إعلان
إعلان

“حين التقينا” على إيقاع باذخ الجمال في مهرجان الفنون الإسلامية: بقلم سعاد زاهر- سلوى زاهر

#سفير برس

إعلان

هذه المرة لم يكن مهرجان الفنون الإسلامية الذي تحتضنه الشارقة اعتياديا، بل كان له مذاق مختلف في روحي، على خلفية باذخة الجمال والفن والأناقة، كان لي لقاء مع أختي الصحفية المقيمة في هولنده، بعد فترة طويلة من انقطاع اللقاءات بسبب الأوضاع في سورية وعدم تمكني من السفر إلا مؤخرا.

منذ أكثر من ثلاثة عشرة عاماً لم نلتق…

وأنا على باب فندق (الهوليدي ان) في الشارقة بانتظار قدومها اعتقدت أنني سأرى فتاة كبيرة في العمر، وحين لوحت لي فتاة تبدو أصغر من عمرها الحقيقي بكثير، شقراء، رشيقة…

بادرتني: أنا أختك لم تعرفيني…؟

بالتأكيد عرفتها، لكني لم أتوقعها…!

حين جلسنا على شرفة الغرفة في الاوتيل، لم نعرف من أين نبدأ الحديث، كنت أعيش ما يشبه جمود المشاعر، يعرفه كل الناجين من الحروب، حين يتوقف الزمن، وتصبح مشاعرنا أشبه بغيوم تعلو ولا تهبط.

كان اللقاء أشبه بحلم لا ندري هل نعيشه حقيقة …؟

لحظة حالية، لكنها تسترجع الماضي كله في لحظة واحدة…!

في مقالها تقول سلوى “إن مقابلة أختي أو أي فرد من العائلة أمر طبيعي في الظروف العادية، لكن في الحروب يختلف الحال، اضطررت إلى الانتظار سنوات للحصول على الجواز الهولندي كي أمتلك إمكانية الانتقال.

بعد ثلاثة عشرة عاماً من الصبر والدموع أتيحت لي الفرصة للقاء أختي في الشارقة حيث كانت متواجدة لحضور مهرجان الفنون الإسلامية.”

مضت بضعة أيام وأنا لا أصدق أن الشارقة تجمعني بأختي، ونتابع المهرجان سوية، بدأت تأخذ حكاية ” لقاء سلوى وسعاد” بعد غياب منحى آخر.

جعلتنا فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان الفنون الإسلامية، نعيش أيامنا معا بطريقة مختلفة، لطالما امتلكنا الاهتمامات ذاتها، من شغف القراءة والكتابة والاعلام والفن….

وها هي لقاءاتنا تأخذ إلى جانب البعد الإنساني والوجداني وهجها الفني بدءا من زيارتنا الى متحف الشارقة للخط، خورفكان ودبا وبيت الحكمة ومول (06) وأماكن أخرى عشنا معها مع جماليات لا تنسى عبر فيها فنانون بطرق جمعت بين الفن المعاصر والإسلامي، كانت حماسة أختي كبيرة للكتابة باللغة العربية وتغطية مختلف فعاليات المهرجان.

تغيرنا…!

ومع تتالي الأيام والفعاليات بدأنا نكتشف التغيرات على شخصياتنا، كنا أختين نمتلك ذكريات الطفولة ذاتها، وذائقة فنية تتقارب في كثير من الأحيان، ولكن بات لكل منا تاريخ حديث مختلف.

كانت الامارات محطة فاصلة في لقاءنا، واكتشافنا لذاتنا الجديدة، هي تصر على أن تتعاطى معي وكأني لازلت الأخت التي تركتها قبل (13) عاماً، وأنا أفعل الأمر ذاته…

مضت أيام عدة، قبل أن نبدأ باكتشاف جوانب التغيير لقد كانت صادقة وشفافة وبريئة كطفلة، بينما كنت خائفة وحذرة من أبسط الأشياء، وأربكها خوفي وقلة حيلتي في بعض الأحيان، وهي التي تركتني جريئة أتحمس لأبسط الأشياء ولا تهمني عواقب أي شيء…!

التعرف إلى العائلة مرة أخرى

في مقالها الذي كتبته بالغة الهولندية ونشرته صحيفة ( rfG )  تقول سلوى: ” أنها شعرت أنها بحاجة للتعرف إلى عائلتها مرة أخرى، ومع أننا أختين من نفس العائلة إلا أن كل منا مضت في طريق مختلف، وتبدو قصصنا لا علاقة لها ببعضها البعض فسعاد بقيت في سورية، وانا غادرت بلدي.

وعلى الرغم من أنني لم ألاحظ أي تغيير خارجي فيها، إلا أنني قرأت في عينيها قصص ثلاثة عشرة عاما من الحرب والنجاة، من الفرح والحزن، لم أعشها معهم.

ونظرا الى الاختلاف الكبير بين حياتي وحياتها فقد تحدثنا مع بعضنا كسيدتين من ثقافتين مختلفتين، والبدء بفصل جديد من علاقتنا بعد كل هذا الغياب.

السوريون الذين يعيشون داخل سورية يعيشون في بيئة منغلقة، مازالت لديهم مشاكلهم الخاصة، ولا تتاح لهم الفرصة لاكتشف بلدان أخرى، ولأنها تحيا في عالم مغلق خلقت فجوة كبيرة بيننا وبين أولوياتنا…”

ونتيجة لذلك لم تعد أختي تشعر وكأنها عائلتي، المسافة بيني وبينها كبيرة جدا، والعكس صحيح، استغربت كيف خطرت لأختي سلوى كل هذه الهواجس، فأنا في لحظات كثيرة كان تفكيري يتوقف ولا أناقش او أجادل إلا عندما شعرت بخطر في منطقة الأمان الجديدة التي اخترتها، والتي لم تستطع سلوى القادمة من الغرب أن تفهم سببها…؟!

فواصل روحية وجغرافية

حين أريد اللقاء بأختي نقرر الاجتماع في الامارات فهي فرصة لجولات لانهائية من السفر والاكتشاف الذي أتوق إليه بعد كل هذا المدة من الركون إلى مكان واحد، ولأننا اجتمعنا معا على حبها بتنا نخطط للقاءاتنا فيها، اليوم أنا وسلوى وفي فترة قريبة ربما ستنضم إلينا سوسن أختنا الثالثة التي تعيش في كندا.

ولا أدري كيف سيكون اللقاء حين نجتمع معا، وكل منا قادمة من اغتراب طويل…

يا الله ما أصعب السفر، والفراق، والغربة، بعد أن كانت أختي على مقربة مني، وكنت مصرة على شراء منزلي قربها، اليوم نحتاج إلى ركوب الطائرة والسفر آلاف الأميال.

مع السلامة.. أراك قريبا

تقول سلوى في مقالها: في دمشق كنا أنا وسعاد نعيش على بعد دقائق قليلة ويمكننا ترتيب لقاءنا بكل سهولة، أما اليوم لقاؤنا أصبح حلم حيث تفصلنا آلاف الكيلومترات، وإضافة إلى المسافة الجغرافية زادت المسافة الروحية فهي تعتقد أننا نحن في أوربا نعيش في الجنة، وأننا لا نعاني ولا نشعر بالألم، لم أستطع أن أنقل لها الألم العميق الذي أشعر به.

فأختي سعاد تتمنى أن تحظى بالفرصة للعيش خارج سورية، وأنا أحلم بأن تستقر الأوضاع في بلدي وأن أعود للعيش فيها، حتى أحلامنا أصبحت مختلفة.

لم أتمكن من العثور على هويتي في عيون أختي والعكس صحيح، نحن أخوة لكننا أصبحنا غرباء عن بعضنا البعض حينها راودني سؤال وجودي، من نحن في الواقع…؟

ولماذا نحن مختلفون جدا…؟

كانت هناك لحظات من الأعوام الثلاثة لماذا هاجمتنا هذه المشاعر المختلفة التي لم أستطع توصيفها، وبدا أنها اختفت فجأة، لقد كان لقاءا مليئاً بالدموع والفرح، ولكنه مؤلم أيضا..

قبل السفر بقليل…لوحنا لبعضنا البعض كما قلنا وداعا..

مع السلامة.. أراك قريبا

#سفير برس- سعاد زاهر- سلوى زاهر

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *