إعلان
إعلان

كتبت المهندسة المعمارية : عبير سنيور.. ما بين عراء هياكلنا السكنية و أرواحنا المهمشة .. زلزال مدمر

#سفيربرس

إعلان

لا يمكننا أن نلوم القدر أو أي شيء آخر … ففي بلادي علمتنا الهندسة المعمارية أن المعماري يصنع المبنى و مع مرور الوقت فإن هذا المبنى يصنع ساكنيه …
فهل نستطيع الانطلاق من تلك الفرضية لمد الغطاء على أنقاض حياتنا التي لا يمكن قياسها بتاريخ أو حدث أو حتى بمقياس ريختر فهي متجذرة في الروح السورية منذ زمن ..
ثبتت الأحداث الحالية أن أهم عنصر في الحياة هو الإنسان ، كما أثبتت الأحداث التي عشناها أن الزلازل لا تفرق بين أماكن الذاكرة المكانية والمجتمعية والتي نقصد بها آثارنا التي نالت حصتها أيضا من الزلزال ، البيوت ، الشوارع كل شيء والأهم الإنسان .
لكن يا ترى ماذا ستكون الفائدة من إعادة الإعمار في بلد ضربه الزلزال ؟! فجأة سترتفع الأصوات بالمناداة بتلافي عيب الدراسات الهندسية و ارفاقها بمصطلحات إعادة الاعمار المدروسة على الزلازل ، كل هذه العبارات جميلة ، طنانة ، مثالية أو ربما متكاملة ومحققة في المدن التي سيتم انشاؤها من جديد كالمستوطنات الجديدة ، الضواحي الجديدة …..
ولكن في بلدي سوريا و بإمكانياتنا الحالية ما لمهم يا ترى ؟ ! لا شيء مهم سوى الإنسان ..
عندما يعيش ذلك الإنسان وهو يشعر بالدفء ، و يتخلص من الجوع ، يحقق الطموح ، وعندما لاينظر إلى أحلامه على أنها خيالية ومستحيلة التحقيق ، عندما نبني ذلك الإنسان سنتوقف عن مواجهة من ليس همه سوى تعطيل أمور و أولويات الناس ، عندما تطمئن لأن أطفالك سيكونون بأمان في تلك المدرسة التي ستفتح لهم أبواب المستقبل الواسع ، و ليست مجرد غرفة دراسية باردة تحكمها علاقتك بشخص المدير أو ربما بتلك المعلمة التي تفرض سلطتها على من حولها ..
عندما تعود من عملك وتعلم في قرارة نفسك أنك عائد إلى البيت ! لقد نسينا طوال تلك السنوات المؤلمة ماذا يعني مفهوم البيت ؟! لأننا أصبحنا نبني بيوتاً على مبدأ بسيط يشتمل على الأعمدة ، الصبة الاسمنية ، ونفتح بعض النوافذ ، فتحول إلى عرف متعارف عليه في بلدنا المستنزف
ماعليك سوى ذكر الاسمنت الحديد والقليل من الرمل وارفاقهما برشة من الماء ،
فبات يحاكي بهيكله جفافنا الاجتماعي والثقافي يحاكي برودنا و تكاسلنا ويحاكي غصة الشباب التي لازالت عالقة في بلادها فلا يوجد فرصة للخروج و الإنقاذ ولا يمتلكون المال فاتخذت أحلامهم طريقها للتبخر على هيئة رماد كلون أبنيتنا العارية التي ننشؤها .
لقد درسنا كثيراً عن البيت كمعماريين فتعلمنا في كتب الهندسة المعمارية و نظرياتها أن البيت هو روح ، البيت هو الأمان و الراحة .
أما في بلدي فالبيوت هي هياكل باردة معتمة ، تتسابق فيها الخطى لتحظى بربع ساعة من الكهرباء ، فأمسى ذلك البيت أشبه بحبس للحيوانات ، بذلك التشبيه القاسي دارينا العيب في بيوتنا ، تشبيه كسر بخاطر الإنسان ، و مزق جميع الرسومات التي رسمناها في مرحلة الطفولة عن تشكيل البيت ذو النوافذ الجميلة المشرقة أو رسمة البيت الدافئ بمدخنة تضج بحميمية الأسرة تلك الأسرة المشتتة اليوم ! .
و كم رسمناه بهيئة آيس كريم ولكن لم نكن نعلم أن الخيال الذي رسمناه على تلك الورقة النظيفة سيأكلنا في يوم من الأيام ، وسنهرب من جدرانه التي شهدت على مراحل نمونا و تأففنا من الأيام ،
فلماذا في هذا الوقت المتأخر انتبه الناس إلى تلك الدنيا السوداء ؟! أليس كل ماعشناه جعلها بهذا السواد ؟!
فهل نحن نهذي أم مشهد البلوك و الحديد المتسلخ قضى على رغبتنا وحقنا في مسكن ملائم …
وشتان مابين مشهد البلوك وملمسه الجاف كقساوة المستقبل وما بين سعر هذا الهيكل .. فكم من أسرة سورية صبرت و واستماتت بتوفير المال لتحظى بهذا الهيكل المتناقض بأهميته لتلك الأسرة الضعيفة و غلاء ثمنه رغم عرائه ، فلطالما رندحت تلك الأسرة في الماضي أغنية صباح : ” يابيتي يابويتاتي ، يامسترلي عويباتي ، فيك خلقت ، وفيك ربيت ، وفيك بقضي حياتي ” عندما كان مفهوم البيت ومفهوم الأسرة بأبهى صوره في الشارع السوري .
فما الفرق إذا عاش الإنسان تحت قبوة تاريخية أو في غرفة مودرن أو في المخيمات ، للأسف في المفاهيم الحديثة لا يوجد ذلك الفرق ، الفرق الوحيد هو أن تؤمن احتياجات ذلك الإنسان .
فلا يوجد منزل مهم بدون سكانه و أهله ولا يوجد قوس معماري أو قنطرة متراكبة تفيد الذاكرة و التاريخ البشري إذا كان الإنسان اليوم يعيش بأسوأ تاريخ ..

# سفيربرس بقلم:  المهندسة المعمارية : عبير سنيور

سفيربرس _ م. عبير سنيور
إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *