إعلان
إعلان

الحلقة الأضعف. بقلم : دلال ابراهيم

#سفيربرس

إعلان

مراراً وتكراراً كانوا يرددوها أمامي ( ما شاء الله عليك, ما بينقصك غير الحجاب ) أقابلها بابتسامة, فأنا ابتعد عن الخوض في نقاش يمس معتقدات وقناعة الفرد طالما لا تؤذيني ممارسته لما هو مقتنع فيه وراسخ في اعتقاده, وله كل الإجلال عندي. أعيش في مدينة أشبه بمرجل ضخم بوسعه إذابة وصهر كل المكونات التي تلقى في أتونه وتتلاشى أي خصائص لها, وإن كنا قد مررنا بأحداث أدمتنا وأوجعتنا إلا أنني اعتبرها طارئة على مجتمعنا. تابعت التداعيات التي أثارتها مقتل طالبة جامعة المنصورة في مصر ذبحاً في الشارع على مرأى ومسمع المارة. ( كانت بدافع الانتقام لكرامة الجاني لأنها رفضته بعد علاقة حب بينهما ) أي أن الواقعة المؤلمة شهدناها ونشهدها باستمرار, سواء في بلدنا أو بلدان أخرى, فهي ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة وإنما التعاطي مع التعليقات ومع آراء حراس الدين الذين أعملوا معاولهم من على صفحات التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية حفراً وتنبيشاً عن كل مفردة تدعو إلى العنف ضد المرأة واستباحة دمها وكرامتها. لأنهم عزوا الأسباب إلى عدم ارتدائها الحجاب. واستغلوا الحادثة جاهدين إلى تطبيع الخطاب التحريضي ضدها إلى حد الدعوة مضمراً للايذاء الجسدي والقتل وبالتحديد ضد المرأة غير المحجبة, دون الالتفاف إلى أي دم مهدور وجريمة قتل موصوفة . قسموا النساء إلى قسمين ( المحجبة المؤمّنة ) و ( غير المحجبة المستباحة ) ” لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك زي القفة ” ” غير المحجبة استغنت ب ارادتها عن وسيلة حمايتها ” تلك هي الخناجر التي قتلت المرأة وبررت للجاني فعلته . هذا الخطاب الخطير يؤكد لنا كيف سوف نكون نحن الضحية االقادمة. أنماط من الناس تخرج علينا يومياً حتى تخبرنا ماذا يجب ان نقول أو نفعل أو نتحدث أو نلبس. لا نعادي أي ديانة أو معتقد, بل نعادي كل الانتماءات الضيقة التي تفرض على الآخرين نمطاً معيناً وفق رؤيتهم بغض النظر عن انسانيتهم وحريتهم.
يقول اوسكار وايلد ( ليست الأنانية أن يعيش الشخص كما يريد بل أن يعيش الآخرون كما يريد هو ) في مجتمعاتنا التي ترزح تحت نير نفاق باطن وظاهر بين المتع المخفية والواجب المعلن بين الحياة واللاحياة, ربما يجد المؤمن سعادته في ممارسة العبادات والطقوس الدينية بتلذذ العبد كما يشتهي, وكل ذلك جائز وحقه وجدير بالاحترام إلا عندما يفرض على غيره أن يعيش لذته الخاصة كشيء مقدس مفروض لأجل أنانيته. وقد شهدت وعشت النفاق في المظهر المعلن عنه مع زميلات وصديقات يرتدين الحجاب في العمل أو في الجامعة وعند الخروج إلى كافيات أو أماكن البر يخلعنه في السر, وفي الصباح يتبارين في وضع حالات على الواتس بآيات الوعظ والإرشاد, وكل ذلك لا يندرج تحت التصالح مع الذات أو مع المجتمع.
لكل فرد حريته في طريقة عيشه وتفكيره, وربما يراني صاحب الفضيلة السافرة الكافرة التي ستذهب إلى النار فور خروجنا من هذه الدنيا الفانية, وهذا ليس بالغريب ولا يدعو إلى العجب العجاب, فقد أعتدنا أينما كان في شرقنا البائس على الكثير من التعديات والترهيبات, وإن كنت لا استثني حتى بيئتي التي يسمونها ( أقليات ) فعدم سيطرة الدين لا تنفي سيطرة العادات والتقاليد الخانقة. أرادوها أنثى خانعة خاضعة مطيعة لأولي الأمر, إن كان بموجب عاداتنا أو لدى حراس ديننا, حتى تحولت إلى ما يشبه عصفور القفص, تتخيل أنه بمجرد خروجها منه ستكون فريسة سهلة للآخرين ومطرودة من نعيم الآخرة, وبالتالي استطاعوا تحويلها إلى سجينة وسجانة في الوقت نفسه.
يا عزيزتي : بحجاب أو بدون حجاب ستشعرين في الشارع والجامعة ومكان العمل أنك بضاعة مهربة يجب اخفاؤها عن العيون. ستمشين على أطراف أصابعك وستكتمين أنفاسك وستخفين ابتسامتك, ومع ذلك حين ينقض عليك الوحش المدلل سيلومونك أنت ! فأنت الحلقة الأضعف.

#سفيربرس _ بقلم : دلال ابراهيم

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *