إعلان
إعلان

فلم “الطريق” بساطة التعبير وعُمق المعنى

#سفيربرس _ سنا هايل الصباغ .

إعلان

ماذا تستطيع أن تفعل ب1500 ليرة سورية اليوم، لتُسعد نفسك؟؟

ربما سيجيب معظمكم أنها لا تكفي ثمن بسكويتة أو كيس شبس للأطفال من النوع الرخيص حتى..
ربما لا تكفي ثمن ربطة خبز حر أو سياحي🤦🏻‍♀️
لكني سأخبركم أن 1500ل.س كافية لإسعادكم وتسليتكم مدة ساعتين من الفائدة والمتعة والترفيه والتسلية معاً….
نعم لا تتفاجؤوا ، فتلك هي تسعيرة تذكرة دخول سينما #الكندي في دمشق،
فما بالكم لو كان الفلم المعروض هو للمخرج الكبير #عبداللطيف_عبدالحميد
و من بطولة الفنان والإعلامي القدير “موفق الأحمد” مع مجموعة من الفنانين السوريين المبدعين؟!!
حين ذهبت لحضور الفلم، كنتُ قد دعوت أربعة من أصدقائي لمشاركتي متعة المتابعة، وطلبتُ منهم التواجد باكراً في صالة العرض كي يتسنى لنا أن نحجز مقاعداً في أماكنَ مناسبة قبل أن يُغلق الحجز …..
حين وصلت قبل الموعد بنصف ساعة لوهلةٍ ظننت نفسي مخطئة بالعنوان، أو بالتوقيت،
فلم يكن غيري في السينما،
سألت الصبية المتواجدة هناك، وأكدت لي أن العرض سيبدأ الرابعة تماماً ، قلت ربما أنا أتيت باكرة جدآ..!!
بدأ وصول أصدقائي، ولم يحضر غيرهم، بالكاد بضعة أشخاص _غيرنا_ لم يتجاوزوا عدد أصابع الكفّين !!
شعرت بالحرج قليلاً أمام أصدقائي، من تلك الصالة شبه الفارغة إلا من بضعة عشاق للسينما ، أو أصدقاءٍ للبطل، أو من متابعي المخرج، حتى ظننت أن الفلم لايستحق عناء حضورنا، وأني تورطت بدعوتهم و ورطت نفسي بهذا الموقف المحرج كرمى لملء مادة صحفية تتحدث عن العرض، وكنت لحظتها قد عزفتُ عن الكتابة…..
دقت الساعة الرابعة، اتخذنا أماكننا دون أن ننبس بكلمة، وجوهنا مكفهرة بعض الشيء، التقطتُ صورة سيلفي لي وللأصدقاء في محاولة لكسر الصمت قليلاً…
ثم… ابتدأ #الطريق …..
“طريقٌ مادي” يأخذك بين تلافيف ضيعة سوريةً تحسبُ أنها غير موجودة سوى في خيال المخرج وخلف عدسة كاميرته لشدة سحرها وجمالها الخلاب، وهذا الخَضار المتحدّر من عيون الجبال، ليعانق الوديان بمشهد أشبه بجنة الله على الأرض بدون مبالغة،
ثم مايلبث الجد (بطل القصة) أن يبتدئ حواراته العميقة والبسيطة بآن معاً، مع حفيده “صالح” ليتكشف لنا “طريقٌ معنوي” قَصده الكاتب وأبدع المخرج في إيصاله لنا بجُملٍ بسيطةٍ ريفية من قلب الحياة والواقع الذي نعيشه، ولكنها تحمل عمقاً وأبعاداً و دلالات ذات معانٍ عدّة ، فطالب الصف السابع الذي طردته مَدرسته لأنه حسب رأي المعلمين بالإجماع غير نافعٍ بالتعليم ولا جدوى من تدريسه، أحضر رسالة المدرسة إلى جده دون أن يدري محتواها،
لكن الجد بلحظة واحدة وحاسمة قرر تغيير مضمون الرسالة وقلب المعادلة لصالح حفيده “صالح” ، فأوهمه أنه يقرأ كتاب شكر من المدرسة لهذا الطالب العبقري، وأن جميع المعلمين عاجزون عن تعليمه لشدة ذكائه، لذا فهو يحتاج أساتذة خصوصيين و مدرسة خاصة تليق به…..!!
وهنا يبتدئ الطريق الذي رسمه الجد بلحظة حب حقيقي خالص وتضحية، ويأخذ على عاتقه تعليم حفيده بنفسه، لأنه آمن في تلك اللحظة أن في داخله بذرة ذكاء كان عليه أن يقرر استثمارها بشكل إيجابي، وإلا ضاع مستقبل الولد،
وهذا ماكان فعلاً ، فقد أخذنا “موفق الأحمد” معه في طريق رحلته بتعليم حفيده بدءاً من الكرسي الخشبي الصغير الذي وضعه على جانب الطريق، و “الكرّاس” الذي بدأ يدوّن فيه كل مايمر أمامه من أحداث وأشخاص وعبارات ومواقف ساخرة كانت أم مؤلمة، أم مُضحكة، أم غيرها…
مروراً بالغرفة الصغيرة التي بناها له في حديقة المنزل لتكون مدرسته الخاصة، ولم ينسَ المخرجُ تفصيلة “رفعِ علم بلاده” فوقها لتأخذ طابع المدرسة الحقيقية والتي ستكون له بمثابة الوطن، الذي سيعود ليخدمه بشهادته وعِلمه لاحقاً..
وليس انتهاءً بعودته من البعثة التعليمة حاملاً شهادة الطب، ليقرر إنشاء مركزٍ صحي في “ضيعته”
حيث يقيم له الجد حفل إستقبالٍ، ويدعو إليه كل أهل البلدة احتفالاً بتخرج حفيده “الدكتور صالح” وليقرأ عليهم الرسالة الحقيقية التي كانت المدرسة قد أرسلتها للطفل الكسول الميؤوس منه صالح !!
ويختم الجد رحلته مع حفيده بإهدائه روايةً كان الأخير قد كتبها دون أن يدري على كرّاسه الصغير منذ طفولته، ليقوم الجد بتنقيحها وطباعتها وعَنونتها ب #الطريق .

لم يكد ينته الفلم وتظهر شارة النهاية حتى استيقظنا فجأة ونظرنا إلى وجوه بعضنا، وكأننا لم نلتقٍ منذ بداية الطريق، وكأننا خارجون للتو من تلك الضيعة الساحرة بجمالها الريفي الذي أسرنا بالفعل داخل الشاشة مدة ساعتين، حتى شعرنا أننا من أهل تلك القرية وعشنا مع أهلها كل تفاصيل الطريق،
فضحِكنا بصوتٍ عالٍ كلما مرت مجموعة رجال الضيعة إلى معاركها اليومية وعادت خائبةً صفرَ اليدين، مع القليل من الخسائر المادية والكثير من المرح،
وصفقنا بحرارة كلّما مرّ شاعر القرية المثقف ورمى بيتين من الشعر على صالح الذي يسأل بدوره عن اسم الشاعر ليقوم الجد بسرد سيرة حياته،
كما شعرنا بكمية الحنان التي كانت تبثها أم صالح “بالرضاعة” كلما مرت على الطريق وبشكل يومي دون كلل أو ملل لتمنح صالح قنينة الحليب، والتي لم تنسَ إحضارها حتى إلى حفل تخرجه، لأنه يبقى بنظرها ابنها الصغير الذي لم تلده…
أيضاً بكينا مع الرجال في الجنازة التي مرت من ذاك الطريق،
وفرحنا بقصة الحب البريئة التي برعمت في حقول الفطر، بين الطفل صالح و زميلته في المدرسة والتي ابتدأت برغيف خبز ساخن، فضحكنا معهم تارةً و حَزنّا معهم تارةً، ككل قصص الحب التي تواجه تحديات وانتكاسات، لتُتوج في النهاية بلحظة لقاء العاشَقين بُعيد عودته من البعثة والتي كُنا جميعاً شهوداً عليها، شهوداً على تتويج لحظاتِ حبٍ عفوية طاهرة، وشهوداً على نهاية خطوات حثيثة في ذاك الطريق، راسمةً بدايةً جديدةً له في حياته العملية وفي طريقٍ جديد .
بعد كل هذه الجرعة من المتعة وشغف المتابعة كان لابد أن أقطف النشوة التي لمحتها في وجوه الحضور قبل مغادرتهم الصالة، لأضمها إلى ملاحظاتي التي كنت قد دونتها طوال العرض، وأعود عن عزوفي عن تغطية هكذا عمل فني يستحق الكتابة والإشادة به، ويستحق الجوائز التي حصل عليها،

وهذا ما أكدّته الكاتبة “بسوم سلوم” التي رأت أن قصة الفلم كسيناريو وحوار بين الشخصيات بقدر ماهو بسيط بقدر ماهو جميل ويدخل القلب والعقل معاً، فالصدق وكمية المشاعر العفوية الموجودة عند الجَد أجبرتنا أن نقف مع ذواتنا ونعيد حساباتنا بالتعامل مع أبنائنا وأحفادنا،
أما الإبداع الحقيقي فهو حسب رأي “سلوم” بالإخراج المذهل الذي يجعلك تعيش اللحظة، بطريقة انتقال الكاميرا واللقطات العبقرية التي استغلت جمالية المكان، لذلك فهو فلم يستحق الجوائز بجدارة.

بينما عبّر الأديب “عبدالله النفاخ” عن دهشته بالفلم موضحاً: (كنت أعرف الأستاذ عبد اللطيف عبد الحميد مخرجاً فذاً، بعيداً عن التجارية في أفلامه المواراة بالرموز والدلالات، كما أعرف الأستاذ موفق الأحمد فناناً قديراً حاذقاً، لكنني وبعد حضوري (الطريق) اليوم خرجت مبهوراً، فالفيلم لم يكن عادياً، كان رسالة، رسالة إنسانية تربوية فكرية في قالب مشبع فنياً،
وكان الأستاذ موفق فناناً يرقى إلى مرتبة العالمية، يمثل أرقى درجات الشعور الإنساني والحكمة وتقدير الأمور.

أما معلمة اللغة الفرنسية “دارين اسماعيل”
فقد أكدّت أيضاً بأن ماشاهدته بقدر ماهو بسيط بقدر ماهو عميق، حيث يجعلنا نبتسم وندمع بنفس الوقت، بالإضافة للعبارات الجريئة و “الأفشات” المميزة التي هي من عادة عبدالحميد تمريرها ضمن أعماله حسب رأي اسماعيل التي أكدت أنها من معجبي فنه وإبداعه
وأضافت: الفلم لايستحق جائزة واحدة بل عدة جوائز، ويستحق اهتماماً أكثر من حيث الإعلام والحضور.

وهنا لا يبقى لنا في نهاية الطريق سوى أن نكرر السؤال ذاته الذي يعيدنا مجدداً إلى بداية الطريق:
إلى متى ستبقى مسارحنا ومراكزنا الثقافية ودور السينما خاويةً على عروشها، بعيدةً عن متناول أحلامنا؟!!

/بطاقة الفلم: الطريق/
بطولة الفنان الإعلامي #موفق_الأحمد
وكل من الفنانين: #تماضر_غانم #مأمون_الخطيب #أحمد_كنعان #رباب_مرهج #راما_الزين #غيث_ضاهر #رند_عباس #ماجد_عيسى
تأليف عادل محمود، عبداللطيف عبدالحميد
إخراج: الأستاذ عبد الطيف عبدالحميد

#سفيربرس  _ سنا_هايل_الصباغ

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *