إعلان
إعلان

أنا .. عباس محمود العقاد عبقرية متجددة. _ هبة عبد القادر الكل

#سفيربرس

إعلان

وحي قلم كل قارئ نهم لا بد وأن تكون له محطة استطلاعية عند عبقرية العقاد ومؤلفاته، الأديب والمفكر والسياسي المصري “عباس محمود العقاد”.
عُرف بالموسوعية ثقافة وتأليفا، رغم أنّ تعليمه النظامي لم يتجاوز المرحلة الابتدائية.
وفي ذكرى ميلاده اﻟ 133 والتي تحل علينا في الثامن والعشرين من حزيران، أحببت ان أقف عند بعض من جوانب حياته، حياة العقاد كما يعرفها هو لا كما يعرفها الناس، فهل يعرف الإنسان نفسه؟
((كلا !!! إنما يعرف الإنسان حدود نفسه، والفرق عظيم بين معرفة النفس ومعرفة حدودها، لأننا نستطيع أن نعرف حدود كل مكان، ولكن لا يلزم من ذلك أن نعرف خباياه وخصائص أرضه وهوائه وتاريخ ماضيه ولو قسنا كل شبر في حدوده)). هكذا كانت إجابته.
العقاد والطفولة:
ولد في أسوان يوم 28/ حزيران/ 1889م، بدأت حياته الأدبية وهو في التاسعة من عمره، وكانت أول قصيدة أدبية نظمها في حياته هي قصيدة “مدح العلوم”.
ولكن الجميع يعرفون أنه من أسوان إلا أنّ جدّه الأكبر من دمياط، وجاء لقب العقاد لأنّ جدّ جدّه لأبيه كان يعقد الحرير.
كان أبوه شديد التدين، وكان يرى للطفل ما يرى للشيخ، فذات مرة وجد العقاد وهو دون الثامنة من عمره جالسا في المنزل بين قريباته وخالاته، فصاح به مستغضبا: “عباس ماذا تصنع هنا بين النساء؟ تعال معي واجلس بين أمثالك”.
وكما يقول العقاد عن أمثاله هم شيوخ بين الأربعين والسبعين، يقضون في أحاديث عن السياسة تارة، وعن قضايا الأسر الكبيرة تارة أخرى.
أمّا أمّه فكانت كردية من أصول سودانية، كانت لا تنكر عليه شيئا غير الورق، الورق الذي أمرض العقاد، الورق الذي صرفه عن الزواج، وكانت من أعداء الشهرة، وقد ورث العقاد عن أمه الكثير إلا القصد في النفقة وتدبير المال، وكان يقول لها: “لو وجدت لي زوجة مثلك تزوجت الساعة”.
العقاد ووظائف الحكومة
“الاستخدام رقّ القرن العشرين” كان هذا عنوان مقال كتبه في “الجريدة” عام 1907م، وهو على رأس وظيفته، وكان حينها على استعداد للاستعفاء منها للعمل في الصحافة، فكان أول موظف مصري يستقيل بمحض اختياره يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار في طبقة واحدة من الغرابة.
كان لا يرى معابة في وظيفة الحكومة إلا إذا كانت باب المستقبل الوحيد أمام الشاب فهي معابة على المجتمع بأسره، وتزداد هذه المعابة حين تكون الوظيفة عملا آليّا ليس للموظف فيها، الصغير منه والكبير، غير الطاعة وقبول التسخير.
ثلاثة أشياء جعلت منه كاتبا
كلمات التشجيع، اتجاهه إلى الصحافة (الكتابة) مع مؤاتاة الظروف وفعلها في تمهيد النجاح، كان يؤمن بها مجتمعات لا متفرقات، ومن كلمات التشجيع التي حظي بها قول الشيخ محمد عبده على إحدى كراسات العقاد: ” ما أجدر هذا أن يكون كاتبا!”.
العقاد وطريقة كتابته
يبدأ العقاد كتابة المقال وفي ذهنه جميع أصوله، ونُقطه مرتبة على الجملة حسب التسلسل المنطقي، وكان يعود إلى كلامه قبل الطباعة ليصححه، كان يفضل الكتابة منفردا، ولم يكتب في الأدب خاصة ومعه آخر في الحجرة، ولم يكن يستعين بشيء من المنبهات حتى أنه كان يترك التدخين عندما يشرع في الكتابة.
وقد أتعبه القلم الرصاص؛ لأنه ينقصف، ويؤلم الأصابع بضغطه، ويترك فيها مثل علامة السجدة في جباه المصلين، ولكنها علامة لا تنفع أصحابها كما تنفع علامة السجدة من ينتفعون بها في سوق الرياء!
وكان له منهجه الخاص في التأليف، يلخص في كلمتين: التقسيم والتنظيم، وهما يختلفان عن منهج التبويب والترتيب، فكان عمله الأول هو الإحاطة بأقسام الكتاب، وتخصيص غلاف مستقل لكل قسم منها، ويليه جميع المصادر اللازمة للرجوع إليها عند كتابة كل قسم، ثم يأتي بعد ذلك التصفح والمراجعة لحصر المسائل المتفرقة وتوزيعها على أقسامها.
أما رأيه في منهج القصة فهو يقوم على إبلاغ مؤثراتها النفسية إلى وجدان القارئ، هذا كل ما يُطلب من كاتبها دون قيد مرسوم، ولا اتباع لمذهب مدرسة خاصة أو فنان معلوم.
العقاد وهواية القراءة
يرى الكثير أن العقاد يهوى القراءة لأنه يهوى الكتابة، ولكن العقاد يرى أن من يقرأ ليكتب ما هو إلا موصل رسائل !! أو هو كاتب ”بالتبعية “ وليس كاتبا بالأصالة فلو لم يسبقه كتاب آخرون لما كان كاتبا على الإطلاق، ولو لم يكن أحد قبله قد قال شيئا لما كان عنده شيء يقوله للقراء.
والكتب التي طالعها علمته دستور المطالعة يدين به إلى وفاته، وخلاصته: “إن كتابا تقرأه ثلاث مرات أنفع من ثلاثة كتب تقرأ كلا منها مرة واحدة”.
ويقول: (( كلا.. لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمرا في تقدير الحساب.. وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب… لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة، ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني … ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين، ولكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين…. ولا تغني الكتب عن تجارب الحياة، ولا تغني التجارب عن الكتب لأننا نحتاج إلى قسط من التجربة لكي نفهم حق الفهم، أما أن التجارب لا تغني عن الكتب فذلك لأن الكتب هي تجارب آلاف من السنين في مختلف الأمم والعصور… ولا أظن ان هناك كتبا مكررة لأخرى، لأني أعتقد أن الفكرة الواحدة إذا تناولها ألف كاتب أصبحت ألف فكرة، ولم تعد فكرة واحدة…
أما تأثير الكتب العلمية والأدبية والفلسفية، فهو أن الكتب العلمية تعلمنا الضبط والدقة، والكتب الأدبية توسع لنا دائرة العطف والشعور، وتكشف لنا عن الحياة والجمال، أما الكتب الفلسفية فهي تنبه البصيرة وملكة الاستقصاء، وتتعدى بالقارئ من المعلوم إلى المجهول، وتنتقل به من الفروع إلى الأصول، وكل هذه الأنواع لازم لتثقيف الإنسان…
أما مقياس الكتاب المفيد فإنك تتبينه من كل ما يزيد معرفتك وقوتك على الإدراك والعمل وتذوق الحياة… إن الكتب طعام الفكر، وتوجد أطعمة لكل فكر كما توجد أطعمة لكل بنية، ومن مزايا البنية القوية أنها تستخرج الغذاء لنفسها من كل طعام، وكذلك الإدراك القوي الذي يستطيع أن يجد غذاء فكرياً في كل موضوع)).
العقاد وفلسفة أوقات الفراغ
يرى العقاد أن أوقات العمل تملكنا.. ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد، فالذي يعرف قيمة وقته يعرف قيمة حياته ويستحق أن يحيا، ويرى أن أفرغ الناس هو الذي لا يستطيع أن يملأ ساعات فراغه، ويقول: (( في كل وقت وكل موسم وكل مكان ألوف من الشبان الأقوياء والرجال الناضجين يقضون ساعات الفراغ في لعب النرد والورق، أو في تعاطي الراح والدخان، ليس هذا وقتا فارغا لأنهم مشغولون فيه، وليس هذا وقتا مملوءا لأنهم يملأونه بما هو أفرغ من الفراغ. هذا ليس بوقت على الإطلاق… هذا عدم خارج من الزمان.. خارج من الحياة… وليس معنى “وقت الفراغ” أنه الوقت الذي نبدده ونرمي به مع الهباء، ولكن وقت الفراغ هو الذي بقي لنا لنملكه ونملك أنفسنا فيه بعد أن قضينا وقت العمل لما نزاوله من شواغل العيش وتكاليف الضرورة…)).
ويضيف: ((ماذا نتعلم من ساعات الفراغ؟ نتعلم منها كل شيء، ولا نتعلم شيئا من الحوادث أو الكتب أو الأعمال إلا احتجنا بعده أن نتعلمه مرة أخرى في وقت الفراغ… فالمعارف التي نجمعها من التجارب والكتب محصول نفيس، ولكنه محصول لا يفيدنا ما لم نغربله ونوزعه على مواضعه من خزائن العقل والضمير.. ولن تتيسر لنا هذه الغربلة وهذا التوزيع في غير أوقات الفراغ.. فلا فائدة للحرث والسقي والرعاية ما لم تأت بعد ذلك ساعة التخزين… وهي ساعة الفراغ.. وهي ساعة ألزم لنا من ساعات العمل، لأن العمل كله موقوف عليها في النهاية… لقد عرف التاريخ الإنساني أقواما فارغين جنوا عليه بفراغهم أشنع الجنايات… لأنهم وجدوا أمامهم متسعا من الفراغ يعيشون فيه.. ولولا أننا نخشى أن يقدس الناس الفراغ لقلنا أن تاريخ الإنسانية من أوله إلى عهده الحاضر مدين لساعات الفراغ… لا بد من فراغ ! ولا بد من فراغ نحفظه! والفراغ الذي نحفظه هو الذي يحفظنا … )).
العقاد وفلسفة الحب
فهل الحب أمنية نشتهيها؟ أو هو مصيبة نتقيها ؟ إنه مصيبة حين تحمل به نفس ثانية مع نفسك وأنت تريدها ولا تريدك، وإنه أمنية حين تتعاون النفسان ولا تتخاذلان.
فليس الحب عند العقاد بالغريزة الجنسية لأنها تعم الذكور والإناث، ولا يكون الحب بغير تخصيص وتمييز، وليس الحب بالشهوة لأن الإنسان قد يشتهي ولا يحب، وقد يحب وتقضي الشهوة على حبه، وليس الحب بالصداقة لأن الصداقة أقوى ما تكون بين اثنين من جنس واحد، وليس الحب بالانتقاء والاختيار لأن الإنسان قد يحب قبل أن يشعر بأنه أحب، وقبل أن يلتفت إلى الانتقاء والاختيار، وليس الحب بالرحمة لأن المحب قد يعذب حبيبه عامدا أو غير عامد، وقد يقبل منه العذاب مع الاقتراب، ولا يقبل منه الرحمة مع الفراق..
والحب عند العقاد يعرف جزءا جزءا قبل أن يعرف شاملا كاملا لكل ما ينطوي عليه، ففي الحب شيء من العادة والغرور، وشيء من العداوة والخداع، وشيء من الأنانية ولو أقدم صاحبه على التضحية، وقد يخلو الحب من كل شيء إلا من شيء واحد وهو الاهتمام… والحب عنده هو اندفاع جسد إلى جسد، واندفاع روح إلى روح..
ويخبرنا حول خلاصة التجارب كلها في الحب: أنك لا تحب حين تختار ولا تختار حين تحب، وأننا مع القضاء والقدر حين نولد وحين نحب وحين نموت.
العقاد وفلسفة الحياة
تتلخص فلسفة العقاد في الحياة ببضعة سطور:
“غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك، ولا تنتظر من الناس كثيراً تحمد عاقبته بعد كل انتظار… كنت أحب الحياة كعشيقة تخدعني بزينتها الصادقة وزينتها الكاذبة، فأصبحت أحبها كزوجة أعرف عيوبها وتعرف عيوبي، ولا أجهل ما تبديه من زينة وما تخفيه من قبح ودمامة”.
وقد علمته تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا، وأنهم يكرهون منك ما يصغّرهم لا ما يصغّرك، وقد يرضيهم النقص الذي فيك لأنه يكبرهم في رأي أنفسهم، ولكنهم يسخطون على مزاياك لأنها تصغّرهم أو تغطي على مزاياهم.. فبعض الذم على هذا خير من بعض الثناء، لا بل الذم من هذا القبيل أخلص من كل ثناء لأن الثناء قد يخالطه الرياء، أما هذا الذم فهو ثناء يقتحم الرياء.
نعم .. هذا عباس محمود العقاد، وهذا غيض من فيض تجاربه وحياته، لقد طاف العالم من مكانه بغير انتقال، طاف العالم من مكانه دون أن يبرحه لأنه رأى في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون…
العقاد رحّالة بغير رحلة … طوّافا بغير طواف…
كان يحب مدينة الشمس لأنه يحب النور.. ولا فضاء حيث يكون النور…

# سفيربرس _ بقلم : هبة الكل

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *