إعلان
إعلان

التنشئة الاجتماعية مفهومها وسماتها : بقلم : د. رولا الصيداوي

#سفيربرس

إعلان

امفهوم التنشئة الاجتماعية:
حَظِيَ مفهوم التنشئة الاجتماعية باهتمام كبير في مختلف مجالات المعرفة ( علم الاجتماع، الانثربولوجيا، علم النفس) وفي المعاجم والقواميس، فضلاً عن الأبحاث والدراسات الاجتماعية والنفسية والتربوية، وعليه يمكن القول إنه لا يمكن استيعاب مفاهيم التنشئة الاجتماعية في مبحث أو في مقال ، وما سنذكره هنا لا يعني سوى قليل من كثير وغيض من فيض.

ويلاحظ أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لهذه العملية لأنها إحدى عمليات العلوم الاجتماعية التي تتسم بالنسبية والتغير عبر الزمان والمكان، فهي أصلا عملية تتعلق بالإنسان في سياقه الاجتماعي، وفيما يلي نماذج لبعض مفاهيم التنشئة الاجتماعية.

يرى بعض علماء النفس , أن التنشئة الاجتماعية تعني عملية إكساب الفرد الخصائص الأساسية للمجتمع الذي يعيش فيه ممثله في القيم والاتجاهات والأعراف السائدة في مجتمعه ومعايير السلوك الاجتماعي المرغوب في هذا المجتمع، وهي عملية مستمرة عبر زمن متصل تبدأ من اللحظات الأولى من حياة الفرد إلى وفاته.
ويرى عالم الاجتماع ( بارسونز ) أن التنشئة الاجتماعية: عملية تعلم تعتمد على التقليد والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية عند الطفل والراشد، وهي عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في النسق الشخصية، وهي عملية مستمرة تبدأ من الميلاد داخل الأسرة وتستمر في المدرسة وتتأثر بجماعات الرفاق .

ويعرف أميل دور كايم التنشئة الاجتماعية بأنها عملية استبدال الجانب البيولوجي بأبعاد اجتماعية وثقافية لتصبح هي الموجهات الأساسية لسلوك الفرد في المجتمع.

كما يعرف قاموس علم الاجتماع التنشئة الاجتماعية بأنها (العملية التي يتعلم الطفل عن طريقها كيف يتكيف مع الجماعة عند اكتسابه السلوك الاجتماعي الذي توافق عليه هذه الجماعة).
أما معجم علم النفس والطب النفسي، فإنه يعرف التنشئة الاجتماعية بأنها العملية التي يكتسب الفرد من خلالها المعرفة والمهارات الاجتماعية التي تمكنه من أن يتكامل مع المجتمع ويسلك سلوكا تكيفيًا فيه، وهي أيضا عملية اكتساب الفرد للأدوار والسلوك والاتجاهات التي يتوقع منه في المجتمع.
وأنها عملية تشكيل السلوك الإنساني للفرد وأنها عملية تحويل الكائن البيولوجي إلى كائن اجتماعي، وهي العملية التي تتعلق بتعليم أفراد المجتمع من الجيل الجديد كيف يسلكون في المواقف الاجتماعية المختلفة على أساس ما يتوقعه منهم المجتمع الذي ينشئون فيه، كما أنها عملية إكساب الفرد ثقافة المجتمع. وهي أيضًا العمليات الاجتماعية التي يستطيع بها الوليد البشري المزود بإمكانات سلوكية فطرية أن يتطور وينمو نسبيًا واجتماعيًا بحيث يصبح في النهاية شخصية اجتماعية تعمل وفقا لأحكام جماعتها ومعاييرها وثقافتها وتعرف عند البعض أنهاعملية تعلم وتعليم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الفرد سلوكًا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية.

يرى ( كلوزين Clausen ) أن التنشئة الاجتماعية هي العملية التي عن طريقها يوجه الطفل كي يسير على نهج حياة أسرته والجماعات الاجتماعية الأخرى التي يجب أن ينتمي إليها ويسلك في غمارها بصورة ملائمة، وذلك كي يصبح في النهاية مؤهلًا وجديرًا بدور الراشد الناضج.
وهي أيضا عملية تفاعل اجتماعي تتم بين الطفل والقائمين على رعايته من خلال مجموعة من الأساليب يتشربها الطفل ويتأثر بها وتهدف تلك العملية إلى تربية هذا الطفل ومساعدته على أن ينمو نموًا طبيعيًا في حدود أقصى ما تؤهله له قدراته في الناحية العقلية والجسمية والعاطفية والاجتماعية والروحية .
و التفاعل المركب التي من خلالها يتعلم الفرد العادات والمهارات والمعتقدات ومستويات الحكم الضرورية لمشاركته الفعالة في الجماعات والمجتمعات المحلية.
كما أنها عملية دينامية تتضمن التفاعل والتغير حيث يكون الفرد في تفاعله مع الأفراد، دائم التأثير بالمعايير والأدوار الاجتماعية والاتجاهات النفسية والشخصية الناتجة في النهاية هي نتيجة لهذا التفاعل.

أما معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية فيعرفها على أنها “العملية التي يتم بها انتقال الثقافة من جيل إلى جيل، والطريقة التي يتم من خلالها تشكيل الأفراد منذ طفولتهم حتى يمكنهم المعيشة في مجتمع ذي ثقافة معينة، ويدخل في ذلك ما يلقنه الآباء والمدرسة والمجتمع للأفراد من لغة ودين وتقاليد وقيم ومعلومات ومهارات ….
يتضح من العرض السابق أن عملية التنشئة الاجتماعية عملية معقدة متشعبة، تتضمن من جهة كائنًا بيولوجيًا له تكوينه الخاص واستعداداته المختلفة، ومن جهة أخرى شبكة من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي تحدث داخل إطار معين من المعايير والقيم، ومن جهة ثالثة تفاعلاً ديناميكيًا مستمرًا بين التنشئة والفرد يؤدي إلى نمو ذات الفرد تدريجيًا.
كما يتضح من العرض أيضًا أن معظم التفسيرات التي تناولت التنشئة الاجتماعية تنصب في ناحية كونها التفاعل الاجتماعي التي يكتسب الأفراد من خلالها شخصيتهم ويتعلمون في نطاقها طريقة الحياة في مجتمعهم.

سمات التنشئة الاجتماعية:

1- التنشئة الاجتماعية عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد عن طريق التفاعل الاجتماعي أدواره الاجتماعية والمعايير الاجتماعية التي تحدد هذه الأدوار، ويكتسب الاتجاهات والأنماط السلوكية التي ترتضيها الجماعة ويوافق عليها المجتمع.
2- يتحول الفرد عبرها من طفل يعتمد على غيره متمركز حول ذاته إلى فرد ناجح يقدر معنى المسئولية الاجتماعية.
3- هي عملية مستمرة تبدأ بالحياة ولا تنتهي إلا بانتهائها.
4- تختلف من مجتمع إلى آخر بالدرجة ولكنها لا تختلف بالنوع.
5- هي عملية لا يقتصر القيام بها على الأسرة فقط، لكن لها وكلاء كثيرين مثل الأسرة والمدرسة والجامعة والأصدقاء والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام المختلفة.
6- التنشئة الاجتماعية ليست ذات قالب أو نمط واحد جامد وإنما يختلف نمطها من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، ويرجع ذلك إلى أنها عملية تتأثر بالكثير من العوامل المجتمعة كثقافة المجتمع ونوعيته ( ريف / حضر، بدو/ حضر .. إلخ) والعوامل الأسرية، كالوضع الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي للأسرة، وعدد الأبناء في الأسرة، وحجمها، وترتيب الطفل فيها، واتجاهات الوالدين نحو تنشئة أبنائها، وغير ذلك من العوامل الأخرى.
7- التنشئة الاجتماعية لا تعني صَبَّ أفراد المجتمع في بوتقة واحدة بل تعني اكتساب كل فرد شخصية اجتماعية متميزة قادرة على التحرك والنمو الاجتماعي في إطار ثقافي معين.
8- ممتدة عبر التاريخ.
9- التنشئة الاجتماعيةإنسانية تهتم بالإنسان دون الحيوان.
10- هي عملية تلقائية، أي ليست من صنع فرد أو مجموعة من الأفراد بل هي من صنع المجتمع.
11- هي عملية عامة منتشرة في جميع المجتمعات البدائية منها والمتقدمة .
12- هي عملية نفسية واجتماعية في آن واحدٍ، لا تقتصر على الجانب الاجتماعي فقط، وإنما هي عملية لها جوانب نفسية.
ثالثا: أهداف التنشئةالاجتماعية:
تعتبر التنشئة الاجتماعية بشكل عام من أهم المقدرات التي تعبر عن هوية المجتمعات ومستقبلها وحركتها وفاعليتها، بل هي الموجه الأكثر تعبيرًا عن آفاقها، فعملية التنشئة
الاجتماعية ليست ملء فراغ، بل تعد أهم العمليات المسؤولةعن الاستفادة من إمكانيات المجتمع وتلبية احتياجاته.

أهداف عملية التنشئة الاجتماعية:
1- أن الهدف من عملية التنشئة الاجتماعية هو بناء شخصية الإنسان متمتع بكفاءات عديدة وميزات و بمعنى إعداد فرد لديه القدرة على التفاعل الاجتماعي الحقيقي مع كل من البيئة الطبيعية والاجتماعية .
2- تستهدف التنشئة الاجتماعية إلى إدماج القيم الاجتماعية والخلقية في شخصية الفرد، وتكوين ضوابط مانعة لممارسة السلوك اللامقبول اجتماعياً.
3- تسعى عملية التنشئة الاجتماعية إلى خَلٌقِ ما يسمى بالشخصية المنوالية للمجتمع .
4- تهدف التنشئة الاجتماعية إلى إكساب الفرد أنماط السلوك السائدة في مجتمعه، بحيث يمثل القيم والمعايير التي يتبناها المجتمع، وتصبح قيمًا ومعاييرًا خاصة به، ويسلك بأساليب تتسق معها بما يحقق له المزيد من التوافق النفسي والتكيف الاجتماعي.
5- إكساب المرء نسقًا من المعايير الأخلاقية التي تنظم العلاقات بين الفرد وأعضاء الجماعة.
6- تلقين الأطفال نظم المجتمع الذي يعيشون فيه، منتقلين من التدريب على العادات الخاصة بهذا المجتمع إلى الامتثال لثقافة هذا المجتمع.
7- تعليم الأطفال الأدوار الاجتماعية.
8- تهدف عملية التنشئة الاجتماعية إلى تغيير الحاجات الفطرية إلى حاجات اجتماعية وتغيير السلوك الفطري ليصبح الفرد إنسانًا اجتماعيًا يتعلم أخلاقيات المجتمع الذي يعيش فيه ويتقبل المكانة الاجتماعية التي يحددها له المجتمع .
9- تهدف ايضاً إلى تحويل الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي قادر على التفاعل من خلال احتكاكه بالآخرين.
10- في المجتمعات التقليدية يكون أحد أهداف التنشئة الاجتماعية ( تأديب) الأطفال، كضمان لازم لبقاء البناء الاجتماعي بنزعته التي تميل إلى الخط الأبوي وعلاقات الاحترام وخصوصًا طاعة الأبناء للوالدين التي تندرج فيها معايير السلوك الواجب اتباعه والرغبة الشديدة من جانب الكبار في خلق اتجاه طبع يتسم بدماثة الخلق في أطفالهم ومن ثم يجعلونهم يكتسبون الشعور بالطاعة والاحترام تجاههم .
11- تحقيق عملية الضبط الاجتماعي بالنسبة للمجتمع بشكل عام والامتثال لقواعده وقيمه بشكل خاص، وهذا لا يتم إلا من خلال تبني الفرد لقيم الجماعة وثقافتها
، والتي تتمثل في نقل ثقافة المجتمع إلى الأفراد.
12- إيجاد وإعداد مواطن صالح يستطيع مواجهة الحياة ومشاكلها، حتى يكون نافعًا في المجتمع ويعمل على تطويره وازدهاره.
ويمكن القول إذا بأن التنشئة الاجتماعية متشعبة الأهداف والمرامي تستهدف مهام كثيرة وتحاول بمختلف الوسائل تحقيق ما تصبو إليه، ويرجع ذلك إلى أهمية تلك العملية ودورها الكبير في خلق مجتمع خال من الانحرافات الخُلُقِيَّة.
الأبناء نعمة الله تعالى ومهمتنا تجاههم اختيار أسلوب التربية الصحيحة
أسلوب حياة .

# سفيربرس _ بقلم  : الدكتورة رولا الصيداوي
أختصاصية علم نفس
أستاذة جامعية.

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *