يوتيوبر روسي ينهي حلم غوستاف إيفل _ بقلم: سلوى زاهر
#سفيربرس _ أمستردام

كسرتُ غزلتي وخالفتُ القواعد الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا. غادرت مدينة مانهايم الألمانية مقر لجوئي وسافرت لباريس لحضور عيد الموسيقا هناك. في ثالث أيام رحلتي وبعد ساعات من التجوال بساحات باريس الصاخبة بالحياة، قررت الجلوس في مقهى قريب من برج إيفل، وبينما كنت احتسي كأس من البيرة الباردة، صُمت أذناي بصوت انفجار مرعب، ثوان وتعالى بعدها هدير سيارات الاسعاف والشرطة والاطفاء. هرع السياح وانكمشوا في الزوايا، تعالت ألسنة اللهب من جهة برج ايفل ثم اختفت لتتبعها روائح غريبة في الفراغ، احمرت عيون الناس، وسالت الدموع جراء الأدخنة الملونة المتصاعدة من جهة البرج، امتلأت الشوارع برجال الشرطة الذين شكلوا دروعاً بشرية لإيقاف الناس في أماكنهم وضبط حركة سيارات الاسعاف. تكتلت الناس فوق بعضهم البعض في الحانات والساحات والترمات والباصات. سادت حالة جمود كلتك التي سمعنا عنها في قصص الخيال. ماهي سوى دقائق حتى بدأ برج ايفل بالاهتزاز والميلان، تجمدت نظرات العيون المحمرة الدامعة. أمسك الكل بموبيله لتوثيق الحدث الرهيب، ولكن عبثاً بقي الغموض سيد الموقف. حل صخب الرعب بدل ضجيج الفرح، وبقيت العيون شاخصة باتجاه البرج الذي بدأ يتآكل ويتقلص. ساد رعب خفي بين الجموع المتكدسة وغزت رائحة غازات غريبة هواء باريس.
عدة ساعات كانت قادرة على تغيير معالم حدائق شامب -دي- مارس المطلة على نهر السين. وانتهى حلم غوستاف إيفل أشهر مهندسي التصميم المعدني في العالم ببقاء البرج للأبد وتحول حلمه لكومة حديد بلا معالم.
بعد أربع ساعات من المشي المتقطع بين الحارات استطعت الوصول لمقر إقامتي في فندق ريشموند هوتيل في جار دي نورد. حاولت بموبيلي الاتصال بأصدقاء لي مقيمين في باريس لمعرفة بعض المعلومات عن الحدث، عبثاً ذهبت كل محاولاتي سدى. ولسوء الحظ انقطعت الكهرباء في الفندق، وضعت رأسي على المخدة ولم استيقظ إلا في الصباح الباكر على ضوضاء الشارع المكتظ بحركة الناس العبثية. نظرتُ من نافذة الغرفة فوجدتُ حركة الشارع طبيعية، ارتديتُ ملابسي بسرعة وقفزت مهرولة نحو الخارج لأتناول قهوتي في مطعم الفندق. كانت شاشة المطعم تبث أخبارها باللغة الفرنسية، اتصلت بصديقتي في باريس، أخبرتني بأن حادث الأمس ربما يكون عملاً إرهابياً. وأخبرتني بأن الحكومة فرضت حظراً للتجوال في باريس لمدة يومين. لم أحتمل المكوث في الفندق وحيدة، قررت إنهاء زيارتي لباريس. ذهبت إلى كراج السيارات، وأدرت محرك سيارتي وعدت أدراجي إلى مانهايم حيث وطني المؤقت. ما أن دخلت بسيارتي حدود ألمانيا حتى شعرت ببعض الطمأنينة. توقفت عند أول محطة وقود للتزود ببعض البنزين، دفعني فضولي لتصفح الأنترنت وكانت المفاجأة حيث اكتظت قنوات اليوتيوب بألاف الصور التي وثقت الحدث ونقلت طريقة ذوبان البرج من الأسفل والجوانب بدقة عالية، كانت الصور واضحة وقريبة من اللهب مما يثير الفضول عن ماهية الفاعل الذي وثق للحدث ليبدو وكأنه بث مباشر .
لم يستطع التعب أن يخفف من فضولي، فما أن دخلت منزلي حتى أدرت التلفاز على القنوات العربية لأستمع لبعض التحليلات السياسية باللغة العربية أحد المحللين السياسيين أكد أن من قام بالعمل الإرهابي جزائري متطرف انتقم من فرنسا لأنها سرقت حديد برج إيفل من مناجم الحديد التي استعمرتها فرنسا في شمال أفريقية في القرن الماضي. بينما أكد آخر على أنه حصل على معلومة مؤكدة من مصدر موثوق بأن الفاعل مهووس بيئي هولندي سلم نفسه للسلطات الهولندية حيث أدعى بأنه مدافع عن الحياة البرية فوق الكون ويرى أن بقاء البرج يضر بالبيئة ويؤثر سلباً لكثرة أضواءه على كوكب الأرض. وبعد أسبوع من التحليلات السياسية والبث الحي من العاصمة الفرنسية وبعد الألاف من التقارير الإخبارية عن هول الحدث.
وفي اليوم الخامس للحدث الباريسي العالمي بث يوتويبر روسي يدعى انطونيو سخاروف عبر قناته على اليوتويب بثاً حياً حيث قدم فيه اعتذاره وأسفه عن الخطأ غير المقصود والذي نتج عنه ذوبان برج إيفل وتوشه معالمه. و أكد أنه كان يقوم بتجربة علمية لتخليص كوكب الأرض من النواتج السامة التي تؤثر على تهالك طبقة الأوزون، ووصف مجريات التجربة العلمية التي وثقها بدقة عبر تقنية التصوير عن بعد بواسطة الدرون. ثم أعقب بثه بفيديو وثق فيه مجريات التجربة ومسيرة التفاعلات الحية لذرات الهيدروجين الملوث، مع الرصاص الملوث المتحد مع ذرات الأوكسجين المضاعف والكربون الموحد مع ذرات الهيليوم الباردة وتوجيهه للخليط الذري عن بعد ودمجه مع مركب من ذرات الليثيوم والديتريوم الموجودة في الهواء الملوث والتي جمعها الباحث بطريقة الجذب الهوائي للمعادن الثقيلة من كلاً من الأجواء الهوائية الملوثة في باريس وبروكسل وهولندا واللوكسمبورغ والمدن الألمانية لينتج بتالي مركب يشبه يشبه إلي حد ما قنبلة اليورانيوم المضغوط.
وأكد أنطونيو سخاروفيتش ببث مباشر ثالث من قناته، بأنه لم يجد طريقة مثلى للترويج لمنتجه الجديد سوى هذه الطريقة لأن العالم انشغل بفيروس كورونا ومتحوراته. مما سبب له بعضاً من اليأس والإحباط من إهمال مراكز الأبحاث التي أهملت أبحاثه وتجاربه. بعد ذلك تجاهلت نشرات الأخبار ضحايا البرج وانشغل العالم بالاختراع الجديد، وانهالت التعليقات على اليوتويبر المعجزة، الذي حصد شهرة عالمية، وحصد بثه على ملايين المشاهدات حول العالم. طالبت فرنسا روسيا بتسليمها أنطونيو سخاروف لمحاكمته بتهمة تفجير برج إيفل، اهتز العالم لقرار روسيا برفضها تسليم حفيد سخاروف والذي اعتبرته مبدع عالمي، وعليها تقديم الحماية له. وما زالت القصص والتحليلات تحوم حول الأسباب الخفية لتدمير برج إيفل مستمرة. وما زال العالم خائف من تجارب أخرى لحفيد سخاروف.
#سفيربرس _ بقلم: سلوى زاهر _ أمستردام