إعلان
إعلان

نَحْنُ الحب.. والحياة… والسلام… عشقنا الشهادة نحنُ زهور الوطن

#سفيربرس _ ماجدة البدر

إعلان

الوطن.. هُوَ ذَلِكَ المكان الَّذِيْ يحتضننا ويؤوينا، دفئهُ يملأ نفوسنا شتاءً، وهواء غوطته ينعشُ أرواحنا صيفاً.. يطعمنا من خيراته… وتخرج لَنَا أرضه كنوزها الخيرة، فِيْ ربوعه نشأنا وتعلمنا ، وكانت مرتع طفولتنا.. إِنَّهُ من نرخص لَهُ أرواحنا وكلَّ مَا نملك…
***
نحنُ الحبُ والحياةُ والسلام
بقوتنا… وصمودنا..
كَانَتْ تحديّاتنا .. وكان عشقنا لوطننا
وعشقنا للشهادة…
***
زهور الوطن المتفتحة الفواحة، المتنوعة الأشكال والألوان، والصفات، ملهمة الشعراء والأدباء منذ الأزل، نتجول بَيْنَ الحدائق، ونتنعم برائحتها المنعشة، التي تخرج زفرات التعاسة من أعماقنا، لتحل محلها السعادة الأبدية، عنوان جميل، اختارته الشاعرة هند المصري، ليزين ديوانها الصادر عن دار العراب بدمشق، والذي يقع فِيْ / 254/ صفحة من القطع الوسط، تضمنت المجموعة الشعرية/ 54/ قصيدة ، واختارت لَهُ مواضيع متعددة، استلهمتها من الواقع المعاش، ولنبدأ من لوحة الغلاف التي تناغم فِيْهَا اللون الرمادي وتدرجاته مَعَ اللون الأحمر الَّذِيْ ينم عن ثورة داخلية مشتعلة ومضطرمة فِيْ قلب هند المصري المحبة لوطنها والغاضبة لما حلَّ بِهِ، مِمَّا دفعها إِلَى أن تصوغ مشاعرها بقصائد نثرية جميلة، جمعت فِيْ هَذَا الديوان، وهي قصائد إنسانية وجدانية محور مواضيعها الإنسان، الطبيعة، الحياة بما فِيْهَا من بؤس وتعاسة وشقاء، تقابلها السعادة والأمل..
ليس بالسيف والبندقية يحارب الإنسان، حَيْثُ يستطيع الكاتب والشاعر والمؤلف أن يقاتل بالقلم أيضاً.. وهذا مَا فعلته هند المصري بِأَنَّ أخذت موقعها فِيْ ساحات النضال والقتال، متسلحة بقلمها وقصائدها التي نمت عن مشاعر مرهفة وحساسة ومحبة..
ولنمضي قدماً إِلَى الإهداء: [ عشقنا للشهادة
فرِحَ بِهَا شهداؤنا
إِلَى أرواحهم الطاهرة إهدائي
إنهم زهور الوطن..
فسلامي لَهُمْ حَيْثُ يكونون
وحيث يخلدون
وحيث ينعمون…] لَقَدْ استحقت تضحياتهم وقفات مطولة، من حياتنا ، وأدبنا وشعرنا، وهاهم الشعراء ينبرون ليخلدوا هَذِهِ البطولات من خلال قصائد رائعة صاغتها أقلام متمرسة ومرهفة وحساسة وراقية.
***
ولنمضي قدماً فِيْ استعراض عناوين القصائد ومضامينها:
ضمت المجموعة /54/ نصاً شعرياً، متنوعة المواضيع، وأهم المحاور التي ناقشته هَذِهِ القصائد هِيَ: (الحب، الخيانة، الوطن)، طغا الحب على معظم قصائد المجموعة، عمدت الكاتبة إِلَى صياغة حبها والتعبير عنه بأسلوب مبسط جميل لطيف قريب إِلَى الأسماع والقلوب متشاركة مَعَ الطبيعة فِيْ حبها، عاكسة عليها أجمل مشاعرها، شاركتها زهور الشام، والياسمين، والكباد الحزين، والنرجس ، والأقحوان والزعفران، والفراشات، وغناء العصافير، كُلّ آلامها وحبها، فلهيب العشق يكاد يحرق أوراق القصيدة، يبارك عشقاً فِيْ زمن اللا زمن..
وحين يخذلها الحب أو المحبوب فإنها تلجأ إِلَى محرابها المقدس، تبثه حزنها وشجنها، وألمها، فتطفئ شموعها وترمي زهورها، وتمزق أوراقها، كَمَا مزقت مشاعرها وأحاسيسها… أَمَّا حينما يدعوها الحب والمحبوب، فإنها تتحول إِلَى (عاشقة الجمال كله بمواصفاته اللائقة، جميل معك فِيْ الحياة/ سأستمدُّ قصائدي من أمواج عناقك/ لتذوب بَيْنَ نهديَّ/ تتلوَّى بأجمل الآهات/ تسكن حنايا الروح/ تُرسل إشعاعاتها إِلَى كُلّ مدار/ تنير الدنيا بنجوم .. زاهية وأقمار….. وتحار الشفاه، إِلَى أَيْنَ يمكن أن تمضي فِيْ نهايات شوقها.. أبحر فِيْ فضاء عشقك المجنون/ أنثر زهوري فِيْ غابات صدرك المفتون..] أَمَّا فنجان القهوة، الَّذِيْ يرافق لقاءاتها مَعَ المحبوب، فتنبعث مِنْهُ رائحة طيبة ممزوجة بالهيل، أَمَّا مَعَ هند المصري، فتمتزج القهوة فِيْ بعض القصائد بالزعفران.. تَرَى مَا طعم القهوة بالزعفران؟؟ هَلْ هُوَ طعم ينم عن الحزن أو الفرح؟…
تميزت جمعت فِيْ قصائد الحب (الثنائية فِيْ العشق)، حَيْثُ تكون القصيدة (بوحٌ يجمع العاشقين معاً)، يعبران عَمَّا فِيْ أعماقهما من مشاعر، بلغتهما الشفافة، فالرجل يبوح بمكنونات صدره، وغيرته، وحبه، وتجيبه الأنثى بمشاعر حساسة مرهفة، ويجتمع العاشقان على تلاحم روحين ملأها الحب مغردة فِيْ سماء بعيدة حَيْثُ المجتمع الافتراضي المثالي…
اعتمدت الكاتبة الأسلوب المبسط فِيْ اختيار الألفاظ المعبرة عَمَّا فِيْ داخلها.. مستعينة بأجمل الصورة البيانية التي استمدتها من الطبيعة، (حَيْثُ عبرت عن الإنسان بكلمة (الترابي)، وهو تعبير فلسفي بحت، لأننا خلقنا من التراب، وإلى التراب نعود، (تُعيدُ الحياة من الماء للطين)..
لخصت الشاعرة رؤيتها للخيانة وجمعتها في قصائد عدة ، عاكسة فِيْهَا المشاعر الداخلية للأنثى، والرجل معاً، فالخيانة مؤلمة للجنسين..
*(ارحل): فِيْ هَذَا النص برزت مشاعر الأنثى المفعمة بالحب، والَّذِيْ قابلت بِهِ خيانة رجل مفعم بالكراهية والغدر، حَيْثُ قتل الزهور، وحطم الآمال، وَلَمْ يبق أمامها إِلَى السير فِيْ طريق النسيان.. لتجاوز هَذِهِ المحنة..
*(أَنْتَ العذاب): يندرج هَذَا النص تَحْتَ بند (الخيانة) التي ترفضها الأنثى، وتمقتها حَيْثُ تنهي أحزانها التي تفتك بِهَا وتبدأ من جديد متصالحة مَعَ ذاتها، ولكن أَيْنَ المهرب فالرجل هُوَ القدر الَّذِيْ رسمته الحياة للمرأة وهو فردوس الجحيم الَّذِيْ لابدَّ مِنْهُ.. أَمَّا والرجل (كَمَا رأته فِيْ هَذِهِ القصيدة) يستخدم جميع الأسلحة التي وهبته إياها الطبيعة للسيطرة على أنثاه والاستحواذ على عواطفها وحبها.. ولكن الآن [لم تعد كلماتك تسعدني ، لَمْ يعد لنظراتك.. لَمْ يعد القلب مسكنك.. سئمت خداعك.. رسمك للكلمات، لاَ تنثر اعتذراتك يامن كَاْنَ اسمك ملاك أَنْتَ العذاب وقسوة الهلاك .. كلماتك العذبة، نظراتك حنونة.. الاستحواذ على القلب، الخداع، كلمات كاذبة، اعتذارات .. التحلي بصفات الملاك..] حَتَّى أنَّها نعته بـ [العذاب، قسوة الهلاك، فردوس الجحيم الَّذِيْ لابدَّ مِنْهُ]..
أهم مَا يميز ها النص هُوَ جمعها بَيْنَ متضادين لاَ يجتمعان لغةً [الفردوس]، و[الجحيم].. وهما متنافران حروفاً ومعنىً.. فالفردوس هُوَ النقيض الحقيقي للجحيم وَلاَ يمكن أن يجتمعا فِيْ ذات أو فِيْ أي شيء.. إِلَّا فِيْ قلب رجل جمع فِيْ قلبه وروحه تِلْكَ الصفات ..
يطغى استخدام [حروف النفي على معظم مفردات هَذِهِ القصيدة (من خلال حرف الجزم لَمْ): [لَمْ يعد، لَمْ يعد، لَمْ يعد، لَنْ تدمع… ] ثُمَّ يحتل فعل الأمر مكان الصدارة فِيْ هَذِهِ القصيدة: من خلال الفعل [ارحل، ابتعد]، للتأكيد على نهاية الحدث، الَّذِيْ ابتدأ بالخيانة، والرفض القاطع لِكُلِّ أشكالها.. ولكن فِيْ النهاية يجب القبول بالرجل الَّذِيْ يجمع بَيْنَ دفتي قلبه [فردوس، الجحيم].
ننتقل الآن إِلَى (الحب عند هند المصري) وكما صاغته فِيْ هَذَا الديوان (زهور الوطن)، جمعت الشاعرة معظم قصائد الحب التي كتبتها فِيْ أوراقها المبعثرة…
شاركها فِيْ هَذَا الحب.. الحقول والبساتين، والقهوة المفعمة برائحة مرةً بالزعفران ومرة أخرى الهيل.. وشهد الشاي جلسات عديدة مَعَ المحبوب.. فمع القهوة يحلو الشوق، (أشتاق قهوتي معك).. نص قصير جميل، فضاؤه هُوَ فنجان القهوة الَّذِيْ تنبعث مِنْهُ حرارة الشوق لكلمات جميلة يبوح بِهَا محب تتسلل هَذِهِ العبارات الشعرية إِلَى داخل النبض وتستقر فِيْ حنايا الأضلع… إِنَّهَا كلمات محب تنثر العبير والياسمين والمسك والعنبر تحملها إِلَى عالم خارج حدود العين والخيال، إِلَى فضاء نقي بعيد.. حَيْثُ تهمس الزهور بكلمات رقيقة..
[تعالي ليتوجك أميرة قصائده.. ويتغنى بعشقك.. ويروي رواياته يدونها .. أَنْتَ اَلْيَوْمَ ملهمة أشعاره]…
*(أغار عليك..)
الغيرة تِلْكَ المشاعر الملتهبة والمشتعلة فِيْ قلب أنثى محبة، تطغى على نظراتها ومفرداتها… الفرح، الألم، الشوق، وجميع مَا يتصوره العقل، [قبلاته.. نظراته… شهد ثغره.. حلاوة ريقه… استحضار أنفاسه.. ] وَلاَ لقاء.. الانتظار هُوَ الوسيلة الوحيدة لقضاء باقي الأيام الشاحبة والمضي قدماً.. إِنَّهُ العشق لاسم فِيْ الذاكرة لاَ ينبغي البوح بِهِ .. لاَ يغيب أبداً ويظلُّ ينبضُ بحرارة وجوده اللامنتهي..
*العقرب اللعين: فِيْ حضرة الحب يجب أن يتوقف الوقت، لحظة اللقاء فِيْ حضرة الملاك العظيم، يجب أن يتسمر هَذَا العقرب اللعين ليستطيع القلب البوح بمكنوناته والتعبير عن حبه وشوقه.. (توقف أَيُّها العقرب اللعين.. أوقف الزمن.. كَمَا أشاء أَنَا.. وتلك الرغبات المجنونة فِيْ كياني.. دوماً تداهمني لكي تعلن لِيْ: انتهى الوقت.. لاَ وألف لاَ… ماانتهى ولن ينتهي….).
*أسطورية الهوى: قصيدة حب شفافة جميلة مفعمة بالحب، لعابرٍ قدم من غياب بعيد، ليضيء وحشة عاشقة فِيْ ليالي الأسى والجليد.. تصبح الأشياء بلا قيمة فِيْ اللا وجود، لتكون فِيْهَا بسمة العمر الَّذِيْ لاَ ينتهي .. هَذِهِ الأنثى لَيْسَتْ كباقي الإناث.. فهي تحمل قلماً وأوراقاً تدون بِهَا الذكريات الجميلة وفرشاة ترسم فِيْهَا أجمل لوحات الحب، وتأمل أن تلتقي بفارس يحملها إِلَى جنات السعادة.. يروي ظمأها من الحب.. وبالمقابل ستكون جارية فِيْ مملكته، وتغادر حريتها وانعتاقها إِلَى الأبد لتخضع لعبودية حبه، لَقَدْ اختارت أن تقضي حياتها بحثاً عن هَذَا الفارس، فهي لَيْسَتْ امرأة عادية.. إِنَّهَا امرأة أسطورية..
لخصت الشاعرة فِيْ هَذِهِ القصيدة نظرة فلسفية بحتة للحياة التي تعيشها الأنثى التي تبحث عن ذاتها من خلال حياة ابتدأها الترابي، فاختارت أن تبني لنفسها حياة تعيشها بينها وبين ذاتها، صنعتها بأقلامها وأوراقها حَيْثُ تكون تختار حواء إسعاد (آدمها)، ووهبه عطفها وحبها، إِذَا شعرت برجولته الطاغية، عندئذٍ تتحول إِلَى جارية فِيْ مملكة حبه، ولكن رحلة البحث عن هَذَا الآدم لاَ تنتهي، فَهُوَ موجود فِيْ مكان مَا.. تغوص البحار والأنهار بحثاً عنه ليملأ روحها العلية.. ويبارك عشقاً فِيْ زمن اللا زمن…
[عندما تصبح الأشياء بلا قيمة/ فِيْ اللاوجود، لتكون فِيْهَا بسمة العمر الَّذِيْ لاَ ينتهي/ كَمَا الناي فِيْ بحته الموجعة/ كُلّ مَا فِيْ العمر يمضي، والذي ابتدأه الترابي ينتهي / وَمَا يتجاوز التلاشي لحظة صدق ويقين].
*(أَنَا وشهرياري)، شهريار تِلْكَ الشخصية الأسطورية، بطلة (ألف ليلة وليلة) والتي عرفت بقتل النساء، بعد قضاء ليلة معهن، انتقاماً لخيانة عانى مِنْهَا شهريار، فتحول من شخصية محبة إِلَى شخصية سادية تقتل وتقتل وتقتل وَلاَ ترتوي من الدماء.. لَقَدْ استطاعت هند المصري تحويل هَذِهِ الشخصية السادية، إِلَى شخصية محبة، ينبعث مِنْهَا دفء الروح، وذلك من خلال حوار شعري لطيف بَيْنَ الأنثى المشتعلة بالشوق والحب واللهفة، وبين شهريار الحبيب اللطيف المفعم بالحب والعطاء والدفء..[تعالي.. أعلمك كَيْفَ يكون العشق.. تعالي نتقاسم خمر الوجد الذي يستعر كالبركان، دعيني أكتشف تضاريس جسدك.. سأعلمك طقوس الحب…]. عشقته أنثاه قبل الوجود، وبعد الوجود.. [أعشقك مادام فيَّ نبض الشوق الحارق..
*(حرية اللا حرية)، وهو النص الأول الَّذِيْ تسلط فِيْهِ هند المصري الضوء بعين فاحصة على أحداث هَذَا الوطن من خلال المقارنة بَيْنَ الماضي المشرق (بالأمس كنَّا، نتغنى بالحب الأشعار، ندورُ كالفراشات حول الجداول والأزهار)، والحاضر البائس (أصبحت شوارعنا من الدماء أنهار، سلب وكيد وقهر ودمار، حولوا حياتنا جحيماً)، حَيْثُ سلطت الضوء على ثورة أشعل نيرانها الأعداء وكان وقودها البؤساء من هَذَا الوطن، قام المسلحون بالزحف إِلَى هَذَا الوطن مِنْ كُلِّ حدب وصوب كالجراد المهلك، الَّذِيْ لاَ يبقي وَلاَ يذر، أو كجحافل التتار الَّذِيْنَ دمروا كُلّ الممالك والبلاد التي حلوا فِيْهَا فتحولت الشوارع إِلَى أنهار من دماء، وتحولت حياتنا إِلَى جحيم لاَ يطاق [بتنا نخاف الأهل، يحتاط الجار من الجار حَتَّى كَادَ العقل يتوقف / وتغتال الأفكار / شياطين مَا هُمُ من البشر، مئات من الأسماء، لواء الشام، جهاديون، كتائب أحرار، اتخذوا الدين ستاراً والإسلام براء ًمن الأشرار حَتَّى انقلب السحر على الساحر، واستيقظ الشعب من غفوته ليهتف: [لبيك يا شام نرفع رايات الانتصار، مكللة بالياسمين، وأوراق الغار].
*حكاية شهيد: وهي حكاية شاب من هَذَا الوطن، شابٌ وككل الشباب الحر الأبي، رفض الخضوع والخنوع للذل والإهانة، وأبى أن يترك الأعداء يعيثون فساداً فِيْ أرضه [فلبى نداء الوطن/ دافع عن ترابه/ أشعل بطولات سجلت ملاحم باقية بقاء الدهر والزمان/ قتل الكثير من الأعداء/ خاض أشرس المعارك/…]. قاتل حَتَّى استشهد وعاد جثمانه ليدفن فِيْ أرضه المباركة..
نحت هند المصري فِيْ هَذِهِ القصيدة إِلَى الكتابة بأسلوب قصصي، ولنسمها (القصة الشعرية)، (مقدمة، حبكة، نهاية)، وَلاَ يغيب التشويق عن مفرداتها، كتبت قصيدتها الشاعرة بأسلوب الحكاية: (حكايتنا حكايةُ شهيد)، ولكن هَذِهِ الحكاية تحولت إِلَى مووايل، وحكاية علم مضمّخ بنشيد، وَلَمْ يضمخ هَذَا العلم بالدم، إنهم شهداء الوطن الَّذِيْنَ نسجوا رايات مجدنا بالدم؟!.. أَمَّا صفة هَذَا الشاب فَهُوَ (جميل يُشبه القمر، وربما أحلى وأغلى)، ناداه الوطن، فودع حبيبته، وأمه وهو يحمل بَيْنَ وصاياها: (دير بالك ع حالك، وانتبه ع أصحابك؛ يا ابني الوطن غالي؛ ).. دافع عن ترابه، وأشعل بطولات سُجّلت ملاحمَ باقية بقاء الدهر والزمان، وخاض أشرس المعارك، ولكنه قتل، وهنا: تتوقف الشاعرة عند تساؤل مهم جداً: (لاَ أعلم إن قتله خائنٌ، أَمْ مأجور بثمنْ؟!)، جملة مهمة لخصت أهم نقاط هَذِهِ الحرب الظالمة الجائرة على الوطن، حَيْثُ أن هَذَا الخائن أو المأجور بثمن قَدْ يكون أيضاً من هَذَا الوطن، ولكن غرر بِهِ، أغراه بريق المال، فحمل السلاح، ليقاتل أبناء جلدته، أو يكون استُقدم من أماكن أخرى، وأيضاً غرر بِهِ، ليقاتل تَحْتَ لواء الجهاد لنشر دين يختلف كلياً عن الدين المُنْزَل من الإسلامي، وفـي النهاية: (مبارك للوطن.. الرحمة لِكُلِّ شهداء الوطن… وللخالدين على امتداد الزمن…) هَذِهِ قصة من بطولات أبناء وطننا، دمتم ودام العز فيك يا وطن..
*دعوة للمغتربين: وهي دعوة للعودة إِلَى حضن هَذَا الوطن الدافئ، دفءَ الأهل والحب، والأرض، [بلا وطن، بلا هوية، أَيْنَ كرامتكم، وأين ألقابكم اللائقة، عودوا يا أبناء بلدي]، تجمعنا سماء الوطن، ونهتف بصوت واحد: [عاش الوطن..عاش الوطن]..
*زهور الوطن: هِيَ القصيدة التي حملت عنوان المجموعة الشعرية، وهو عنوان منقوش على الغلاف باللون الأحمر، وبحروف نافرة، نصٌّ يُؤرخ لهذا الوطن من ضفاف بردى إِلَى ذرا قاسيون، إِلَى حور الشام وكباده الحزين، يؤرخ للشهداء وانتصاراتهم المشرفة، ويؤرخ لبطولات وقطرات دماء سالت على تراب هَذَا الوطن من رجال ونساء وأطفال وأشلاء تبعثرت على سفوح الخراب، هَذِهِ الأرواح الطاهرة كتبت أروع ملاحم النضال فلهم ننحني ونصلي من أجلهم ومن أجل سورية..
*(شهيد يسألني): بوح لروح شهيد، تطل من السماء، لتطمئن على حال هَذَا الوطن الرائع المجيد.. من خلال تذكر مراحل الحياة الأولى فِيْ هَذَا الوطن حَتَّى تلبية نداء الواجب للدفاع عنه وحماية أراضيه، ثُمَّ الشهادة، والانتقال إِلَى الفردوس، إنهم النجوم المضيئة فِيْ سماء هَذَا الوطن..(لَنْ ننساكم، أَيُّها الشهداء، نجوماً تسطع فِيْ السماء، تنيرون دروبَنا إِلَى العلياء).
*(شوق إِلَى بغداد): بغداد.. تِلْكَ المدينة العظيمة التي شهدت حضارة إنسانية عظيمة، منذ العصر القديم، حَيْثُ حضارة البابليين والآشوريين، والأكاديين والسومريين…. ابتداءً من حمورابي، وقانونه الَّذِيْ بات شريعة للإنسانية جمعاء، إِلَى ملاحم البطولة (جلجامش) وغيرها مِمَّا أخبرتنا بِهِ الرقم المسمارية التي دونوها، إِلَى دواوين أعظم الشعراء، المتنبي، أبو فراس الحمداني، أبو تمام، البحتري، بشار بِنْ برد وغيرهم… بغداد تِلْكَ المدينة المتألقة حاضرة الخلافة العباسية: [بغداد/ يا أساطير الرشيد/ ويا جمال شهرزاد/ أعشق سحر لياليك/ وليالي السمر فيك يا عراق..].
*(قاتلون): إنَّهم (القاتلون) وهم الَّذِيْنَ أحلوا فِيْ بلادنا الخراب والدمار، إنَّهم المغرر بهم، فهم قتلة مأجورون، قتلوا الجمال، ذبحوا باسم الله، دمروا وخربوا البلاد، امتهنوا قتل الجمال، مزقوا الأحلام فِيْ هَذَا الوطن الجميل، استباحوا حرمات النساء، والأطفال، وكراريس الطفولة، وقتلوا أحلام العصافير، سلبوا حريتنا، وأمانينا وآمالنا، وأحلامنا… أحرقوا المحبة والفرحة وطعنوا الأمان فِيْ وطننا ولكننا سنبقى مرفوعي الرأس، لَنْ ننحني ولن ننكسر سورية لَنْ تركع أبداً…وسيبقى شعبنا صامداً يتحدى المحن والآلام كلها، حَتَّى النصر..
*(عودة إِلَى الحياة): حياة جميلة قضتها فِيْ حمص العدية، تعود ذكرياتها مَعَ عبق الياسمين المترافق وبخار قهوة لذيذة، وتنبؤات عرافة بالنصر الأكيد [أرى الفرج.. فِيْ فنجانك ماثلاً لعيني الاثنين… وأعلام النصر عالية]..
هِيَ قصيدة جميلة يغلب عليها الطابع القصصي [حَيْثُ عبق الياسمين، وتنبؤات العرافة بالنصر، ثُمَّ الحديث عن لعنة لاحقتها ، ثُمَّ تبدأ بسرد حكاية.. التهجير والألم الَّذِيْ رافق هَذِهِ الرحلة الممضة فِيْ حِيْنَ التهمت نيران الحقد بيتها وقريتها ولوّنت براءتها وأحرقت الحياة والأمان.. إنهم همج لَمْ يسلم منهم حَتَّى الزهور التي داسوها بأقدامهم حَتَّى ارتفع الدعاء: [اللهم أعد الأمن والأمان إِلَى وطن الأمان والسلام والخلود]…
*(كوميديا دامعة): حوار فلسفي تجريه الشاعرة مَعَ ذاتها، لتستطيع تقبل مَا يحدث فِيْ وطنها من ويلات وألم وأزيز الرصاص وأصوات الرصاص الآثم وفـي النهاية لَنْ تتوقف الحياة..[لَنْ أبوح بأوجاعٍ… أتسلل لمحترقة تهرب من الوجع للوجع ومن الموت للموت.. أعيش أحلامي مَعَ ثرثراتي .. ثرثرات بلون الجرح والدم وبلون الكلام المصبوغ بالأرجوان].. فالألم الَّذِيْ يعانيه وطننا والمنعكس على ذاتنا وروحنا لاَ يتقبله عقل وتستهجنه الروح وترفضه الحياة….
*رسالة وطن: إِنَّهَا رسالة حب يرسلها مغترب أضناه الشوق للربوع الخضراء لهذا الوطن، اشتاق للياسمين، والنرجس، وشقائق النعمان، وكل زهور هَذَا الوطن، اشتاق حَتَّى إِلَى سنابل القمح، وأشجار السنديان.. إِنَّهَا سورية مهد الحضارات، ومهبط الأديان… ويتمنى أن تعود البسمة لثغرها والفرح لِكُلِّ شبر من أراضيها…
فِيْ هَذَا النص (رسالة وطن) تكتمل عناصر القصة القصيرة جداً، من حَيْثُ البداية، والحبكة، دون إغفال عنصر التشويق، والوصف الدقيق للمكان، والزمان، والنهاية.. إِنَّهَا رسالة يبثها المحب لمعشوقته آلهة الجمال.. الهيفاء، كغصن البان، والمتربعة على عروش الجمال، القوية، الأصيلة، المعطاءة، إِنَّهَا.. أمي سورية…
عمدت الشاعرة فِيْ ديوانها، إِلَى استخدام ألفاظ سهلة بسيطة، وَحَتَّى التشبيهات والاستعارات والكنايات، كَانَتْ مرتبطة بشكل كلي بأمور معاشة، ليسهل على القارئ العادي فهمها، ورسم الصورة فِيْ مخيلته، فِيْ هَذَا الديوان العديد من القصائد الجميلة، اللطيفة السهلة البسيطة، ويبرز تأثرها بشكل واضح بالشعراء الغربيين، حَيْثُ اعتمدت فِيْ معظم قصائد الحب على أسلوب الحوار، والبوح المشترك بَيْنَ المحبوبين، والدخول إِلَى أعماق الرجل واستكناه مكنوناته، وكتابتها بشكل بوح شعري مرهف، وكان للمرأة والحب النصيب الأكبر من الديوان.. فهي كَمَا تقول:
(أَنَا امرأةٌ أسطورية.. لَمْ تمر يوماً بخيال،
لَمْ يتذوقها يوماً إنسٌ وَلاَ جان..
عذراء السماء بعيون تملأ الكون نوراً وضياءْ..!!.. )

#سفيربرس _ ماجدة البدر

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *