إعلان
إعلان

العراق من الفوضى إلى تغيير النظام السياسي _ بقلم : د. عبير الحيالي  

#سفيربرس _ لندن

إعلان

غرق العراق في سلسلة غير منتهية من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. ولكن هذه الأزمات التي تطورت وتراكمت بعد مرور سبعة عشر عاماً على هذ السقوط، أوصلت العراق إلى حالة من الانسداد السياسي المعقد بلغت ذروتها بعد استقالة عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع ومطالبته بالتغيير السياسي قبل عدة شهور. ولكن اعتذار محمد توفيق علاوي “المرفوض أمريكياً”، ومن بعده الزرفي الذي سقط على يد قاآني في زيارته الأخيرة للعراق، عكس بوضوح تدهور المشهد السياسي العراقي، والانشقاقات والتصادمات بين الأطراف الحكومية العراقية بأحزابها وميليشياتها، التي حولت العراق إلى مركز لتصفية الحسابات الإيرانية- الأمريكيةبالوكالة.  وبعد هذا الشد والجذب وفي محاولة ثالثة حصل مصطفى الكاظمي على فرصة تشكيل الحكومة الجديدة،بشبه توافق شيعي وترحيب سني وكردي.

ولكن هناك مجموعة من الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، في حال تمكن الكاظمي من تمرير حكومته، وتجاوز المحاصصة السياسية، هل سيتمكن من قطع يد الفساد المسيطرة على المشهد السياسي والتي تعمل وفقاً لمصالح المفسدين؟ هل سيستطيع احياء الملف الخدمي وتحقيق مطالب المتظاهرين الذين لم يستسلموا أمام الحكومة ولكن جمدوا نشاطهم وحراكهم الشعبي لحين الانتهاء من أزمة كورونا؟ وهل سيتمكن من تحقيق التوازن بين أمريكا “التي تربطه به علاقات قوية” من جهة، وبين إيران التي قبلت ترشيحه “لأهداف تخدم مصالحها” عن طريق ممثليها في القوى السياسية القابضة على السلطة؟

تدرك القوى السياسية الفاسدة المسيطرة على البلاد، أنها على وشك الانهيار التام أمام الضغط الشعبي الذي سينفجر مجدداً في المستقبل القريب. ولذلك فهم يرون أن التعاون مع الكاظمي سوف يمدهم بفرصة جديدة لإعادة بث الروح في منظومتهم السياسية القائمة على مبدأ ” التخادم المصلحي”، ومحاولة الخروج من مرحلة الانسداد السياسي الذي سيقضي على وجودهم مع المحافظة على سلاحهم المستقبلي، ألا وهو “الميليشيات الولائية” التي تتهم الكاظمي بتورطه في مقتل سليماني والمهندس. ولذلك سيكون من الأفضل لهم القبول بالكاظمي، والتظاهر بوصولهم إلى حالة التوافق لكسب المزيد من الوقت الذي يساعدهم في إيجاد بعض الحلول التي تساعدهم على الاستمرارية. بما أن آلة الفساد في البلاد هي من تمنح الموافقة على تشكيل الحكومة، فهذا يقضي على أي فرصة لإيجاد حكومة تتمتع بالشفافية والقدرة على المحاسبة والقضاء على الفساد. ربما نجد في هذه الحكومة في حال تمريرها والموافقة عليها، موافقة أمريكية أو إيرانية ولكن من غير الممكن أن تحظى بموافقة الشعب، الذي اتخذ قراره مسبقاً بالحصول على حقوقه المنهوبة بشتى الوسائل.

ومن جهة أخرى، تؤمن إيران في هذه المرحلة الحساسة بضرورة عدم التمسك بوجود شخصية موالية لها، وهذا يساعدها على أمرين: الأول هو إعادة التقارب الشعبي مع العراقيين الذين يرفضون وجودها على الساحة العراقية، وتحميل السقطات السياسية المستقبلية لرئيس وزراء يحمل أجندة أمريكية. والثاني هو العمل على تشغيل الميليشيات التابعة لها بحرية أكثر، لأنها تدرك تماماً أن الطبقة السياسية أياً كان من شكلها تفتقد إلى قدرتها على الإنجاز. كما أنها تعرف تماماً أن الميليشيات الموالية لها في العراق تحولت إلى قوة يصعب ازالتها على الرغم من عدم مشروعيتها، ويمكنها المراهنة على استمرار الفوضى التي تساعدها على استمراريتها لفترة أطول في العراق. ولذلك نرى أن إيران تراهن على قدرة الميليشيات في إدارة مصالحها داخل العراق وليس على رئيس الوزراء وحكومته.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فهي أيضاً تدرك أهمية العراق الاستراتيجية في مواجهة التمدد الإيراني وتقويض الإمبراطورية المستقبلية. ولكنها في الوقت نفسه تنظر بعين الريبة والحذر الى كل تحرك إيراني لأنها تدرك خطورة تهديد الميليشيات العراقية المدعومة إيرانيا، وقدرتها على تهديد المصالح الامريكية في الداخل العراقي، ولاسيما بعد الهجمات المتكررة الأخيرة على بعض المواقع العسكرية الأمريكية في العراق. ولذلك عزمت الولايات المتحدة على إعادة رسم خريطتها العسكرية، عن طريق تغيير بعض المواقع وجعلها أكثر تحصيناُ ضد أي هجمات إيرانية. ومن المؤكد أن أي تصادم عسكري مستقبلي سيكون على حساب الشعب العراقي.

أثبت النظام البرلماني الحالي فشله في تشكيل طبقة سياسية وطنية تتجاوز حدود المحاصصة، والعمل على أساس وطني. كما أنها فشلت في بناء علاقات جيدة مع الشارع الذي من المفترض أن تكون الممثل الشرعي له. وليس من العقل أيضاً التوقع أن التغيير سيكون على أيدي هذه الثلة الفاسدة، ولذلك فإن التغيير لن يكون بتغيير الأسماء والمرشحين، وإنما بولادةنظام سياسي جديد من رحم الشعب العراقي الوطني، وربماالعودة إلى النظام الرئاسي العسكري “كمرحلة انتقالية”، يمكن الشعب العراقي من التخلص من هذه الأحزاب والميليشيات التي باتت خطراً على مستقبله. يكمن الحل في عودة الشعب إلى الساحات والتمسك بمطالبه، المتمثلة بتغيير نظام الحكم، ومحاسبة من أساء إلى العراق وطناً وشعباً.  لابد من إعادة العراق إلى أبنائه الحقيقيين، لأنهم الوحيدين القادرين على اصلاح البلاد وخلق عراق مستقر وموحد وإرجاعه بابلياً وسومرياً فالعراق بمكوناته الأصيلة رفض وسيرفض أن يكون إيرانياً أو حتى امريكياً.

# سفيربرس بقلم  : د. عبير الحيالي _  لندن

باحثة  بالعلاقات الدولية والعلوم  السياسية _ بالعربي_نيوز

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *