إعلان
إعلان

هل استطاعت الرواية السورية مقاربة واقع الحرب على سورية ؟! ـ بيانكا ماضيّة

#سفيربرس ـ استطلاع رأي

إعلان

ما الذي دفع ببعض الكتّاب والأدباء إلى الكتابة الروائية عن الحرب في بدايتها وأثناءها وقبل أن تضع الحرب أوزارها؟! ما الذي قالته المدونة الروائية السورية بمجملها في تناولها ثيمة الحرب؟! هل ينتسب كل ماكتب من روايات بأقلام سورية إلى الفن الروائي أم أنه بإمكاننا القول هي مجرد كتابات سرديّة كان الثأر والانتقام وتصفية الحساب من السلطة هدفها بغية استثمارها إيديولوجياً وسياسياً ولهثاً خلف جوائز ماعادت تنتمي إلى مايسمى اصطلاحاً “جوائز الأدب الروائي”؟!
يستطيع المتابع لما ينشر في المواقع الإلكترونية (العربيّة) والصحف والمجلات التي تصدر خارج سورية أن يدرك مدى اهتمامها وتظهيرها لتلك الروايات التي تناولت الحرب على سورية من وجهة نظر أحادية الجانب والتي غلب عليها الطابع الإيديولوجي لضرب وتشويه الدولة السورية ، فبمجرد أن يقرأ المتابع الأسطر الأولى لتلك المقالات المدبّجة بعناوين برّاقة، قافزاً إليه مصطلح ماسمّي زوراً (الثورة السورية) حتى ليدرك ماتناولته تلك الروايات بعيداً عن الحقيقة والواقع وأقرب إلى التضليل الروائي – إن صح التعبير- حتى ليصدم في تناولها مصطلحات من مثل (العنف) والتي لاتمت إلى الواقع بصلة، متناسية أو مشيحة النظر عن العنف الأصولي الذي صدّرته أمريكا وأعوانها من دول الغرب، ذاك العنف الذي شهدته سورية عبر الأحداث الدموية التي طالت أغلب المدن والقرى والبلدات وأهلها، والذي أصبح معروفاً وواضحاً ومعترفاً به حتى على لسان من كان مشاركاً في هذا الخراب الإنساني والحضاري لسورية.
في هذا الاستطلاع قامت ” الجماهير ” بأخذ آراء نقاد وباحثين وروائيين سوريين اشتغلوا على المدونة الروائية السورية، نقداً وتحليلاً، وعلى الحرب كتابة روائيّة، نجد أن أغلب الآراء قد أجمعت على أن تلك الروايات لم يكن لأصحابها صوت قبل الحرب في المنجز الروائي السوري، وأنهم – أي كتّاب الرواية- لم يميزوا بين الحكاية والرواية، وأن دور نشر عربية وغير عربية قد تواطأت مع أصحابها فصنعت منهم كتّاب رواية (معارضين) وهم لايملكون أي مشروع ثقافي، وأن ماكتبوه كان خيانة للواقع وابتعاداً عن عالم الفن الروائي والمسؤولية الفنية، فكانت تلك الروايات مجرد خطاب سياسي إيديولوجي سقط سقوطاً مدوياً، وقد جمع بين التوثيق المزور والتخييل المصطنع فوقع في هاوية المباشرة والثأرية والتقريرية وبالتالي فقد عنصرين هامين ألا وهما الفتنة والمتعة الروائيتين. بينما الروايات التي تناولت الحرب على سورية من وجهة نظر أدبية، إبداعية، وإنسانية كانت قليلة جداً مقارنة بذاك العدد الهائل من الروايات والذي زيّف الحقيقة والواقع معاً.

– المبالغة وخيانة الواقع
الدكتور أحمد الدريس، رئيس مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية‏ في الحسكة يحدثنا عن الأعمال الروائية التي تناولت الحرب بالقول: تنازع رواية الحرب على سورية اتجاهان: واحد منحاز إلى الخراب تحت عنوان سياسي مفضوح، وآخر منحاز إلى الحياة تحت عنوان إبداعي..وبين النقيضين ولدت العديد من الروايات، غير أن روايات الخط الأول كانت الأكثر عدداً بحكم الدعم الذي قدم لأشباه الكتّاب، وذلك في إطار الاشتغال على تشويه الحقيقة وتزييفها، مايدفع إلى تقرير أن روايات الخراب قدمت نفسها كمناشير سياسية وإعلامية في قالب سردي فج لا يخلص لقيم الفن، وحسبنا العودة إلى عشرات الروايات التي صدرت عن دور نشر مغمورة وأخرى مشهورة لنرى أن أغلب كتاب هذه الروايات هم نكرات ليس لهم بصمة سابقة في عالم الرواية السورية مثل أيمن مارديني وإسلام أبو شكير وسوسن حسن وعبدالله مكسور وعبد المجيد فياض وخالد خليفة وابتسام تريسي إلى جانب أسماء مجهولة النسب تم تلميعها من قبل نقاد معروفين مدفوع لهم، كما جرى حين منحت رواية (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) لخالد خليفة جائزة نجيب محفوظ للأدب عام 2013 كما دخلت في القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2014.
ومن المراجعة النقدية لبعض ماتابعناه من هذه الروايات نجد أنها قد سقطت غالباً في شرك الانفعالات اللحظية المزيفة، وحقنت بالمبالغة وخيانة الواقع امتثالاً للعبة السياسية واشتراطات الإعلام المضلل، بمعنى أن ما كتب كان مجرد خطاب أيديولوجي سياسي انفعالي مصوغ بأسلوب فني فقير بمقتضيات الكتابة الروائية.
إن واقع المدونة الروائية السورية التي حملت في ظل الحرب رائحة العفن الأيديولوجي والطائفي يشي بأنها رواية المباشرة المقيتة والثأرية، وهذا مانلمسه في مفردات الهجاء والشعارات وحشد الأحداث المزيفة، مايحيلها إلى تاريخ محرّف بامتياز، فهناك اعتداء صارخ على مفاهيم السرد كون أغلب روايات الخط الأسود جاءت هجينة تجمع بين التوثيق المزور والتخييل المصطنع، بل إن هذه الروايات هيمنت عليها اللغة السياسية على حساب المتخيّل. وفي هذا السياق أرى أن استعجال المواكبة وعدم انتظار تراكم الأحداث قد أسقط أغلب هذه الروايات في حقل الدعاية الإعلامية، فهي أشبه بنشرات أخبار مجمّعة بطريقة سردية ضحلة، إلى جانب دورها الوظيفي المرسوم في تشويه الواقع لإحداث التعاطف

بالتضليل والمراوغة.
إن أروع الأعمال الروائية هي التي لاتكون وليدة الصدمة، وإنما وليدة الاختمار، ولا تكون وليدة الانفعال المتولد عن الأحقاد المسبقة وإنما تكون ابنة التفاعل بين مركبات الواقع والمتخيّل الذي لايحيل إلى الهلوسات اللفظية الفارغة.ولعل ما أنتجه الروائيون بعد الحرب العالمية الثانية وبعد حرب فيتنام وسواهما من الحروب قد عكس بوضوح أثر تراكم الأحداث في صياغة روايات تخلص للواقع وقيم الفن في آن، وهو ماتحتاج إليه رواية الحرب السورية.

ثمة ذهنية ثأرية تحكم الخطاب الروائي
يتوقف الدكتور نضال الصالح، الأستاذ الجامعي والناقد والروائي، عند هذا المنجز الروائي، من خلال متابعته للكتابة الروائية السورية، بالقول: شهدت السنوات التسع التي مضت ممّا أصطلح عليه في كتابي الذي سيصدر قريباً بالجحيم السوريّ فورة كبيرة في الكتابة الروائية التي زادت على أربعمئة وخمسين نصّاً، يستطيع المتابع لها القول من دون تردد إنّ ثلثيها لا صلة له البتة بفنّ الرواية، بل هو محض حكايات لا ترقى إلى مرتبة الإبداع، ومسوّغ ذلك هذا الجحيم نفسه المثخن بغير مفارقة تكشّفت السنوات التسع عن بعض قيحها، وليس عن كلّه، ومنه سقوط غير قليل من أشباه المثقفين في مستنقع الأكذوبة التي سميت زيفاً وبهتاناً بالربيع العربيّ، ومنه تقافز غير القليل منهم بين خندق وضده بآن، وإلى الحدّ الذي احتشدت الثقافة العربية، ومنها السورية، بمن يمكن وصفهم بالجراء الصغيرة التي شاءت أن تستنسر من دون أن تملك سوى جناحيّ خفّاش.
لقد انتهيت، وأنا أتابع الكتابة الروائية السورية، ما ينتمي منها إلى الحقيقة وما ينتمي إلى المجاز، إلى غير نتيجة من أبرزها أنّ رواية الجحيم السوريّ لمّا تزل رهينة وهم الانحياز إلى موقف الكاتب من الأكذوبة لا الانحياز إلى الواقع، وإلى أنّ ثمة ذهنية ثأرية تحكم خطاب الكثير منها، وقبل ذلك إلى ترديها في قاع الحكاية بوصفها حكاية وليس بوصفها فناً.

لديّ الكثير ممّا يمكن قوله في هذا المجال، بل ممّا يتوجب قوله، ومن ذلك أنّ اختلاطات الواقع الذي دنّسته الحرب بحوافرها تركت آثارها الواضحة على المنتج الروائي السوريّ الذي سقط الكثير منه تحت وطأة هذه الاختلاطات، ولاسيما عبيد الأكذوبة وعشّاقها “الميامين”، ولا سيما أكثر عبدة الموقف الوسط، والقول الوسط، والرؤيا الوسط، بل الرؤية بعين واحدة، ضالّة ومضلّة بآن، ومرهقة بالغبش وربّما العمى شأن شقيقتها المدقعة في قطيعتها مع الضوء، وأحسب، بل أؤمن، بأنّ مصائر هؤلاء وأمثالهم سقْط التاريخ.
اسمحي لي أن أنقل إليك بعضاً من النتائج التي انتهيت إليها وصدّرت بها الفصل الأول من كتابي

“سرديات الجحيم، الحرب في الرواية السورية، لعلّ ذلك يلقي الضوء على بعض ما ينشغل به سؤالك عن موضوع الحرب في المدونة الروائية السورية. بلغ عدد كتّاب الرواية خلال المرحلة الممتدة من بداية الجحيم إلى الآن مئتين وواحد وستين كاتباً وكاتبة، وهو عدد لم تشهده التجربة الروائية السورية في أيّ عقد كامل من تاريخها، بل خلال عدة عقود، ومن العدد المشار إليه آنفاً واحد وستون فقط كانوا يكتبون وينشرون قبل مطلع عام 2012، بل قبل بداية العقد الثاني. أي أنّ ثلثي هذا العقد شهد ظهور ما يزيد على مئتي صوت جديد في عالم الكتابة الروائية، وهو عدد لم يقدّمه أيّ عقد كامل من عقود التجربة الروائية السورية، بل مجموع ثلاثة وأكثر، وغير قليل من الروائيين الذين عرفهم المشهد الروائي السوري قبل بداية الجحيم لم يصدر له أيّ نصّ روائي خلال هذه الفترة، على الرغم من تباين مواقفهم من الجحيم، وليس أخيراً أنّ معظم الأصوات الروائية الجديدة لم يكن له أيّ حضور في المشهد الثقافي السوريّ، داخل سورية أو خارجها، بل ظهر على نحو مفاجئ في هذا المشهد، وعبر أكثر الأجناس الأدبية حاجة إلى مقدّمات ترهص به، وتشير إليه، وقبل ذلك إلى ثقافة عالية في مجاله، أي الرواية.

على الروائي أن يمتلك إمكانيات فهم الواقع
أما الناقد الدكتور عاطف البطرس فيشير في كلامه عن الرواية والحرب إلى المخاطر التي تقف أمام الرواية السورية ومايتوجب على الروائيين فعله، قائلاً:
يحيل سؤال الرواية والحرب إلى سؤال أوسع وأعمق وهو علاقة الرواية بالواقع وهل هي قادرة على استيعاب شموليته وتقديمه بأشكال فنيّة تتجاوز معطياته وتتخطى تفاصيله باتجاه تعميمات فنيّة ونظرية؟!.
تاريخ الرواية يثبت أنها من أقدر الأجناس الأدبيّة على التعامل مع الواقع بكل تناقضاته وتشابكاته. الحرب الدائرة في سورية وعليها شديدة التعقيد وبعيدة الأهداف وفيها قوى داخليّة وإقليميّة، وعليه، على الروائي إذا ما تصدّى ليس لتصوير وثائقي لمجريات هذه الحرب وإنما لإبداع فني، أن يمتلك أولاً إمكانيات فهم الواقع ليتسنى له التعامل معه فنيّاً.
ويتابع: أمام الرواية السورية مخاطر كبرى في تصديها لهذا الموضوع كي لاتتحوّل إلى الوثائقيّة على أهميتها، ثم عليها أن تقدّم نفسها ليس للوقائع كما هي، فهي موجودة أمام أعيننا، وماشهدناه من مآسٍ وأوجاع وخراب ودمار، يطرح على الروائي مسؤولية فنيّة كبرى بحيث يستدعي أن يكون العمل الفني ليس صورة فوتوغرافية عن الواقع، وإنما إعادة صياغة له تحمل إلى المتلقي الفائدة والمتعة.
الروايات الكبرى التي تخطّت الزمن كرائعة تولستوي (الحرب والسلام) أو أعمال آرنست همنغواي، لم تكتب في معمعان الحرب وإنما كتبت بعد فترة منها، وبالتالي توفر للمبدع ماتتطلبه العملية الإبداعيّة من تفاعلات داخل ذات الكاتب الإبداعيّة. مجمل الأعمال التي أتيح لي الاطلاع عليها لاترقى إلى مستوى رواية الحرب العالميّة مع أن الحرب التي عشنا أوّارها لاتقل في تفاصيلها وفي كليتها عن الحرب العالمية الثانيّة مثلاً والتي لم تدم أكثر من أربع إلى خمس سنوات، لذلك لانستخف بالجهود المبذولة لمعالجة هذه الموضوعة فنيّاً. لكننا نتوخى من الروائيين أن يقدموا لنا أعمالاً لاتوثّق فقط، وإنما تعيد إنتاج ماشاهدوه فيزيائياً بأعينهم وتحيله خلقاً كيميائيّاً يترك تأثيره فينا وفي الأجيال القادمة.

– التمايز والتغاير معدومان
أما الدكتور صلاح الدين يونس، رئيس فرع اتحاد الكتّاب العرب في اللاذقية، فإنه يتوقف عند هذه الأعمال ليعطيها حقها من التوصيف والحكم قائلاً:
أولاً: الرواية التي تمّت كتابتها عن الحرب على سورية كانت بمثابة معالجة الطبيب لمريضه من دون أن يُجري له تحليلا مخبرياً، أو صورة شعاعية، فكان الدواء الموصوف لغير الداء أو العارض للمريض.
ثانياً: معظم من كتب الرواية في ظروف الحرب ليس لديه مخزون مقروء من الأعمال الروائية “الأستاذية” عالمياً وعربياً، وليس لديه مهارة في التعامل مع اللغة تعاملاً فنياً، ومن خلال ماقرأته من أعمال وجدت أن الكتُاب لايميّزون بين “الحكاية”وبين “الرواية” فلكل منهما أصول وفروع.
ثالثاً: الاستسهال حكم هذه الكميات المتراكمة المتركزة حول المتشابه والمتماثل والمتناسخ، فكانت الكتابات التي تدعي أنها روايات بمثابة موضوعات تعبير الطلبة في المدارس نمطاً لغوياً، فكرة مكررة، نهاية متتالية، وكأن التمايز أو التغاير معدومان.
رابعاً: لم يستطع الكتاب المحليّون وهم يكتبون عن الحرب الربط أو التوصيل بين”الداخل” و”الخارج” كعلاقة جدلية تحكم المحلي بالعالمي، والشرق بالغرب، سياسياً اقتصادياً ثقافياً.
خامساً: مارست دور النشر دور البغاء العلمي من خلال اصطناع الرواية والروائيين من خلال الربح التجاري، والدور هنا متواطئة على نوعين من التواطؤ، الأول قسري من خلال الجهل وانعدام المستشار العليم لها. والثاني تواطؤ طوعي كدور النشر اللبنانية التي صنّعت الكاتب السوري المعارض وهو بالأصل لا يلوي على أي مشروع ثقافي.
سادساً: المؤسسات الثقافية النفطية الرجعية منحت الجوائز لأنصاف المتعلمين وللأدعياء كحلقة من حلقات التآمر على الوطن السوري حتى غدا الكاتب المعارض”نجماً” في الأروقة الثقافية وهو بالأصل إنسان محدود علمياً وفنياً.

– خطاب سردي محكوم بالعداء وتصفية الحسابات
الدكتور الناقد نذير جعفر يحدثنا عن مستويات رواية الحرب السورية، قائلاً: رواية الحرب ليست مجرد رصد وتسجيل للوقائع اليومية، أو لما تفرزه من مآس يعرفها الناس ويعيشونها ويروونها، بل هي معنية في المقام الأول بالتوغل في تداعياتها العميقة على المستويين: الاجتماعي والنفسي، وتصوير ما أحدثته من شروخ وتبدّلات درامية في النفوس والمصائر. ولعل ذلك ما يسوّغ مشروعية الكتابة لقول ما لم يقله أو يَروِه الآخرون، وكشف الأعماق القصيّة والتحوّلات الخطيرة في المواقف والعلاقات الإنسانية، بأساليب وتقنيات جديدة ومخيّلة تكسر الرتابة والمألوف ولا تقف على السطح بقدر ما تجترح معجزتها في اكتشاف الجوهر وصياغته بما يحقق المتعة والتشويق والمعرفة ويرتقي بالشعور الإنساني إلى عرش النبالة والجمال ومحاربة النذالة والقماءة. وهذا النوع من مقاربة رواية الحرب على سورية نكاد لا نعثر عليه وإن وجد فهو نادر ، لذلك يمكن القول إن في المدونة الروائية السورية مستويات عدة في مقاربة الحرب أولها استعاد أحداث الصراع في الثمانينيات مع قوى التطرّف الديني في سياق حبكة سردية سيرية تنسج خيوطها بين الأمس واليوم مكتفية بتسجيل وقائع معروفة عن الاغتيالات والتفجيرات والمواجهات المسلحة، وينجرف النوع الثاني من تلك الروايات إلى مستوى التقارير البعيدة عن فنية وجمالية العمل الروائي موجها خطابه السردي في سياق إيديولوجي مباشر محكوم مسبقاً بالعداء وتصفية الحسابات وليس بصدقية الفن. واكتفت روايات النوع الثالث من رواية الحرب بدور الشاهد الذي يدون يومياته ومشاهداته ناظرا إلى الحرب بوصفها عملا وحشياً وانفلاتاً للقوى الغريزية العمياء واضعاً طرفي الحرب في كفة واحدة!

– معظم الأعمال الروائية يفتقد إلى شروط العمل الفني
الباحث الأكاديمي يحيى زيدو، يشير في كلامه إلى ما تتصف به الأعمال الروائية السورية من ضعف وتحريض وتشويه للواقع، إذ يقول: هناك شكل من أشكال الأدب يُطلق عليه توصيف (أدب الحرب)، ويُقصد به الأدب الذي يُكتب عن الحروب، أو في الحروب، أو خلالها لإظهار وحشية الحرب، وتأثيراتها الكارثية على المجتمعات والأفراد على المستويات كافة.
منذ بدايات الأحداث السورية ظهرت أعمال أدبية متنوعة تناولت الحرب السورية (أنا أفضِّل تسميتها الحرب على سورية)، وكانت هذه الأعمال على شكل خواطر ويوميات وجدت مساحة لها في بعض الصحف اليومية، وفي الشبكة العنكبوتية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ العام 2012 بدأت تظهر أعمال روائية وقصصية تتناول الحرب السورية، ليس من موقع إظهار كارثية الحرب وأخطارها على الإنسان والمجتمع، بل من موقع إدانة فئة أو مؤسسة أو جماعة اجتماعية أو دينية أو طائفية أو عرقية أو سياسية.
وكانت معظم تلك الأعمال تفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات العمل الأدبي (الروائي أو القصصي)، لأن معظمها كان أشبه بخطاب تحريضي يطلقه الطرف الآخر ضد الدولة السورية ومؤسساتها، وضد البيئة الاجتماعية الحاضنة للجيش السوري، الذي تعرض، بدوره، لحملة مغرضة شعواء أرادت تشويه صورة المؤسسة العسكرية التي تدافع عن سيادة البلاد، وتقاتل ضد الإرهاب الذي يستهدف المدنيين.
وقد لعبت مؤسسات إعلامية وأدبية ودور نشر، تقف خلفها جهات سياسية، في تسويق وانتشار الأعمال (الأدبية) التي تضرب بالدولة السورية ومؤسساتها، في مقابل التعتيم الكامل والتضييق على الأعمال الأدبية التي تناولت الحرب وأخطارها وآثارها من وجهة النظر الأخرى.
وإذا ما نظرنا إلى مجمل الأعمال الأدبية التي ظهرت خلال سنوات الحرب السورية، فإننا سنصاب بالخيبة، لأن معظم هذه الأعمال يفتقد إلى الحد الأدنى من شروط العمل الفني الإبداعي، وربما لا تساوي الحبر الذي كُتبت به. في مقابل نسبة قليلة من الأعمال الأدبية التي تتوافر فيها مقومات وعناصر العمل الإبداعي، حتى وإن اختلفنا في مضمونها، أو التوجه السياسي لكتٍابها.
من هنا يمكن القول بأن الكثير من الأعمال الأدبية التي ظهرت خلال الحرب لا يجوز إدراجه في ما يسمى (أدب الحرب) بل يمكن إدراجه تحت مسمى (الأدب الإيديولوجي) الذي ينبني على فكرة عقائدية (إيديولوجية) وينتهي بانتهائها. وهناك نموذج لهذا الشكل من الأدب هو (الأدب السوفياتي) الذي كُتب خلال الحقبة الشيوعية، وتحول إلى مذهب أدبي باسم (الواقعية الجديدة) أو (الواقعية الاشتراكية). لقد ظهرت عشرات آلاف الروايات التي تمجد الشيوعية، قليل منها هو الذي بقي، لكن معظم هذا الأدب انتهى بانهيار الاتحاد السوفياتي، وسقوط الأنظمة الشيوعية في العالم، واليوم ربما باستثناء (تورغينيف) وبضعة كتّاب آخرين لن نجد كاتباً من تلك الحقبة له قيمة أدبية حقيقية.
هذا الأمر ينطبق على كثير من روايات الحرب السورية التي كتبها أدباء بعضهم معروفون، وكثير منهم يدخل حقل الأدب للمرة الأولى خلال سنوات الحرب الماضية.
لكن ذلك لا يعني عدم وجود أعمال مميزة تناولت الحرب السورية من وجهة نظر أدبية، إبداعية، وإنسانية بعيداً عن دوغمائية الأيديولوجيا وأوهامها، وحاكمت هذه الأعمال الحرب برؤية فنية خلاقة عالية المستوى، مثل رواية (إيميسا) للدكتورة هلا أحمد علي، وروايتي (الوحل) و(العتق) للأديب محمد حسين، و(حارس الفلة البنفسجية) للقاص والأديب مفيد عيسى أحمد، وآخرون غيرهم.
ويردف بالقول: إن الأدب الذي ظهر خلال سنوات الحرب السورية ربما سيحتاج وقتاً لتناوله، وبيان مدى جدارته بالبقاء أو الاندثار، وهذا ربما لن يحصل قبل توقف الحرب، وإعلان انتصار الدولة السورية على الإرهاب بعد تحرير كل المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون خلال السنوات الماضية.
ولعل ما يحصل اليوم في إدلب، وآخرها تحرير مدينة سراقب، يبشر باقتراب إعلان هذا النصر الكبير.
– انتصار الإيديولوجيا السياسيّة على الحقيقة
الكاتب القصصي كفاح رزوق، يتوقف عند ملامح الكتابة السورية بشكل عام، وعند العوامل التي منعت الرواية السورية من مقاربة واقع الحرب على سورية، إلا نادراً، بالقول:
إن ما أتابعه من كتابات جعلني أعتبر أن هناك ملامح واضحة للكتابة السورية وفي القادم منها ستزداد وضوحاً، وهي على الشكل الآتي:
1- انتصار الإيديولوجيا السياسية على نصرة الحقيقة مما جعلنا نشاهد شرخاً واضحاً بين عيّنتين من المثقفين إحداها من نجح في الخروج من البلد فانقلب على كل ما كان يؤمن ب من مبادئ وثوابت وبايع العملاء آملاً بأن يصبح هو مثقف الثورة (كما ادعى وتوهم) وأصبح يجافي الحقيقة ويشارك في رسم الصورة الشيطانية لسورية. أما العيّنة الثانية فقد انخرطت في جحيم المعاناة الاقتصادية لتصب جام غضبها على المرافق والمؤسسات العامة، وبعد أن طال الحرب زادت معاناتها وانصرفت لنقاش الهم المعاشي بينما تنفرد العينة الأولى بتشويه الصورة السورية.
2-برزت فئة صغيرة العدد من المثقفين احتارت الاندماج لأي الطرفين وفضلت التطرق إلى أفكار ليس لها علاقة بمنحى الحرب آملةً بالغلبة لأحد الطرفين لتسارع بالانضمام إليه.
3-بروز عامل التهميش للرواية السورية عربياً وإهمالها محلياً.
4-العامل الاقتصادي كان له الحصة الأكبر في رؤوس المثقفين فانشغلوا به عن السبب الرئيسي لهذا التدهور.
5- التشتت العائلي والنزوح والهجرة والمخيمات كلها كانت مواد دسمة وأفكار لروايات لم تلد بعد لكنها ما تزال تنتظر.
كل ذلك وأمور أخرى أيضاً كان لها دور قوي في منع الرواية السورية من مقاربة واقع الحرب على سورية.

#سفيربرس ـ بيانكا ماضيّة ـ الجماهير

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *