إعلان
إعلان

كتبت هبة الكل : “شوقي بغدادي” قارة شعرية … لك الرحمة ولنا الوسادة والعناق

#سفيربرس

إعلان

هو الذي قرأ موته في حياته، وعرف أن من يقف مع المظلومين لا يموت:
“حلمت أمس أنني أموت، وأن جثتي يرفعها العمال أعلى من التابوت، قلت لهم: تمهلوا لا ترفعوني عاليًا، فأرجعوني نحو أقرب البيوت. قولوا لهم هو الذي صاح بنا: هيا ارجعوا: ونحن لا نعرف بيته فأين نرميه إذن. استغرب السكان حين صرت عاريًا بينهم، فألبسوني كفنًا ممزقًا فرفضته، وحين فتشوا عندهم لم يجدوا من الثياب ما يروق لي. وهكذا صاحوا: مقبرة الأغراب ليست بعيدة، امض إليها قبل أن تغلق الأبواب.. وهكذا سايرتهم وقلت في نفسي: أفضل ما أصنعه الآن إذن.. لا بد أن أموت”.
ذائقة شعرية سورية، ترحل عنا بعيداً عمّا فرضه بعض أدباء وشعراء المنصات من تقاليد وهمية..
شوقي بغدادي يلبي نداء القدر حيث اللانهاية وبداية الحكاية… ليرحل عن عالمنا مساء أمس الأحد عن عُمر يناهز خمسةً وتسعين عاماً.
وُلد شوقي بغدادي في مدينة بانياس السورية عام 1928م، وتدرّج في تحصيله العلمي بين مدارس اللاذقية وطرابلس لبنان، قبل أن يكمل تعليمه الجامعي في دمشق حائزا منها على إجازتين واحدة في اللغة العربية وأُخرى في التربية عام 1951م، كيف، وهو الذي ارتبط بدمشق و “البحث عن دمشق”.
جاءت مساهمته الأُولى في المشهد الثقافي السوري من خلال مشاركته في تأسيس “رابطة الكتاب السوريين” عام 1951م، إلى جانب حنا مينة وحسيب ومواهب كيالي وصلاح دهني وفاتح المدرس وليان ديراني وشحادة الخوري وسعيد حورانية، قبل أن تحمل الرابطة لاحقاً اسم “اتحاد الكتّاب العرب”، وقد انتخب رئيسا لها.
عاصر عصورا شتى منذ فجر الاستقلال وحتى يومنا، أشبه بقارة شعرية لا حدود لأطرافها، من حيث الزمان والمكان والأحداث، فنهضت تجربته على إنسانية الإنسان في كفاحه من أجل مستقبل أفضل..
شوقي بغدادي ذاكرة فكرية وسياسية وثقافية غنية، بل هو شاعر القضايا الكبرى والتفاصيل الصغيرة.
أصدر مجموعات شعرية عديدة بينها: “بين الوسادة والعنق” (1974)، و “ليلى بلا عشاق” (1979)، و “قصص شعرية قصيرة جداً” (1981)، و “كم كل بستان” (1982)، و” شيء يخص الروح” (1996)، و “البحث عن دمشق” (2002). إلى جانب حكايات شعرية للأطفال مثل “عصفور الجنة” (1982)، و “القمر على السطوح” (1984)، محاولاً في النقد والدراسات أيضاً: “قديم الشعر وجديده” (1986)، و “عودة الاستعمار: من الغزو الثقافي إلى حرب الخليج” (1992). كما واصل نشر المجموعات القصصية، ونشر رواية بعنوان “المسافرة” (1994).
لم تغب فلسطين عن شعره، كالجرح النازف في كل حرف، طاهيا قهرنا وفجيعتنا برهافة وبناء شفاف:
“في درس الرسم تسابقنا
كان الموضوع هو السكينْ
أنجزت الرسم سريعاً
ثم نظرت إلى جاري من غزة
يرسم ويلوِّنُ
يا للدَّهشه!

في درس آخرَ
قال معلّمنا: ارسمْ بلدتك كما تتصوَّرها
فرسمتُ على ورقي أجمل بلده
لكني حين نظرت إلى جاري من غزة
لم أبصرْ – يا للعجب! –
سوى ورده”.
كان شوقي طفلاً يحاول أن يغير ملامح العالم، ويخاطب الطفل كما يخاطب الكبير، مثيرا دهشة الصغار والكبار:
“أبصرتُ الذئب الأغبرَ
في صُحبة ليلى
كان يداعبها وهي تزقزقُ
وأنا أتعجَّب كيف تناست
عن أذنيه ِ
وعن أنياب كانت تبرز من فكـَّيْه ِ
يا ليلى.. يا ليلى!”

شوقي بغدادي من الأدباء القلائل الذين لم يستطع الزمن ولا العمر أن ينهك أحصنتهم، بل زادها أصالة وخبرة، ومن الذين ما زالوا يراهنون على الشعر على أنه المرآة الحقيقية لأرواحنا، والطريق نحو الخلاص.
فقبل عام تقريبا، دخل بغدادي نادي الصحفيين بدمشق ليحتفي بديوانه الأخير “بعد فوات الأوان”، قائلا: “عندما جاءني اتصال صاحبة الدار تطلب لقائي للحديث عن إمكانية نشر ديواني الشعري، لم أتردد لحظة، لأني مؤمن بأن للشعر وقعه الذي ما زال قوياً. وتم اللقاء”.
ليعلمنا أنّ التقدم في العمر يعني تقدما في العطاء حتى الرمق الأخير..
لروحك الرحمة ولنا الوسادة والعناق.

# سفيربرس _ بقلم: هبة الكل

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *