إعلان
إعلان

(مواطن نصّ كم في ظلِّ واقعٍ سياسيٍّ طويلِ الأكمام

سفيربرس _بيانكا ماضيّة

إعلان

ويومُ المسرحِ العالميِّ بين المديحِ الذاتي والنقدِ البنّاء

النقدُ اللاذعُ، السخريّةُ، الجهرُ بالعهرِ السياسيّ، المشهدُ السياسيُّ العالميُّ والقوى الفاعلةُ فيه، الماسونيّة وأذرعُها الأخطبوطيّةُ العالمية وشبكةُ إدارتِها للحروبِ والأزمات، والبحثُ عن السلامِ والاستقرارِ.. جميعُها عناوين لمفردات ما جاءت به مسرحيّةُ “مواطن نصّ كم” للأختين ريم وعبير بيطار، من بطولةِ الفنانِ محمّد جعفر، ونخبةٍ من شبابِ المسرحِ الحلبيّ، فيما كانت اللوحاتُ الاستعراضيّةُ، التي جاءت عبر فواصلَ مشهديّةٍ، لفرقةِ حكمت للرقصِ المسرحيّ.
ما إن يُذكر ضمنَ بطاقةِ العرضِ المسرحيِّ توصيفُ “كوميديا سياسيّة ناقدة” حتى يتهافتُ الجمهورُ لهاثاً خلفَ تلك الضحكاتِ أو القهقهاتِ التي افتقدَها طيلةَ سنواتِ الحرب، فإذا به أمامَ المشهدِ السياسيِّ نفسِه الذي يرزحُ تحتَ وطأتِه، ليضعَك العملُ في مواجهةِ واقعِك الأليمِ في محاولةٍ عبثيّةٍ للخروجِ من شرنقةِ الآلام.
واقعٌ يحفُّه العهرُ من كلِّ الجهات، ترأسُه الدولةُ الأكثرُ “حريّةً وديمقراطيةً” و”عُهراً” في العالم، بلباسٍ أبيضَ مليءٍ بالسوادِ والهيمنةِ والديكتاتوريّة.
استطاعت هذه المسرحيّةُ الكوميديّةُ أن تلامسَ الواقعَ الراهنَ عبر شخصيّاتِها الرئيسة: عبير بيطار، وريم بيطار، ومحمّد جعفر، الذين أدّوا أدوارَهم ببراعةٍ ورشاقةٍ ولياقةٍ مسرحيّةٍ تسجّلُ لهم..

ملاحظات مسرحيّة
ليسَ من بابِ النقد، وإنما من بابِ الإشارةِ إلى بعض الملاحظات، وهي أن إحدى الشخصيّات رأيناها في حلّة مكرّرة عن شخصيّة كانت تؤدي دورَها على خشبةِ المسرحِ قبلَ الحرب، وكان لها حضورُها الكوميديّ اللافتُ والناجحُ (محمّد عيد)، وتكرارُها في هذا العرضِ، أو في غيرِه، يسيءُ إلى الشكلِ المسرحيّ، فالنجاحُ لشخصيّةٍ مسرحيّةٍ ما ليس دافعاً لتكرارِ أدائها عبرَ شخصيّاتٍ أخرى، إنما البحثُ عن شخصيّاتٍ جديدةٍ بروحٍ جديدة هو المطلوب!.
إن كلَّ عملٍ مسرحيٍّ يجبُ أن يقدمَ الجديدَ الذي لم يعتد الجمهورُ على مشاهدتِه من قبل إلا إذا كانت له وظيفةٌ محددةٌ ما، وإلا ما الفائدةُ من التكرارِ والتقليدِ؟!

واقعٌ مريضٌ لابدَّ من إنعاشِه!
بعضُ الانحطاطِ في شؤونِ الفنِّ والمسرحِ والموسيقا وغيرها من فنونٍ بشكلٍ عامٍ يُحال إلى الحربِ التي جعلت هذا الانحطاطُ يعومُ على السطح، ولكن لطالما تنادى الكثيرون من المسرحيين والفنيين والموسيقيين لإعادة إعمار ماتم تخريبُه وتحطيمُه، فلماذا لا تبادرُ الجهات الرسميّة بالتعاون مع الأفرادِ للوقوفِ على السلبيّات كلّها للخروجِ بخطّة عملٍ تعيد للفنِّ ألقَه؟! أعتقد أنَّ الأمرَ ليس مستحيلاً، وإشعالُ شمعةٍ خيرٌ من لعنِ الظلام، واستشارةُ الخبراءِ والدارسين والباحثين كفيلٌ بأن يوضع النقاط فوق الحروب للبدء بواقع جديد لابدَّ من أن تتنطّعَ له هذه المدينةُ، حلب، المعروفةُ تاريخيّاً بريادتِها لفنونٍ مختلفة، هل قضتِ الحربُ على كلِّ الأشياءِ الجميلة، أم أنَّ هناك بارقةَ أملٍ في إخراجِ الواقعِ الفنّي من غرفةِ الإنعاش؟! هذا أملُ الكثيرين الغيورين على المدينة وحضارتِها وفنونها، وما عليهم إلا رفعُ الصوتِ من أجلِ ألا تذهبَ الجهودُ سدىً!
“بدون زعل صار المسرح بحلب أشبه بسوبر ماركت محروق” هكذا كتب أحّدُهم عن واقعِ المسرح في حلب في أحد المواقع الإلكترونيّة تعليقاً على الواقع المسرحيّ اليوم.” انّو ما بقى نبطل نشوف هالبهادل الكوميديّة عنّا بحلب, لسه مامنشوف غير طاب الموت ياعرب باسم جديد، لكن بنفس الزعبرة مع نكهة الدفعة أو الحبّة القومية, شو مابقى نخلص من المزعبرين؟!” يعلّق آخر.. فيما يقول متابعٌ ومشتغلٌ في السينما والتلفزيون:”فقد مسرحُ حلب رونقَه وتراثَه وتاريخَه عندما خرجَ من ثوبِ الإبداعِ إلى ثوب الانتفاع”!!.

عن احتفاليّةِ يومِ المسرحِ العالمي
وعن هذه الاحتفاليّةِ بيومِ المسرحِ العالميّ، والتي أقيمت في نقابة الفنانين بتاريخ السابع والعشرين من آذار الفائت، بالعرضِ المسرحيِّ (مونودراما “كنّاس”) عن نصٍّ للأديب وليد إخلاصي. ورغمَ أنَّ مديرَ مسرحِ حلب القومي جابر الساجور أشار في كلمةٍ له إلى أنَّ المسرح في حلب بدأ يستعيدُ عافيتَه وألقَه من خلالِ الدعمِ اللامحدودِ الذي توليه وزارةُ الثقافةِ لهذا اللونِ الفنيِّ، لما له من دورٍ في إحياءِ الذاكرةِ الفنيّةِ, وأنَّ في المسرحِ تتألقُ إبداعاتُ الإنسانِ التعبيريّةِ كلِّها وتجتمعُ لتشكِّلَ عالماً متكاملاً يضمُّ الفكرَ والأدبَ والغناءَ والموسيقا، وتزدهي فيه تجلياتُ الجمالِ والإبداعِ في فنونِ الصوتِ والحركةِ وأنواعِ الأداءِ التعبيريّ. وعلى الرّغم من أن مخرج الاحتفاليّة الفنان غسان دهبي أشار إلى أنه ومن خلال المسرحِ نتصافحُ ونبتسمُ، نأخذُ أماكنَنا, نتفرَّجُ نصفِّقُ ونخرجُ من الصالةِ، ولكنْ تظلُّ إنارةُ المسرحِ مستمرةً, نصلُ إلى منازلِنا ويحدثُ الإعتامُ والقطعُ. ويضيفُ بأنَّ هذه الفكرةَ التي أردنا تجسيدَها عن المسرحِ وما يدورُ على خشبتِه وهي معتمةٌ تنتظرُ من يضيءُ عتمتهَا ويضفي الدفءَ لجوانبِها بحضورِه.
رغم هذا الجزمِ الذي يشيرُ إلى أن واقعَ المسرحِ في حلبَ بخيرٍ، نجدُ أنَّ الكاتبَ المسرحيَّ عبد الفتّاح قلعه جي قد كتبَ على صفحتِه في موقعِ التواصلِ الاجتماعيّ، في هذا اليوم تحديداً: “في عيدِ المسرحِ، المسرحُ يغوصُ في مستنقعِ الارتجالِ والرداءةِ، إنَّه صورةٌ لهزائمِ الثقافةِ اليوم”.وفي منشورٍ آخر، يقول:”الاحتفالُ المسرحيُّ، والعرضُ المسرحيُّ، ليس مجرَّدَ تسجيلِ نشاط! اتقوا اللهَ في المسرح!”. ثم يستنكر من خلال منشورٍ ثالثٍ، ويسخر ويتألم بالقول:”أنتجتْ هذه الحربُ المباركةُ انقلاباً في مفاهيمِ المسرحِ وعروضِه نحو الأسوأ، والأمورُ تسيرُ متوازيةً!”.
ويعلّق أحَّدُهم:”الحضارةُ والتقدمُ والازدهارُ أعمدتُها المسرحُ والفنونُ، بدونِها يصبحُ الجسدُ بلا روحٍ.. ويعمُّ التطرفُ والإرهاب”!.
الكاتبُ والمخرجُ المسرحيُّ نادر عقاد في تعليقِه على احتفاليّةِ يومِ المسرحِ العالميّ يقول: “على مسرحِ نقابةِ الفنانين أُعلنَ مقتلُ بيجماليون على المسرحِ واستحالةُ تحوُّلِ الحلمِ إلى حقيقة!”، وعن تكريمِه في هذا اليوم قال: “أهدي تكريمي إلى شبابِ المسرحِ، وأقول كما قال سعدالله ونوس في كلمتِه في عيدِ المسرح قديماً: “نحن محكومون بالأمل” وأنتم الأملُ، وقبل أن تصعدوا الخشبةَ، تسلّحوا بالعلمِ والثقافةِ المسرحيّةِ، ولاتدعوا الاستسهالَ والسطحيّةَ تغتال إبداعَكم! احترموا الخشبةَ؛ ليحترمَكُم الجمهورُ ولاتكونوا كالعيسِ في البيداءِ يقتلُها الظمأُ، والماءُ فوق ظهورِها محمولُ”. أما عن الواقع المسرحي فقد كتب على صفحتِه يقول: “للأسف هذا هو الواقعُ الحزينُ، ولا حياةَ لمن تنادي، المشكلةُ في أنَّ الرداءةَ أصبحت شكلاً محبّباً ونصفّق له”!.
الفنانُ المسرحيُّ أحمد مكاراتي، يقول: “ماقُدِّم لايرتقي بذائقةِ المُشاهد ولايحترم عقلَه، الأسلوبُ ساذجٌ وبدائيٌّ، و قد قُدِّم بسخفٍ ورداءةٍ، أما ما أنقذَ الاحتفاليّةَ فهو عرض “كناس” رغمَ أخطاءِ الاحتفاليّةِ الفنيّةِ، وأقصدُ هنا الإضاءةَ السيئةَ، والموسيقا غيرَ المنتقاةِ جيداً”! ويتابع: “إخراجُ الاحتفاليّةِ بغضِّ النظرِ عن مضمونِها كان بدائياً، لايمتُّ إلى الفنِّ والإبداعِ والنهجِ المسرحيِّ بصِلَةٍ، فجاء وكأننا أمامَ أناسٍ بسطاء, لايعرفون عن الفنِّ أيَّ شيء.. الطريقةُ سخيفةٌ، والأسلوبيّةُ رديئةٌ، لذلك التبسَ على الجمهورِ الفهمُ، علماً بأنَّ أغلبيةِ الموجودين مسرحيّون. ليس شرطاً أن تكونَ عضواً في نقابةِ الفنانين لتكونَ فناناً، شرطُ الموهبة أن تكونَ مُبدعاً وخَلاقاً”.
أخيراً: إنَّ استمراريةَ المدينةِ في تطويرِ حركتِها المسرحيّة بشكلٍ خاصٍّ، والفنيّة بشكلٍ عام، والبحثَ عن أسئلتِها المصيريّةِ في واقعٍ ثقافيٍّ وسياسيٍّ واقتصاديٍّ مأزومٍ، واجبٌ ملقى على كل من يشتغلُ بحبٍّ لهذه المدينة، فالفُرجة ليست ذاتَ نفعٍ، والسكوتُ عن الخطأ لن يودي إلى حلول!.

سفيربرس _ بيانكا ماضيّة_ الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *