إعلان
إعلان

للتــــــــــريث!!! ـ بقلم : د. عـــدي سلــطان

#سفيربرس

إعلان

اتصلت قبل أيام بأحد الأصدقاء الذي يعمل في إحدى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي، وسألته عن مصير “المقترح” الذي قدمه لرئيسه في العمل، وكنت أتوقع الموافقة على مقترحه الذي سيسهم في تحسين الأداء داخل تلك الجهة العامة، خاصة أن المقترح لا يحمل في طياته أي مصلحة شخصية، بل سيشكل قيمة مضافة للعمل!
قوبل المقترح الذي قدمه الرجل بكلمة واحدة: “للتريث”
لست أدري من أين أتت هذه الكلمة التي تنم عن شطارة إدارية ليس لها مثيل، وأتساءل إن كانت هذه الكلمة تنم عن بصيرة ورؤية دقيقة تدل على قوة ذاك المدير أم أنها تعبر عن ضعف وتخاذل وفشل وربما إضعافاً للمعنويات لدى العاملين بسبب الخوف على الكرسي اللعين أو عدم القدرة على كتابة “موافق” لأنه ليس صاحب القرار وإنما “رجل كرسي”، وهذا ما يفسر الواقع الذي نعيشه في مؤسساتنا اليوم.
للتريث! ، ليست الكلمة الوحيدة لدى هؤلاء، بل هناك عبارات ومصطلحات أخرى مثل “موافق أصولاً”.. تلك العبارة العبقرية ” حسب زعمهم وتمثل الباب الخلفي للهروب وتقيهم شر المساءلة من (هنا وهناك)، وقسوة المحققين من الجهات الرقابية، وتُحمّل المسؤولية بالكامل على الأتباع من الصغار و”الخزمجية”، وهي عبارة بقدر ما تعكس هروباً من المسئولية، بقدر ما تعني بوضوح ضعف المسؤول أو القيادة وضعف بصيرته.
بتلك المصطلحات الفاشلة، يتلوث القرار الإداري في مؤسساتنا العامة، وقد ابتكرها مجموعة من محدثي النعمة” في القرار الإداري، أو من سلالات كورونية إدارية، أصبحت أمراضاً وأوبئة تثقل كاهل الوطن.
وإذا كان القرار الإداري حسب تعريف فقهاء القانون الإداري “هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة في ضوء سلطتها المخوّلة لها قانونا ” فإن التستر خلف عبارة ” موافق أصولاً ” أو “للتريث”، تعني فقدان الإدارة العامة إماّ لإرادتها الملزمة أو لرغبتها في الخروج على القوانين نفسها وفى كلتا الحالتين تمثّل العبارة واقعاً مؤلما لحال القيادات الإدارية وتكشف عن سوء الاختيار لها من البداية.
كل فعل إداري هو عبارة عن قرار، فهل يكون هذا المسؤول على إدراك تام لضعفه في اتخاذ القرار، أم يتركها ضمن تعقيدات العمل، وصعوبة الإجراءات، وزيادة الأعباء على الموظفين والعاملين، وذلك نتيجة “انعدام الرؤية” أو “تحمل المخاطر” وبالتالي غياب المسؤولية الإدارية والمساءلة في نتائج القرار.
إن هؤلاء “الثلة” من المتسلقين ينطبق عليهم أيضاً قول السيد الرئيس بشار الأسد: “لا أدري هل هم يستحقون الشفقة أم الازدراء؟ ولكن لو سألنا أي مواطن فسيقول لكم بشكل واضح إنه يحتقر هؤلاء”.
وبرأيي الشخصي أن الحل يكمن في اقتصاد المعرفة وتنمية الموارد البشرية والاهتمام برأس المال البشري وتطوير الإبداع، ولطالما كانت هذه العناوين في توجيهات قائد الوطن، فإصلاح الوضع الإداري العام يبدأ بشفافية اختيار القيادات الإدارية، والأخذ بمعيار الأكفأ والأجدر ونبذ منهج ” أهل الثقة ” وقتها سيختفي التردد ويصبح المسؤول قادرا على اتخاذ القرار بوضوح وبقوة دون تستّر خلف عبارة زائفة، لا تمثل “قشر بصلة”، ويصبح المسؤول الذي يخطّ بيده عبارة “للتريث” ومشتقاتها، قادراً على تحمل مسؤولياته.

والله الهادي إلى سواء السبيل

#سفيربرس _ بقلم  : د.عدي سلطان
إعلامي وباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية
دمشق في 7-10-2020

ملاحظة: (الخزمجية)  : مصطلح شعبي يطلق على بعض المنافقين الذين يلتفون حول المسؤولين، ويقومون بالوشوشة وتمسيح الجوخ، وأول ضحاياهم: المسؤول نفسه

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *