إعلان
إعلان

نفط فنزويلا والأربعون حرامّي! .. بقلم : د عبير الحيّالي

سفيربرس _لندن

إعلان

“سيجلب لنا النفط الخراب… إنه براز الشيطان” هذا ماقاله خوان ألفونسو، وزير النفط الفنزويلي في السبعينيات، وهي حقبة الازدهار الاقتصادي الفنزويلي بسبب عائدات النفط الكبيرة، ولكن على مايبدو أن الوزير السابق كان يتمتع ببعد النظر، فتنبأ أن هناك من يهوى اللعب ببراز الشيطان ومسح يديه بثوب فنزويلا بعد انتهائه من اللعب.

في خطوة تعتبر بمثابة تحدّ مباشر لسلطة نيكولاس مادورو، الذي تم انتخابه لأول مرة في شهر نيسان من عام ٢٠١٣ بعد وفاة معلمه الاشتراكي هوغو تشافيز. أعلن رئيس الهيئة التشريعية خوان غويدو البالغ من العمر ٣٥ عاماً، تنصيب نفسه رئيساً انتقالياً للبلاد مطالباً مادورو بالتنحي، مما أدى إلى خلق أزمة داخلية وصلت إلى حدّ الغليان، وتحمل إشارات تلوح بإمكانية تحوّل النزاع إلى حرب أهلية.

فقد عانى هذا البلد الواقع في شمال القارة الأمريكية الجنوبية في السنوات الأخيرة من دوامة هبوط اقتصادي بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي تعتمد البلاد على عائداته بنسبة تجاوزت ال ٩٠ في المئة. ولكنّ ظواهر الانهيار الاقتصادي اشتدّت وبدت أكثر وضوحا بعد استلام مادورو السلطة، مما أدّى إلى تزايد السخط السياسي الذي عززه انهيار العملة المحلية، والزيادة الهائلة في التضخم، وانقطاع التيار الكهربائي ونقص الغذاء والدواء، مما دفع سكان البلد إلى مغادرتها بحثاً عن فرص أفضل في الخارج. وتشير التقارير إلى مغادرة ثلاثة ملايين فنزويلي البلاد خلال السنوات الأخيرة، حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى أنّ معدل التضخم في البلاد وصل إلى نسب خيالية حيث سجل مليون في المائة، ومن المرجح أن يصل الى ١٠ ملايين في المائة هذا العام.

كل المعلومات التي أتيت على ذكرها في مقدمة المقال هي معلومات نشاهدها على شاشات التلفاز، ونقرأها في الصحف اليومية. والحقيقة أنني أبحث هنا عن الجزء المفقود، ألا وهو الحرامي! الذي ينتظر بفارغ الصبر السقوط الكامل للفريسة لينقض على آبار النفط الفنزويلية.

مما لا شك فيه أن غويدو اعتمد على دعم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيس، وبعض القادة الأوربيين بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى، ولكنّه لم يختبر قوته الحقيقية على الأرض الفنزويلية، وخصوصاً بعد أن قام مادورو بتعطيل عمل الجمعية الوطنية التي يترأسها غويدو عن طريق إنشاء الجمعية الوطنية التأسيسية في عام ٢٠١٧، والتي تتألف من الموالين للحكومة، وهكذا استطاع مادورو إصابة الجمعية الوطنية بالشلل ولو جزئياً، وكان ذلك واضحاً من خلال تجاهله للكثير من قراراتها واعتماد قرارات الجمعية الوطنية التأسيسية.

كما أن التدخل الغربي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية السريع في الأزمة السياسية، والذي يوحي بنوع من التنسيق المسبق بين المعارضة وبعض الجهات الأمريكية والغربية، يمكن أن يؤّدي إلى انزلاق فنزويلا في فوضى غير محسوبة النتائج على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولكن هذا طبعاً لايشغل الجانب الأمريكي الذي يطلق شعارات الديمقراطية والحرية اتجاه الدول، بينما يتسلل من الباب الخلفي للحصول على غنائمه، فالرئيس الأمريكي متعطش إلى غنائم آبار البترول الفنزويلي الأقرب له والأرخص، بالإضافة إلى أنه يمثل أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم وفقاً للتقرير السنوي لمنظمة (الأوبك) الصادر سنة ٢٠١٠، مما جعله يعمل جاهداً للحصول عليه، حيث أنه المصدر البديل في حالة حدوث أي قلاقل في منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر أحد مصادر البترول الأمريكية.

مادورو وهو التلميذ المخلص للمدرسة الاشتراكية، ليس من النوع الذي يؤمن بفكرة التخلي عن الحكم ولهذا من المرجح بقاءه في السلطة، والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد، وأعتقد أن زيادة الضغط المحلي والدولي على مادورو ربما سيدفعه إلى العمل على إيجاد “بديل مستنسخ عنه” يقاسمه معتقداته الاشتراكية ويسلمه قيادة البلاد وهو ما لايريده الغرب حيث أن مثل هذا الإجراء لا يصب في مصلحته. كما أن المراهنة على تدخل الجيش لإحداث انقلاب عسكري هو رهان فاشل بسبب التلاحم القوي بين الجيش ومادورو. وأمام هكذا سيناريوسيكون هناك مخاوف حقيقية من حرب أهلية شاملة، لأنّ المعارضة المطالبة باستقالة مادورو لا تمثل معظم الشعب الفنزويلي كما يروّج الغرب، بل هناك من يؤيد الحكومة الحالية رغم الأوضاع الصعبة وخصوصاً أولئك اللذين يخافون من العودة إلى زمن الفساد الحزبي

إن السيناريو الذي تبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية هو “الخيار العسكري” وهي رغبة قديمة لدى ترامب صرح عنها علانية في شهر آب من عام ٢٠١٧، ولكنها لم تلق الدعم الكافي من مستشاريه آنذاك. ولكنه استطاع إيجاد السبل الشرعية للقيام بهكذا خطوة، بعد مغادرة الفريق الممانع للتحرك العسكري وربما مستشار الأمن القومي الحالي “بولتون” أكثر تقبلاً وانفتاحاً للحلول العسكرية.

وفي المقابل فهناك دول مؤثرة، تربطها بكراكاس علاقات اقتصادية وعسكرية قوية كروسيا التي دعت الى التوقف عن التدخل بشؤون الدول ذات السيادة. وهناك أيضاً الصين التي تربطها علاقات اقتصادية شديدة التعقيد مع فنزويلا، وكوريا الشمالية، وتركيا، وكوبا، وغيرها. وبما أن مادورو كان يعمل على تنويع شركائه الاقتصاديين متجهاً نحو روسيا والصين، فقد فضّلت واشنطن أن تنشر الفوضى الهدّامة من أجل السيطرة على هذا الملف الغني بالبترول وعدم تركه للروس اللذين بدورهم يعملون على تعزيز اقتصادهم من خلال عقد الشراكات مع الدول، ولهذا أخذ الروس القرار بالدفاع عن مادورو وشراكتهم الاقتصادية لآخر رمق.

السؤال الذي نطرحه الآن، من يملك اليد الطولى في المشهد الفنزويلي؟ وفي أي اتجاه ستتوجه براميل النفط الفنزويلي؟ هل سيذهب باتجاه الشرق أم الغرب؟ وهو سؤال شديد التعقيد، ولكن الحسم في المشهد الفنزويلي سيعتمد على قوة التحالفات داخل كل معسكر.

قصة أزمة فنزويلا، بدأت بانهيار اقتصادي، عملت الولايات المتحدة عل تعزيزه من خلال العقوبات التي فرضتها على فنزويلا في عام ٢٠١٤، والتي كانت تهدف من ورائها إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد، وفعلاً نجحت في ذلك واستطاعت أن تحوّلها إلى أزمة شبه عالمية بسبب انقسام الدول إلى معسكرين شرقي وغربي، وهذا ما سنشهده إذا ما طال أمد هذه الأزمة. هذا الانقسام الذي يحمل بين طيّاته أعداد براميل النفط وأرقام مخزون الذهب، متجاهلا آلام ملايين البشر المتضررة من أطماع الدول.

سفيربرس. بقلم: د.عبير الحيّالي

باحثه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية- لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *