إعلان
إعلان

سحرية الواقع وروعة المتخيل في رواية امرأة متمردة..

#سفير برس : ماجدة البدر

إعلان

يطمح المفكرون والكتّاب والفلاسفة والأدباء إلى غد مشرق منير، لذلك لابدَّ من الحرية الكاملة غير المنقوصة للنهوض بالوطن، حيث تسعى الأجناس الأدبية كافة إلى تسليط الضوء على الواقع ورصد سلبياته وإيجابياته، وإظهارها للعيان سعياً لتجاوزها والحصول على الأفضل..
أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في مقره الكائن بدمشق يوم الثلاثاء 21/9/2021 بحضور هيئة الفرع: د.إبراهيم زعرور، رئيس الفرع، أ.أحمد خدام السروجي، أمين الصندوق، ندوة بعنوان: (سحرية الواقع وروعة المتخيل في رواية امرأة متمردة للروائي سهيل الذيب)، أدار الندوة: د.إبراهيم زعرور، رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، شارك فيها: (د.عبد الله الشاهر، أ.أمل أبو لوح، أ.حامد العبد. ماجدة البدر، فاتن ديركي).
**
رحب الدكتور إبراهيم زعرور بالحضور قائلاً: (في البداية أرحب بالحضور، لقد اعتدنا في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب أن نغرس المحبة، وثقافة حب الوطن، وأعتقد أن الإنسان من دون وطن لا شيء.. من المهم جداً المحافظة على خصوصية الإنسان، وفي النتيجة (مافي وطن) فهو لا شيء.. كل هذه المفردات لا تعني شيئاً.. وتوظيف المفردات والمذاهب والأحزاب وكل الأمور إن لم تنتمِ إلى وطن.. فهي غير موجودة.. ونتمنى من القائمين على المؤسسة وجميع الهيئات الثقافية أن تتجه لتعميق ثقافة الوطن.. أرحب بكل الحضور فرداً فرداً، وهم أسماء كبيرة لا تحتاج إلى تعريف.. وأخص بالترحيب المحتفى بروايته الأستاذ سهيل الذيب)..
**
امرأة متمردة ود.عبد الله الشاهر..
(أنهيتها وكنت أود ألا تنتهي… فعلى الرغم من الأسى والحزن الذي يكتنفها، كنت أعيش أحداثها، أتحرك مع شخصياتها، أشاركهم أحاسيسهم وانفعالاتهم، أعلم أن لديك الكثير الذي يعرّي ذواتنا ويخزي دواخلنا.. لكننا ما عدنا نستحي حتى من أنفسنا.. روايتك نزف وطن لا يندمل… لا بل هي جريمة بشرية تعرّت من إنسانيتها.. الرواية غاية في الإشباع والتصوير والقدرة على توثيق الأحاسيس والمشاعر التي جالت في خواطر شخوص الرواية…
امرأة متمردة.. أنالا أوافقك على هذا العنوان.. لأني لا أراها كذلك.. إنها امرأة عرفت قدرها فمارست دورها في الحياة بوعي… أحبت بصدق، وفرحت بصدق، وحزنت بصدق، أن نمارس حياتنا كما نشعر هي قمة المصداقية ، وذروة الوعي…
لم تكن الحرب هي التي أثارت حزنك.. فقد كنت مفخخاً بالحزن فانفجرت بنا.. شظاياك طالت ذواتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأفكارنا، ومؤسساتنا ومفاهيمنا وحتى أسماءنا.. لذلك أفرغت غلك فينا..
جاء الغلاف بصورة امرأة ترتدي ثوباً أحمر وقد تحوّل الثوب إلى دوامة تلفها وهي رافعة يديها وقد ظهر جزء من صدرها، اللون الأحمر والأزرق هما الطاغيان على اللوحة.. وهما لونان يمتلكان الحرارة والبرودة، وهما بين التهور والحكمة بشكل عام اللوحة ناطقة بالحدث الروائي ولافتة وكذلك العنوان الذي تحفظت عليه..
في الموضوع: امرأة متمردة رواية وطنية بامتياز رصدت ما دار في سورية من أحداث، وصورت الواقع بأمانة ومزجت بين الحب والحرب من خلال بطلة الرواية التي كانت السارد في كل أحداث الرواية وتفصيلاتها..
تبدأ الأحداث من “عمريت تلك البلدة الوادعة التي تحتضن أحداث الرواية… شابان وفتاتان حملوا على عاتقهم كل مجريات الأحداث، لكن “معيبة” التي هي توأم جمال كانت تحمل على كاهلها كل التفاصيل، البلد تلتهب بالحرب وماغي (معيبة) تقوم بمهمتها كصحفية ومن خلالها تتوارد الأحداث، ومن هنا تكون ماغي(معيبة) الراوي بكل ما يجري.. صورت الرواية أحداثاً كثيرة عن الحرب في سورية بشاعتها أزماتها، تجارها، لصوصها بحيث خلقت لدى المتلقي صورة بشعة عما جرى في سورية، والدور الدولي التآمري وأبعاده في الحرب على سورية، فحين يحضر الوطن تغدو المفردات دمعاً هتوناً… هكذا بدا سهيل الديب فقد غزا بقلمه كل أشكال الحرب والفساد والفاسدين فكانت الرواية وثيقة وطنية وفي المقابل كان الحب معادلاً حقيقياً في ميزان الوطن فـ (ماغي) التي أحبت وطنها تمثل حسن حبيبها وطناً معادلاً لها فغدت به عشتار وصار بها إيروس إله الحب والجنس والرغبة، في الرواية تبرز العادات والتقاليد عقبة كأداء حيث عرت الرواية العلاقات الأسرية ونظرة المجتمع إلى المرأة في مجتمع ذكوري، والتمسك بالأفكار البالية، والجهل الذي يتوارثونه، وأشار الروائي إلى غياب الطبقة الوسطى وانقسام المجتمع إلى طبقتين انقساماً حاداً ومخيفاً، طبقة قليلة وثرية ثراءً فاحشاً، وطبقة فقيرة تشكل غالبية المجتمع، يقول : (طبقة محدودة جداً فاحشة الثراء وأكثرها من السلطويين وكبار التجار… وطبقة الفقراء وهي غالبية الشعب، وفيها المثقفون وعشاق الوطن والجنود والناقمون والحاقدون والمتآمرون والعلمانيون والمتدينون وهؤلاء كانوا يتصادمون أكثر الأحيان).
واللافت في هذه الإشارة إلى أن الروائي أراد أن يقول إن الطبقة الثرية واعية ومنسجمة ومتماسكة يوحدها المال، بينما طبقة الفقراء وهي طبقة مفككة متناحرة لا تعي مصالحها ولا تملك رؤية وغير قادرة على تحديد مصالحها بسبب أنها خليط غير متجانس وهذا أمر مخيف يؤدي إلى تحول المجتمع إلى كتل متصارعة وهو من نتاج غياب الطبقة الوسطى، يطرح الروائي إشكالية الأسماء ودلالاتها، فـ معيبة، التي هي ماغي اسمها الرسمي، وهو اسم جدتها (معيبة)، وإشكالية الاسم في عيب الأنثى، والثاني في الماضوية التي نتمسك بها. في الرواية تتداخل الأحداث فترى الفساد يبرز بقوة بحكم ما حدث ويحدث ليكون ممراً منطقياً للتعرض للحالة المعيشية التي وصل إليها الناس فتتباكى الأحزان على أحزانها ويزيدها مرارة تفشي الكورونا سيئ الذكر والسمعة ليزداد الأذى والحرمان.
الرواية بشكل عام غابة ملتهبة من الأحداث تسيدتها الحرب وتناسلت عنها كل هذه الحكايا ولازمها الحب في كل مراحلها بعيداً عن المذهب والدين والطائفة الحب الذي هو إنسانية الإنسان ونقاؤه، في البنية الروائية الفنية ليس من السهل أن يثيرنا نص أدبي ليضعنا وسط عالم تجري أحداثه بنا وحولنا كعاصفة ليس لها بداية ولا نهاية.. قدم لنا الروائي سهيل الذيب قيمة نقدية كبيرة لواقع تقوده عجلاته إلى الوراء، شغل الروائي في روايته مساحة الوطن وبيئة البسطاء المتعلقين بمشاعر الخيبة وآثار الأزمات، وقام بتخريجها بسردية ماتعة. البيئة المكانية للرواية هي بيئة باعثة للأحداث من خلال استحضار النواحي المختلفة لمجتمع مأزوم بحكم التقاليد وتكالب أعداء الوطن من الداخل والخارج فكانت أزمات الماء والكهرباء والفقر والواجبات الوطنية.. استغل الروائي كل فضاءات الطبيعة لإتمام نظرته، وهي نظرة مليئة بالأمل واليأس والخيبة والفرح، ثمة عفوية واضحة في لغة السرد وتلك العفوية صادقة أعطت للسرد طاقة واسعة الطيف، وهناك سلاسة في الأسلوب وقدرة على ترابط الرواية في موضوعاتها وأهدافها..
لغة الرواية واقعية لم تذهب إلى اللفظ الإيقاعي، بل إلى اللفظ الحكائي المشوق واللغة التعبيرية التي اختارها الروائي هي لغة جزلة خالية من التعقيد..
وهي رواية جديرة بالقراءة وتستحق أن تكون من الأعمال الرائدة..
**
الرؤية العامة حول رواية امرأة متمردة ..وأمل أبو لوح
تقول د.أمل أبو لوح:
(منذ بداية صفحات العمل الروائي، يأخذك أسلوب الكاتب الأدبي الخلاب المميز فتشعر بالتشويق والمتعة.. استخدم الكاتب ضمير الأنا الأنثوي، كاتبنا المبدع أنجز الصعب بانسيابية فائقة.. وكأنه تقمص الأنثى التي تقبع في داخله منذ بدء تكوينه..
غاص الكاتب في عمق النفس البشرية والعلاقات الأسرية والمجتمعية التي تبجل الفتى على حساب الفتاة.. ومن هذا المنطلق كان تمردها على أسرتها وعلى المجتمع بتقاليده المجحفة وغير العادلة..
استخدم الكاتب مفردات من السهل الممتنع، البعيد عن المفردات الثقيلة… فهو لا يريد إظهار مواهبه اللغوية.. مع أنه يمتلكها .. بقدر إيصال الفكرة المبسطة لتصل لكل قارئ مهما كانت درجة ثقافته.. قدم لنا الكاتب إسقاطاً على الواقع المجتمعي المعاش… من حيث تفضيل الفتى على الفتاة…. ومن حيث الدين والعادات والتقاليد.. والحب الممنوع في مجتمع يحكمه الدين.. لفت نظري الكرسي الأسود المغلف بالجلد الأسود فوجوده في منزل أبي محمد القرشي يدل على سواد أعماله الشنعاء في حق الأبرياء والوطن.. أما وجوده في مكتب الطبيبة جورجيت فله معنى آخر مع الجدران البيضاء فهل هو يدل على المرض والصحة.. الموت والحياة أم هو يدل على الطبيعة البشرية التي تحمل في ثناياها الخير والشر في آن واحد…
في امرأة متمردة اكتمل المثلث الذهبي لمبدعنا.. فنحن لا يمكننا إلا أن نذكر رائعتيه زناة وآثام.. مع أن الكاتب لم يُشر بكلمة يتبع بين الرواية والرواية.. إلا أن الأحداث المأساوية التي مرت بها سورية خلال العشر سنوات الماضية وتتابعها في الروايات الثلاث.. هو من جمعها…
حتى إننا نجد الكاتب لم يحزن فقط على الوطن الأم سورية، بل تعدها للوطن العربي وكيف أنه وثق سابقاً اليوم والشهر والسنة..
من وجهة نظري الانطباعية والشخصية أجد أن المعنى العميق لامرأة متمردة هو دعوة صادقة من إنسان صادق متصالح مع نفسه يطلب فيها من الرجال أن يحرروا المرأة التي تقبع فيهم منذ البدء.. ويحاولون التعتيم عليها كي لا يظهروا بمظهر الضعف أو الرقة.. وكذلك هو يوجه الكلام للمرأة، لكي تحرر الرجل الذي بداخلها ، إني أراها دعوة من الكاتب للإنسان للتحرر.. كي لا يبقى الإنسان عبداً.. وعليه فك قيوده كي يستطيع الانعتاق..
***
قراءة نقدية في رواية امرأة متمردة حامد العبد
شيء جميل حقاً (أيها الأحبة) أن نجد كاتباً يسخِّرُ أدبه وقلمه، للدفاع عن القيم التي يقدسها، ويسعى كي يراها خالية من أي زيف أو تشويه.. وهذا هو بالضبط ما سعى إليه أديبنا الجميل سهيل الذيب في عمله الإبداعي الجديد الذي اختار له منذ البداية عنواناً صدامياً هو (امرأة متمردة)، ليمهد الطريق من خلاله أو، ليفرش حسب تعبير الكاتب في مقدمة روايته للأفكار التي سيتم طرحها في متن عمله. في البداية اسمحوا لي أن أختلف مع الذين اعتبروا أن بطلة هذه الرواية ماغي وأخيها التوءم جمال ما هما إلا امتداد لبطلي رواية آثام العاشقين (مبعاث وسلمى حايل)، والّلذين قضيا في انفجار صاروخ إسرائيلي في خاتمة رواية آثام، ليتقمّصا بعد ذلك في جسدي التوءم، وذلك لسبب حسابي بسيط، وهو أن زمن وفاة بطلي آثام، ودخولهما معاً في رحم جديد، كان في آواخر الحرب التي شهدتها سوريا، في حين أن توءم هذه الرواية التي بين أيدينا كانا في بداية مرحلة التعليم الجامعي عندما اندلعت أحداث هذه الحرب، أي أن هناك فارق زمني يقدر بعقود يفصل بينهم، ولكن هذا لا يمنعنا من القول أن هذه الرواية كانت بحق امتداداً لروايتي سهيل الذيب السابقتين (زناة) و(آثام) ولكن من الناحية الفكرية والتوثيقية.. إذ يمكننا القول إن أعماله المذكورة هي أشبه بمنحوتة واحدة، أعاد الذيب صقلها المرة تلو الأخرى، بحرفية مرهفة حافظت على خامتها الأساسية المتمثلة بثالوث القهر، والذل، والغضب. وهذا ما دفع بأدبه الروائي إلى مواقع الأزمة الوطنية التي عانى منها أبناء وطنه، وجعل منه شاهداً ومحرضاً في نفس الوقت، الأمر الذي حذا بخطابه الروائي لأن ينطوي على خطاب سياسي بين ثناياه. ومن هنا يمكننا القول أن أحداث هذه الرواية دارت حول محورين اثنين، أولهما الحرب التي دارت رحاها في سوريا، ومازالت تدور لتحولها إلى مقبرة للأحياء حسب ملفوظ الرواية، حيث استطاع الكاتب في هذا المحور أن يقدم لنا صورة بانورامية لعذاب الشعب السوري كاملاً، وكأن له عين طائر حر ترصد الواقع من علٍ، كما جعل الكاتب من وصف ألوان التعذيب والإذلال والقهر متناً روائياً ماتعاً ومزعجاً في الوقت ذاته امتدّ على عشرات الصفحات، وفيه فضح الكثير من الانتهاكات الإنسانية، والأطماع التي طالت وطنه بأكبر قدر متاح من الجرأة. تقول بطلة الرواية: أتصفح غوغل إيرث بحثاً عن حسن خوري، فأرى الكثير من القواعد الأميركية تحتل مناطق الغاز والنفط، وأرى الجنود الروس والإيرانيين والأتراك وكل من يستطيع أن يقضم من أرضنا المثخنة بالثآليل والجراح والصديد.. أما المحور الثاني فتمثل في حياة البطلة الخاصة، ونضالها المرير لنيل حقوقها الإنسانية التي منحتها إياها الطبيعة، وانتهكتها ثقافة مجتمعها المتخلفة، وخذلها أقرب الناس إليها بدءاً من أسرتها، وهي التي كانت تتوقع منها الدعم اللامحدود. وهنا استطاع الكاتب أن يتغلغل في العوالم الخفية من نفسية البطلة ليكشف لنا عن نوازعها ورغباتها السرية (بالذات الجنسية منها)، والكشف عن نواياها الحقيقية، وكأن له هذه المرة ليس عين طائر حر، ولكن عين دودة صغيرة قادرة على الحفر والوصول إلى أعماق نفسيتها المضطربة، والتقاط صور لأدق التفاصيل فيها. إن هذه الرواية من الجهة الفنية، رواية شديدة البساطة والوضوح، وتكاد تكون بعيدة كل البعد عن الترميز والإيحاء، فقد جعل الكاتب أفكار الرواية تصل إلى هدفها بشكل مباشر كطلقة بندقية، بكل ما لهذه الطلقة من صخب وضجيج، تَمثّل في الحوار عالي النبرة في كثير الأحيان بين الشخصيات، ومواقف البطلة الصدامية، وأفكارها المتشنجة التي قذف بها الكاتب في كثير من الأحيان في وجه القارئ دون حامل فني لها يخفف من حِدّتها. وقد اعتمدت هذه الرواية على منظور شخصية واحدة هي البطلة ماغي، التي تركزت الأحداث في بؤرة إدراكها، أي إنها رواية أحادية الصوت، استخدم فيها الكاتب السرد بضمير المتكلم، الأمر الذي سهل عليه أن يتماهى مع بطلة روايته، وأن يجعل الحكاية المسرودة مندمجة إلى حد بعيد مع أفكار مؤلفها، والذي يعرف سهيل الذيب حق المعرفة، يعلم جيداً بأنه لو خُلق امرأة لكان امرأة متمردة. إن تركيز الرواية على النزعة الشبقية الأولية لدى الأنا الساردة، أمرٌ بالغ الوضوح وخصوصاً أن هذا التركيز لم يُعر الكثير من الأهمية للروادع الاجتماعية والزواجر الدينية، مانحاً مساحة أوسع للحديث عن الجسد على حساب الحديث عن الروح، ولكن هذا لا يعني أن هذه الرواية هي رواية جنسية، ففي هذا مجافاة للحقيقة، ذلك أن هذا التركيز لم يكن من أجل الإثارة الرخيصة أو الإغراء المبتذل، فالجنس الذي تطرقت إليه هو جنس موظف بعناية فائقة، وغالباً ما يؤدي غرضه في تقديم وصف صادق للصراع الداخلي الذي تعاني منه شخوص الرواية، ولسهيل الذيب مقدرة عالية على وصف حالات تفتح المشاعر الجنسية الأولية بحساسية مرهفة رأيناها في معظم أعماله السابقة. ولا ننسى هنا أنه يحق للأديب أن يكون جريئاً في تصويره الفني للجسد الإنساني وغرائزه الجنسية باستخدام الكلمات، مثلما يحق هذا الأمر للرسامين والنحاتين في كافة الأزمنة. وقد يعتقد بعض القراء أن النزعة التمردية الموجودة عند البطلة ما هي إلا رغبة قوية منها من أجل اشباع رغباتها الجنسية، أو تحقيق حريتها الاجتماعية، ولكن في الفصل الثامن من الرواية تتجلى هذه النزعة على أكمل وجه، حين فارقت روح البطلة جسدها في هذا الفصل إثر حادث سير مروع، لتحلق إلى السماوات العالية، ومعها حلق خيال الكاتب الإبداعي وصفاً وفكراً وإمتاعاً، وذلك من خلال وصفه للجدال الذي دار بين البطلة وبين الإله، والذي ضمَّنه الكثير من الأسئلة الوجودية التي يتحاشى الكثير من الناس التطرق إليها، ليختم بعدها الإله هذا الجدال بقوله: جريئة وشجاعة وحكيمة، وهذا ما أحبه في مخلوقي، ارجعي إلى أحبابك، وأكملي مهمتك الإنسانية، فقد أمرتكم بالمحبة.
من الملاحظ أن الكاتب اختار أن يكون فضاء روايته المكاني فضاءً مفتوحاً (كعادته في جميع أعماله السابقة)، مخالفاً بذلك العديدَ من الروائيين الذين يفضلون اختيار الفضاءات الروائية المغلقة، التي تكاد شخصياتهم الروائية لا تغادرها، وذلك لكي يتسنى لهؤلاء الأدباء الإمعان في دراسة حياتها الداخلية وتعميقها. فرأيناه في روايته هذه يدفع بشخوصها إلى المغامرة في الخارج والتنقل بين المناطق المختلفة، بالذات بطلة عمله، حيث أفاد من وظيفتها كمراسلة صحفية، فجعلها تتنقل على مساحة واسعة من الجغرافيا السورية، حيث شكل السفر والطريق عوامل مهمة لإغناء السرد، وإثراء الحوادث وتوسيع أفق التوقعات من قبل المتلقي. على الرغم من أنه (أي الكاتب) قدَّم لنا خلال تنقل بطلته، الكثيرَ من التفاصيل الجغرافية، والتاريخية والسياسية المطولة، والتي شكلت بحد ذاتها نسيجاً أسلوبياً متمايزاً تماماً عن النسيج السردي العام للرواية، بحيث أنها بدت أشبه بإلصاق جسم غريب بجسد ينفر منه، أو يضيق به فكانت عبئاً على الرواية.
وفي الختام نستطيع القول إن سهيل الذيب طرح في هذا العمل الإبداعي، نموذجاً فريداً من نوعه بين نساء مجتمعنا العربي، تمثل في شخصية نسوية إيجابية تجسد فكرة صدامية مع كل مسلمات المجتمع الذي نشأت فيه إلى حد الازدراء، شخصيةً تعلي من شأن الإرادة، وتقدس معنى الطموح، وتسعى جاهدة لتحقيق حلمها بنفسها مهما كانت الظروف، والذي تمثل بربط مصيرها مع شاب لا يشاركها المُسمّى الديني الذي تتسمَّى به، وإن بدا هذا الحلم في خاتمة الرواية صعب المنال بسبب رفض شقيقها التوءم الذي لم يستطع أن يتخلص مثلها من كل الرواسب المتخلفة، ولكن لا ضير في ذلك، فالأدب الحق حسب بعض تعريفاته هو الأدب الذي ينعش فينا الحلم.. فالحلمُ هو ميدانُه، ومضمارُه، وأفقُه الأوسع.
***
دور الصحافة في الحرب على سورية في رواية امرأة متمردة….. ماجدة البدر
وقد كان لي مشاركة في هذه الندوة من مشاركتي أقتبس: (السلام عليكم.. أسعد الله مساءكم
في البداية أشكر د. إبراهيم لإتاحة الفرصة للمشاركة ، وأرحب بكل الحضور..
الصّحَافَةُ هي وسيلة إعلامية مهمة، تقوم على جمع الأخبار والآراء وتحليلها والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها. والصحفي الحقيقي هو الذي يتابع الأحداث وما يدور حوله من أمور، ويقوم بكتابة التقارير الصحفية كافة ، والأخبار المتنوعة، الأدبية والثقافية والفكرية والسياسية، معتمداً المصداقية والدقة.
عمل الأستاذ سهيل الذيب في الصحافة، وكان مثالاً للصحفي الصادق المخلص لعمله، لذلك خصص جزءاً من روايته للحديث عن الصحافة في بلدنا وكيف تعاملت مع (الأزمة التي ألمت بوطننا سورية).
يرى الأستاذ سهيل الذيب أن الصحافة، ووسائل الإعلام وجميع(المحطات الفضائية) كانت تلقي بالهشيم فوق النار، صورت وفبركت العديد من الصور التي تظهر الدماء والقتل في أي مكان، والأرواح التي تزهق دينياً ومذهبياً وانتماءً، وظهرت الدولة شيطاناً رجيماً، تقتل مواطنيها وتدمّر المشافي والجامعات والمدارس والكنائس والجوامع والمصانع، ومحطات تكرير النفط، والغاز، التي بنتها، والألم الأكبر أن أبناء جلدتنا (وهم الدول المجاورة لبلدنا) جعلونا ألد الأعداء فحاصرونا في لقمة عيشنا.. ومنعوا كل شيء علناً بحصار اقتصادي .
بينما حرضت بعض المحطات التلفزيونية اللا أخلاقية على الحرب الطائفية والمذهبية، تقول معيبة بطلة القصة: (وأنا، على الرغم من عمري الصغير، أثق بأنها لم تكن يوماً مذهبية بل ألبسها المجرمون لباساً مذهبياً ليسهل قيادنا وتفريقنا، وقتلنا جميعاً، وقد نجحوا كثيراً.. لاسيما لدى الجهلة الذين ينقادون كالقطيع وراء الغريزة الدينية).. في حين تسعى الإذاعات المعادية إلى نشر الأخبار التي تحط من معنويات المواطن السوري، وتقلل من عزيمته، وتضعف من معنوياته، من خلال الأخبار التي تبثها، فها هو خبر عاجل.. ورد من إسرائيل.. أذاعه المذياع.. يقول: (اقترح الحاخام الإسرائيلي اليعازر كاشنثيل على العرب أن يكونوا عبيداً في إسرائيل لدى اليهود لأنَّ جيناتهم فيها خلل وراثي يأبى الحرية والكرامة، ورأى أن ذلك ليس استعلاءً، وإنَّما هو من باب المساعدة والإنسانية، ومن مصلحتهم أن يكونوا عبيداً وعندها سيكتشفون مستوى المعيشة الروحانية والقيمية.. وتابع إنهم لا يعرفون أن يديروا دولة، بل هم لا يعرفون صنع أي شيء، وانظروا إلى مظاهرهم وأشكالهم فهم وحوش)..
بدأت معيبة العمل مراسلة في الصحيفة المحلية، وقد شعرت بأنَّ هذا العمل أكسب شخصيتها قوة إضافية، فلم تعد تهاب أحداً، إذ اعتقدت بأنَّها تمارس حقوقها التي شرّعتها الطبيعة أولاً والقانون ثانياً، وتأتيها الصدمة الأولى حين يطلب منها العسكري العامل على الحاجز، هويتها، لنستعرض الموقف معاً:
(- أنا صحفية في صحيفة الحرية..
– هات هويتك الصحفية.. ويلعن أبو الحرية..
أنصاع لغضبه، وأناوله هويتي ، يحدّق في صورتي ووجهي ثم يعيدها إلي..
– خذيها.. ).. لم يضعف ذلك من عزيمتها، وإصرارها على متابعة عملها، حيث بدأت العمل الميداني في تغطية صحفية لمجريات الأحداث.. وسافرت إلى مدينة البوكمال بمهمة تغطية حوادث حرق القمح والشعير وتسميم الماشية، وفي تجوالها في السوق، يحدث اشتباك، فتختبئ في مكان آمن، وبالفعل عملت على هذه التغطية، وتم النشر بعد حذف أهم ما فيها.. وهاهي تتابع عملها في الصحيفة، عل مقالاتها تستطيع ولو جزئياً، نشر قليل من الوعي لدى من استغلوا أبشع استغلال، ففقدوا حياتهم وحياة غيرهم باسم الله البريء من أفعالنا كلها.. وحين بدأ اسمها كمراسلة صحفية في الانتشار بسبب بضعة تقارير ومواد موثقة بالصور والشهادات، كان مقص الرقيب يقتطع أشياء مهمة لا يجوز أن تحذف، مما سبب لها الألم ، إذ تقول (أنا أنشد العدل والموضوعية في حياتي، وفي كتاباتي، فقد آليت على نفسي أن أستمع إلى الطرف الآخر وإلى وجهة النظر الأخرى لعلها تكون محقة، لذلك كان يؤلمني جداً حين أرى مادتي الصحفية محذوفاً منها شيئ لا يعجب رئيس القسم الذي لا يهمّه إلَّا أن يبقى على كرسيه الهزيل بعيداً عن وجع الرأس والأسئلة والأجوبة، فقد خاطبني حين جلبت له تقريراً حربياً جريئاً وشجاعاً وموضوعياً عن بعض بطولات الأكراد، ولاسيما النساء منهم في مجابهتهم داعش، يصدمها رد رئيس التحرير الذي يريد مادة صحفية “لا تهش ولا تنش”، إذ يقول: (أرجوك لا أريد وجع رأس، الصراحة تدمرني والحقيقة التي ترينها تسجنني، هل تريدين أن أسجن أو أطرد من وظيفتي حتى تبرزي على ظهري، اتقي الله يا آنسة)..
ترى معيبة أن حربنا إعلامية بالدرجة الأولى، فإن لم نكن صادقين ومحترفين وجريئين فسيهزموننا، فإعلام كاذب يبتعد عن الحقيقة، ولا يكون صادقاً مع الناس سيجعل الناس كلهم كالشياة تواجه مجموعة من الذئاب الجائعة.. مئات المحطات الفضائية تنفث سمومها، وعلينا مجابهتها بالصدق والشجاعة والخبر السريع العاجل والعلم والاتزان والمجابهة بالصورة الدقيقة، لا بأس بمجابهة الكذب بالكذب أحياناً، ولكن لمواطننا الحق علينا في الحصول على المعلومة الصادقة غير المحرفة، وإلا فنحن نخدعه، يجب أن يثق بنا مواطننا أولاً، فلا يجوز أن يسمع أخبار بلده من محطات معادية، فسيضيع حينها ولا يعرف لمن يلتجئ.. فتأتيها الإجابة الموجعة:
– أعرف.. أعرف.. ولكنني لا أستطيع أن أفعل شيئاً، الله يخليك ترفقي بي، خذيني بحنانك، وإلا سأضطر إلى أن أنقلك إلى قسم الرياضة، وهناك اكتبي ما يحلو لك..
– سأبقى في هذا القسم وسأكتب ما يفيد بلدي وسترى…
إعلام ضعيف مهزوم يختبئ خلف إصبعه، في مواجهة أشرس حرب إعلامية وعسكرية شهدتها بلدنا.
فتتحول إلى صحيفة أخرى، فتفاجأ بمديرها، (غضنفر الحجي) ، وهو زميل دراسة قديم، كان يتحرش بها أيام الجامعة، كان يجلس وراء كرسيه ورجلاه لا تكادان تصلان إلى أرض مكتبه، والذي بدأ يتفحص ردفيها، وهما كما يقول ضروريان لممارسة العمل الصحفي، أو لأي وظيفة بشكل عام، وهو كما صرح: من أساسيات العمل في مؤسسات الدولة، ثم بدأ يستعرض فحولته الفائقة، حيث كان يمارس اللواطة مع حيوانات القرية ولم تسلم منه أي بقرة أو أتان أو كلب أو معزة. وأنَّ هذا المنصب لا يليق به، وأكثر من نصف الدولة باسوا مؤخرته ليقبل به، وقريباً سيصبح وزيراً للعدل، أو وزيراً للخارجية، والحكومة كلها تتمنى أن تحوز إمكانياته الجنسية، فالوطن لا يزدهر ولا ينمو إلا من خلال الجنس البشري، الجنس هو القضية الأكثر أهمية يا معيبة للدفاع عن أوطاننا من الطامعين.. )
شعرت معيبة بالإحباط، نتيجة لتسلم هكذا شخصيات مناصب قيادية في حكومة تواجه أشرس معركة). أما الصدمة الأكبر فهي تغطية معركة إدلب، إذ تلتقي معيبة بعدد من الصحفيين الأجانب والعرب للعديد من المواقع الإعلامية (العربية، الجزيرة،ب.ب.س وصحيفة يديعوت أحرونوت) والتي تفاجأ بوجودهم في ساحة المعركة (حيث يخيم الموت في كل مكان) ولا صوت إلا صوت القذائف والرصاص المنبعث من كل مكان، حيث تغيب الصحافة السورية عن هذا الحدث، وسبب إرسالها لتغطية المعركة، هو التخلص منها، ولكنها قبلت التحدي وقررت خوضه، وفاجأها الحرفية العالية التي يتعامل بها صحفيو وكالات الأنباء العربية والعالمية، للحصول على خبر عاجل، أو سبق صحفي، ولو أدى ذلك إلى فقدانهم حياتهم. مما أدى إلى استشهاد أحد الكادر الصحفي معها، وعودتها.
رصدت الرواية أهم مجريات الأحداث في سورية، وكان الأسلوب مشوقاً ومحفزاً للقراءة، والتي يسعى الكاتب من خلالها إلى بناء مجتمع جديد يعيد للإنسان إنساينته وسموه.

#سفير برس : ماجدة البدر

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *