إعلان
إعلان

أيسلندا: نموذج للطاقة المستدامة ـ تأليف: سابرينا جيل ـ ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

#سفيربرس

إعلان

نخسر في بريطانيا سنوياً 9.5 مليار جنيه إسترليني بسبب هدر الطاقة. ويوازي ذلك المبلغ نصف الاستهلاك المنزلي السنوي على مستوى البلاد. تساهم مصادر الطاقة المتجددة ب 15% من احتياجاتنا من الكهرباء بينما نرى ايسلندا قد وصلت إلى نظام للكهرباء والتدفئة يعتمد بنسبة 100% على الموارد المستدامة.

راودتني الشكوك في البداية وعندما خططت لزيارة تلك البلاد أدركت أنها تعتمد بشكل كبير على السيارات ولا تمتلك نظاماً كبيراً للمواصلات العامة. وتمتلك في الواقع رابع أعلى نسبة سيارات على مستوى العالم بالنسبة لعدد السكان بنسبة سيارة واحدة لكل 1.2 شخص ويبقى النفط المكرر المادة المستوردة الأولى بقيمة 570 مليون دولار.

ولكن هذا التحول كان درامياً وسريعاً منذ سبعينات القرن الماضي حيث شكل الوقود الأحفوري المصدر الأساسي للطاقة. تحول الوضع اليوم إلى تأمين 71% من الطاقة عبر الطاقة المائية و29% للطاقة الجيوحرارية ونسبة 0.01% للوقود الأحفوري. وهذا يعني 100% من الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة وبالتحديد 99.99% وهو رقم مبهر بالنسبة لدولة تمتلك أعلى نسبة استهلاك طاقة بالنسبة للفرد على المستوى العالمي.

سفيربرس ـ شلال جولفوس بتدفق 140 متر مكعب في الثانية

هيلي شيدي-ثالث أكبر مصنع طاقة جيوحرارية في العالم.

تؤمن ايسلندا 87% من احتياجاتها من المياه الساخنة ومتطلبات التدفئة عبر الطاقة الجيوحرارية. يتم حفر آبار بعمق 2000 متر في الأرض للوصول إلى مياه تبلغ درجة حرارتها 300 درجة مئوية بحيث يشغل هذا البخار التوربينات ويولد الكهرباء.

يستخدم الماء الساخن أيضاً لتسخين مياه الأمطار عبر مبادل حراري لإزالة المحتوى الكيماوي. يتم نقل تلك المياه مباشرة إلى منازل العاصمة ريكيافيك عبر شبكة من الأنابيب المعزولة التي تتدفق بدون مضخات وتصل بالتالي إلى المنازل بدرجة 80 درجة مئوية حيث لا تفقد أثناء النقل سوى 2 درجة مئوية.

ويتم توريد 300 ميغاواط من الكهرباء للمنازل أي 10% من مجموع الكهرباء في ايسلندا.

سفيربرس ـ شركة أونباور في هيلي شيدي.

وللطاقة الجيوحرارية بعض المحاذير البيئية رغم كونها طاقة متجددة. إذ تنبعث بعض غازات الدفيئة مع البخار (أقل من 1%) على شكل ثاني أوكسيد الكربون وسلفات الهيدروجين (وهي الرائحة المماثلة لرائحة البيض الفاسد والتي تصادفك لدى وصولك مطار كفلافيك).

تتعامل شركة الطاقة أونباور مع تلك القضية بمسؤولية عبر اقتناص الكربون وعملية تعدين تستغرق عامين لتحويل الغاز إلى صخور.

بيوت محمية لزراعة البندورة.

يتم تحويل الفائض من المياه إلى قرى البيوت المحمية حيث تزرع البندورة والخيار والفريز على مدار العام متغلبة على الطقس الحاد ومحدودية ضوء النهار الذي تواجهه أيسلندا في الشتاء. لا يوجد الكثير من الحشرات ولذلك لا توجد حاجة للمبيدات الحشرية. ويتم استيراد النحل من أجل التلقيح.

وبعد تلبية احتياجاتها يتبقى الكثير من المياه الساخنة التي تستخدم لتدفئة مواقف السيارات والأرصفة والمسابح المحلية المكشوفة وهو نشاط ترفيهي ينعم به سكان أيسلندا.

سفيربرس ت بيوت محمية لزراعة البندورة.

كيف يعمل هذا النظام؟

تبين لي خلال رحلتي وجود ثلاثة عوامل تساعد على نجاح هذا النظام.

1-الجغرافيا الطبيعية(الفيزيائية).

تشتهر أيسلندا بثراء طبيعتها. إذ تتربع على حافتي صفيحتين تكتونيتين(وأقصد حيد منتصف الأطلسي) كما أن ربع الجزيرة نشط من الناحية البركانية.

تستخدم الشلالات والأنهار والأنهار الجليدية لتوليد الطاقة المائية كما أن الأرض أكثر سخونة بشكل طبيعي بسبب الموقع التكتوني مما يوفر فرصاً جيدة للطاقة الجيوحرارية. استفادت أيسلندا بشكل جيد من بيئتها ووفرت حالة دراسية مثيرة للإلهام لبقية العالم. ولكنها ليست الوحيدة في هذا المجال إذ تشاطرها 70 دولة في العالم في ذلك الإنتاج وإن بفعالية أدنى.

الدول العشرة الأولى في انتاج الطاقة الجيوحرارية.

2-التوجه الاجتماعي.

يشعر سكان أيسلندا بالفخر تجاه بيئتهم. ويقدرون أرضهم الساحرة إلى حد بعيد وجودة الحياة التي توفرها والتي أضحت مما تحسد عليه. كما أن الاستدامة تعتبر قيمة مهمة في حياتهم مما أدى إلى الاستخدام المسؤول لمواردها الطبيعية.

حديقة ثينجفيلير القومية حيث تلتقي الصفيحتين التكتونيتين.

3-خصائص السكان.

لا يزيد سكان أيسلندا عن 340000 نسمة يقطن ثلثهم في ريكيافيك ويعيش 94% من السكان في مناطق حضرية مما يساهم بتوزيع فعال للطاقة. كما أن المجتمع الأيسلندي مجتمع صغير وسهل التطبيع. وتجلى ذلك بالتحول السلس من الوقود الأحفوري والانتعاش بعيد أزمة عام 2008 والتي ضربت البلاد بشدة.

دروس للعالم من أيسلندا.

الدرس الأول والأهم هو كيفية استفادة الدول من بيئاتها الطبيعية بطريقة مستدامة. حاولت المملكة المتحدة انجاز ذلك عبر استخدام طاقة الرياح البحرية ولكنها تبقى طريقة غير مستقرة وذات تكلفة ابتدائية عالية.

الخريطة التكتونية العالمية.

لا تحظى معظم الدول بميزة التربع على صفائح تكتونية ولكن الطاقة الجيوحرارية متوفرة في كثير من المناطق. خذ على سبيل المثال البقعة الساخنة في هاواي التي شكلت قوس الجزيرة. يوجد في بريطانيا بعض البقع الساخنة الصغيرة وربما نتمكن يوماً ما من استخدام حلولاً تقنية متطورة للعثور على النشاط الجيوحراري في بريطانيا.

يتمثل أحد الحلول البديلة بشراء طاقة أيسلندا المتجددة الفائضة عن الحاجة عبر كبل تحت سطح البحر يدعى ايسلينك والذي يتعرض للتأخير بسبب البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). وتمتلك ايسلندا الكثير من الطاقة التي لم تستثمر بعد والتي تستطيع بيعها للآخرين. كما أن زيادة استخدام الموارد المتجددة يخفف التأثير الاقتصادي لأسعار النفط المتذبذبة ويساهم في تحقيق أهداف المملكة المتحدة في التغير المناخي. تخصص أيسلندا 80% من طاقتها المتجددة لإنتاج الألمنيوم ولكنها صناعة غير مستدامة ويبحثون هناك عن حلول خضراء مما يفتح فرص الابتكار أمام الجميع.

سفيربرس : ـ ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

المصدر:

https://medium.com/@sabrinakaurgill/iceland-a-model-for-sustainable-energy-a3ab640700b2

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *