إعلان
إعلان

النحت في فضاء الجمال ” أحمد البحراني نموذجاً” بقلم : د. محمـــود شُــبّر

#سفيربرس ـ بيروت

إعلان

ضمنَ نخبةٍ من الفنانين العرب: النحاتِ أحمد البحراني في بيروت

ضمن معرضِ مشتركٍ  في  غاليري ” آرت 56 “

المعرض ” رسالة مشتركة” لاستشرافِ موقفٍ شعبيٍّ وسياسيٍّ لهُ تداعياته على المزاج العام

شخصيةُ السيرك الشهيرة التي نراها كفقرةٍ رئيسيةٍ في عروضِ ” السيركات” العالمية، وتكونُ محوراً لاستقطابِ الأطفالِ لكي يُجبروا عوائلهُم للدخولِ إلى صالةِ عرضِ السيرك؛ المُبهِرَةِ بإضاءتها وموسيقاها التي تُداعِبُ مخيلةَ الصغارِ وحتى الكبار أحياناً؛ مستذكرينَ أيَّامَ طفولتهم، من خلالِ هذهِ العروضِ الترويحية، التي ينسى الإنسانُ معها همومَ يومياتهِ في زحمةِ الحياةِ المعقدة.

” البليادشو”:  المضحك والساخر

سفيربرس ـ النحاتِ أحمد البحراني

بتصرفاتهِ البليدةِ؛ وحركاتهِ الرشيقة؛ التي تحتاجُ أحياناً إلى الكثير منَ الجهدِ واللياقةِ الجسديَّةِ لكي يؤديها؛ كفعلٍ يكونُ بسيطاً للمشاهد، مثل: السقوطُ الحرُّ؛ أو المشي للوراء؛ أو فتح الساقين بأقصى درجة، وما شابهَ ذلكَ من تلكَ الحركاتِ التي تثيرُ الضحكَ في خيمة السيرك.

وبملابسهِ الفضفاضةِ الملوَّنةِ بألوانٍ تكادُ تكونُ مميزةً على صعيدِ اللباسِ الذي يرتديهِ اللاعبون الآخرون في السيرك، وكذلك (الميك اب) المستخدم في الوجهِ الذي يكونُ أقرب للسخريةِ منهُ إلى الواقع، حيثُ الكرة الحمراء على الأنف؛ والشفاهُ المبتسمةُ بمبالغةٍ تُثيرُ الانتباه… يكونُ ” البليادشو” مضحكاً وساخراً في ذات الوقت، بكلِّ حركةٍ أو إيماءةٍ يقومُ بها تحت حزمةِ الضوءِ الكاشفِ المُسلَّطِ عليهِ في ساحةِ العرض.

النحات أحمد البحراني ” و: البليادشو” أو (المُهرِّج)

وهنا أتساءلُ: ماذا لو تمكنت مثلُ هذهِ الشخصية أن تقودَ أو تُكلَّفَ بدورٍ قيادي؟ أو أن تكونَ مسؤولةً عن حياةِ مجموعةِ من الناس؟!..

أعتقدُ أنَّ الجوابَ سيكونُ نهايةً مؤلمةً وحزينةً موغلةً بالأخطاءِ ” الكارثيةِ” التي تنمُّ عن فوضويَّةٍ عارمةٍ تعتري المشهدَ الذي يتزعمهُ ” البليادشو” أو (المُهرِّج) كما دَرَجَتْ تسميتهُ في العراق؛ البلد الأم للنحاتِ العربي أحمد البحراني؛ الذي يُشارِكُ الآن ضمنَ نخبةٍ من الفنانين العرب في بيروت؛ بمعرضِ مشتركٍ  في  غاليري ” آرت 56/الجميزة” والذي يُعدُّ من ” الغاليريات” المحترمة، والتي تمتلكُ سياسةً ورؤيةً في طروحاتِها الفنيَّةِ والجمالية، وهذا ما تؤكدهُ السيدة صاحبة ” الغاليري” وشقيقتها واللتين تربطني بهما علاقة مودةٍ واحترامٍ، مستنبطة من خلال ما يتبنينهُ من عروضٍ مميزةٍ لأسماء مهمة، ليس الهدفُ منها الربحُ والمتاجرة، وإن كان ذلك الأمرُ حقاً مشروعاً لأي ” غاليري” أو صالة عرض في العالم.

” الآرت 56″ وترسيخ ” الفنِّ الجاد”

حيال هذا التوجه فإن ” الآرت 56″ تسعى جاهدةً لترسيخ مفهوم الفنِّ الجاد، ولا أعني بكلمةِ ” الجاد” هنا أن يكون تحت سقفٍ او مُسمّى بعينهِ؛ مؤثِّراً على مساحة الحريةِ للإبداع؛ وإنما عنيتُ بهذا التوصيف: الفنَّ الذي يكونُ قد احترقَ في بوتقةِ التجريبِ والتأثيثِ المعرِفي، ليكونَ مؤسساً لذاتٍ جديدةٍ غير مزيفة وليست مقلِّدةً لآخرين.

” البحراني” ينأى بنفسه عن (الاحتكار)

وفقاً لهذهِ المعايير التي تتبناها صالة ” الآرت 56″ جاءَ اختيارُ البحراني، وكما أعتقد فإنَّ هذا اختيارٌ صائب، لمعرفتي الوثيقة بـ” البحراني” الذي ينأى بنفسه عن (الاحتكار) الذي يتبناهُ أصحابُ صالاتِ العرض، والذي يكونُ سلاحاً ذي حدين بالنسبةِ للطرفين: الفنان و ” الغاليري”. باكورةُ هذا الاتفاق كانت هذا المعرض المشترك الذي افتتح تزامناً مع أحداثِ الاحتجاجاتِ التي بدأت في ” تشرين الأول” الماضي ولا تزالُ قائمةً في بيروت، وكذلك الحال في بغداد، وكأنَّ هذا المعرض ” رسالة مشتركة” عكفَ على كتابتها أحمد البحراني ونهى، لاستشرافِ موقفٍ شعبيٍّ وسياسيٍّ لهُ تداعياته الحادة على المزاج العام، وبجميعِ تمظهراتهِ في هاتينِ المدينتين.

البحراني بين عملين: ” البليادشو” و: ” فيروز”

سفيربرس ـ النحاتِ أحمد البحراني

وهنا كان البحراني كفنانٍ محترفٍ يعرفُ ماذا يريدُ من خلالِ اختيارهِ لعملين، الأول: ” البليادشو” (المهرج).. والثاني: (فيروز)، فهو هنا اختار أيقونتين مُهمَّتين في الحضور لدى المتلقي، مختلفتين في الأداء، إذ أنَّ شخصيةَ المهرج وكما أشرتُ بدايةً تثيرُ السخريةَ؛ وتدلُّ على البلادةِ والغباءِ في تسييرِ أمورهِ الشخصيةِ، وهو أجلسهُ على هرمٍ من الخراب، ما يُذكرني بأحدِ الأعمالِ العالميةِ التي تشيرُ إلى الإمبراطور الروماني الشهير(نيرون) الذي حرق روما بيدهِ ظناً منهُ أنَّهُ سوف يجدُ مخرجاً لأزماتِ الإمبراطورية التي ما فتأت تنهارُ وتصبحُ فِعلاً مِنَ الماضي.. إشارةً لما ينطوي عليهِ الوضعُ السياسيُّ العربي بشكلٍ عام؛ والعراقي بشكلٍ خاص، حيثُ أنَّ المُهرِّجين اللذين تسيَّدوا على مصائرِ الشعوبِ أوصلوهم إلى مستوياتِ الفقرِ والتخلُّفِ والأميةِ، بسببِ سوءِ إدارتهم، وكذلكَ تصرفاتِهِم البهلوانيةِ التي جعلت كلَّ ما يُحيطُ بهم عبارةً عن خراب.

والعملُ الثاني هو: ” السيدة فيروز” ذلكَ الرمز اللبناني الذي يفخرُ بهِ اللبنانيونَ جميعاً ناهيكَ عن العرب الذين اعتادوا حضورها الصباحي البهي، وهنا أعتقد أنَّ صوتَ فيروز كانَ حاضراً في احتجاجاتِ بيروت؛ التي تطالبُ بتجاوزِ الطائفية، فذلكَ الصوتُ كانَ عابراً للطائفيةِ، وهي التي كانت مع (شادي ) تحلمُ بوطنٍ لهُ هويتهُ التي تميّزها شجرةُ الارزِ الخالدة.

البحراني تجاوزَ جغرافيتهُ الى أمداءَ أوسعَ في خطابهِ الجمالي

ختاماً أقول: إنَّ عقلية الاحترافِ التي يعملُ تحتَ سقفِها البحراني كنحاتٍ تجاوزَ جغرافيتهُ ليصلَ الى مديات أوسعَ في خطابهِ الجمالي، هي التي جعلتهُ يختارُ منحوتتينِ تعبرانِ عن ضميرِ ووجدانِ المرحلةِ التي تمرُّ بها الأمةُ، غير متناسٍ بطبيعةِ الحالِ الجانبَ الجماليَّ الذي يحرصُ أن يكونَ حرَّاً فيهِ حيثُ أنهُ من الشجاعةِ أن يُظهِرَ لمُحبيهِ ومُريدي نتاجِهِ كلّ فترةٍ بلباسٍ جديدٍ تحكمهُ ذائقتهُ أولاً، والتي من الصعب أن تستقرَّ في مكانٍ دون آخر، وكذلك ذائقة العصرِ الذي يغوينا بسرعتهِ الفائقةِ في التطورِ إلى آفاقٍ واسِعة بكلِّ لحظة.

# سفيربرس ـ بقلم :  الدكتور محمود شُبّر

فنان التشكيلي العراقي

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *