إعلان
إعلان

” ظلال ” علي العقباني – الشكل والمضمون- بين الكاتب والمخرج ـ بقلم : د. آداب عبد الهادي

#سفيربرس

إعلان

عن دار كنانة للطباعة والنشر والتوزيع أصدر الكاتب والمخرج التليفزيوني والسينمائي علي العقباني مجموعته الشعرية الثانية (ظلال) في العام الفائت، وجاءت المجموعة في 102 صفحة من القطع المتوسط ، وتضمنت سبعة ظلال عن الشام والحب والغياب والوفاء والحرب والحنين والألم وختمها بظل ثامن ، ظلها هي….ظلها العالق به إلى الأبد، كما قال في الإهداء في الصفحة الأولى من المجموعة.
الظل الثامن جاء في صفحة بيضاء مذيلة بعلامة استفهام وأخرى تعجب ومعنونة بكلمة ظلها وترك للقارىء التبحر في ظلها كما يراه وكما يتمناه ، وهنا يلعب الكاتب لعبة المخرج السينمائي الذي يترك للمشاهد، الفيلم بدون نهاية متوقعة أو بدون حل ليمنحه حرية التفكير وحرية وضع الحلول.
وهذه الميزة عند الكاتب المخرج، قد لا تخطر على بال الكاتب غير المخرج أو الكاتب الذي اقتصر فقط على فنون الكتابة الأدبية وحسب.
من الظل الثامن الذي سطره الكاتب بدون كلام، وبدون أي حرف ينطلق إلى الظلال السبعة(فلاش باك المخرج) ومن الظل الأول نستشف أنه يتحدث عن الشام وأبوابها السبعة ، الشام تلك المدينة المعشوقة والعاشقة ، المتأصلة في العشق والتي ترخي بظلالها الوارفة على قلوب وأرواح العشاق والهائمين في سماء الحب والعشق فيتماهون معها وينصهرون بعبقها ويصبحون ظلا لظلها(يقول الكاتب في قصيدته الأولى -ظل الشام-
(وحدها … – طرقات الشام تعرفني)
ويقول في مكان آخر
(أمنياتي الصغيرة نامت على أدراجها
قلت لها- يكفيني أن تفتحي ذراعيك
وتقولي روحي بالانتظار
(تعرفني واعرفها كما لو أنني هي (
أغفو قرب أهدابها…كغريق يتعلق بروح
وفي مكان آخر من ظل الشام يقول الكاتب
حتى قلبي لا أستطيع التأكد من خفقاته
من دون أن يكون اسمك حاضرا فيه
على أبوابها السبعة رسمت صورتها
كلما ناديتها
اهتزت حجارتها
ونامت روحي وحيدة في أزقتها
القصيدة جميلة يتبعها بالظل الثاني ( ظل الحب) ويقول في موضع منه
(ظلك….هو آخر ما كنت أحتمي به من الموت) يخاطب الشام في ظل الحب كامرأة معشوقة مستخدما الدلالات المادية والصفات الانثوية والايحاءات الجسدية كقوله (تمسكين معصم القلب بأوردة يديك ) وقوله(تمدين لي ما استطعت من رضاب الجسد) وقوله كلما مال نهدها جهة الشمال) و(عيناك تلمعان) و(تبللين شعرك والجسد) و(من البحر تفوح رائحتك) و(ظلال أصابعك علي) و(وحدها شامة الروح المعلقة فوق سرتك)
يناجيها ويغازلها ويغوص بأعماقها بقلم الكاتب المرهف وبشفافية المخرج ودقة كاميرته التي تصور لنا عيناها اللتان تلمعان وشامة الروح المعلقة فوق سرتها بعيون عاشق وله أرهقه العشق وأضناه، عشق الشام وجمال الشام وروح الشام وعبق الشام التي يقول عنها في الظل الثالث، ظل الغياب غياب الحاضرين وغياب المهاجرين (إذا رأيت عاشقا يتألم من الحب….فثمة من جرح قلبه بسكين من الغياب)
لا تؤلم قلبا
ستبكيه إن توجع
لا تبكي قلبا تقصد ألمك
ويقول في مكان آخر
(وحده غيابك يحيل جلال الروح إلى خراب) وايضا(كلما غفوت حلمت بك…أينما نظرت أراك..
هكذا كنت أتدرب على الهروب….وكنت كلما استمعت لموسيقا الحياة……أراك تعزفين فالس الوداع
……بسكين من الغياب)
ليؤكد لها في الظل الثالث اخلاصه ووفاءه لها رغم الغياب ورغم البعد إلا أنها (وحدها غرفتي
كانت في الزمان الصعب……تفتح صدرها…..وتتركني أمضي إليها……من دون أبواب)
ويقول
(مذ رحلت يداك من بين راحتي…..وغفت التماعة عينيك……وما عاد ألم غيابك ندبا في قلبي
….اكتشفت الموت)
وفي الظل الرابع (ظل الحرب) والموت والخوف والرعب ظل مليء بالصور والمشاهد السينمائية وكأنك ترى فيلم رعب،فتسمع أصوات التفجيرات والقذائف الطائرة وصراخ الأطفال وتأوهات الأمهات جاعلا عدسة الكاميرا أمام عين القارىء مباشرة إذ يقول(كنت على وشك الموت…..على وشك أن تصيبني قذيفة عابرة……أو رصاصة طائشة……في الشارع الجانبي للموت….لكني التقيتك……كنت أفتش عني)
في هذا الظل صور للأسلحة الفتاكة ولموت الاطفال وللجثث على قارعة الطريق و للفقر، للهجرة والتشرد والضياع.
(مبللة ثيابهم بالموت والرائحة
الأطفال الميتون…..لا يخافون
الأطفال الميتون
يجب أن يشعرونا بالخوف
حد الخجل أو الموت
ويقول أيضا
البارحة
لا أصوات رصاص أو قذائف
أو حى بوارج الأخبار تعيق النوم
وحده ضجيج روحك في داخلي
من فعل كل ذلك
ظل الحرب،هو التجربة القاسية والمريرة، أحداث الحكاية كلها التي لخصها الكاتب في ثلاث جمل(أنت تاريخ موجز للبلد
تاريخ موجز للجسد
تاريخ مؤجل لي)
الشام والحب والغياب والوفاء والحرب ظلال علي العقباني التي يلفها الشوق، في ظل الحنين الظل السادس في هذه المجموعة، حيث يعود لنا قلم الكاتب المشتاق ولغته الهادئة الحزينة ومفرداته الشاعرية الذي يتساءل فيها: ( ماذا تقول للقمر…إن فكر يوما….بمغازلة نجمة عابرة).
هل القمر هو ياسمين دمشق الذي يحن إليه، والنجمة العابرة بلد الهجرة الجديد، أي حنين يقطع أوصاله، وأي شوق يكاد يفتك بروحه الهائمة على وجهها حبا وولها وعشقا وشوقا وحنينا إلى كل التفاصيل، حتى لصورته( بفانيلا الطلائع والفولار الازرق التي تثير ضحكه حتى الموت)
ظل الحنين مؤلم يتوج هذا الألم في الظل الأخير من ظلالها ظل الألم الذي يطالبها فيه قائلا
لملمي جراحك دمعة دمعة
فقد بكت عيناي عليك
لم أجد أحد أسأله علي
لم أجد دمعا لأبكيه علي
جميل هذا الذوبان بينه وبينها إذ يقول في موضع آخر من هذا الظل
مذ رحلتِ
مالت الأرض علي
حنيت ظهري على عتبة بيتكِ
فسقط قلبي
بين يديكِ
ولم أعثر عليه
هذه الظلال السبعة ، جاءت كمشاهد سينمائية تحكي في كل ظل أو مشهد جزء من القصة التي بدأت بوصف المعشوقة، ومن ثم الوقوع بحبها والوله بها ثم حرمانه منها وغيابه عنها، ومع ذلك بقي الوفاء هو السيد بقلبه وروحه رغم الخراب والدمار والحرب التي تأكل حتى الروح، ليثور الحنين والشوق لكل التفاصيل ويزدهر الألم ليتوج كل تلك المأسأة وليصبح هو الزاد الذي يتزود منه الكاتب في ليالي البرد والصقيع وليبقى في النهاية ظلها الأبدي صامدا شاهرا سيفه الدمشقي متحديا كل الآلام ومعلنا للحياة أنه باقي للأبد
(ظلال) انتاج أدبي مميز، جاءت القصائد كلها على وزن واحد(التفعيلة)، بلغة واضحة سهلة بعيدة عن التقعر والغموض، بجمل أقرب في معظمها لتكون مأثورة كقوله(لا تؤلم قلبا ستبكيه إن توجع،لا تبكي قلبا تقصد ألمك) وقوله(المرأة التي لا تبرق عيناها لقبلتك إمرأة آفلة إلى حزنها) وقوله(الغريب رجل ينتظر الحب عند مفرق الطرق) وقوله(ليست الحياة وحدها هي الجواب الأخير عن الموت…إنه الفرح والحب كذلك) وأيضا(المرأة التي تبكي على كتفيك….نهرا من لؤلؤ أبيض….لا تتردد في جعل عباد شمسك…..يتجه إليها إلى الأبد) وغير ذلك الكثير، كل ذلك جاء بقالب نثري ممتع حاملا رسالة واضحة معجونة بألم القلب وعذاب الروح إلا أن ذلك لم يحل دون وجود عنصر الابهار التي أصرت عين المخرج السينمائي بالتحايل مع قلم الكاتب لايقاع القارئ أسيرا للنص والصورة عن سبق الإصرار والترصد وهذا واضح من خلال عين المخرج التي اتبعت أسلوب العرض السينمائي للفيلم بتقطيعه إلى مشاهد متتالية لتشكل في النهاية اللوحة الكاملة أو القصة الكاملة للفيلم وبالتالي يصبح من العبث أن تزيح ظل من هذه الظلال فتشوه اللوحة وتصبح ناقصة وهذا يجعل هذه المجموعة كتلة واحدة متماسكة.
لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية ميساء عويضة، واخراجه للفنانة التشكيلية ميساء موسى…تصميم الغلاف جيدا وملفتا للنظر سيما مع وضع عنوان الكتاب بخط أحمر لون الحب والحرب بجانب اسم الكاتب لتظهر وكأنها ابنة الكاتب ووليدته الجديدة فيتمازج اسم المجموعة مع اسم الكاتب وكأنها كيان واحد فكل حرف كان تعبيرا حقيقيا عن شخصية الكاتب الهادئة البسيطة المتواضعة الطيبة الطموحة المتطلعة الخائفة الوفية المشتاقة العاشقة الثائرة وحتى الضائعة الباحثة وسط كل هذا الخراب عن الحب وعن الياسمين وعن لحظة هدوء وتجلي تستكين فيها الروح من عبث الحياة وضجيجها وألمها ووحشية بشرها
إضافة إلى ذلك جميل لو كان للكتاب مقدمة بقلم الكاتب أو كاتب آخر لأن مثل هذه المواضيع وطريقة طرح الأفكار الجديدة تحتاج لمقدمة فالمقدمة تزيل الكثير من الغموض عند القارئ وتوضح له بعض التساؤلات….لذلك كان يفضل لو أن هناك مقدمة…لكن هذا لا يقلل من أهمية الكتاب وروعته وتميزه ضمن سلسلة الكتب الصادرة مؤخرا….التي يشكر مؤلفوها لتحملهم عناء التأليف والنشر في ظل ظروف قاسية عامة للجميع.
علي العقباني من مواليد مجدل شمس الجولان السوري المحتل
مخرج سينمائي وتليفزيوني-كاتب وشاعر
أخرج الكثير من الأفلام والبرامج الوثائقية القصيرة للسينما والتليفزيون منها(تساقط-الأيقونة السورية-بطل الروايات حنا مينة-القابضون على الجمر-ممتاز البحرة….وغيرها الكثير)
شارك في الكثير من المهرجانات الأدبية والسينمائية المحلية والعربية
يكتب في الدوريات المحلية والعربية
صدر له ديوان (مري وحدك) عن وزارة الثقافة –الهيئة العامة السورية للكتاب عام  2019

#سفيربرس  ـ بقلم :  الدكتورة . آداب عبد الهادي

دكتوراه علم نفس-كاتبة وصحفية

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *