إعلان
إعلان

تباً لهم.. لقد استبدلونا…! بقلم دلال ابراهيم

#سفير برس

إعلان

أظن أن أغلب ما نمارسه في حياتنا ندرك بطريقة ما أنه ليس صحيحا تماما, وليس عن قناعة.. ولكن نظل متمسكين به, لاعتقادنا أنه يحمينا  من مواجهة حقيقة نتخيل أنها قد تؤدي بنا إلى مشاكل ومتاعب ومواجهات مع المجتمع..هو الخوف من انعكاس ذواتنا في مرآة الآخرين. وبالتالي فقد وصلنا إلى مرحلة  تدجين عقولنا وإرغامها على استيطان حقائق مزيفة, وبين الفينة والأخرى, لا مانع أن نتباكى ونزعم أن هناك من يتلاعب بالوعي.. وللأسف, نحن من سمح بذلك التلاعب بعقولنا وبكل الحقائق التي لا نستسيغها, أو لا تروق ملامحها لنا.نعم هو سعينا نحو تحقيق المثالية, أو بالأحرى فن التظاهر والادعاء, واخفاء حقيقتنا.

أظن أنني الآن وصلت إلى قناعة تجردني من كل تظاهر وادعاء, لا يوجد ما يستحق أن أساوم من أجله. إن المثاالية بالنسبة لي أن اعتنق اخطائي, وأن اتقبلها دون خجل, واحرص على أن يدركها كل من حولي فأنا خطاءة لسبب وبدونه… فهذه المثالية تسعدني عندما توفر لي السبيل للتصالح مع ذاتي.

عندما سوقوا لنا تلك المثالية, ورسموا ملامح الطريق إليها, هنا بمحض إرادتنا وضعنا القيود في معصمنا, وتحولت حياتنا إلى ما يشبه السجن. بدأنا نسابق الحياة التي قيدنا إليها, ضمن قالب بشري فصلوه حسب مقاييس محددة. وتنازلات إثر تنازلات بدأنا نقدمها لنحظى بشيء نرغبه وبشدة, فإن صار بين أيدينا زعمنا إنه لايستحق مابذلناه لأجله, وبأنانية محضة نعود لمثاليتنا المزعومة. ينتزعون منا أشياؤنا الغالية ونلتزم الصمت لأنه في قانون المثالية الحضارية يجب ألا تخطأ , وبدافع خوفنا من الخطأ صرنا نلوذ بالصمت ونتنازل عن حقوقنا. ونستبدله ” بالسلوك الحضاري “.

وهاكم مثالاً: لا يمكننا أن ننتزع من يد طفلنا شيء راغب به  دون أن يثير الضجيج بما يكفي لإقلاق راحتنا وكسر هدوء المكان وزعزعة سكينة من حولنا. هنا سنضطر أن نتخلى عن قناع المثالية أمام الآخرين لردعه عن الاستمرار في ضجيجه, أو سنلجأ إلى مقايضته بشيء لنحصل منه على ما نريد, حتى وإن كانت مقايضة غير عادلة, فالعدالة ليست غايتنا, بل العدالة أصبحت في نظرنا هو شعور الرضى والاطمئنان باستمرار أداؤنا  لدور المثالية.

وفق هذا المنطق يؤخذ منا كل شيء, يستبدلونه بأشياء أخرى تافهة لا قيمة لها, وبذات المنطق تم إفراغنا من معاني يفترض إنها متأصلة فينا, وإستبدالها بعلب هدايا أنيقة, وكراتين فارغة لنقوم بتزيينها, ونصنع منها أشكال مبتكرة جميلة وجذابة أو مكررة.  ثم,  وكأصحاب  المحلات التجارية في الاماكن الراقية نقوم بعرضها في فاترينات ذواتنا بعناية وترتيب جميل ومتناسق. نتوخى فيه أن ينبهر بها كل من يراها لندهشه بمثاليتنا وخواءنا.

ليست الغاية بيعها لزبائن محتملين, بل هو مجرد محاولة تسويق أنفسنا, لكي نظهر للعالم براعتنا في الحفاظ على كل مايلقنوننا إياه,  لنبهر اولئك بمدى دقتنا وبراعتنا ليس فقط بتقليدهم, بل بمدى ذكاؤنا في الحفاظ على قالبنا البشري الذي أدخلونا فيه عنوة. حتى تلميحاتهم الخجولة نستطيع إخراجها بجرأة كيقينيات ثابتة فينا. لندهش القريب المتأثر  بديكور ذواتنا المذهل. حتى في حركاتنا سنكون حذرين, كي لا  يخوننا توازننا وتهتز فاترينات العرض الزجاجية, إذ من الممكن أن يميل كرتون أو ينقلب آخر, من يعلم حينها قد يلاحظ أحد العابرين ذلك فيقوم بإستثناء صاحب العرض من قائمة المثالية. سيُحدث ذلك ثلمة في ذات باتت تعلم أن هناك شخص على الأقل لم تنطلِ عليه مثاليته المزعومة.

قضايا ومواضيع يتم طرحها أمامنا, نستغلها فقط لتلميع أنفسنا, لا يهم, حتى ولو كان بملع الأحذية. حتى بردود أفعالنا نحرص على أن تتشكل وفق الديكور الذي قالوا لنا عنه أنه أكثر حضارية. لم يذكر أحد أبداً الانسانية. نخنق الأفكار, لربما اساءت لمثاليتنا!!! حقاً لقد انسلخنا عن انسانيتنا, وربما عن بشريتنا, وبالتالي نكون قد فرطنا بآخر عرى الحياة, لنتحول إلى نصف آلة, لا علاقة لها بالمعنى الحقيقي للحياة, وحتى الأحلام ستغدو غير ممكنة.

#سفير برس- دلال ابراهيم

 

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *