الكـــلب بحــــتر … بقلم: المثنى علوش
#سفيربرس
في فترة السبعينيات، كانت الكلاب الشاردة في القرية الصغيرة الوادعة تستيقظ صباحاً و تبدأ مشوار البحث عن طعامها كوجبة الفطور و الغذاء، و لا بأس لو تكرر الغذاء عدة مرات فأمر التغذية هو حاجة ملحة كي تتوازن نفسياً بعد الإحساس التام بالإمتلاء و الشبع، فالأمر يقتصر على التسول و الطلب من هنا و هناك .
أما كلاب الصيد كانت أكثر تطلعاً لإبراز مهاراتها في القبض على فريستها، أو كشف مخبئها بين الجحور، و كان معظم الطيور كالحجل و الدرغل لا يهنأ في وكره وقتاً طويلاً حتى ينقض الكلب بارود أو روكي فيضربه على رأسه مهيئاً الجو المناسب لاصطياده من قبل معلمه الذي ينتظر بشغف مع بندقيته .
و كذا كلاب الحراسة التي أبهرت في عنفوانها معظم جيراننا في القرى المجأورة، فراحوا يتهافتون لشرائها و اقتنائها و لو تجأوزت أسعارها الحد المعقول .
ظلت هكذا معظم كلاب القرية إلى أن قام أحد الكلاب الشاردة و يدعى( بحتر) بالتحول فجأة إلى مسعور أحمق، و راح يعض و يفرغ حقده على أبناء جلدته لكنه فشل فشلاً ذريعاً لأن الظروف لم تكن مؤاتية، و لم تقدم له باقي الكلاب الدعم الكافي للإجهاز على أعدائه . فأخذ يحيك المؤامرات هنا و هناك متعأوناً مع بعض الكلاب المجأورة الذين أشاروا عليه بأن يقوم بعرض بهلواني يثير فيه الإنتباه و يجعلوا منه رمزاً للكلب ذو الجاه و الجمال و الإحترام .
كانت الخطوة الأولى هو أن يحصل على جوال باهظ الثمن و يفضل أن يكون ذو التفاحة المتآكلة . و بالفعل بدأ سوق هذا الكلب بالرواج و بدأت معظم الكلاب و الكلبات تقليده و الاستكلاب للحصول على ذات جواله المتقن الصنع .
ترك معظم كلاب الصيد عملهم، واستقال أغلب كلاب الحراسة من وظائفهم و بات همهم الوحيد تقليد ذاك الأرعن المدعي الرفاهية. انهارت بيوت اغلبهم و لم يعد للكلاب تصنيف، فمعظمهم بات من صنف الشوارد العاطلة تماما.
جوع و فقر و خذلان .. فمنهم من باع آخر عظمة كان يختزنها، و منهم من أرسل أولاده للعمل فماتوا بعيداً في قرى لا تعرف الرحمة .
أما الكلب بحتر فقد ازداد ثراءً، و عمد إلى توسيع نشاطاته لتشمل كل مجالات الحياة، فراح يشتري من الكلاب الجحور و المساحات التي سكنوها لعقود بقصد الحصول عليها لا أكثر و تشريدهم أكثر مقابل عظمة أو عظمتين .
فيما راح البعض يبيعون هاتفهم الذكي الذي فقد صلاحيته بعد أن صدر من الشركة الأم النسخة الأحدث و لم يعد ذا قيمة مطلقاً .
وقعت الكلاب في حيرة كبرى، فلا طعام ولا عمل ولا مسكن . الحل الوحيد هو الرحيل و التسكع في القرى علهم يرتزقون فتات الخبز أو يموتوا بصمت مع عارهم المتطور الجديد كلياً.
#سفيربرس ـ بقلم: المثنى علوش