إعلان
إعلان

الإعلامي والمخرج المسرحي نورس برّو لسفير برس: ” في سورية لا نعرف كيف نصنع إعلاما، وليس لدينا إعلاميين.

#سفير_برس _إعداد وحوار : هبة عبد القادر الكل

إعلان

 برّو لسفير برس: ” الصحافة الفنية تدريب وفي سورية تافهة جدا… والجسد أصدق من الكلام…

نرسيان مسرحي، ونوارس إعلامية هائلة اجتمعن في شخصه الذي تتعلم منه الكثير، وفي مطلعها: إنّ الألم الذي يولد معنا سيولد معه نجاحات وإنجازات .. 

على خطى متوازنة بين احتراف الإعلام، واحتراف الدراما وإخراج أبي الفنون سارَ نافضاً عن جناحيه كل القيود بجرأة معتبرة… 

في حوارنا اليوم مع مؤسس فرقة “سورية للمسرح الراقص” ومخرجها وكاتبها، صاحب مجموعة  NB الإعلامية والفنية، عن الطفولة، الشباب، المسيرة الإعلامية والإخراجية المسرحية وتقييمه للفن والإعلام السوري اليوم.

مع الإعلامي والمخرج المسرحي نورس برّو، على أمل أن يقدم لكم هذا الحوار ما فيه الفائدة أعزائي القُرّاء:

س- “نورس برّو” في يوم من الأيام كان محاوِراً فذّاً، اليوم أنت المُحاوَر، فماذا يعني لك الحوار؟

الحوار أساس النجاح والتفاهم البشري، وأعتبره نوعًا من العصف الذهني أو التفكير الإبداعي الجمعي للوصول إلى نتيجة ما، فلا يمكننا تخيّل البشرية دون لغة الحوار، وبفقدان لغة الحوار والتخاطب بين الناس تصبح لغتنا لغة القوة وستسبب حروباً وأزمات، فتذهب الموسيقى ويختفي الفن والإبداع، وتذوب الكلمة التي هي أساس أي إنسان… وسعيدٌ في حواري معك اليوم.

س- لنبدأ من مرحلة الطفولة؟

طفولتي كانت صعبة، ولكن ليست بالكئيبة، طفولة فقيرة متنقّلة بين حارات الدراويش الفقراء، ومعلوم أن ابن البيئة الفقيرة لا ينعم بالاستقرار لا سيما وأن الخلافات العائلية التي كانت بين الأب والأم كانت تؤثر على استقراري بينهما هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنا نتنقل بين الحارات من مكان لمكان بحثا عن بيت للإيجار تبعا لأعمال الأسرة .. أنا ابن امرأة عاملة قدّمت الكثير على حساب حياتها، في وقت كان فيه الأب متخلّيا تماما عن مسؤولياته، إلى أن قرّرا الانفصال وأنا في عمر 14 عاما، فاخترتُ أن أشقّ طريقي لوحدي بالعمل والدراسة، وأشكر الله أن منحني في هذا العمر الخطير موجّهاً علّمني الكثير، وأراني الحياة خارج بيئتي الفقيرة، فهو من شجعني على الكتابة، وعرّفني على الفن والصحافة والإعلام، لا يمكنني أن أنسى الإعلامي والأديب السوري الكبير “خليل عبد الله” رحمه الله، وزوجته الفنانة القديرة “فيلدا سمور” التي اعتبرها مثل والدتي، فقد تربّيتُ عندهم لفترة معينة وكنتُ صديق الابن ثم أصبحتُ صديق الأب الذي أخذت من خصاله الكثير، ولا أنكر أنّ خليلا كان عرّابي.   

 وعندما قدّمت على كلية الفنون الجميلة والمعهد العالي للفنون المسرحية قُبلت بالفرعين، وأنا أحب الرسم ولديّ مرسم ولكن التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية اختصاص “سينوغرافيا”.

س- لم وقع إشكال على تخرجك من المعهد العالي للفنون المسرحية؟ 

تخرّجتُ من المعهد بعد إشكالية تخصّ موضوع بعض المواد النظرية وليست العملية، وتحقيق نسبة الدوام، لا سيما وأنني عندما كنتُ طالباً في المعهد وبعد انتهاء الدوام، كنت أذهبُ على الفور إلى إذاعة سورية الغد. ولكن استدركنا الموضوع والحمد لله.

س- في بداية الألفينيات ومع تأسيس الإذاعات الخاصة، كنتَ مؤسس ومعد ومدير برامج  في إذاعة سورية الغد مع شراكة فرنسية، حدّثنا عن تلك الفترة الإعلامية ولم وصفتَ جوّ الانفتاح آنذاك بأنه مختلف كلياً؟  

 طبعا مختلف، كان لدينا تعاون مع السفارة الفرنسية وتبادل ثقافي يحمل عنوان ” إلى فرنسا à la France “، وكنتُ صديق السفير الفرنسي في ذلك الوقت “أريك شوفالييه” إلى بدء الأحداث في سورية وانقطاع العلاقات. نحن نتكلم عن فترة كانت فيها سورية مختلفة كليا، على الصعيد الاقتصادي، الإعلامي، وحتى الاجتماعي، كان الاهتمام الحكومي واضحا رغم وجود الفساد، من وضع لخطط خماسية وسداسية، إلى لقاءات.. الخ، على عكس الاهتمام الحكومي اليوم والذي لا يعكس الاهتمام بشؤون الناس وإنما استسهال يعزونه إلى ما يسمى “الظروف والحصار”. 

وإذا أردتُ تحديد موطن الانفتاح على الصعيد الإعلامي، فإنّ الإعلاميين في سورية اليوم لديهم احتراز كبير من حالة الرقيب الداخلي، هذ الرقيب الذي دائما ما يكون أقوى من الرقيب الحقيقي، إلا أنه رقيب ” وهمي”،  فما تقدمه أنتَ كإعلامي ليس كما يفكر به الرقيب من ناحية “الرقابة”، وسأعطيك دلائل من أعمال قدّمتها سابقا، على سبيل المثال: أفتخر بأنني أول من فتح باب الملفات التي تقع تحت بند “تابوهات” على الإذاعة كالزواج المدني، إعطاء الأم الجنسية، الشذوذ الجنسي، سفاح القربى.. الخ، وصدق القول، لم أتعرض لمضايقات ولم توجّه إليّ ملاحظات من جهة رسمية، وسبق وقدّمت برنامج “عصف ذهني” على إذاعة ميلودي أف أم، على مدار عام ونصف، وكنّا ننتقد فيه العمل الحكومي بشكل مباشر والشخصيات الحكومية، وحتى بعض الأمور التي تعتبر مقدسة ضمن الثالوث المقدس، ولا مرة تعرّضنا لمضايقات، على العكس تماما، كان يأتينا من الثناءات الكثير على أننا بحاجة فعلا إلى مثل هذا النقد.

الرقيب اليوم هو داخلي كما كنّا نسمع ونقرأ خلال حقبة سياسية معينة، ذهبت مع فترة التسعينيات برأيي الشخصي، واليوم أؤمن بوجود انفتاح إعلامي إلا أنّ الرقيب ما زال داخليا أكثر.    

س- لكن البعض يرى أن فتح ملفات والنقد الحكومي يحتاج إلى سند، فهل كنتَ مدعوما أو مسنودا؟

 دعيني أقول: لم يكن يوجد سند بل يوجد “نورس برّو” ولا أعلم إن كان الأمر يتعلق بمكانتي أو مدى معرفتهم بمن هو نورس وأهدافه .. الخ، ثم إنني لا أؤمن بمسألة “السند” لطالما كنتَ فاهماً لما تقوم به وفق القانون والحيثيات، عارفاً من أين تؤكل الكتف، لدرجة أنّ فريق برنامج “عصف ذهني” قال لي مرة ومن باب المزح: “نورس بدك تروحنا أنت”، على العكس تماما كنتُ مرتاحاً، وكوّنت صداقات مع عدد من الوزراء ومازالت إلى اليوم، هذه تجربتي الشخصية، لأنني عارف طريق الكلمة التي أقولها، ولكن أول ما شعرنا أن هنالك نوع من الإشكال قد يحدث “على أعقاب أحداث السويداء” أوقفنا البرنامج كي لا نكون سبباً في الاحتقان، لأن الهدف هو محاربة الفساد والمحاسبة وأن نتخلّى عن شماعة الحرب والحصار، لأننا قادرون على الخروج إذا أردنا لولا وجود فاسدين كبار في الحكومة، فليس من مصلحتهم الشخصية أن تُصلح الأمور كي لا تتوقف أعمالهم. 

وأقول: أيها الإعلاميون جرّبوا وعلى مسؤوليتي، فخوفكم داخلي.

س- حول الإعلام الخاص: اليوم هل يوجد فرق بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص؟

من المفترض أن يوجد فرق ولكن للأسف لا يوجد فرق، حاولنا في سورية الغد أن نخرج عن السياق الرسمي، ولكن إلى أين أخذنا الخروج عن السياق كون تجربتنا الإعلامية صغيرة، نعم استفدنا من الجار اللبناني، كونه سبقنا في هذا المجال، إلى أن فكّرتُ بقالب جديد. 

س- مسألة مواهب أم ماذا؟

 ليست قضية مواهب، بل خبرات هبة، أفكارك مهما كانت متجددة وعظيمة هي بحاجة إلى خبرة تنفذها، من ناحية الديناميكية والأجهزة الجديدة فلا بد من أن تسافري لتتعلمي كيف يتم العمل عليها، وذهبتُ يومًا إلى مونتي كارلو الدولية كمقدّم برامج فيها ورأيتُ التقنيات ثم رجعت إلى سورية، وأعطيك مثالاً بسيطاً: البودكاست كم عمره في بلدنا، سنين معدودة! في حين هو موجود في الخارج منذ ثمانينات القرن الماضي.

وبالعودة إلى الإعلام الخاص فإنني أنظر إليه كنسخة شبيهة بالإعلام الرسمي، إنني أؤمن برسمية وجدّية الإعلام الحكومي لأنه يمثل الدولة والشق الرسمي الحكومي، فلا ينفع أن أشاهد برنامجاً على شاكلة “هيك منغني” على التلفزيون السوري، لا أقبلها ولا تليق بتلفزيون يمثل الدولة، ولتطلبوا هذه المواضيع من القطاع الإعلامي الخاص، كقناة سما والقنوات المصفوفة في دروج وزارة الإعلام التي كانت ستفتح وتوقفت, من المفترض أن يخرج الإعلام الخاص عن عباءة الحكومي إلا أنهم لم يخرجوا ولا يريدون الخروج والسبب عقلياتهم والرقيب الداخلي، وليس هيمنة الإعلام الرسمي، علماً أن الأخير يقول للخاص “اخرجوا عن هذه المنهجية”، ولكن لا يوجد توجيه. 

  س- إذاً اليوم يستطيع أي شخص أن ينشأ قناة إعلامية خاصة يقدّم فيها ما يريد في سورية؟

حسب ما الذي سيقدّمه، فالاتجاهات الاجتماعية، الفنية والدرامية مسموحة، ومن سيمنعك عن مواضيع أو شكل أو زي معين! أما الاتجاه السياسي فأنت محكوم ﺒ “وكالة سانا” وهذا حق طبيعي، لأن مصدر خبرك السوري السياسي هو الدولة ووزارة الإعلام، ولكن عندما تريدين أن تأخذي من مصادر أخرى لأخبارك حتى السياسية، حول حدث لا يتعلق بالحدث السوري، فمن يمنعك ويقول لك لا!

الناس اليوم فاقدة للشغف، وبرأيي ليس لدينا إعلاميين في البلد.

س- كل القامات الإعلامية الموجودة في سورية وتقول ليس لدينا إعلاميين؟

لا، لا يوجد عندنا إعلاميين، جميعهم قد أُطروا في قالب واحد، وأنا مسؤول عن كلامي.

س- لا يوجد من يمكن أن تقول عنه إعلامي أو إعلامية في سورية؟ 

(لحظة صمت وتنهيدة) كي لا أظلم أحدا، أعتقد أن نزار الفرا وهناء الصالح إعلاميان ولكنهما مقولبان بقناة سما دون أفق بمكان آخر.

س- دعني أسالك: ما المواصفات التي تراها في الشخص كي تقول عنه إعلامي؟

القدرة على فعل شيء من لا شيء، الثقافة الكبيرة، القراءات المطلعة، وهذا لا يعني أنني إذا قرأت 50 رواية أصبحت إعلاميا، أبدا فالموضوع له علاقة بالأبحاث، وأن يكون مُلمّاً بعلوم السياسة والفن ونظرياتهما، أن يكون إعلامياً شاملاً، وهنا أقتبس جملة الصديق الإعلامي السوري الكبير نضال زغبور: ” الإعلامي مجده لحظة وغلطته العمر كله” على أنها من الأمور المهمة التي يجب أن يوازن بها الإعلامي لتحقيق صفة الإعلامية، ثم تأتي الأمور الشكلية الأخرى من الصوت والظهور والشكل وغير ذلك، ونحن اليوم نشاهد في إعلامنا السوري الخاص هذه الشكليات على حساب الثقافة، وأتساءل: ما الذي يُقدّمه اليوم! هل يُعقل أن يكون اليوم أعظم برامج البلد هو حوار مع فنان طلّق، أو فنانة تزوجت، فضيحة فلان! ما هذا الإعلام؟ نحن لا نعرف كيف نصنع إعلاماً في سورية، وإن عرفنا كيف نصنع يوماً فيكون الحال كحال كرة القدم، الإنجليز اخترعوها، الصين طورتها، والمنتخب السوري قضى عليها! المسألة مسألة منظومة متكاملة لم تعد تهتم بالأمور الجوهرية.

س- نورس محبوب من قبل الأطفال، ولديك قسم التدريب الأطفال في فرقتك السورية للمسرح الراقص، أين إعلام الطفل اليوم؟

سابقاً وفي فترة التسعينيات كانت هناك اهتمامات إعلامية جادّة بالأطفال، وكنا نشاهد برامجها كبريد الأطفال للقديرة ” فاتن محمد”، وحتى فئة الشباب، كنتُ أحد الناشطين بفكرة كانت ستتشكل في سورية موازية لمجلس الشعب السوري وهو برلمان الشباب، والذي كان سيُعنى بمشاريع ضخمة تُرفع إلى مجلس الشعب، قبل بدء الأحداث في سورية. اليوم وللأسف لا توجد هكذا مشاريع، ولا أعتقد وجود هكذا توجه أساساً لسبب بسيط وهو ظروف البلد الداخلية، الكهرباء مثلا، فأغلبنا لا يحضر تلفزيون.. 

س- ولكن توجد منصات رقمية؟

للأسف ما زلنا متأخرين في هذا المجال، والكل سبقنا فيه، غير أن برامج الأطفال تحتاج إلى كثير من التكتيكات والرقابة كمنع مشاهد العنف، لذلك حاولنا في سورية للمسرح الراقص أن نبعد الأطفال خلال فترة تدريب تصل إلى أربع ساعات عن جو الحرب وألعاب الحرب إلى جو من الحياة والفن، ولكن اليوم ألمس شُحّاً من قبل اهتمام الأهالي بهذا الموضوع وأعذرهم تحت بند ترتيب الأولويات كالتفكير بمصروف النقل والمواصلات… علما أننا قطاع مجاني.

س- قد يقول المتابع لمسيرتك الإعلامية أن هناك حالة من الهبوط الإعلامي أو اللا استقرار، ما رأيك؟  

   أين الهبوط، لو رجعنا قليلا إلى البدايات الصحفية في صحف كالكفاح العربي والشرق ومجلة الفنون السورية الذي كان رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ ” سعد القاسم” والذي درّسني فيما بعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان أول حوار أجريته مع الفنان القدير “يحيى الفخراني” و ” محمد مفتاح” في مهرجان دمشق السينمائي قبل عام 2006م، ثم انتقلت إلى بيروت تلفزيون المستقبل كبروديوسر، ومونتي كارلو الدولية كمعد ومقدم ثم عدتُ إلى دمشق وتأسيس إذاعة سورية الغد، فإدارة برامج قناة الدنيا، ثم مؤسس وإدارة برامج سما، ثم حادثة الخطف فعدتُ بعدها مباشرة إلى الإعلام الحربي ميدانيا، ثم مدير قسم الأخبار في إذاعة نينار، ثم إلى بيروت قناة الجديد كبروديوسر، إلى أن حصل خلاف سياسي مع المحطة، ثم رجعت إلى إذاعة ميلودي كمدير برامج، ثم توقفت بخيار شخصي مع زحمة العروض المسرحية للفرقة والسفر بين المحافظات وخارج سورية، ثم غدت إلى ميلودي كمعد ومقدم لبرامج كعصف ذهني، هارموني واليوم برنامج نوستالجي، ومنذ يومين وقّعتُ عقداً مع أهم القنوات الآسيوية (داما) كمدير كامل للشكل البصري على أن تبدأ الانطلاقة كمنصة ثم قناة على النايل سات..

هكذا العمل الإعلامي متأرجح، ولا تنسي أن خلال هذه التفاصيل قد درّستُ مرتين عام 2010م، وعام 2021م في كلية الإعلام بجامعة دمشق، وقُدّم لي عرض هذه السنة ولكن اعتذرت بكل مودة، هذا الأمر اعتبره قيمة إعلامية معنوية لشخص مثلي ليس بخريج كلية الإعلام، وإنما صبّ خبرته في الكلية بشق مفقود فيها وهو الشق العملي.

س- إذا تفتقد كلية الإعلام للمدربين الإعلاميين؟

في الوقت الذي درّستُ فيه نعم وإلا لما استدعوني، أملك طريقة خاصة أدمج فيها بين التمثيل والفن والإعلام، ودرّستُ عملياً أساسيات الوقوف أمام الكاميرا، المناهج الأساسية للصوت وغير ذلك. 

س- لننتقل إلى الدراما، نورس برّو لم يترك باباً درامياً إلا ودخل به، فهو ممثل، مخرج منفذ، مخرج ساعد، ناهيك عن التجارب السينمائية؟ 

أريد أن أُعقب أولاً على صفة ممثل لأنني لا أحبذها، رغم أنني مثلت ولكن لم يكن التمثيل هاجساً أو هدفاً يوماً، وعندما قررتُ خوض غمار المسرح والإخراج والتجارب السينمائية ومن ثم الدرامية، كان يهمني أن أعرف شعور الممثل وراء الكاميرا وأمامها لأعرف كيف أتعامل معه كمخرج، وبدأت العروض التمثيلية تتوالى وكنت أعتذر. 

وجوابي على سؤالك: صحيح كانت لديّ ما يقارب 6 تجارب سينمائية خارج سورية، والمهن تتقاطع، ودائماً ما أقول الإعلام جزء من الفن، والفن جزء من الإعلام لا ينفصلان، وفقدان أحدهما يسبب مشكلة عند الآخر.

س- إذاً كل إعلامي هو فنان بالضرورة؟

من وجهة نظري طبعا، وهي قاعدة عندي لا أقبل غير ذلك، لسبب بسيط وهو الشمولية، سأطرح عليك مثالا تقريبيا: اليوم إن لم تكوني قادرة على أن تخرجي بمشروع إعلامي ما كبرنامج ( one man show) من التقديم، الإعداد، الإخراج ككل، فأنت بالنسبة لي تقومين بالنشر فقط، أو مجرد قراءة، أو أنك تسجلين إعلاماً ولكن لم تُقدّمي إعلاماً، بل أنت شخص دخيل على الإعلام، هذه الشمولية التي قصدت.

س- وهل كل فنان إعلامي؟

أكيد لا، وأساساً ليس كل فنان فناناً، وخصوصا حالتنا السورية الفنية اليوم التي باتت تجارية بحتة جدا، والدراما السورية تتهاوى.

س- جمعتَ بين الفن والإعلام، وحاورتَ عدداً معتبراً من الشخصيات الفنية ومع ذلك لم يستهويك الإعلام الفني؟

صحيح، ومن غير الممكن أن يستهويني الإعلام الفني ولن أعود إليه، هذا الكلام كان في بداياتي الإعلامية، أجريتُ أكثر من 1000 حوار صحفي إعلامي فني، آخرها كان مع الراحل وديع الصافي، ولكن عندما ذهبتُ إلى الشق السياسي لم يعد يركب الفن صحفياً معي بشكل شخصي، فالخوض في العالم السياسي يجعلك تشعرين أنك غير قادرة أن تقدمي شيئا في الإعلام الفني، لا أنكر أن للفن قيمة، ولكن ما أقصده هو أنك ستصلين إلى مرحلة تبحثين فيها عن قيمة فنية، تجدين نفسك في حالة من النقد وليس في التغطية الفنية لعمل ما، ستشعرين أن هويتك الإعلامية قد تغيرت، وأن مرحلة الصحافة الفنية هي مرحلة تدريب مع احترامي لكل الأشخاص الذين يقدمونها. 

س- تقول عن الصحافة الفنية تدريب؟

بالنسبة لي نعم تدريب، وأخصص الحالة السورية، أما باقي العالم فالوضع مختلف، في سورية الصحافة الفنية تافهة جداً، فلا يوجد لدينا مدراء أعمال للصحفيين الفنيين، لدينا فقط صحفي يذهب إلى الفنان ويعرض عليه ترويجا لعمله مقابل مبلغ مادي ما. إن أرشيفي الإعلامي الخاص بالحوارات الفنية لا يحتوي على حوارات لا ترقى إلى مستوى الفن الحقيقي، فأجريت حوارات مثلا مع يحيى الفخراني، لبلبة، عازار حبيب قبل وفاته بيومين، فؤاد غازي والكثير من الأسماء الفنية القادر في وقتها على أن آخذ منها أمورا فكرية، فأنا أبحث عن المادة الفكرية التي سيقدّمها لي الفنان، وسياستي أنني لن أعمل لك حوارا تسويقيا، وإلا فاطلبْ مني إعلاناً لا حوار صحفياً.

 س- إلى المسرح الراقص: منذ أول عمل مسرحي راقص قدمته إخراجاً ونصّاً تحت اسم “إنسان” عام 2013م، إلى آخر عمل ” تداخل منفصل” منذ حوالي الشهرين. خلال عقد من الزمن قدمت فرقتك المسرحية الراقصة حوالي 13 عملا مسرحيا، هل هذا العدد كاف ومرضي عنه في حال مقارنتنا كما ونوعا مع أعداد المسرحيات التي تقدّم في أمريكا أو أوروبا على سبيل المثال والتي قد تصل إلى 30 عملا راقصا خلال عشر سنوات، قد يرى البعض أنه عدد غير كاف، ما رأيك؟

أحيانا أشعر أنه هناك مبالغة فيما يُقدّم، دعيني أقول شيئاً: عندما نتكلم عن المدارس العالمية مثل نينا باوش أو مارتا غرام وغيرهما، هؤلاء يقدمون خلال سنتين أو ثلاث عملا واحدا متعوب عليه، ويكون من الأوبريات العالمية، ويعملون على إعادة عرضه لعام كامل.

ولكن أقول لمن يقدّم خلال عشر سنوات 30 عملا أن يترك العمل المسرحي الراقص، يترك هذه المهنة ومكانها، لأنه سيقدّم أي شيء كحال فرقنا السورية والتي تقوم على إعادة إنتاج للفلكلور مع تغيير في الشكل العام ويقدمونه للناس على أنه عمل جديد، نحن اليوم لسنا بحاجة إلى عمل مسرحي راقص عن روميو وجولييت مثلا، وقناعتي أننا بحاجة إلى عمل يلامس وجع الشارع بشكل فني مسرحي، وهذا ما ذهبنا إليه في تداخل منفصل. إننا في فرقة “سورية للمسرح الراقص” لا نقدّم تراثا وليس من اختصاصنا، نفخر أننا الوحيدون الذين اتخذوا اتجاه المعاصر الذي يعكس الشارع السوري، إلى جانب المعهد العالي للفنون المسرحية بقسم الرقص، ولكن لا يمكننا اعتبار المعهد العالي فرقة مسرحية راقصة، لأنها جهة أكاديمية لا تقدّم نتاجا سنوياً بل عروض تخرج، ولا أحبّ أن يكون جمهور سورية للمسرح الراقص نخبويا، وأسعى للجمع والاقتراب من كل طبقات المجتمع السوري، فكثيرا ما يعنيني جمهور المالكي وأبي رمانة (أحياء راقية في دمشق) وجمهور شارع الثورة وسوق الحرامية والعشوائيات هذا من ناحية، ومن أخرى أيضا أسعى لتحقيق التوازن والتوافق بين الأفراد التي لا تؤمن بالرقص وبعيدة كل البعد عن جو المسرح الراقص، والأفراد المؤمنة به من ناحية الشكل والأزياء ونوعية الجرأة.

س- نفهم من كلامك أنك ترفض قطعيا النص التراثي؟

أنا لا أرفض النص التراثي، وقدّمنا أعمالاً تراثية كما في مسرحية ” أعياد الجيش ” و ” درب المجد “، ولكن لم يكن فلوكلورا بحتا، وإنما مطعّم بالمعاصرة.

س- كعروض فرقة “إنانا” ؟

إنانا مدرسة وقيمة كبيرة، وكنت يوما من أفرادها، واختارت هذا الاتجاه التراثي المعاصر، ولكن وجدنا أنفسنا في المعاصر البحت، فالكل يتصارع على التراث المطعم بالمعاصرة، فكيف لي أن أتفوّق عليهم! هل التفوق في الأشكال والبهرجة البصرية! أقولها ومسؤول عن كلامي: هذا يسمى قلة إبداع في التصميم والإخراج.

س- هل تعتبر فرقة ” إنانا” بداية لتأريخ المسرح السوري الراقص المعاصر؟   

حتما لا، هي بداية لانتشاره بشكله المعروف، ولو عدنا إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي، كان الموسيقار السوري ” مطيع المصري ” قد ألّف أول سيمفونية باليه سورية تحمل اسم ” ديك الجن” وكان لدينا في الفرقة وبشراكة مع الأستاذ جوان قرجولي فكرة العمل عليها كمشروع ضخم إلا أن الحرب أوقفته، هذا العمل وفي عام 1960م تقريبا جاءت فرقة روسية ومع بداية الشباب في فرقة أمية قدموا هذه السيمفونية كعمل فني راقص، فمنذ ذلك الوقت كان هناك مسرحاً سورياً راقصاً، ويمكن قبل ذلك حيث كان محصورا بطبقة النخبة، ومع ظهور مسرح الشوك وما تخلله من دبكات على غرار مسرح زياد الرحباني انحصر قليلا المسرح الراقص بالمعهد العالي وبالتالي انسحابه عن المسرح الكلاسيكي، إلى أن جاءت إنانا وأعادت نشره.

س- هل يمكننا القول أن المسرح السوري الراقص كان جزءا من المسرح التقليدي في تلك الحقبة؟

طبعا كان جزءا منه، لكن وللأسف كان قادراً على أن يكون منفرداً، ومن له الدور والفضل في انفصاله عن المسرح الكلاسيكي هو الأستاذ جهاد مفلح وفرقته إنانا، بالإضافة إلى تجربة الأستاذ المرحوم لاواند هاجو والذي أسس فرقة للمسرح الراقص المعاصر في فترة التسعينيات، ولولا مقتله لكان اليوم عرّاب المسرح الراقص المعاصر في سورية.

س- من ناحية المنهجية، بم يختلف المسرح الراقص المعاصر عن التراثي؟

التراثي لا يحتوي منهجية أكاديمية، عبارة عن مجموعة رقصات محفوظة لها علاقة بالمناطق التاريخية، مثل الآشورية، الكردية، السريانية، الديرية، الشامية ..الخ، أي رقصات حفظ للتراث، وللأمانة هناك شخص أكنّ له كل الاحترام وفرقته بحفاظهم على الشكل الصحيح للتراث السوري وهو الأستاذ إسماعيل العجيلي وفرقته فرقة الرقة للفنون الشعبية، وأيضا الأستاذ ماهر حمامي وفرقته المهرة السورية، ومن تبقى أعتبرهم قد خلطوا الأمور. 

س- ما المنهجية الأكاديمية التي تعتمدها الفرقة السورية للمسرح الراقص؟

نحن نسير على منهجية الروسي العظيم رودولف نورييف، ومدرسة مارتا غرام المعاصرة، الاختلاف كبيرة بين مدارس الرقص المعاصر، وقد وقع خيارنا على تلك المدارس بعينها لأنه وعلى الصعيد الشخصي وجدتُ فيهما فكراً هذا من جهة، ومن أخرى خضعتُ لورشات عمل مشتركة لتلك المدارس وفهمتها بشكل صحيح، ولدينا درس نظري ودرس باليه كلاسيكي لساعتين، ثم درس تكنيك لساعتين، ثم درس تصميم الرقصات وأنواعها، ست ساعات تدريبية من الجهد الفكري والجسدي والبصري والفني، ولدينا مستويات دراسية أول، ثاني.. وامتحانات فصلية، ويأتي إلينا طلاب من المعهد العالي لتعلم ما ينقصهم ولملئ النقص الأكاديمي الموجود في المعهد الذي يجدونه عندنا. 

س- كونك ذكرت وجود امتحانات فصلية، من لا ينجح هل يمنع من المشاركة في العرض المسرحي؟

يتقلص دوره ويرجع مستوى إلى الوراء، مهمتنا كفرقة مسرحية هي احترام عقل المشاهد، ولا أستطيع أن أعطي فناً مجانياً كحال الوضع في البلد، الذي يقدّم عروضا للفرح والمجد وحسب، ولا أعتبره خطأ ولكن أتساءل كمتلقي: ماذا تقدم ليّ، ما القضية أو الرسالة التي تود توصيلها إليّ!

س- هناك مدرستان للمسرح الراقص تتبنى منهجيتين مختلفتين تماماً من ناحية معايشة الحالة الراقصة الممثلة، فمدرسة ميرهولد لا تفرض أن يعيش الفنان المسرحي الراقص الحالة التي يمثلها وتعتمد على الارتجال، بمقابل مدرسة ستانسلافيسكي التي تفرض على الممثل أن يعاين أو يعيش الحالة الحركية كي يصدّقه الجمهور، إلى أي منهما تنتمي فرقتك؟   

أنا ضد مبدأ الارتجال ككل، ولن يصل إلى الناس بشكل صادق، فلا يمكنك أن تتدربي على البكاء بموضع يلزمك أن تبكي مثلا، هذا ضحك على الناس، ولكن لدي مساحة معينة للارتجال كي يكتمل الإحساس، ودائما ما أقول: الجسد أصدق من الكلام، الكلام منمق ويُجمّل، أما الجسد لا يمكنه أن يكذب.

س- الراقص الإسباني انطونيو جاديس يقول: قبل أن تبدأ بالرقص عليك أن تعرف لماذا ترقص. ما الذي يريده نورس كمخرج وكاتب من المسرح الراقص؟

في البداية أحب أن أشدّد على أنني لم أعمل في هذا النوع المسرحي من باب المهنة وإنما، شغف وهواية، وما أريده هو أن يكون مُغيّراً لعادات اجتماعية كثيرة، أن نتحرّر من أفكارنا الشرقية دون تطرف، التخفيف من الانحيازات تجاه تعاملنا مع الزوجة مثلا، فالكثير من الأمور موطنها العقل لا الجسد، كالشرف هو عند الرجل والمرأة وبمثله الكرامة، النظافة ..الخ.

وأضيف تغيير النظرة المجتمعية للشب الراقص، فهو بالنهاية فنان مسرحي وليس براقص مبتذل، خرج إلى المسرح ليعبر عن وجعك بطريقة فنية أكاديمية. 

س- المسرح الراقص له عدد من التسميات، مسرح فيزيائية الجسد، المسرح الصامت، المسرح الحركي.. الخ. كيف تلعب المصطلحات دورا بارزا على تقبل الجمهور له وعلى تقبل أفراد المجتمع للانتساب إليه؟

بداية هناك لوم كبير على الإعلام السوري الذي يروّج لكل أنواع الفنون وعندما يريد الترويج للمسرح الراقص يروج له بالطريقة الخشبية التقليدية دون محاولة منه لتصحيح الصورة النمطية عنه، ثم لمْ أشاهد ندوات مثلا تتكلم عن المسرح الراقص وأعماله في وقت أشاهد ندوات لأعمال أخرى مسرحية أو درامية، ربما يرجع السبب إلى عدم وجود محاورين إعلاميين مختصين بهذا المجال.

أحييك هبة فواضح أنك قمت بجهد وبحث كبيرين حول المسرح الراقص، ولكن اليوم لا يمكن لأي إعلامي أن يحاور في المسرح الراقص، وأنا أتكلم عن تجاربي دون أن أقصد إهانة أحد، فهل يوجد إعلامي اليوم لديه خلفية علمية عن المسرح الراقص ليبني عليها حواره ويناقشني بها!

أما حول مصطلح “الراقص”، فلك أن تلاحظي أنني في المنشورات الإعلانية لأي عمل مسرحي راقص أقدمه أكتب: الفنان فلان والفنانة فلانة، ولا أكتب الراقص أو الراقصة فلانة، لسبب بسيط هو أن يصل المنشور لكل الناس محققاً نقطة التقاء وتوازن بين المؤيد والمعارض للمسرح الراقص، وهو ناتج عن خبرتي الإعلامية.

لا أخفيك هناك حالات استفزازية من الإعلام أو من الراقصين يصرون فيها على مصطلح راقص، وأن تناديه بالراقص، ثم أصلا كلمة فنان أرقى وأسمى من راقص، لأنني في الفرقة لا أخرّج راقصاً وحسب، بل فنانا متكاملا، يغني باحترافية، يمثل باحترافية ويرقص باحتراف، فما المانع أن أقول عنه فنانا!

وأحب أن أذكر أنني اعتمدت تسمية الفرقة بالفرقة السورية للمسرح الراقص، وحملتها اسم سورية كي تكون ممثلة حقيقية لسورية في الحالة المعاصرة، ويكفيني أن صحيفة الغاريدان بنسختها البرتغالية قد كتبت عن سورية للمسرح الراقص كفرقة تمثل الحالة المسرحية الراقصة في سورية وهذا فخر عظيم لي لسورية.  

س- إلى أي درجة يلتزم أفراد الفرقة بالنص المسرحي؟

الالتزام كامل للأمانة، وأفراد الفرقة يعلمون تماما أن الموضوع ليس ديكتاتورية، لأننا نتناقش ونتحاور في النص إلى أن نصل إلى صيغة يرضى عنها الكل وبشكل تكون صادقة، بالإضافة إلى ثقتهم أنني لن أضعهم في مسار غير صحيح بالنسبة لهم.

س- وكيف تتعاملون مع حالات الطوارئ؟

لدينا طبيب خاص بالفرقة وهو الدكتور والشاعر مزاحم الكبع، حاضر معنا دائما مذ تأسيس الفرقة.

س- هل سبق وأن قدّمتم عرضا مونودراميا كاملا؟

المونودراما موجودة في كل عروضنا المسرحية، ولكن لا يوجد عمل كامل خاص، فلدينا مجاميع ونعمل على العمل الجمعي، ولكن أمنية كل راقص أو راقصة أن يكون لديه سولو وهذا السولو يكون لمدة دقيقة إلى دقيقتين من العرض المسرحي الراقص.

س- نظرا لأننا في زمن يسير في الابتذال، ووفقا لخط الحداثة، هل تخشى أن يصل المسرح الراقص إلى نقطة ابتذال واستسهال بالجسد يطغى على القيم المعنوية المقدّمة للجمهور؟

الأساس في المسرح الراقص هو الجسد ولم نخرج يوماً عن تلك النقطة، ولكن، نعم سيصبح استعراضا فقط وهو في طريقه إلى هذا الاتجاه في حال لم يبق هناك من يحافظ على الشكل الفكري والأكاديمي للمسرح الراقص، ولم تنتبه الجهة الرسمية للابتذال المسرحي فحتما سيحصل ذلك، لاسيما وأن الموضوع يتعلق بعرض أجساد فالتيك توك اليوم خير مثال.

س- أين نقابة الفنانين اليوم من الابتذال الفني الذي نسمعه أو نشاهده؟

ليس لدينا نقابة فنانين، وعلى ما يبدو لي فإنهم لا يملكون القدرة أو القوة في منع ذلك، وأشك أنهم جزء من جمهور هذا الفن المبتذل، ثم ما الدور الذي تقدمه النقابة على أرض الواقع! هل تنظيم عمل راقصات الكازينوهات يسمى عملاً نقابياً؟ أنا لا أرى لها دورا لا فنيا ولا دراميا اللهم إلا في المناسبات الوطنية حيث تقوم بتجميع عدد من الأشخاص الذين لم يغنوا لفترة من الزمن ويقدمون عرض أوبريت في البلد مقابل ليرات معدودة، ولكن ماذا بعد! الدور التنظيمي للنقابة مفقود، لا أشعر به، فالأسماء الكبيرة في الغناء والدراما لا فائدة تقدّم لها، رغم أنني لست عضوا في النقابة، ولكن لا أفهم نقطة هامة: إذا كنتُ أعمل وبشكل مستقل دراما أو مسرح ما، فلم تريد مقابلا من نسبة إنتاجي، ما المقابل الذي ستقدمه لي؟ إذا لجأتُ إليك لن أجدك، وإن طلبتُ إنتاجاً لن تعطيني، فقط المطلوب هو أن أدفع الاشتراك، لا أجد دورا لها!

س- “ميرهولد” صاحب نظرية “بيو ميكانيك” تمرّد على اشتراكية الاتحاد السوفيتي مسرحياً، هل تمرد نورس وفرقته على الواقع السوري؟

تمرّدت من زمان عبر افتتاح مواضيع فكرية لم تقدّم على المسرح الراقص، أما على صعيد اللباس فأيضا حاربونا عليه كثيرا، نحن نعمل على الجسد وبالتالي لا يمكننا تغطيته.

س- تتعاملون دون سقف مع ذلك الجسد؟

هذا يتبع سياق النص والفكرة، وهناك مشاهد لا تتطلب سقفا كالقبلة مثلا، لا يمكنني أن أتحايل عليه أمام الناس فالقبلة عمل سامي ونبيل في الحياة، والأساس لم نر الجسد عورة في المجال الفني، طبعا لستُ مع الابتذال وبالمقابل لا أستطيع أن أعبّر مسرحياً عن دور يتطلب ظهور الجسد.. وأحبُّ أن أنوّه لمسألة أننا في المسرح الراقص ننظر إلى الجسد بصورة مختلفة عما ينظر إليه العامة من الناس، فالجسد شيء مادي كالإضاءة والنص وغيرها من الأدوات المسرحية الفنية.

س- هل استطاع المسرح الراقص رفع الإشكالية عن مقارنته بالتقليدي؟

الاثنان مكملان لبعضهما البعض، ولا يمكننا أن نقارنهما ببعضهما، بمعنى يمكنك أن تفصلي بينهما وأن تجمعي في العروض المسرحية، فهناك عروض تتطلب رقصاً كلاسيكيا، وعروض تتطلب دراما، ونحن في سورية للمسرح الراقص جمعنا بين الحالتين وعملنا عليها، ففي عروضنا يوجد رقص، حوار، مونولوج شخصي، سولو، مونودراما، ميلودراما، مجاميع.. .الخ من الأنواع التي تقع تحت الفرجة المسرحية المتكاملة.

س-  هل تقبل متدربين اليوم من المعهد العالي للفنون المسرحية؟

(تنهيدة) سؤال محرج بعض الشيء، لأنه كان يُعاب علينا لفترة أن نورس لا يقبل طلاب المعهد العالي، علما أن معظم طلاب المعهد هم خريجو سورية للمسرح الراقص من ناحية التأسيس، هذا الأمر سبّب حالة من العداء في بداية تأسيس فرقتنا مع المعهد، إلى أن حققنا توافقا بيننا. اليوم غير قادر على أن أقبل طلابا من المعهد لسبب وهو عدم قدرة الطالب على الالتزام بالفرقة من ناحية الدوام والتدريب، فمن الصعب تحقيق توازن بيننا وبين المعهد.

س- هل سورية للمسرح الراقص منافس قوي للمعهد العالي؟

لا طبعا، بالرغم من أنني أفخر بكوننا متفوقين عليهم من الناحية الأكاديمية النظرية، أما من الناحية الإنتاجية فلا يمكن أن يكون منافساً لما سبق وذكرته أن المعهد العالي لا يُقدّم عروضا مسرحية. وكثيرا ما أكون سعيداً عندما يقف أحدهم وقد سبق وأن تخرج من سورية للمسرح الراقص أمام أستاذه بالمعهد ويصوّب من الأمور التي تعلّمها عندنا.

س- متى يكون تغيير بعض أفراد الفرقة ضروريا؟

لا أعمل على الاستبدال، لأنني أؤمن بأن هذا الجسد البشري يتطور، نحن نفتح الباب أمام المتدربين ولا نستبدل إلا بشكل نادر خفيف مرة كل سنتين، وإلا فأنت مضطرة لأن تفتحي صفوفا جديدة ومراحل تأسيسية جديدة وهذا له ثمنه، ولذلك نحن مقلّون في عملية الاستقبال.

س- هل لديكم سقف محدد للأعمار؟

أنا آخذ من بداية مشي الطفل حتى عمر الستين، ولا أعلم لم يحدد البعض أعمارا معينة، وقد كان عندنا راقصة عمرها 54، رقصت على المسرح في عمل درب المجد، وكنت أرقص إلى جانبها.

س- لم لا يرقص نورس اليوم؟

كانت آخر مرة راقصاً فيها عندما كنت مع فرقة إنانا، ورقصتُ بأول عمل “إنسان” وكانت آخر مرة رقصتُ فيها في “درب المجد”، ثم توقفتُ واخترتُ البقاء على خط الإخراج والتصميم والكتابة للمسرح الراقص.

س- نظرا لقلة عدد المسارح في دمشق فهي معدودة، هل يحصل تضارب بينكم وباقي العروض المسرحية من ناحية وقت العرض؟ 

  دائما ما يحصل تضارب، فموضوع التنسيق رهيب جدا، إن عدد المسارح الأربعة على تقديري لا تلبي حتى تطلعات أي مخرج من ناحية الإمكانات، الموضوع صعب جدا، أذكر أننا أجّلنا عرض تداخل منفصل أكثر من ثلاث مرات إلى أن وصلنا إلى اتفاق تنسيقي.

س- وماذا عن عروضكم المسرحية اليوم في باقي المحافظات غير دمشق؟

سابقا عرضنا في عدد من المحافظات، افتتحنا مهرجان القلعة والوادي في حمص، ومعرض دمشق الدولي عام 2018م بالاشتراك مع الراحلة ميادة بسيليس، وقدمنا عروضا في اللاذقية وطرطوس، ولكن ظروف الحرب والطرقات فيما بعد حالت دون ذلك، أما اليوم يرجع السبب الرئيسي إلى الإمكانات المادية، فعندما تتكلمين عن عرض مسرحي خارج دمشق، فأنت تتكلمين عن نقل الفرقة وإقامتها والأزياء، والديكور ومصاريف النقل وغير ذلك، العرض في المحافظات مُكلف، أما العرض خارج سورية فهو يقف على الحصار الحاصل.

س- بين عملي أربعة فاصلة واحد وتداخل منفصل، كلاهما تناول إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة من ناحية الذكورية والعنف. ما نقاط الاختلاف بينهما؟

سؤال ذكي أشكرك عليه، في أربعة فاصلة واحد قدّمنا وجبة كاملة حول جدلية العلاقة بينهما، حيث تناولنا قضية العنف ضد المرأة وتعامل الرجل الشرقي معها فقط، أما في تداخل منفصل قدّمنا قصصاً أخرى بشيء من التفصيل لحالات مختلفة ومتنوعة أكبر دون اختزال في حالة معينة.

س- هل لديك صداقة بالوسط الإعلامي والفني؟

كلا، أصدقائي من أوساط مختلفة وبعيدة كليا عنهما.

س- ما السبب؟

الصداقة في أوساطنا مركبة على المصالح، وخصوصا إذا كنت قادر على تقديم منفعة إيجابية لأحدهم، أنا لستُ ضد تقديم منفعة ولكن ضد أن تشعرني أنك تصادقني للوصول إلى غايتك، وهذا موجود في كل العلاقات. 

س- تتعرّض لمحسوبيات؟

كثيرا، ولكن لا أسمع لأحد وأعمل بما أؤمن.

س- ما جديد مجموعة نورس برّو (NB) الإعلامية والفنية؟

كان هناك اتفاق بيننا وبين جهة منتجة لفيلم روائي طويل على أن نكون منفذي الإنتاج وأنا المخرج، ولكن الجهة المنتجة ماطلت كثيرا وأكثر من مرة إلى أن قررت الإنتاج بعد فترة وبنفس القيمة السابقة فاختلفنا على السعر، لأنّ القيمة المحددة وعلى حساب اليوم لا تصنع فيديو كليب.

اليوم لدينا مجموعة من الأفلام للجهة التي وقعتُ معها عقدا وستنفذها مجموعة NB ، وهي عبارة عن مجموعة أفلام وثائقية درامية، وسيكون لي برنامج باسم ” طق حنك” على قناة داما في 1/ 1/ 2024م، وهو سياسي ساخر لم يشتغل على عمقه في سورية من قبل.

 ولدينا عمل مسرحي راقص باسم “كش ملك” ومشروع تحويله إلى دراما خماسية، مع إعادة عرض لعمل تداخل منفصل الشهر القادم على مسرح الحمراء ولكن لم يحدد التاريخ بعد.

س- في الختام: الكلمة الأخيرة لك

أشكرك جزيل الشكر على تعبك وجهدك، من أمتع الحوارات التي أجريت معي، وواضح أنك إعلامية مجتهدة وصحفية مجدّة، وبحثك دليل على احترامك لذاتك ومهنتك ولضيفك.. أشكر سفير برس والأستاذ محمود الجدوع رئيس تحرير سفيربرس وكل الزملاء.. 

كل التحايا

#سفير_برس _حاورته وأعدت له: هبة عبد القادر الكل

سفيربرس _ الإعلامي نورس برو
سفيربرس _ الإعلامي نورس برو

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *