إعلان
إعلان

الطريق المحتوم ج2 _ بقلم : نبراس حسين

#خاص سفيربرس

إعلان

طفلتنا الصغيرة التي ولدت في الشتاء وتعلقت بابيها وكانت مدللة العائلة فقدت والدها اثر نوبة قلبية
وتستمر الحكاية ………
تلك الفتاة الصغيرة التي تعرفنا على قصتها في الجزء الاول من الرحلة, عانت الالم والحزن بعد وفاة والدها وكانت عائلتها تشاركها الألم نفسه، ولكن الايام كانت تخبئ لها ما هو افظع … تدهور وضعها الصحي واصبحت قليلة الكلام ميالة الى العزلة .. في اغلب لحظاتها تعيش على امنية واحدة هي: ان يعودَ بها الزمن وتُلقي نفسها بحضن والدها الذي تعشقه, او ان تذهبَ هي اليه في اقرب فرصة… تهدمتْ امالها في احراز التفوق بالدراسة, فحاميها الامين وسندها المتين دفنته تحت التراب ..
خاب املها بمن حولها واحداً تلو الاخر, واصبحت حبيسة الدار لا تخرج منها الا للمدرسة المهنية متواضعة التعليم. واستمرت في الحياة هكذا الى ان بلغت عامها الثامن عشر وتزوجت.. وتركت خلفها احلاماً وامنيات تأمل ان يأتي يوم وتحقق شيئاً منها، اختلفت حياتها بعد الزواج عما كانت تعيشه وما كانت تتمناه، اصبح الوضع في البلد عموماً غير امن وغير مستقر، احتلت امريكا البلاد واصبحت الفوضى عارمة، مداهمات وقتل ومقاومة .. سجن وتعذيب وارهاب في كل مكان .. وما ان هدأت الامور قليلا, دخلت داعش مناطق معينة ومنها منطقة اهل زوجها حيث تسكن, واستحوذت عليها وسببت قتل وتهجير للأهالي وتخريب للمباني السكنية وجميع دوائر الدولة ومؤسساتها الحيوية حتى الاماكن الاثرية لم تسلم من شرورهم، كانت تلك الفتاة تتنقل مع اطفالها (ولد وبنت) من مكان الى اخر بحثا عن الامان، اصبحت البلد لسنوات طويلة تعاني من انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي، كانت العائلات تهاجر خارج البلد، وتركوا كل شيء ورائهم، ما كان على تلك الفتاة الان تتحمل وتصبر, بقيت سنوات وهي تعيش هذه المعاناة, كان الجزء الاصعب منها عدم انصاف الزوج لها اذ هرب وتركها وحيدة في قرية نائية مع طفليها تحذر الامريكان في النهار والدواعش في الليل… ظلمها المجتمع المحافظ الشرقي ولم يرحمها, الذي يؤمن بان ما على المرأة الا ان تصبر وتتحمل على كل شيء، وان تتقبل حياتها كما هي وان ترضى بما قسمه الله لها، كانت تأكل الايام من عمرها وتقتل فيها البهجة والسرور ولكن الوضع لم يستقر يوما ولم يتغير شيء, لكنها كانت متفائلة ومبتسمة للحياة رغم ظروفها القاسية التي تكالبت عليها الا انها بقيت شامخة قوية نظيفة باعت كل شيء الا عفتها تنازلت عن كل شيء الا كرامتها فهي لم تعرض جسدها للنخاسين .. لم يمر الوقت بسرعة سرد هذه القصة , بل كانت الثواني ثقيلة.. كانت تنظر الى عقارب الساعة تحسب دقاتها , كانت تعد الساعات وتجمع الايام لعل الفرج قريب، تنتظر حدثاً يغير مجرى حياتها، ورغم كل بلاءاتها كانت تحاول زرع الابتسامة على وجوه كل من كان حولها كانت متسامحة مع الجميع، لكنها كالت بحاجة لمن يدعمها بحاجة لمن يحتويها .. بل هي بحاجة الى تلك الكلمات الجميلة التي اشتاقت اليها كثيرا وهي تعد ثواني وساعات الليل المخيف .. كانت تصبر نفسها بإيمانها بالله سبحانه وما يوعَدْ به الصابرون وكلما نظرت الى صغارها وهي تراهم يكبرون امامها يشكون من عوز او جوع او خوف .. كانت تجمعهم في حضنها وتمسد على رؤوسهم وتطمأنهم بقول: ( القادم افضل ان شاء الله )، حاولت بناء بيتاً لها ليكون وطن صغير لتشعر فيه الامان، لكن لم تجد يوما هذا الامان ، اصبحت الحياة قاسية يوميا بعد يوم، والامور تزداد سوء ً الى حد لم يعد لها قدرة على التحمل، كانت تحاول مسايرة الامور لكن دون جدوى ، تعبت من كل شيء، تعبت حتى من صبرها ومن عنادها, خانتها شخصيتها القوية وصلابتها التي كانت ترعب من يطمع بها.. ضعفت ارادتها حتى كرهت كل شيء, لقد كان الظلم الواقع عليها اكبر من طاقة تحملها!!!!!!.
الى ان جاء اليوم الذي تقرر فيه الاستسلام والهزيمة وتترك كل شيء، لتعيش بكرامة لأنها لم تجد التقدير والحب الذي تستحقه رغم كل العطاء الذي قدمته، تنازلت بكل حقوقها لذلك الزوج الا حقها بولديها, ولكنه لم يرحمها اسقط حقها بالحضانة وحرمها من رؤيتهم , عادت الى بيت اهلها من جديد طمعا ًبالأمان المفقود ولكن هيهات تعثر عليه فقد رحل مع رحيل والدها، عاودت عزلتها والتزمت الصمت، لمن تشكوا حالها ؟ واين تبحث عن مصيرها المجهول؟ هل تشكو من الايام؟ ام تندب تلك الجراح ؟ ام تحزن لما هي به الان؟ هل تبكى على خسارتها سني عمرها وطفليها؟ ام تبحث عن صورهم في ذاكرة الماضي المؤلم ؟ اصبحت بعيدة عن كل شيء الا تمسكها بالله سبحانه… لم تعد تهتم بشيء الا بوالدتها المغلوب على امرها، اصيبت بشعور اللامبالاة .. لا يعجبها العجب .. ولا يفرحها الفرح….. ما زالت تصارع الحياة وتبحث عن امل لعلها تجد من يخرجها من تلك الظلمة، ويبقى الامل بالله دافعها الوحيد للبقاء في هذه الحياة .. تعاني حتى الان .

#سفيربرس _ بقلم : نبراس حسين

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *