إعلان
إعلان

مدينة (بابل) تختتمُ موسمها الثقافي والفني الحادي عشر بنجاح باهر

#سفير_برس _ الأديبة السورية: ميرفت أحمد علي

إعلان

شهدت مدينة (بابل) العراقية ما بين 19ـــــ 26 نيسان الماضي مناشط ومنتديات متنوعة في إطار الدورة الحادية عشرة من مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية الذي تأسَّسَ على فكرة التوءَمة بين الثقافات وأنماط الإبداع البشري من جنسيات ومناهل ثقافية مختلفة، انطلاقاً من المنصَّة الحضارية العراقية، مروراً بالرَّافد الإبداعي العربي، وصولاً إلى آفاق رياديَّة عالمية بكل ما للكلمة من معنى، فقد جمعت نسخة هذا العام علماءَ آثار أوروبيين من بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا تحدَّثوا عن آثار (بابل) ومكانتها البارزة وأهمِّيتها في الحراك النهضوي البشري والعمراني، بحيثُ حظيت الندوة إيَّاها بإقبال جماهيري كبير. وتوازعَت فضاء المهرجان الزماني والمكاني والإعلامي أنشطة وفعاليات رسَّخت مبدأ التلاقُح والتآخي بين صنوف الإبداعات البشرية قاطبةً، من فنون أدبية مختلفة، وحضور للدراما المحلية والعربية، وعروض مسرحية نخبوية رفيعة، وحفلات موسيقية وطربية، ومعارض للكتب وللفنون التشكيلية، وندوات ثقافية وشهادات في التجارب الإبداعية لمبدعين بارزين راسخين في ذاكرة الثقافة والمتلقِّي، كما حفلات توقيع الكتب المُواكبة لمعرض الكتاب. وتضمَّنَ حفلا الافتتاح والختام نماذجَ من الفلكلور الشعبي والتراثي العراقي والفلسطيني، ومقطوعاتٍ طربيةً وغنائيةً وعروضاً راقصةً، وقد أحياهما فنانون عراقيون وعربٌ ذوو بصمة راسخة في الذائقة الموسيقية والغنائية لدى الجمهور. بحيث تجاوزَ عدد حاضري حفل الختام ــ على سبيل المثال ــ خمسة آلاف شخص.
ولعلَّ أبرز مفاجآت حفل الختام ما أشهرتهُ لجنة اختيار المدن الثقافية (إحدى اللجان المنبثقة عن المهرجان) إذ أعلنتْ على لسان مدير المهرجان الشاعر الدكتور (علي الشلاه) مدينة الشارقة /المدينة الثقافية العالمية للعام 2024/، وهو قرار ثمَّنهُ النقَّاد والمتابعون، لما امتازتْ به الشارقة من كثرة الأنشطة الثقافية الرصينة، وما انسجمَ بدورهِ مع توجُّه مهرجان (بابل) منذ انطلاقتهِ، وأعني ترصينَ الثقافة وإنصافَها، ووضعَها في مسارها الصحيح البنَّاء الرَّامي إلى تنمية وتجذير الذائقة الجمالية عند المتلقي، وتخليص الحياة الثقافية من المتطفلين والدُّخلاء.
وثمَّة محدِّداتٌ وثوابتُ انطلقت منها العناوين الرئيسة لمهرجان بابل في دورته الحالية، وتأطَّرت في ثيماتٍ ثلاث:
الثِّيمة الأدبية العراقية: التي اتَّخذت من الشاعر الكبير (عبد الوهاب البياتي) شخصية تكريميَّة للدورة
الثِّيمة الفلسطينية النضالية: التي اتَّخذت من الثقافة الفلسطينية ضيفَ شرف، تضامناً مع غزة ومآسيها
الثِّيمة الأدبية السورية: التي احتفت بالشاعر الكبير (نزار قباني)
وسنتوقَّف في هذه الرسالة عند كلٍّ من المناشط الثلاثة المذكورة وقفة عَجلى، إذ لا يتَّسع المقام للتفصيل فيها، كما لا تنوبُ الكتابة الإخبارية عنها عن النقل الأمين لطبيعة الأجواء التفاعلية التي رسَّخها المشاركون في إحيائها في خاطر الجمهور.
ندوة البياتي التكريمية:
احتفتْ بمرور ربع قرن على وفاة الشاعر والمفكِّر العراقي عبد الوهاب البياتي، في لفتةِ وفاءٍ وعرفانٍ بالجميل من المثقفين العراقيين لأحدِ ألمعِ نجومِ القصيدة الحرَّة. ولا غرابةَ في وفاءِ تلميذٍ في مدرسة الشعر والحياة كـالشاعر علي الشلاه لذكرى معلِّمٍ من معلِّمي الشعر والفكر كـ البياتي، الذي كتبَ بنفسهِ دراساتٍ نقديةً تناولت شعرَ الدكتور علي الشلاه بالتعريف وبالدراسة، إلى جوارِ شعراء عرب راسخين في الصنعة النقدية والإبداعية أمثال شوقي بزيع وسواه.
ومن اللافت للاهتمام أن تقوم إدارة المهرجان بالتعاون مع النُّخب العراقية المثقفة والأكاديمية بإصدار كتابٍ اشتملَ على دراسات وشهادات وحوارات تدور في فلك البياتي وأدبهِ ومواقفةِ الشعرية والنضالية بإشراف البروفسور سعد التميمي وبمتابعة حثيثة منه.
هذا في كفَّة، وفي الكفَّة الموازية تأتي الندوة كلفتةٍ تعريفيةٍ بالشاعر وتكريميةٍ لهُ ولخصوصيةِ إبداعه، إذ أدارَها بكفاءة البروفسورسعد التميمي، وتنقَّلت الشهادات والقراءات النقدية بين البروفسورة بشرى موسى صالح التي ركَّزت على مفهوم الهالة الشعرية في شعر البياتي وأطيافها المتماوجة، وبعض المرموزيَّات الخبيئة هنا وهناك في مقاطعَ منتخبةٍ من شعره، وأتتْ شهادة البروفسورة أناهيد الركابي لتعمِّق المعرفة والاطلاع بالجوانب النقدية والتحليلية البنيويَّة مع شواهدَ منتقاةٍ من شعر البياتي. وأتمَّ الحلقة وأضفَى عليها قفلةً موفقةً نقدياً وأسلوبياً وإحاطةً شاملةً بشعر البياتي ومُنعرجات حياته الشاعر الدكتور علي الشلاه مدير المهرجان. كما استُعينَ بالمؤثرات البصرية السمعية من خلال عرض فيلم عن البياتي، وعرض شهادات مسجلة للنقاد وللمشاركين في الندوة أتمَّتْ تشكيل الصورة في الأذهان وأحاطتْ بالتجربة البياتيَّة من جوانبها كافةً، مُبرزةً فضائلَها ورياديَّتَها ورسوخَ نهجها في البال وفي الخاطر.
ندوة الثقافة الفلسطينية ضيفَ شرف:
من المُجدي والمُنصف الإشادة بحسن الاختيار للثقافة الفلسطينية ولأبعادها النضالية في الأدب المتقدِّم، وبحسن اختيار التوقيت، إذ تزامنَ انعقادُ المهرجان مع المشهديَّة الدمويَّة التصفويَّة الموجَّهة ضدَّ أبناء غزة بشكلٍ خاص، كما نُشيدُ بحسن انتقاء أعلام الأدب الفلسطيني وأفذاذهِ، فقد وقفَ مدير المهرجان على خياراتٍ ثلاثةٍ ناهضَ فرسانُ الرِّهانِ فيها من الأدباء الفلسطينيين السياسةَ التشريديَّة والكيديَّة لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ بداية النكبة عام 48. وجرتْ الندوة على النحو التالي:
ـــ إضاءة على شعر (محمود درويش) وفحواهُ النضالية، وأنساقهِ الدلاليةِ الرمزيةِ المُفضية إلى جمالية شعر درويش وانتمائه إلى الأدب الملتزم، قدَّمها البروفسور العراقي حمد الدوخي
ـــ عرض وتحليل رواية (رجال في الشمس) للأديب غسان كنفاني، قدَّمتها الروائية المصرية مي العساسي، وأشادتْ في الختام بالمزايا الأسلوبية والفنية وبجمالية الابتناء السردي.
ــ عرض وتحليل رواية (المتشائل) للأديب إميل حبيبي، وما عكست من روح سخرويَّة ناقدة للمشهد السياسي العربي المتصدع بُعيدَ النكبة ونكسة حزيران، قدَّمتها الأديبة السورية (ميرفت أحمد علي)
أدارَ محاورَ الندوة وعلَّق عليها الشاعر الدكتور علي الشلاه مدير المهرجان.
ندوة (نزار قباني، قمر دمشق)
تحيَّة العراق إلى سوريا اتَّخذت عدةَ مناحٍ، منها اختيار نزار قباني ضيفاً عزيزاً على مهرجان بابل للفنون والثقافات، بإحياءِ ذكراه بعد مرور مائة عام على ولادته، وهو من الجيل المُغامر الرَّافد للتجريب الشعري، انعطفَ بمنحى القصيدة العربية انعطافاً متفرداً عن بقيةِ التجارب، بل كانت لهُ جراءَتهُ على خرق المألوف مضموناً وأسلوبَ إبداع.
شاركَ في الندوةِ إيَّاها:
ــ الشاعر العراقي المُقيم في سوريا (محمد مظلوم) بورقةٍ بحثيةٍ توقفت عندَ معاني وأغراض الشعر النِّزاري، وغاصتْ في دقائق مفرداتِ شعره، وأشارت إلى مواضعِ البذخِ الحسيِّ في تجربة نزار الغزليَّة، كما وقفتْ عند مفاتيح تفرُّد هذه التجربة المُستحدثة كلياً في الشعر العربي المعاصر، وجاءت المساهمة أقرب إلى النقد الأدبي في مظهر الشعر النِّزاري وجوهره.
ــ البروفسورة والناقدة (وصال الدليمي) تعقَّبت التجربة الشعرية عند قباني برأي مُنصف، وقاربتها بنظرة تحليلية موضوعية فصلت الشعر عن الشاعر، وتعاملت من خلالها مع تجربتهِ بمنظار الحاكم العادل.
ـــ مخرج الفيلم نضال قوشحة كاتبٌ وإعلاميٌّ وناقدٌ علاوةً على كونهِ مخرجاً لعدةِ أفلامٍ وثائقية أرشيفية. تحدَّث عن فكرةِ الفيلم، جوهرِ الرسالةِ والدافع، والأساليبِ التي توسَّلَ من خلالها المخرج إلى إنتاجِ الفيلم بأيدٍ وبمهاراتٍ وطنية، وقد وضعَ على أجندتهِ إخراجَ عدَّةِ أفلامٍ مماثلةٍ توثِّقُ لكبار المبدعين في الموسيقى والشعر والطرب.
إنَّ إنتاجَ الفيلم في منزلِ الشاعر الكبير نزار قباني الكائن بالقرب من الجامع الأموي بدمشق، وتحريكَ الذكرياتِ والمشهديَّاتِ المفصليَّةِ من عقرِ ذلكَ الدارِ الدمشقيِّ العريقِ عواملُ وأفكارٌ كانَ لها التأثيرُ البَيِّنُ على مشاعرِ المتلقِّي، علاوةً على تنويعِ أساليبِ عرضِ سيرةِ الشاعر باستخدام الموسيقى والغناء والرقص الإيمائي، وشهاداتِ كبار نقَّاد الأدب والفن التشكيلي والفن الموسيقي، وممثِّلِ الظلِّ الذي يؤدِّي صرخةَ الانعطافِ بحياة قباني من ألمٍ إلى ألمٍ ومن عاصمةٍ إلى أخرى، ومن مُنعطفٍ إبداعيٍّ إلى آخرَ متناقضٍ ربما، ما وضعَ المشاهدينَ أمام (كوكتيل) إخراجي تجريبي يليقُ بعظمةِ وبمكانةِ نزار قباني كشاعرٍ مُجرِّبٍ ومُجدِّد.
في مهرجانِ بابلَ للثقافاتِ والفنون العالمية الدورة الحادية عشرة، الكثيرُ الوفيرُ مما يمكنُ أن يقال، وقد كنَّا شهوداً عياناً على تألُّقِ هذا المهرجان الذي أفردتْ لهُ منظمة اليونيسكو العالمية حيّزَ اعترافِها الكبير بهِ كأحدِ أبرزِ المهرجاناتِ الثقافية في العالم اليوم، وكانَ سبقَ لها أن وجَّهتْ له التَّحايا، ورفعت قبَّعتي احترام في دورتين سابقتين له. ليسَ هذا بالشأنِ المستغربِ وأبناءُ بابلَ والحِلَّةِ يقفونَ خلف شاعرهم (علي الشلاه) سنَداً وعَوناً في المضيِّ بالمهرجان قدُماً نحو العالمية إلى حدِّ أن تفوَّقَ فيه المهرجانُ على نفسهِ، وأصَّلَ مفهومَ الريادةِ والفرادةِ، إلى جانبِ الحُظوةِ بالدَّعم المحليِّ من بعضِ الجهاتِ الخاصةِ الراعيةِ، ومن بعضِ وزاراتِ الدولة مثل وزارة الداخلية ووزارة الاتصالات، وقد احتشدَ الجمهورُ على المسرحِ البابليِّ العريقِ شِيباً وشبَّاناً للتمتُّعِ بالقُطوفِ الدانيةِ لثمارِ تعبِ شهورٍ مديدةٍ متواصلةٍ، تفانَى خلالَها منظِّمو المهرجانِ والمتطوِّعون والإعلاميون لمساندتهِ ولإشهارِ مولودٍ جديدٍ في مسيرةِ هذا المهرجانِ المظفَّرة، المكلَّلة بالنجاحاتِ وبالأصداءِ الباهرةِ الطيبة.
شكراً بابل.

#سفير_برس _ بقلم : الأديبة السورية: ميرفت أحمد علي

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *