إعلان
إعلان

في رحيل الفنان علي السرميني .. الذي احدث تغييرات في اللوحة التعبيرية الغنائية.. _ بقلم : الناقد التشكيلي أديب مخزوم

#سفيربرس

إعلان

خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان د. علي السرميني ، الذي رحل صباح الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2019 عن عمر ناهز ال 76 عاماً، وهو أحد أعمدة وركائز الحداثة التشكيلية، ومعلم وأستاذ لأكثر من رعيل فني ، وعميد سابق لكليتي الفنون الجميلة في دمشق وحلب ، ومن الفنانين القلائل، الذين عاشوا الفن من أجل الفن ، وكان أحد المساهمين في نهضة الفن التشكيلي السوري والعربي ، وفي تحويل اللوحة إلى حالة ثقافية وجمالية، وإحساسه المتواصل والمزمن باللون، جعله يزاول طوال أكثر من نصف قرن اختبارات الحداثة ، باحثاً عن رحابة مشاهد الطبيعة والعناصر المعمارية والإنسانية والصامتة وغيرها .
غزارة في الإنتاج
وهو أحد أكثر الفنانين السوريين غزارة في الإنتاج والعرض ، ويكفي أن نقول أنه أقام أكثر من ثلاثين معرضاً فردياً في سورية والخارج ، إلى جانب مشاركاته الدائمة والمتواصلة في المعارض الجماعية، وأنجز في السنوات الأخيرة أكثر من ألفين لوحة مائية جديدة غير معروضة، وهي تشكل إضافة كبيرة لتجاربه المتنوعة في إيقاعاتها وتقنياتها ومواضيعها ، وتفتح من جديد باب النقاش أو الحوار الثقافي المفيد، كونه في هذه اللوحات يجسد الطبيعة المحلية في رؤى حلمية شفافة ، ومن خلال تعامله مع اللون المائي طرح بعض القيم التعبيرية الوثيقة الصلة بتأملات فنون العصر، على الأقل في تركيزه لإظهار إشراقة النور المتدفق من بياض الورقة الخام، الذي يصبح داخلاً في إيقاعات التشكيل والتلوين .
ومنذ معرضه الأول الذي أقامه في حلب خلال عام 1963 تعامل مع اللوحة كمشروع ثقافي، يروي حقائق حياته، وتأملاته الوجودية، ويفسر حساسيته اللونية المفرطة في شاعريتها وغنائيتها، كما كان سباقاً في إحداث تغييرات جديدة في التجارب التعبيرية الغنائية ، وساهم بالتالي في إيجاد تنويعات العناصر التشكيلية الإيقاعية الموسيقية المفترضة في عالمه الفني البصري.
فقد كشفت مائياته الجديدة عن مقدرة في ترويض إيقاعات المساحة البيضاء وتجييرها وإبراز أناقة وشفافية إشعاعات اللون المحلي القادم من تأملات امتداد العشب والنبات والأشجار والتلال وحركة الغيوم .
فنان ملتزم
والراحل الكبير علي السرميني عرفناه في بعض جدارياته ولوحاته السابقة كفنان متلزم، عالج بتشكيلاته الحديثة أكثر من قضية وطنية وقومية واجتماعية وحياتية، وكان يعاود في كل مرة، رسم تلك التموجات الحاملة وتر اللون، الباحث عن شفافية ونورانية شرقية، تعطي المشهد الطبيعي مفهوماً آخر ووتعبيرية جديدة .
والانفتاح على ألوان الطبيعة المحلية أثمر في لوحاته الجديدة صياغة فنية حديثة تحمل نبض الرهافة والأناقة والشاعرية وتؤكد ملامح إسقاط الذات ، وتعرفنا على إمكانياته في تحريك إيقاعات ظلال وأنوار الطبيعة الحاملة فسحة من شفافية تدرج الإحساس الشاعري، وصولاً إلى الوهج المتدرج في مساحة البياض، الذي يظهر تعشقه للنور وللشفافية اللونية المتتابعة في مساحة اللوحة .
ولهذا كان إصراره في أعماله الأخيرة البحث عن معنى جديد للمساحة ، من أجل إيجاد حركة حركة موسيقية ونغمية مشحونة بغنائية اللمسة العفوية والتلقائية ضمن إطار الحلم الرومانسي والإشراقة الانطباعية . كل ذلك في خطوات البحث عن حقائق جمالية جديدة ،لأن الوصول إلى اللوحة المغايرة ، يعني دوماً إيجاد أو ابتكار أبجديتها ولغتها ومناخاتها الخاصة المفتوحة على المفاجآت الدائمة .
وكان من الممكن أن نتكهن مع بروز بحوثه الفنية الأولى، التي أنجزها خلال دراسته الأكاديمية في ألمانيا ، أنه لا يملك فقط ميزات وقدرات تقنية غير مألوفة وغير متداولة وغير مستهلكة ، بل كانت إرادته واضحة في مراحل الوصول إلى الوضع الجديد للتعبيرية الغنائية الموسيقية، انطلاقاً من قناعته المزمنة أن التجريد المطلق لا يكفي لبناء لوحة تشكيلية متكاملة، ولهذا لازمه الشعور بضرورات التغيير في التقاط حقائق جديدة ، حملت إشارات العودة إلى الواقع كي لا يصبح ذلك التداخل بين الغنائية والعقلانية إلتباساً أو مأزقاً .
قدرات تعبيرية وتقنية
هكذا أبرز قدرات تعبيرية وتقنية ووصل إلى خصوصية في رسم المائيات ، وأفسحت لوحاته الجديدة المجال في اختيار زوايا متنوعة في تشكيل لوحة المشهد الطبيعي المحلي باتساعه ورحابة ألوانه . ولقد كانت ألوان الأرض والسماء وحركة الغيوم في مائياته قابلة باستمرار لطواعية التغيير ، كونه كان يعتمد تقنية التبقيع في صياغة إيقاعات موسيقى الشكل وموسيقى الظلال، التي تختصر بدورها تقاسيم المفردات الواقعية نحو تشكيل تعبيري يعكس وهج الشمس الذي يحيل أماكن النور إلى بياض .
لقد درس الفن في الأكاديمية العليا للفنون الجميلة في برلين ، وأول من تخصص بتقنية المينا، التي تقاوم تقلبات المناخ ولمسات الريح والمطر ، كونها تحمل لمعان المظهر السيراميكي ، بعد أن تشوى في أفران حرارية تصل إلى حدود الألف درجة مئوية ، وله في صالة الفن الحديث بمتحف دمشق الوطني لوحة شهيرة تعطي المشاهد فكرة واضحة عن أسلوبه في هذا المجال ، وهي لوحة “القدس” التي يمكن اعتبارها احدى أهم اللوحات التي قدمها خلال مسيرته الفنية الطويلة.
وفي أعمال الزيت والأكريليك والمائي ، كان يضع اللون على اللوحة بتضاداته وتجاوراته وانسجامه ، مركزاً على ايقاعات الخطوط والألوان والعناصر التعبيرية المختزلة، التي جسد فيها العناصر الإنسانية والطبيعية والمعمارية والصامتة ، ولقد جسد المرأة في بعض لوحاته للتعبير – على حد قوله – عن حركة التاريخ واللون والإشارة والجمال والحب . وركز في مجمل تأملاته الفنية على أن يكون مجدداً داخل معطيات الحياة وأميناً لها ، وكان يبحث عن صياغة فنية معاصرة ومتفاعلة مع تحولات وتداخلات وتشابكات ثقافة فنون العصر .

#سفيربرس _ بقلم : الناقد التشكيلي أديب مخزوم

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *