إعلان
إعلان

ظاهرة توقيع الكتب في المراكز الثقافية.. ماهي الآلية المعتمدة؟! وماهي المعايير التي يتم من خلالها الحصول على الموافقات أكان من وزارة الإعلام أو من اتحاد الكتاب العرب؟!

#سفيربرس ـ بيانكا ماضيّة

إعلان

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة هي أقرب للتسويق منها إلى الثقافة، وهي ظاهرة حفلات توقيع الكتاب التي يحاول من خلالها الكاتب تعريف الحضور من الأصدقاء والمعارف بمنتجه الإبداعي، وقد يرافق هذا التعريف قراءة نقدية للكتاب يقوم بها أحد النقاد أو الدارسين لاستنباط جماليات النصّ إن كان إبداعاً شعرياً أو روائياً أو قصصياً، أو الوقوف عند ما أراد طرحه الكاتب في كتابه من مضامين، إضافة إلى الوقوف عند الأسلوب وغيره من عناصر العملية الإبداعية، وأهم الأفكار التي طرحها في كتابه إن كان المنجز كتاباً فكرياً. ويلتقي هذا الكاتب في حفل توقيع كتابه مع قرائه فيحصل من يقتني الكتاب على توقيع وإهداء المؤلف على نسخته. واللافت أنه قد غدت حفلات توقيع الكتب إحدى الوسائل التسويقية للكتاب؛ بغية زيادة مبيعاته، وتوسيع الاهتمام به عبر الاعتماد على وسيلة جذب تتمثل في توقيع كاتبهم المفضل، وبعضهم يذهب به الغرور فيخال أن كتابه قد أصبح ذا قيمة (في الوقت الذي يفتقر إليها)، وبعض ممن يقتني الكتاب يخال أن هذا التوقيع يزيد من قيمة الكتاب..

وفي حلب انتشرت في الفترة الأخيرة هذه الظاهرة بشكل لافت، إذ نشهد كل أسبوع أو أسبوعين على أقل تقدير حفلة توقيع كتاب، أو مجموعة شعرية، أو قصصيّة وغيرها في المراكز الثقافية والجمعيات الثقافية. بعض الأسماء التي تطالعنا في بطاقات الدعوة إلى هذه الحفلات هي أسماء غير معروفة ولم يكن لها نشاط أدبي في السابق، وربما وجد البعض من هؤلاء الكتّاب (الشباب) تحفيزاً وتصفيقاً له في العالم الافتراضي، حيث بات السطحي والتافه والمبتذل منتشراً بكل وقاحة، وبات النفاق منتشراً أيضاً بكل يسر وسهولة، فرغب في جمع ما لديه من نصوص غير عابئ باللغة العربية وقواعدها، إذ كثيراً مانجد الأخطاء اللغوية والنحوية منتشرة بشكل كبير، ومن ثم يقوم بطبعها وإقامة حفل توقيع لها، داعياً الأصدقاء والكتّاب والإعلاميين والمهتمين، ليشاركوه حفل إطلاق كتابه، ومنهم أصدقاء نقّاد يحابون العمل الأدبي وكاتبه، ولكن منهم نقّاد حقيقيّون يقفون عند العمل الأدبي ليطرحوا رأيهم به بكل موضوعية، وآخرون متطفلون على مهنة النقد التي ترتقي إلى البحث في مكونات العمل الأدبي وتفسيرها وتحليلها بغية الكشف عن دلالاتها داخل العمل الأدبي، والكشف عن جوانب الإبداع فيه، وهذا الأمر يحتاج إلى ناقد متمرس خبير، قادر على تقديم نماذج نقدية بكفاءة معرفية، لا دارس يقف عند السطحي والمكشوف في العمل الأدبي.

وبغض النظر عن أن حفلات توقيع هذه الأعمال الإبداعية تشي بحراك ثقافي باتجاه ما يُنتج ومحاولة التعريف به ليكون أقرب إلى القارئ وإلى تذوقه، وبأنها فعالية اجتماعية تُظهر مشهداً حيوياً، إلا أنها حكماً لا تصنع مبدعاً، وفي المقابل لا تصادر على المبدع الحقيقي دوره وإبداعه، إنما هي تقف على حقيقة ما في إبداعه.

والسؤال هنا: من يقيّم هذه النصوص، وماهي المعايير التي يتم من خلالها الحصول على الموافقات أكان من وزارة الإعلام أو من اتحاد الكتاب؟! وماهي الآلية التي تتم من خلالها الموافقة على حفل توقيع الكتاب؟!

إن محاولة التقريب في هذه الظاهرة ينبغي أن ترتكز إلى شروط ثقافية، ومنها شخصية وشهرة المؤلف ومن ثم نوعيَّة الكتاب وموضوعه وتميزه وتفرده، وأخيراً هدف التوقيع، فهي عوامل رئيسة في تقييم حفل التوقيع؛ ولذلك يرى البعض أنه يجب استبعاد المبتدئين ومن لم يكن على مستوى من النضج في الأدب أو في التأليف.

إن مراعاة تلك الشروط والربط بين حفل التوقيع ونشاط ثقافي أمر مهم، ولا يُضبط هذا الأمر إلا بصدور وثيقة تحدّد تلك الشروط كأن لا يكون أول إصدارات المؤلف، أو أن يكون المؤلف من المشتغلين في البحث والتأليف والكتابة، وأن تُخصّص نسبة من الأرباح لصالح نشاط ثقافي أو اجتماعي، وغيرها من شروط من الممكن أن تقوم بها المؤسسات الثقافية كيلا يندم القارئ الذي اقتنى الكتاب بعد أن رأى الناس يلتفون حول كاتبه، ويأخذون التوقيع منه، فيخرج بلا فائدة معرفية أو جمالية.

مؤيد ومعارض
محمد حجازي مدير دار الكتب الوطنيّة يلقي بالمسؤولية على موافقات وزارة الإعلام واتحاد الكتّاب العرب، ويقول عن هذه الحفلات التي يقيمها في دار الكتب الوطنيّة: لاندعي أن مايقدم من كتب واحتفالات بولادتها، وقراءة نقدية لها، هو إذن سفر وجواز مرور وشهادة إيزو، إنها تجربة وفرصة نمنحها لصاحب الكتاب اياً يكن، وقد استحصل على موافقة وزارة الإعلام واتحاد الكتاب العرب، فليس لي او لأحد آخر أن يقيم تقييمات جديدة.. هو يقدم نفسه عبر منجزه ونحن نمنحه فرصة، والفيصل الحق هو الجمهور الأدبي فكم من منجز وأديب مفترض تم رفضه ونبذه من الساحة لعدم جدوى وجدية منجزه الثقافي. إنها تجارب ونحن ندعم إمكانية حضورها في الساحة فحسب، وفي الجهة المقابلة كم من منجز وأديب أو شاعر افتراضي أثبت حضوره الثقافي وقفز إلى سدة الساحة بل صار من متقدميها.

فيما يرى محمد سميّة رئيس مركز ثقافي الصاخور أن حفلات توقيع الكتب أصبحت ظاهرة بارزة في المشهد الثقافي وربما الاجتماعي وذلك وسط الترحيب من البعض فهي فرصة لتعويم الناشر المبتدئ غالباً وتقديم التفاعل المعلّب مع جمهوره وتبادل الآراء معهم، في حين علينا الحد من هذه الظاهرة وضبط إيقاعها كيلا تكون شكلاً من أشكال الإطراء والمحاباة الاجتماعية والترف الثقافي، وهنا لا بد من دور فاعل لاتحاد الكتاب والمؤسسات والهيئات الثقافية الموازية ذات الصلة بتشكيل لجنة قراءة تضم ممثلاً عن كل جهة أو هيئة، وضرورة أن يكون ثمة دور رديف للجنة تمكين اللغة العربية في أمانات المحافظات، تكلّف هذه اللجنة مجتمعة بدراسة الكتاب الصادر، ويخصص تعويض مجزٍ لهذه اللجنة يتناسب مع الجهد المبذول والوقت المستغرق لدراسة وتقييم هذا المنجز الفكري أو الأدبي، وبالتالي منح الموافقة أو عدم الموافقة على إقامة حفل التوقيع لا سيما على هذا المنبر الثقافي الرسمي أو ذاك. فمن العبث المساواة بل الخلط بين المنتج الفكري أو الأدبي المتميز والآخر المتواضع وإقامة حفلات التوقيع لكل كتاب يصدر هنا وهناك، خاصة وأن نسبة لا يستهان بها من الكتب الموقّعة تفتقر إلى السوية الإبداعية المطلوبة مما يؤدي إلى تشويه ذائقة القارئ من جهة والتشويش على الكتب المهمة من جهة أخرى. نحن بأمس الحاجة لمنتج فكري (ثقافي) يسهم في رفع مستوى الذائقة الإبداعية والثقافية وتقع على عاتق اتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافية الموازية مسؤوليتها الكبيرة في تقييم أي كتاب بكل موضوعية والابتعاد عن المجاملة التي تخلط بين الكتب على اختلاف مستوياتها. إن حفلات التوقيع ظاهرة اجتماعية لها ما لها وعليها ما عليها و هي- بصورتها الحالية -غالباً شكل من الأمراض الثقافية و”البريستيج”و البذخ الاجتماعي.
يعاضده في هذا الرأي الأديب عبد الجواد صالح إذ يشير إلى أن ظاهرة توقيع الكتب في المراكز الثقافية يختلط فيها الحابل بالنابل، والغث بالسمين. والملاحظ أنها أصبحت ظاهرة مستشرية يلجأ إليها المستعجلون إلى الشهرة، وهم لايدرون أن أحداً لن يقرأ حرفاً واحداً من نتاجهم وخاصة إذا كان المنتج ديوان شعر، أو هكذا أسماه صاحبه. قد لايكون السبب مستوى الكتاب الفني، المعرفي، الثقافي للكتاب فحسب، وإنما يضاف إليه عزوف المتعلمين عن القراءة في عصر الـ( السوشل ميديا) التي اجتاحت زمن حصة القراءة أو معظمه. ربما يمكن استثناء بعض الأسماء المعروفة في المشهد الثقافي، ولكن هؤلاء غير متحمّسين لتوقيع مؤلفاتهم.

أما الدكتورة زبيدة القاضي، وقد شهدنا في مركز ثقافي العزيزية، منذ شهر تقريباً، حفل توقيع رواية (قدح مكسور) التي ترجمتها عن الفرنسية، وهي للكاتب آلان مابانكو، فلها رأي مؤيد لهذه الظاهرة إذ تجدها ظاهرة صحيّة لإبراز الكتاب والكاتب وحث الحضور على القراءة، على أن يكون هناك انتقاء للكتب التي سيجرى حفل توقيع لها، مؤكدة أنه ليس بالضرورة بناء على شهرة الكاتب بل من خلال أهمية الكتاب إذ يمكن أن يوقع كتاب لكاتب غير معروف للتعريف به للجمهور، إذا كان كتابه مهماً أو يحمل إضافة ما في مجاله، أما عني فالتوقيع ليس إضافة على مسيرتي، بل هو عرفان بالجهد المبذول واعتراف بالمساهمة في مجال الترجمة، لكني شعرت بسعادة كبيرة عندما رأيت عدد المشاركين والمهتمين وعدد طاقات الورد التي قدمت لي. ظاهرة توقيع الكتب موجودة في كل أنحاء العالم وقد حضرت عدداً منها غالباً ماتقيمه دور النشر.

وكذلك يرى الروائي والقاص محمد أبو معتوق أن هذه الظاهرة إشارة إلى عودة الحياة الثقافية، إذ يقول: المهم أن ندع الحياة تعود، ومادامت المؤسسات مستقيلة من الطباعة والنشر فلندع الناس توفر من ثمن لقمتها وتطبع كتبها وتقيم احتفالات توقيع. وحين نسأله: هل يعني أنك مع هذه الظاهرة أياً كان مستوى الكتاب أم أن الموضوع يلزمه ضبط؟! فيقول: الحياة هي التي تفرز الحي من الميت، والناقص من المكتمل، وكما تقول النظريات التراكم الكمي ينتج تحولاً نوعياً أفضل، والإنتاج البائس يحط بمكانة صاحبه ولا يرفعه. في المدينة عشرات الكتّاب والكاتبات، ولهم عشرات المطبوعات ولاقيمة لهم ولا لأدبهم.

ويوافقه أيضاً في هذا الرأي محمود أحمد الجدوع رئيس تحرير موقع سفير برس إذ يعتبر ظاهرة توقيع الكتب للأدباء والشعراء والباحثين في المراكز الثقافية ومعارض الكتب ظاهرة حضارية بامتياز، وتحمل في طياتها شقين إيجابيين.الأول: زيادة تواصل الكاتب أو الشاعر مع جمهوره ومتابعيه، وبالتالي زيادة شهرته وما ينتجه من مطبوعات. والثاني: إغناء الحركة الأدبية والثقافية، وزيادة أنشطة المراكز والمعارض عن طريق تفاعل رواد هذه المراكز مع مايصدر من نتاجات فكرية وأدبية على مدار العام.

شأن ثقافي عام

يستدرجنا الحديث عن حفلات توقيع الكتب إلى حديث ثقافي أعمّ وأشمل، وهو مايتعلق بالرسالة الوطنية الثقافية للمؤسسات الثقافيّة كلها، فالعجلة والارتجال والتسرّع في إقامة النشاطات دون الأخذ بعين الاعتبار الرسالة الثقافيّة الملقاة على عاتق المسؤولين الثقافيين تقود إلى إقامة نشاطات وظيفيّة ليس إلا. وفي اللقاءات الجانبية التي تتم بين الأدباء والكتاب والمثقفين نجد أن الأغلب الأعم يتحدث عن هذه المشكلة الثقافيّة، إذ ليس هناك تخطيط مسبق لمجمل النشاطات الثقافية، وأغلبها يأتي بصورة ارتجاليّة، إذ تقام المهرجانات والندوات التي لايكون فيها شيء منظّم، فعلى من تقع المسؤولية؟!

الأديب والشاعر محمد بشير دحدوح يرى أنه مطلوب من المؤسسات الثقافية والجمعيات الثقافية والأدبية المختصة أن تقوم بمهامها بمسؤولية وإخلاص ووطنية عالية باتجاه الهم الثقافي، وخاصة الوطن، والوطني لايتعارض إطلاقاً مع الإبداعي، هذا الهم يحتاج إلى رعاية مسؤولة لايستطيع أحد أن يغرّد على شجرة تهتز. المراكز الثقافية، ومديرية الثقافة، والجمعيات الثقافية، باستثناء بعض الجمعيات كالجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون، النشاطات التي تقوم بها الهيئات الثقافية هي نشاطات وظيفيّة وليست نشاطات ذات رسالة ثقافية. على المعنيين أن يتفاعلوا مع الناشطين الثقافيين في المجتمع الثقافي الحلبي، وخاصة الوطنيين، وأن يستمعوا إليهم بمسؤولية وأمانة وإخلاص بعيداً عن أي نزعات أخرى، وأي منافع أخرى مادية أو اعتبارية. أنا لست بحاجة إن رغبت في إقامة أي أمسية أو نشاط أن أبحث عن وساطة لإقامة هذا النشاط، أنا لست مضطراً لتقديم رشوة مادية بمختلف أنواعها، أو معنوية أكون من خلالها مضطراً للحديث مع أحد المسؤولين ليتم تسيير أموري عن طريقه، أنا أربأ بنفسي عن ذلك، وهذا الكلام لايجوز، وهو ليس شأناً ثقافياً. المثقفون لايجب أن تكون نهاية أحلامهم إقامة أمسية أو نشر قصيدة في الموقف الأدبي أو الأسبوع الأدبي أو المعرفة، هذا أقل مايمكن، من يسأل عن التعويض فهو ضعيف ومبتذل وجميعنا نعفّ عنه، ولكن على الجهات المعنية أن تنظر إلى هذا الموضوع بعين الاعتبار، وهذه مسؤوليتها ووظيفتها.

ونسأله عن المشهد الثقافي الرسمي الحالي فيقول: هو شكلي وارتجالي واستعجالي وهو عبارة عن جداول نشاطات وظيفيّة ليس إلا، أشبه ماتكون بالتقارير الصحفية التي تكتب على استعجال. على المعنيين بالشأن الثقافي أن يوجدوا لجاناً مختصة من المثقفين لتساهم في دعم مسيرتهم الثقافية. ورشات العمل الأدبية غير موجودة، النشاط الشهري الثقافي الذي كان معتمداً في السابق غير موجود، تكريم الأدباء يجب ألا يكون بالطريقة التي رأيناها، هو تكريم بائس وباهت يتم فيه حشر من يتم تكريمهم على المنبر، من المفروض أن يكون هناك لجنة معنيّة بتكريم الأدباء مشكلة من مديرية الثقافة، الأمور الثقافية يجب أن تكون مدروسة ومنظمة بشكل أكثر.

وهذا الأمر ينطبق على حفلات توقيع الكتاب فعلى مديرية الثقافة والمراكز الثقافية تشكيل لجان مهمتها دراسة المنجز الأدبي الذي يطلب صاحبه القيام بحفل توقيع له، فما نراه على المنابر في أغلب حفلات توقيع الكتاب لايمتّ إلى الأدب بصلة. يجب أن يكون هناك (فلترة) أمينة ومخلصة ومسؤولة ووطنيّة، الشأن الثقافي ليس شأناً وظيفيّاً، قضيّة الثقافة هي قضيّة أمانة ومسؤوليّة مجتمع. يجب الانتقال من مرحلة مسؤولية الوظيفة إلى مرحلة المسؤولية الوطنية، وكلٌّ في اختصاصه.

#سفيربرس ـ بيانكا ماضيّة  ـ الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *