غرّ ظن أن منكبه الجناح
بكلمة أخيرة :
كفا ضجيجا ً وثرثرة كلام ٍ منتهي الصلاحيّة يا عزيزي مدعي الثقافة فالمسؤوليّة الأكبر اعمار العقل على مختلف الأصعدة فقد مللنا علاج الواقع كلاما ً ونقدا ً بلا حلول عمليّة حتى أودى بنا الحال إلى المسير متعثرين في التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع .
أصلح ذاتك أولا ً وستكون تلقائيّا ً قيمة مضافة للفكر والمعرفة ,أما طريقتك هذه ليست إلا جهد ضائع وعلم لا ينفع ,فالإمبراطوريات العظمى في الــِقــدَم حولها التاريخ إلى بضع سطور في صفحاته رغم أن راياتها ظللت أصقاع الأرض ,فهل تأمل يا عزيزي ان تجد أفكارك المُستنسخة حيزا ً على هامش صفحات التاريخ أو حتى تسقط سهوا ً بين بضعة رتوشات فكريّة أو علامات ترقيم كماليّة ؟!..
كفا نفاقا ً فأنت تحطم نفسك المستـَـهلكة وتهدر قدراتك العقليّة في الهراوات الفكريّة لتكون كبعض غيم ٍ قوي الرعد شحيح المطر فأيامك مثل الماء وأنت مخير إما ان تنثرها على البساط الأخضر المنتج الخلاق بالإبداع والإلهام أو أن تــُـلقيها هدرا ً على المساحات الاسمنتيّة تنظيفا ً وإزالة مخلفات ,لينتهي الحال بمياهك إلى انابيب المعالجة والصرف الصحي دون العودة إليك مرة أخرى ..

على أيّة حال :
أنت مخير وكما تزرع تحصد ولكن وجب التذكير أن الأفكار الخالدة لا تولد على يد المنظرين أصحاب الثقافة المعلبة ,بل تولد على يد الملهمين أصحاب الفكر الحر المنعتق من التلقين والمتوارثات المغلوطة وتزدهر على يد المبدعين الذين يحترمون وجودهم في الحياة ويؤمنون برسالة الانسانيّة وقيمها النبيلة ,ذوي القول والفعل الذين ينطلقون من ذواتهم بالعلم والعمل الصادق في سبيل اعمار الأرض .

سفيربرس _بقلم : علي عمران

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *