إعلان
إعلان

ثلاثية الموازنة العامة. بقلم : أ.د. احمد الدخيل

#سفيربرس _ بغداد

إعلان

منذ التحول السياسي الذي حصل في العراق سنة 2003 واعتماده نظاماً برلمانياً وما شكله ذلك التحول من إشكالية في عدم إقرار قوانين الموازنة العامة السنوية في موعدها المحدد نتيجة عدم وجود اغلبية كافية في مجلس النواب العراقي تسمح للحكومة المنبثقة عنها بتمرير مشروع الموازنة العامة في المواعيد المحددة قانوناً إلى درجة أصبح الأمر يصل إلى مستوى الظاهرة مما دفع الكثير من الكتاب والباحثين إلى إعداد الدراسات في هذا الشأن لمحاولة وضع الحلول لها دون جدوى، خاصة وأن النصوص الدستورية ‏ونصوص التشريعات العادية لم تسعف في هذا المجال فلم تضع جزاءات ولو معنوية على عدم تقديم السلطة التنفيذية لمشروع الموازنة في الوقت المحدد ولا على عدم إقرار السلطة التشريعية له في موعد معين، وهو ما حدا بمشرع قانون الادارة المالية الاتحادية رقم 6 لسنة 2019 المعدل إلى وضع إطار عام لحل هذه الإشكالية يتمثل في السماح لوزارة المالية الاتحادية بإعداد موازنة متوسطة الأجل لمدة ثلاث سنوات تقدم مرة واحدة وتشرع فتكون السنة الأولى واجبة التنفيذ اما السنتين اللاحقتين فيجوز لمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزارة المالية ووزارة التخطيط الاتحاديتين معا تعديلهما بموافقة مجلس النواب.

‏ وهو ما استثمرته وزارة المالية بإدارتها الجديدة هذا العام فقامت بتقديم مشروع قانون الموازنة للسنوات 2023و2024و2025 فإذا ما وافق مجلس النواب على مشروع الموازنة الثلاثية فإنه يكون قد حل لنا اشكالية تأخر إقرار الموازنة ولو بصورة جزئية وللسنتين التاليتين 2024و2025 فهي ستكون مقرة مسبقاً مع امكانية إجراء التعديلات عليها لاحقاً بما يتناسب مع الظروف التي تحيط بالوضع الدولي والإقليمي والمحلي على حسب الأحوال، إذ جاءت المادة 65 من مشروع قانون الموازنة تطبيقاً لنص البند ثانياً من المادة الرابعة من قانون الادارة المالية الاتحادية المعدل.

‏ بيد أن اعتماد الموازنة لمدة ثلاث سنوات وان كان يشكل حلاً ولو بصورة غير مباشرة لإشكالية التأخر في إقرار الموازنة العامة فانه استخدم بطريقة مشوهة نسفت قاعدة سنوية الموازنة المجمع عليها لدى علماء المالية العامة وفقهاء القانون المالي، إذ أن مشرع قانون الادارة المالية الاتحادية عندما أجاز للسلطة التنفيذية تقديم مشروع قانون الموازنة لمدة متوسطة أمدها ثلاث سنوات لم يكن يقصد أن يتم إعداد الموازنة بتقديرات لمدة سنة واعتمادها للسنتين التاليتين بأن يتم تكرار هذه التقديرات الخاصة بالسنة الأولى وسحبها على السنتين اللاحقتين وإلا كنا أمام تطبيق لقاعدة الصرف 1/12 ‏المعمول بها عند تأخر إقرار الموازنة العامة للدولة والفرق الوحيد هو أن الصرف سيجري في الموازنة لمدة ثلاث سنوات للنفقات التشغيلية والاستثمارية على حد سواء.

ومن هنا ولما كان مقتضى قاعدة سنوية الموازنة أن تكون الموازنة لمدة سنة قادمة وأن تكون كل سنة من سنوات الموازنة مستقلة في تقديراتها عن السنوات الأخرى فإننا نكون والحال هذه أمام تجاوز أو الغاء لقاعدة سنوية الموازنة العامة، فإذا كانت الموازنة الثلاثية قد خصصت تقديرات لكل سنة بشكل مستقل عن السنوات الأخرى فإنها للأسف اعتمدت تقديرات السنة الأولى وعممتها على تقديرات السنتين اللاحقتين، وهو أمر لا يمكن قبوله مطلقاً، فلا شك أن ظروف السنة 2023 تختلف عن ظروف السنتين 2024 و 2025 ولا يمكن ‏ان نعطي هاتين السنتين تقديرات السنة الأولى هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الميل الحديث نحو التخفيف من قاعدة سنوية الموازنة كان باعتماد تقليص مدة السنة لا زيادتها أو مضاعفاتها فالتقنيات الحديثة المتوافرة اليوم تسمح للسلطة التنفيذية بإعداد الموازنة لمدة اقل من سنة، ناهيك عن التغيرات المتسارعة التي يعيشها العالم اليوم لم تعد كما كانت في السابق قليلة الأحداث المؤثرة على الوضع المالي وإنما الوضع الدولي وبسبب تشابك المصالح الدولية واستخدام وسائل التواصل الحديثة جعل من غير الممكن وضع توقعات قريبة من الواقع لمدة سنة فما بالك بتوقعات لأكثر من سنة.

‏ هذا فضلاً عن أنه حتى إذا سلمنا جدلاً بإمكانية التكرار لذات التوقعات الإنفاقية للسنة الأولى وسحبها على السنتين اللاحقتين فيما يتعلق بالنفقات التشغيلية المتكررة سنوياً فكيف يمكن قبول تكرار النفقات الاستثمارية المتوقعة للسنة الأولى على سنتين متتاليتين؟ فمثلاً إذا تم تخصيص مبلغ معين لإنشاء مشروع استثماري في العاصمة بغداد أو في إحدى المحافظات فهل من المعقول أن يتم تخصيص ذات المبلغ للسنة التالية لإنشاء مشروع مشابه في المكان ذاته وأن يخصص المبلغ أيضاً للسنة اللاحقة لإنشاء المشروع ذاته ايضاً وفي الموقع ذاته.

وبالمثل فهل يمكن الاعتماد على نسبة العجز في موازنة 2023 وتكرارها في السنتين 2024 و 2025؟ لا سيما وان النسبة عالية جداً بحيث يمكن أن تنعكس سلباً في المستقبل على الواقع الاقتصادي والمالي في البلاد وتجعله رهينة ديون محلية ودولية يمكن أن تصل بها إلى مرحلة الإفلاس الدولي، فقد قدر عجز الموازنة العامة لسنة 2023 بأكثر من 32% في مخالفة صريحة ‏وواضحة للنسبة المحددة في قانون الادارة المالية الاتحادية والذي يسمح بالعجز في حدود 3% فقط، إذ تم تجاوز تلك النسبة بمقدار 10 مرات، ولعل الكارثة ستحدث اذا ما تم الاستمرار بذات نسبة العجز للسنتين التاليتين حيث ستبلغ نسبة العجز قرابة الـ 100%!!

وكذا الحال مع الاقتراض الداخلي والخارجي البالغ 41 تريليون دينار فهل يتم تكراره أيضاً للسنتين التاليتين؟ فعلى الرغم من أن الاحتياطي العراقي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي العراقي تجاوزه 100 مليار دولار حتى نهاية العام 2022، إلا أنه وفي الوقت ذاته فقد أكد بيان وزارة المالية التوضيحي لمشروع الموازنة العامة ان المديونية العراقية ارتفعت بشكل كبير في السنوات الثلاث الماضية فقد تجاوز الدين الخارجي ‏57 مليار دولار وتعدى الدين الداخلي 70 ترليون دينار فيكون من غير المناسب أن نضيف إليها في سنة 2023 ديناً داخلياً وخارجياً بأكثر من 41 ترليون دينار ناتج عن اعتماد سياسة اقتراض مفرطة وأن يتكرر ذلك الاقتراض للسنتين 2024 و 2025 بنفس المبلغ في حين لا يتم تسديد سوى 12.5 تريليون دينار في السنة وهو ما يعني أن حجم الدين العام سيكون بانتهاء سنة 2025 متجاوزاً لـ 160 ترليون دينار و 57 مليار دولار، وهو ما يوجب إعادة النظر في اللجوء إلى القروض العامة لاسيما الخارجية منها والبحث عن ايرادات جديدة لتغطية العجز.

نعم نحن لسنا بالضد من ثلاثية الموازنة العامة العراقية ما دام الظرف الحالي يتطلب ذلك فلا قدسية لقاعدة السنوية في مقابل المصلحة العامة للبلاد في عدم تأخير اقرار الموازنة العامة للدولة، ولكننا نتمنى ان يتم ذلك بما يتفق ونصوص قانون الادارة المالية الاتحادية المعدل والواقع المالي الذي يشهده العراق بحيث يتم وضع تقديرات حقيقية لكل سنة من السنوات الثلاث للموازنة وبالشكل الذي يجعلها انعكاساً للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا ان تكون منفصلة عنه، ولا يسعف في ذلك سلطة التعديل الممنوحة لمجلس الوزراء بموافقة مجلس النواب للموازنة الخاصة بالسنتين 2024 و 2025 فما الحل لو لم تحصل الموافقة على ذلك التعديل؟ بل حتى لو جرى التعديل فلا شك انه سيكون طفيفاً ولن يمس جوهر الموازنة.

#سفيربرس _ بقلم : أ.د. احمد الدخيل

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *