إعلان
إعلان

تحرير معرّة النعمان وفك عقدة الوصل _ بقلم: د. ساعود جمال ساعود

#سفيربرس  

إعلان

تحرير معرّة النعمان وفك عقدة الوصل
وسط فرحة عارمة، علت إلى السطح، صيحاتٌ من حناجر الجنود السوريين بالتكبير والتهليل فرحاً وحمداً لله، على تحرير وحدات الاقتحام في الجيش السوري اليوم الثلاثاء مدينة معرة النعمان وهي ثاني أكبر مدينة في محافظة إدلب، عبر اختراق وحدات الجيش السوري محاور القتال بالتوازي مع انهيارات كبيرة في صفوف الفصائل المسلحة، وأصبحت القوات تبعد عن سراقب 13 كم وعن إدلب المدينة 33 كم، حيث سارعت وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية إلى تناقل هذا الخبر، ولقد جاءت عملية الجيش السوري هذه بعد تضافر جملة من الأسباب التي مهّدت الطريق أمام جبابرة الجيش السوري للانطلاق في عمليات التحرير من رجس الإرهاب، ليعود كل ما هو سوري للسوريين قيادة وشعباً، من هذه الأسباب نذكر:
أولاً: خروقات واعتداءات الجماعات المسلّحة الإرهابية بتوجيهات من الدول التي توجّهها لا سيما تركيا.
ثانياً: فشل العملية السياسية ممثّلة بالمؤتمرات الدولية وما خرجت به من تفاهمات حول الوضع في سورية، في تسوية الأوضاع في محافظة إدلب بما يضمن للدولة السورية سيادتها على أراضيها واستقرارها أمنياً وسياسياً.
ثالثاً: المقتضى الدستوري والسياسي السورية اللذات يحولان دون السماح بوجود قوات غريبة معتدية تهدد الأمن والاستقرار بالنسبة للدولة وللشعب السوريين، وهذا المقتضى يجعل من العمل العسكري ضد الإرهابيين وتحرير معرة النعمان وغيرها من المناطق الهامّة والقرى السورية؛ فرضاً دستورياً وسياسياً.
رابعاً: المماطلة والخداع التركي على اعتبار تركيا أحد أطراف سوتشي، الأمر الذي أفقد الأطراف الدولية ثقتهم بها لا سيما روسيا وإيران حلفاء الدولة السورية، كذلك الأمر بالنسبة لسورية التي هددتها تركيا بعامل الوقت أيضاً، إذ أنّ هذا التسويف والخداع يطيل من أمد الأزمة السورية، الأمر الذي يتحمّل مساوئه ومفرزاته السلبية كلّا من الشعب والدولة السورية ممثّلة بمؤسساتها المتعدّدة التي تدير شؤون الشعب كلّاً حسب اختصاصها، الذي يقاوم ويقاتل بشكل غير مباشر عبر صبره على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية (الشبه جهنمية ) التي يعيشونها.
خامساً: تبعيات الوضع الميداني وانعكاساتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والتي تمثلّت بازدياد الأوضاع سوءاً، حيث لعب هذا العامل دور المحرّك والمحفّز للمضي قدماً باتجاه تحرير الشمال السوري.
سادساً: القضاء على الأطماع الانفصالية للعدو التركي، والذي يخطط باقتطاع ما يمكنه اقتطاعه من الأرض السورية على غرار ما فعله بالنسبة للواء إسكندرونه.
سابعاً: قرار تحرير إدلب هو جزء من إثبات الشخصية السورية لصنّاع القرار، فالقرار السياسي والعسكري السوري هو سوري بحت لا يخضع لتهديدات عدو ولا للإملاءات صديق، بل هو حصيلة دراسة سورية ذكية تراعي التوجهات السياسية وبنية المجتمع والظروف الراهنة محلياً إقليمياً دولياً ووقفة صادقة على حقيقة الإمكانيات المتاحة، فيأتي القرار السياسية بعد هذا التفاعل بين عناصر معادلة صنع القرار ، فكل شيء علمي ولا مكان للغرائز والعشوائية كما يقول الأعداء.
هناك كلمة تثير الامتعاض، يجب علينا قولها بخصوص السبب في تأخير انطلاقه عملية تحرير إدلب ألا وهو اتفاق سوتشي”( في 17 سبتمبر/أيلول 2018م )، بين روسيا وتركيا والذي خرج “شكلياً ” بإقامة منطقة أمنة منزوعة السلاح في إدلب السورية، فهنا ليس المهم ما جرى من تأخر تطبيقه أكثر من عام جراء مماطلة العدو التركي الضامن للاتفاق ومحاباته الارهابيين، وفي مقدمتهم “جبهة النصرة” والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها والتي نص الاتفاق على انسحابهم من “المنطقة المنزوعة السلاح” ومن الطريقين الدوليين من حلب إلى كل من حماة واللاذقية؛ بل المهم هو الأثر الذي يتركه بقاء الجماعات الإرهابية على الأرض السورية حتى لو لم يحدث القتال، ولم تقع أي مصادمات ، فالمسألة هنا مسألة أمن اجتماعي وأمن نفسي للدولة والشعب السوريين، إذ إنّ هذين الأمنين سيبقيان مهددين في ظل بقاء الجماعات الإرهابية بما تحمله من فكر متطرف وتكفيري ومنغلق سماته الأساسية هي الإلغائية والإقصائية، فبقاء هذه الجماعات الإرهابية يعني لا اختلاط اجتماعي، لا مباشرة للحياة والتفاعل الاجتماعي، ولا عمل مؤسساتي، ولا أمن فكري، شيوع التمييز بأشكاله كافّه، لا أمن لا استقرار وتهديدات أمنية وعسكرية، بالمجمل حتى لو قامت مناطق منزوعة السلاح فإنّها لن تجدي نفعاً، لأن تدمير الإرهاب كروح كافرة أولى وأهم من إزالته كجسد قوي يتجبر على الأضعف فهو بالنتيجة كتلة سرطانية، والواجب إزاء هذا كان من الأوّل متابعة القتال ضد الجماعات التكفيرية وداعميه في سائر أماكن تواجدهم، وهذا ما يحصل الآن، وهذا هو الصحيح، لأن أمن الدولة السورية يتضمّن الأمن العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري والصحي النفسي، وكل هذا يقتضي متابعة القتال وعدم الرضوخ والإذعان للعروض التي تمنع وتؤخّر تحرير أي منطقة سورية محتلة أو مدنسة بقذارة الإرهاب، ومن هذا المنطلق كانت التوجيهات بتحرير العديد من قرى وبلدات منطقة إدلب تمثّلت باستعادة السيطرة على بلدات وقرى كرسيان ومعر شمارين وأبو جريف وتقانة، وصولاً إلى معرّة النعمان التي تنبع أهمية تحريرها من عدّة أبعاد جغرافية وسياسية أكسبت معرة النعمان بموقعها أهمية استراتيجية، نعرّج على بعضها:
1. معرة النعمان، هي مدينة في شمال غرب سورية يبلغ عدد سكانها 90000 نسمة (تقديرات 2010م)، وتقع معرة النعمان على الطريق السريع بين حلب وحماة، وهذا شريان حيوي في الداخل السوري لعودة فوائد عسكرية اقتصادية وديمغرافية نوعاً ما.
2. معرة النعمان هي الجزء الأكبر من محافظة إدلب وتقع جنوبي ادلب وتبعد عن حلب 84 كم. وعن مدينة حماه 60 كم، هذا العامل مهم معنوياً أولاً، يعني تقليص مساحة انتشار العدو، والحرية والمرونة في تطويقه من المحاور المتعدّدة، سيكون من اليسير تقدّم القوى المقاتلة لتحرير المناطق الأخرى مع تيسّر استقدام قوى عسكرية لجيشنا البطل للتثبيت بما يريح القوى ذات الخبرة بالميدان من عبئ هذه المهمّة.
3. طريق حيوي يربط حلب بالعاصمة دمشق والمعروف بطريق M5، وهذا أيضاً شريان دموي اقتصادي له أهميته القصوى من النواحي العسكرية والاقتصادية بمعزل عن الدخول في التفاصيل.
4. تبعد عن حلب ٨٤ كيلو متراً وعن حماة ٦٠ كيلو متراً وتتربع منطقة جغرافية بموقعها الذي يربط أرياف إدلب الغربية والشرقية والشمالية ببعضها بعضاً، فهي عقدة وصل رباعية الاتجاهات حيث طريق حلب – حماه، وطريق حلب- اللاذقية ، وتربط يربط أرياف إدلب الغربية والشرقية والشمالية ببعضها بعضاً كما أسلفنا.
5. أهم تجمع سكاني بعد مدينة ادلب فقبل اندلاع الأزمة السورية كانت خزّان ديمغرافي، ذو تأثير إيجابي ، ذلك قبل أن تتحوّل إلى خزّان إرهابي، والتعويل في الفترات القادمة سيكون على نوعية العنصر البشري بنّاءً كان أم هدّاماً.
6. الطبيعة الجغرافية إذ أن وقوع معرة النعمان في منطقة منبسطة التضاريس، سهّل سيطرة الجيش السوري عليها، على الرغم من خطورتها فهي أهم معقل للإرهابيين على طريق “M5″.
7. السيطرة على معرّة النعمان أتاح ويتيح أمام الجيش العربي السوري تقدّمه باتجاه مدينة سراقب؛ التي تشكّل عقدّة طرق تربط وسط سورية بشمالها وشمالها بغربها، عدا عن تقدّمه باتجاه مدينة أريحا، حيث جبل الأربعين الاستراتيجي الذي يطل على مساحة واسعة من أرياف إدلب الشرقية والغربية والشمالية، ويشكّل مدخلاً لجبل الزاوية الذي يضم أهم معاقل “النصرة” وميليشيا “الجبهة الوطنية للتحرير” الممولة من تركيا والتي ادمجتها أخيراً ضمن ما تسميه “الجيش الوطني”، وهو إرهابي بتشكيله وأهدافه وداعميه، وهن هذا المنطلق فإنّ تحرير معرّة النعمان هو فك عقدة وصل استراتيجية هامة لأجزاء ونواحي الأرض السورية ببعضها البعض، وستقود إلى فك العديد من العقد الهامة على الصعيدين العسكري والاقتصادي مستقبلاً.
أهمية تحرير معرّة النعمان فيما يخص المعركة الكبرى أي تحرير إدلب تكمن في كون هذه الخطوة من شأنها بعد هيمنة الجيش السوري على معرة النعمان وسراقب أيضاً أن يتابع تقدّمه لإكمال سيطرته على طريق “M4” الذي يصل حلب باللاذقية ابتداء بسراقب مروراً بأريحا إلى جسر الشغور التي تشكّل مدخلاً إلى محافظة اللاذقية وتتشعب وتعلو تضاريسها لتطل على سهل الغاب وعلى مساحة واسعة من ريف إدلب الغربي.

#سفيربرس _ بقلم: د. ساعود جمال ساعود 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *