الشرق الأوسط: من الماضي إلى الحاضر – تطور المواقف العربية عبر ملوكها ورؤسائها تجاه إسرائيل
#سفيربرس _ بقلم : ميرال حسن
الجزء(4) جمهورية مصر العربية: من جغرافيا المقاومة ومتاهات النضال إلى عتمة الأسئلة
مقدمة:
تظل قضية فلسطين وعلاقات الدول العربية مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية من أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية في الشرق الأوسط. مصر والتي تمثل أحد أكثر الموضوعات تعقيدًا في تاريخ العلاقات الدولية في الشرق الأوسط. منذ نشوء دولة (الاحتلال) الاسرائيلية وحتى اليوم، حيث شهدت مصر تحولات كبيرة في موقفها، وذلك من خلال عدة رؤساء مروا على حكم البلاد.، كدولة رائدة في العالم العربي، الأم العظمى، التي كانت ذات يوم نبض قلب القومية العربية، حامية القضايا العادلة، ورمز المقاومة ضد الاستعمار والظلم. من شوارعها النابضة بالحياة، منذ عصر الملوك الى ماتلاه صعد صوت الرفض القوي عن مايسمى تأسيس دولة (الاحتلال) الاسرائيلية على أرض فلسطين المغتصبة، وصدحت هتافات المقاومة تحت زعامة الزعيم جمال عبد الناصر، الذي صوّر للعالم جمال الشعب العربي وعزيمته على الحرية. راسيا دعائم القومية العربية ورافضا للاعتراف بدولة (الاحتلال) الاسرائيلية.
نعم. كانت مصر ملتقى الثورات، مصر صوت العرب، القلعة التي لا تنهار أمام ضغوط القوى الخارجية، وصارت رمزًا لكل من تطلع إلى العدالة والحرية. لكن، كالبركان الذي يدفن جمره بعد انفجاره، بدأت مصر تتغير، تتخلى عن لهبها لتصافح العدو بيد باردة. هذا التحول، الذي بدأ تحت ظل الرئيس أنور السادات وتلاه حكام آخرون، لم يكن مجرد خطوة نحو السلام، بل كان كسرًا للعهد مع الأمل العربي، كان انحرافًا عن المسار المجيد للمقاومة، وهو ما يعتبر بمثابة جرح في قلب الأمة.
خلال حروب 1948 و1967 و1973، مثلت مصر جبهة المواجهة الرئيسية، ودفعت ثمناً باهظاً من دماء أبنائها في سبيل حماية الأراضي العربية والحقوق الفلسطينية. لكن مع مرور الوقت، أخذت المواقف المصرية منحىً جديدًا، فبعد انتصارها في حرب أكتوبر 1973، جاءت مفاجأة اتفاق كامب ديفيد عام 1978، والذي أسست أسس السلام مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية.
عصر الملوك:
مثل عصر الملوك في مصر فترة حكم الأسرة المحمدية الحاكمة التي بدأت في القرن التاسع عشر واستمرت حتى ثورة 23 يوليو 1952. هذه الفترة شهدت تحولات كبيرة في السياسة المصرية، حيث كانت مصر تحت سيطرة الاستعمار البريطاني لفترة طويلة، حيث شهدت حركات وطنية وتمردات لاستعادة الاستقلال.
الوضع السياسي:
الاستعمار البريطاني:
بعد غزو نابليون لمصر عام 1798، أصبحت البلاد هدفًا للقوى الاستعمارية الطامعة في السيطرة على موقعها الاستراتيجي وثرواتها. على الرغم من انسحاب الفرنسيين بعد ثلاث سنوات، إلا أن هذا الغزو فتح الباب أمام هيمنة بريطانيا على مصر.
في عام 1882، وتحديدًا في معركة التل الكبير في 13 سبتمبر، تدخلت بريطانيا عسكريًا لقمع الثورة العرابية، وهي حركة قادها أحمد عرابي ضد التدخل الأجنبي والفساد الداخلي. بعد هزيمة القوات المصرية في المعركة، فرضت بريطانيا سيطرتها الكاملة على مصر، لتبدأ مرحلة من الاحتلال استمرت حتى عام 1952.
كان الاستعمار البريطاني لمصر اقتصاديًا وعسكريًا في جوهره، حيث استولت بريطانيا على قناة السويس، التي افتُتحت في عام 1869، وأصبحت شريانًا هامًا للتجارة العالمية، إذ يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. كانت قناة السويس تحت سيطرة الخديوي إسماعيل في البداية، لكنه باع جزءًا من حصصه إلى بريطانيا لتغطية ديونه المتراكمة. وبهذا، أصبحت بريطانيا تتحكم في أهم موارد مصر الاقتصادية.
فرضت بريطانيا على مصر مستشارين بريطانيين كانوا يديرون العديد من الوزارات، مثل المالية والتعليم. ومن أبرز هؤلاء المستشارين اللورد كرومر، الذي تولى إدارة الشؤون المالية والاقتصادية منذ 1883، حيث ركز على توجيه الاقتصاد المصري بما يخدم المصالح البريطانية من خلال زيادة إنتاج القطن لتلبية حاجة المصانع البريطانية. تسببت هذه السياسات في تدهور الأحوال المعيشية للمصريين وزيادة الاعتماد الاقتصادي على بريطانيا.
رغم قمع البريطانيين للمحاولات الأولى للمقاومة، مثل ثورة عرابي، فإن الحركات الوطنية استمرت. في 1919، اندلعت ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وحزب الوفد، حيث طالب المصريون بالاستقلال وانهاء الحماية البريطانية. كانت هذه الثورة بمثابة نقطة تحول هامة، حيث اضطرت بريطانيا إلى إصدار تصريح 28 فبراير 1922، والذي اعترفت فيه بمصر كمملكة مستقلة ولكنها أبقت على وجودها العسكري وسيطرتها على القناة.
استمر النفوذ البريطاني رغم إعلان الاستقلال، وظلت بريطانيا تتدخل في الشؤون الداخلية حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر. أجبرت الثورة الملك فاروق على التنازل عن العرش، وبدأت مرحلة إنهاء النفوذ البريطاني في مصر بشكل كامل. في عام 1956، أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس، مما أدى إلى العدوان الثلاثي من قِبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لكنه انتصر في النهاية، وانسحبت بريطانيا.
أدى الاستعمار البريطاني إلى تغييرات عميقة في الاقتصاد والسياسة المصرية، إذ استنزف موارد البلاد وحوّلها إلى اقتصاد يعتمد على إنتاج القطن لخدمة المصالح البريطانية. في نفس الوقت، أفرز الاستعمار وعياً قومياً دفع المصريين إلى النضال من أجل الاستقلال، ما جعل مصر رمزاً للمقاومة، حيث واجهت القوى الاستعمارية الكبرى، وخاضت كفاحاً طويلًا للتحرر من الهيمنة الأجنبية.
الاتفاقية البريطانية المصرية 1936:
وقعت هذه الاتفاقية لتحديد الشروط لتحرير مصر من السيطرة البريطانية الكاملة، مع الاحتفاظ بوجود عسكري بريطاني في بعض المناطق الاستراتيجية لحماية قناة السويس.
حركات الاستقلال:
ثورة 1919: كانت هذه الثورة ردًا على الاعتقال البريطاني لزعماء المصريين الذين طالبوا بالتمثيل في مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية الأولى. كانت مظاهرة شعبية كبيرة شملت جميع طبقات المجتمع المصري وأدت إلى استقلال مصر النظري في عام 1922.
المفاوضات السرية بين مصر وبريطانيا (1918-1922): الطريق إلى إعلان الاستقلال
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918، اشتدت المطالب الشعبية في مصر بإنهاء الاحتلال البريطاني والحصول على الاستقلال. خلال هذه الفترة، شهدت مصر مجموعة من المفاوضات السرية بين القادة المصريين والبريطانيين، حيث بدأت مطالبات المصريين بالاستقلال تتصاعد بالتزامن مع تزايد وعيهم السياسي ورغبتهم في التخلص من السيطرة الاستعمارية.
بداية المفاوضات السرية (1918) بدأت أولى المحاولات لإجراء مفاوضات سرية بين المصريين وبريطانيا بعد نهاية الحرب مباشرة. في نوفمبر 1918، حاولت بريطانيا تهدئة الأوضاع في مصر والتفاوض مع الشخصيات الوطنية للتوصل إلى اتفاق يحفظ مصالحها، وفي الوقت نفسه يخفف من الاحتقان الشعبي المتصاعد. إلا أن البريطانيين كانوا يسعون فقط إلى منح بعض الامتيازات المحدودة التي لا ترقى إلى استقلال حقيقي، مما أثار استياء القوى الوطنية.
تشكيل الوفد المصري بقيادة سعد زغلول (1919) مع رفض بريطانيا إعطاء مصر استقلالها الكامل، قرر سعد زغلول، أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية، تشكيل وفد مصري للسفر إلى لندن والتفاوض مباشرة مع الحكومة البريطانية. وكان الهدف من هذا الوفد الضغط على بريطانيا للاعتراف بمطالب المصريين بالاستقلال. في 13 نوفمبر 1918، تقدم الوفد بطلب رسمي إلى الحاكم البريطاني بالسماح له بالسفر إلى لندن، ولكن بريطانيا رفضت الطلب وأعلنت رفضها لأي مفاوضات خارج سيطرتها.
اندلاع ثورة 1919 في 9 مارس 1919، قامت السلطات البريطانية باعتقال سعد زغلول وأعضاء الوفد المصري ونفيهم إلى جزيرة مالطا، مما أشعل غضب الشعب المصري وأدى إلى اندلاع ثورة 1919. كانت هذه الثورة واحدة من أكبر الحركات الشعبية ضد الاحتلال البريطاني، وشملت مظاهرات واحتجاجات واسعة في مختلف أنحاء مصر، حيث طالب المصريون بإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال.
مفاوضات ميلنر (1920) بعد اشتداد ثورة 1919 وضغط المصريين المستمر، أرسلت بريطانيا لجنة برئاسة اللورد ألفريد ميلنر في أواخر 1919 للتفاوض مع المصريين ودراسة الوضع في مصر. وصلت لجنة ميلنر إلى القاهرة في أوائل 1920 والتقت بعدد من الشخصيات الوطنية، ولكنها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بسبب رفض المصريين قبول أي حل لا يتضمن الاستقلال الكامل.
وفي يناير 1921، سافر سعد زغلول ووفده إلى لندن لبدء جولة جديدة من المفاوضات، التي استمرت لعدة أشهر. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة، فشلت المفاوضات بين الوفد المصري وبريطانيا، حيث أصرت بريطانيا على الاحتفاظ بوجودها العسكري وفرض وصايتها على مصر، وهو ما رفضه الوفد المصري تمامًا.
مع تزايد الضغوط الداخلية والدولية، وتحت تأثير ثورة 1919، اضطرت بريطانيا إلى إعلان استقلال مصر بشكل جزئي. في 28 فبراير 1922، أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير الذي ينص على منح مصر استقلالًا محدودًا مع بقاء بعض الامتيازات الاستراتيجية لبريطانيا، مثل السيطرة على قناة السويس والدفاع عن مصر وحماية الأقليات.
نتائج المفاوضات وإعلان الملكية بعد إعلان استقلال مصر، تحول لقب السلطان فؤاد الأول إلى ملك مصر، وأعلن دستور 1923 الذي أسس لملكية دستورية ونظام برلماني في البلاد، لكن هذا الاستقلال ظل محدودًا بشروط بريطانيا الأربعة في تصريح 28 فبراير.
أدت المفاوضات السرية بين بريطانيا والقادة المصريين، وخاصة بعد ثورة 1919، إلى حصول مصر على استقلال جزئي عام 1922. ورغم أن هذا الاستقلال لم يكن كاملاً ولم يمنح مصر السيطرة التامة، إلا أنه كان خطوة هامة في مسار التحرر، ووضع الأساس للمطالبة بمزيد من الحقوق والسيادة الكاملة على مر العقود التالية.
المفاوضات السرية والاتفاقيات الدبلوماسية في عصر الملوك:
1. مفاوضات بين المصريين والبريطانيين قبل وأثناء ثورة 1919:
مفاوضات سايكس بيكو (1916):
بدأت مفاوضات اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا في نوفمبر 1915، وتم التوصل إلى اتفاق نهائي في 16 مايو 1916. و على الرغم من أنها لم تشمل مصر مباشرة، إلا أنها كانت جزءًا من النظام الإقليمي الذي تأثرت به مصر. هذه الاتفاقية السرية بين بريطانيا وفرنسا قسمت الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ، مما أثار الأمل في أن يحصل المصريون على بعض الحرية التنفيذية.
الاتفاقية البريطانية المصرية (1922):
بعد ضغوط ثورة 1919، وقعت مصر اتفاقية مع بريطانيا في 28 فبراير 1922، وهو تاريخ الاستقلال النظري لمصر. بموجب هذه الاتفاقية، اعترفت بريطانيا باستقلال مصر بشروط:
الدفاع عن مصر وقناة السويس.
حماية الأجانب في مصر.
سيطرة بريطانيا على الخارجية المصرية.
حق بريطانيا في حماية مصالحها في السودان.
المفاوضات بين الملك فاروق والبريطانيين: خلال الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية، كانت هناك مفاوضات سرية بين الملك فاروق الأول وبريطانيا حول دور مصر في الحرب، وكيفية تأمين الحدود، وتعزيز العلاقات الاقتصادية. هذه المفاوضات لم تكن موثقة بشكل واضح لكنها ساهمت في ضمان استمرار الدعم البريطاني للحكم الملكي.
الاتفاقية البريطانية المصرية (1936):
وقعت في 26 أغسطس، حيث تم التوصل إلى اتفاق يعطي مصر الاستقلال الكامل بشكل نظري مرة أخرى، لكن سمحت لبريطانيا بوجود قوات عسكرية في مصر لحماية القناة السويسية.و منحت القوات البريطانية حق الدخول إلى مصر في حالة الحرب مع الحفاظ على الحقوق الخاصة بالأجانب في مصر.
الخاتمة:
عصر الملوك كان فترة متقلبة في تاريخ مصر، حيث تمزج بين السيطرة الأجنبية والسعي نحو الحرية. هذه الفترة شكلت أسس الوعي الوطني المصري، وأظهرت قدرة الشعب المصري على النضال من أجل الاستقلال. الفترة كانت مليئة بالمفاوضات السرية، الاتفاقية الدبلوماسية، وحركات المقاومة الشعبية التي رسمت الطريق نحو الثورة الكبرى التي أطاحت بالنظام الملكي في النهاية عام 1952.
كانت المفاوضات السرية والاتفاقيات الدبلوماسية حجر الزاوية في تحديد مسار استقلال مصر وعلاقاتها مع بريطانيا. هذه الاتفاقيات كانت غالبًا ما تحمل دلالات متعددة، حيث كانت تهدف إلى تحقيق مصالح متباينة بين الطرفين. وبينما كانت مصر تسعى للحرية الكاملة، كانت بريطانيا تحاول الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في المنطقة. هذه الفترة تبرز أهمية المفاوضات السرية في تشكيل التاريخ السياسي للدول.
الملك فؤاد الأول (1922-1936): توطيد الملكية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية
ولد الملك فؤاد الأول، واسمه الكامل أحمد فؤاد بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، في 26 مارس 1868 في القاهرة. كان فؤاد هو الابن الأصغر للخديوي إسماعيل، ومنذ صغره نشأ في بيئة أرستقراطية بين أفراد العائلة المالكة. تلقى تعليمه الأولي في مصر، ثم التحق بمدرسة “توتنهام” في إنجلترا، ثم أكمل دراسته في الكلية الحربية في تورينو بإيطاليا. حيث تولى الملك فؤاد الأول الحكم في 9 أكتوبر 1917 بعد وفاة أخيه الأكبر السلطان حسين كامل،
كانت مصر في بداية عهد الملك فؤاد تحت سيطرة الاحتلال البريطاني الذي استمر منذ عام 1882، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى في 1918، تصاعدت المطالب الشعبية بالاستقلال. قاد سعد زغلول وحزب الوفد حركة وطنية شعبية للتفاوض مع بريطانيا للحصول على الاستقلال، واشتعلت ثورة 1919 بقيادة زغلول، لتشهد مصر واحدة من أكبر حركات الاحتجاج الوطني ضد الاحتلال. والتي كان من شأنها استجابت بريطانيا للمطالب الشعبية، وفي 28 فبراير 1922، أعلنت بريطانيا استقلال مصر كملكية دستورية، ومنحت مصر سيادة جزئية. ونتيجة لذلك، تحوّل لقب السلطان فؤاد إلى الملك فؤاد الأول، ليصبح بذلك أول ملك لمصر في العصر الحديث. تمتع الملك فؤاد بأول فترة حكم ملكية رسمية في تاريخ مصر المعاصر، وأُعلن الدستور المصري لعام 1923، الذي نص على تأسيس نظام ملكي دستوري.
العلاقة المتوترة مع حزب الوفد رغم إعلان الاستقلال الدستوري، لم تكن السلطة في يد الملك فؤاد فقط، بل كانت موزعة بين الملك والأحزاب السياسية، وبالأخص حزب الوفد الذي قاده سعد زغلول وأصبح رمزًا للحركة الوطنية. لكن العلاقة بين الملك فؤاد و حزب الوفد اتسمت بالتوتر، حيث كان الملك فؤاد يسعى لترسيخ سلطة الملكية، بينما كان حزب الوفد يضغط من أجل تقليص دور الملك وتحقيق مزيد من السلطة التشريعية والتنفيذية للبرلمان.
في يناير 1924، تولى سعد زغلول منصب رئيس الوزراء لأول مرة بعد فوز الوفد بالأغلبية في أول انتخابات تشريعية، لكن الصراع بين القصر وحزب الوفد استمر. وشهدت البلاد صراعات سياسية متكررة بين الملك والأحزاب، حيث كان الملك فؤاد يتدخل في شؤون الحكومة، ويستغل سلطاته الدستورية لحل البرلمان عند تعارض سياسات الحكومة مع رغباته.
الأزمة السياسية وإقالة حكومة زغلول (1924)
بعد تولي سعد زغلول رئاسة الوزراء في 1924، وقعت حادثة اغتيال السير لي ستاك، سردار الجيش المصري في السودان وحاكم عام السودان، في 19 نوفمبر 1924. حيث أدت الحادثة إلى أزمة سياسية كبيرة بين الحكومة البريطانية والحكومة المصرية، حيث طالبت بريطانيا بردود صارمة تشمل دفع تعويضات وسحب القوات المصرية من السودان.
رفض سعد زغلول الاستجابة الكاملة للمطالب البريطانية، مما دفع الملك فؤاد لاستغلال الأزمة كذريعة لإقالة سعد زغلول وحل البرلمان، وتعيين حكومة جديدة أكثر توافقًا مع توجهاته، مما أثار غضبًا شعبيًا. وأصبحت هذه الحادثة نقطة تحول كبرى في العلاقة بين الملكية والأحزاب الوطنية، وأبرزت دور القصر في التدخل بشؤون الحكم.
استمر التوتر بين الملك فؤاد وحزب الوفد والحركات الوطنية، ومع تزايد نفوذه، أجرى فؤاد تعديلًا دستوريًا في 1930، لتعزيز سلطاته وتقليص دور البرلمان. ألغى دستور 1923 واستبدله بدستور 1930 الذي منح الملك مزيدًا من الصلاحيات، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات، وأصبح دستور 1930 مثيرًا للجدل حيث اعتبره البعض انتهاكًا لسيادة الشعب ودوره في الحكم.
أدى التوتر المتزايد والأزمة السياسية إلى ضغوط شعبية قوية، مما أجبر الملك فؤاد على إعادة دستور 1923 في 1935، ليُعاد العمل بالنظام الملكي الدستوري في نهاية فترة حكمه.
التعليم والثقافة في عهد الملك فؤاد رغم الصراعات السياسية، شهدت فترة حكم الملك فؤاد بعض الإنجازات الثقافية والتعليمية. كان الملك فؤاد مؤمنًا بدور التعليم في تعزيز النهضة المصرية، وأسهم في تأسيس جامعة القاهرة، التي كانت تُعرف آنذاك باسم الجامعة المصرية، التي افتتحت أبوابها في 1925 لتكون أول جامعة حديثة في مصر، وركزت على دعم العلوم والثقافة والأدب.
كما أسس مجمع اللغة العربية في 1932، وكان أول مجمع لغوي في العالم العربي، بهدف تطوير اللغة العربية والحفاظ عليها في مواجهة التحديات الثقافية التي فرضها الاستعمار الأجنبي.
علاقاته الدولية كانت سياسة الملك فؤاد تجاه العلاقات الدولية حذرة، إذ سعى للحفاظ على علاقة قوية مع بريطانيا لضمان استقرار حكمه، لكنه كان يدرك أيضًا أهمية التحالفات مع الدول الأخرى، خاصة بعد إعلان استقلال مصر. حاول الملك فؤاد تقوية علاقات مصر مع الدول الأوروبية، مثل إيطاليا، وكذلك مع العالم الإسلامي.
توفي الملك فؤاد الأول في 28 أبريل 1936 عن عمر يناهز 68 عامًا، بعد فترة حكم استمرت حوالي 19 عامًا، تاركًا العرش لابنه الملك فاروق الأول، الذي كان يبلغ 16 عامًا وقتها. وقد كانت وفاته بداية لعهد جديد مليء بالتحديات، حيث استمرت الصراعات السياسية والضغوط الشعبية لتحقيق الاستقلال الكامل عن النفوذ البريطاني.
يعتبر الملك فؤاد الأول أحد الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ المصري؛ فقد شهدت فترة حكمه تأسيس الملكية الدستورية، وواجهت البلاد تحديات داخلية وخارجية عديدة. ورغم محاولاته لتحقيق الاستقرار، إلا أن الصراعات بين الملكية والحركة الوطنية والأحزاب جعلت عهده مضطربًا.
يظل الملك فؤاد الأول رمزًا لبداية عهد الملكية الحديثة في مصر، والتي انتهت لاحقًا بعد ثورة 23 يوليو 1952، كما أن إنجازاته الثقافية والتعليمية كانت خطوات هامة نحو نهضة مصر، رغم التحديات السياسية التي واجهها
الملك فاروق (1936-1952): حكم وأحداث فارقة
وُلد الملك فاروق الأول في 11 فبراير 1920، وهو ابن الملك فؤاد الأول، وحفيد الخديوي إسماعيل. تولى العرش في 28 أبريل 1936 بعد وفاة والده، ليصبح فاروق ملكًا على مصر والسودان وهو بعمر 16 عامًا فقط. كانت مصر وقتها تحت الحماية البريطانية، وعلى الرغم من اعتراف بريطانيا بمصر كمملكة مستقلة بموجب تصريح 28 فبراير 1922، إلا أنها احتفظت بالسيطرة على الشؤون العسكرية وقناة السويس.
عند توليه الحكم، كانت مصر تمر بفترة من الاضطرابات السياسية نتيجة التدخل البريطاني في شؤونها، وكان المصريون يطمحون إلى الاستقلال الكامل.
أحد أبرز الأحداث المبكرة في عهد الملك فاروق هو توقيع معاهدة 1936 والتي عرفت لاحقا بالاتفاقية الأنجلو-مصرية (1936) بين مصر وبريطانيا في 26 أغسطس 1936. جاءت المعاهدة على خلفية تهديدات إيطاليا لمصر عقب الغزو الإيطالي لإثيوبيا، حيث اتفقت بريطانيا مع الحكومة المصرية على تقليص وجودها العسكري في القاهرة، مع إبقاء قواتها في قناة السويس لحماية مصالحها، والسماح لمصر بالانضمام لعصبة الأمم.
ورغم أن المعاهدة منحت بعض الامتيازات لمصر، إلا أنها لم تُرضِ القوى الوطنية المصرية التي كانت تطالب بالاستقلال الكامل، مما أثار حالة من الاحتقان بين الحكومة الملكية والحركة الوطنية، وخاصة حزب الوفد بزعامة مصطفى النحاس.
الحرب العالمية الثانية (1939-1945)
عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت مصر ساحة مهمة للقوات البريطانية بسبب موقعها الاستراتيجي. ورغم إعلان الملك فاروق الحياد، إلا أن القوات البريطانية استخدمت الأراضي المصرية كقاعدة لها، وفرضت على الحكومة المصرية التعاون معها. خلال هذه الفترة، كانت هناك توترات متزايدة بين القصر الملكي والبريطانيين، خاصة مع محاولات الملك فاروق للتحالف مع قوى المحور، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، لتحقيق الاستقلال التام.
حادثة 4 فبراير 1942 في 4 فبراير 1942، وأثناء تصاعد الضغط الوطني ضد التدخل البريطاني، فرض السفير البريطاني في مصر على الملك فاروق تعيين مصطفى النحاس رئيسًا للوزراء، وذلك عبر محاصرة قصر عابدين بالدبابات البريطانية وإجبار الملك على التوقيع على قرار التعيين. كانت الحادثة إهانة كبيرة للملك فاروق، وزادت من حدة الغضب الشعبي ضده، حيث اعتُبر موقفه استسلامًا للإملاءات البريطانية.
الفساد والصراعات الداخلية بحلول أواخر الأربعينات، تزايدت الاتهامات بالفساد حول الملك فاروق وحاشيته، وأصبح الملك متورطًا في عدد من الفضائح، بما في ذلك سوء استغلال النفوذ والعلاقات الشخصية المثيرة للجدل. كما تفاقمت الصراعات الداخلية بين الملك والأحزاب السياسية، خاصة حزب الوفد، مما أدى إلى تفكك السياسة المصرية وضعف الثقة الشعبية بالنظام الملكي.
حرب 1948 وهزيمة فلسطين:
أحد أبرز الأحداث خلال حكم فاروق كان حرب 1948، حين انضمت مصر إلى عدد من الدول العربية لمحاربة إسرائيل بعد إعلانها الاستقلال. قوبلت القوات المصرية بمقاومة قوية، وانتهت الحرب بهزيمة العرب وتوقيع اتفاقية الهدنة في رودس في 1949. شكلت هذه الهزيمة صدمة كبيرة للمصريين، وزادت من الاستياء تجاه الملك والنخبة الحاكمة، حيث تم تحميلهم مسؤولية الهزيمة والتقصير في دعم الجيش.
ثورة 23 يوليو 1952 ونهاية الحكم الملكي في 23 يوليو 1952،
قامت مجموعة من الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر بثورة أطاحت بالملكية. هدفت الثورة إلى القضاء على الفساد، وتحرير مصر من التدخل الأجنبي، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وفي 26 يوليو 1952، تنازل الملك فاروق عن العرش لابنه الرضيع أحمد فؤاد الثاني وغادر مصر إلى المنفى في إيطاليا. أعلن الضباط الأحرار إلغاء النظام الملكي وتحويل مصر إلى جمهورية في 18 يونيو 1953، لتنتهي بذلك فترة الملكية في مصر.
أبرز إنجازات ومشاكل فترة حكم الملك فاروق رغم محاولات فاروق لتحقيق بعض الاستقلال عن النفوذ البريطاني، إلا أن فترة حكمه شهدت حالة من الفساد وسوء الإدارة، وزيادة الفجوة بين الشعب والنظام الملكي. تميزت فترة حكمه بالضعف السياسي الداخلي والاعتماد على بريطانيا، إضافة إلى قمع الحركات الوطنية. هذه العوامل، إلى جانب هزيمة 1948 وفضائح القصر، ساهمت في الإطاحة بحكمه.
يبقى الملك فاروق شخصية مثيرة للجدل في تاريخ مصر، حيث يُنظر إليه باعتباره الملك الأخير الذي شهدت عهده تحولات كبرى، وحاول الحفاظ على مكانته، لكن مساعيه لم تنجح في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، مما أدى إلى انتهاء الملكية المصرية وبدء عصر جديد من الحكم الجمهوري.
الرئيس اللواء محمد نجيب (1953-1954)
كأول رئيس لمصر بعد الثورة، أصبح الرئيس اللواء محمد نجيب رئيس جمهورية مصر العربية في 18 يونيو 1953، بعد أن أطاح الضباط الأحرار بنظام الملكية في ثورة 23 يوليو 1952. قبل توليه للحكم، كان نجيب ضابطًا عسكريًا بارزًا وقائدًا لحزب الوفد الناصري.كان موقف محمد نجيب حذرًا تجاه الكيان الإسرائيلي. شهدت الفترة التي تلت تأسيس إسرائيل أحداثًا مؤلمة بالنسبة لمصر، حيث تم تهجير الفلسطينيين ووقعت حرب 1948. عارض نجيب بشكل علني إنشاء دولة إسرائيل، دون اتخاذ إجراءات حاسمة تجاهها.
في أعقاب حرب فلسطين عام 1948 وقيام دولة إسرائيل، كانت مصر، بقيادة الملك فاروق حينها، أحد الأطراف الرئيسية التي دخلت الحرب مع جيوش الدول العربية الأخرى للدفاع عن فلسطين. انتهت الحرب بتوقيع اتفاقيات الهدنة في عام 1949، مما ترك مصر في حالة من التوتر مع إسرائيل بسبب تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وسيطرة إسرائيل على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية.
تولي محمد نجيب الرئاسة وإعلان الجمهورية (1953) عقب نجاح ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار، أُجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد. في 18 يونيو 1953، أُعلن إلغاء النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، حيث تولى اللواء محمد نجيب منصب رئيس الجمهورية ليصبح أول رئيس لمصر. والتي لم تطل فترة حكمه حيث كان موقف اللواء محمد نجيب من إسرائيل متحفظًا؛ فقد تبنى موقفًا حذرًا تجاه الدولة الجديدة. كان نجيب معارضًا لإنشاء إسرائيل وتهجير الفلسطينيين، وأعلن دعمه العلني للقضية الفلسطينية، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات حاسمة أو عسكرية تجاه إسرائيل خلال تلك الفترة.
الأحداث الرئيسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية في عهده:
مع بداية توليه السلطة، أكد اللواء محمد نجيب رفضه لقيام دولة (الاحتلال) الإسرائيلية، خاصة بعد حرب 1948 وما ترتب عليها من تهجير الفلسطينيين وإحكام السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. هذا الموقف كان متوافقًا مع مشاعر الشارع المصري، لكنه لم يتخذ خطوات تصعيدية خشية الدخول في صراع مباشر مع دولة (الاحتلال) الإسرائيلية في وقت كانت مصر فيه بحاجة إلى الاستقرار الداخلي. و في إطار سعيه لتحقيق الاستقلال الكامل، دخل نجيب في مفاوضات مع بريطانيا (1954) لبحث انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس، في محاولة لتعزيز السيادة المصرية، لكن هذه المفاوضات لم تتطرق مباشرة إلى القضية الفلسطينية، وإن كان خروج البريطانيين يعتبر خطوة هامة لتحرير القرار المصري من التأثير الأجنبي.
تأييده لحقوق الفلسطينيين
في مناسبات متعددة، عبّر محمد نجيب عن دعمه لحقوق الفلسطينيين ورفضه للتوسع الإسرائيلي، لكن عدم الاستقرار الداخلي في مصر والصراعات السياسية داخل مجلس قيادة الثورة، ولا سيما الخلافات بين نجيب وجمال عبد الناصر، جعلت من الصعب أن يتخذ أي خطوات عملية أو يتبنى سياسة واضحة لمواجهة دولة (الاحتلال) الإسرائيلية.
محاولة الإصلاح الداخلي
تركزت سياسات اللواء محمد نجيب خلال فترة حكمه على قضايا الإصلاح الداخلي وتحقيق الاستقلال من النفوذ البريطاني، وتثبيت النظام الجمهوري، ما جعله لا يستطيع التركيز كثيرًا على الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصًا مع تصاعد الخلافات الداخلية التي أدت إلى إبعاده عن الحكم في نهاية عام 1954.
إبعاده من السلطة وتولي جمال عبد الناصر (1954) مع تفاقم الخلافات بين نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة، خاصة مع عبد الناصر الذي كان يملك رؤية أكثر تصعيدية تجاه إسرائيل، تم إقصاء محمد نجيب من منصبه في نوفمبر 1954. تولى جمال عبد الناصر بعد ذلك الحكم، واتخذ سياسات أكثر نشاطًا وتحديًا تجاه إسرائيل، خصوصًا في أواخر الخمسينيات.
خلاصة موقف محمد نجيب من إسرائيل والقضية الفلسطينية
بقي موقف الرئيس اللواء محمد نجيب تجاه دولة (الاحتلال) الإسرائيلية متمحورًا حول الرفض العلني لوجودها ودعمه للحقوق الفلسطينية، لكن تركيزه كان على الإصلاحات الداخلية والسياسة الداخلية لمصر، حيث لم يتمكن من اتخاذ إجراءات قوية تجاه دولة (الاحتلال) الإسرائيلية في ظل الصراعات الداخلية وظروف مصر الصعبة بعد الثورة.
الموقف تجاه الكيان الإسرائيلي:
خلفية الصراع:
قبل وأثناء تولي نجيب لمنصبه، كانت العلاقات بين مصر و دولة (الاحتلال) الإسرائيلية تعاني من توتر حاد. حرب 1948 (المعروفة بحرب الاستقلال الإسرائيلية أو النكبة لدى الفلسطينيين) كانت نقطة تحول كبيرة، حيث خسرت مصر وباقي الدول العربية في محاولتها مواجهة إنشاء دولة إسرائيل. كانت هذه الفترة مليئة بتهجير الفلسطينيين، مما أدى إلى فقدان مصر للقدس وغزة.
كان موقف محمد نجيب حذرًا ولم يكن لديه السلطة أو الرغبة في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد دولة (الاحتلال) الاسرائيلية. جمال عبد الناصر، الذي كان قوة خفية خلف الكواليس، كان يملك النفوذ الحقيقي في شؤون الدولة. ورغم ذلك عارض إنشاء دولة (الاحتلال) الاسرائيلية واعتبر ذلك غصبًا على الأراضي الفلسطينية.
الأحداث الرئيسية خلال حكمه:
تأسيس الجمهورية: في 18 يونيو 1953، أعلن محمد نجيب تأسيس الجمهورية بعد إجراء استفتاء شعبي في 23 يونيو 1952، والذي وافق على إنهاء النظام الملكي. حينها كانت القضية الفلسطينية من أولويات السياسة الخارجية المصرية، وبقيت هكذا تحت حكم نجيب رغم عدم قيامه بمبادرات دبلوماسية بارزة.
في 25 فبراير 1954، اضطر محمد نجيب للتنحي عن منصبه بعد صراعات داخلية داخل الضباط الأحرار. كان جمال عبد الناصر قد كسب دعم أغلبية القيادة العسكرية وأصبح القوة الدافعة في الحكم.
انقلاب 1952:
تعتبر ثورة 1952 وما تلاها من تغييرات سياسية واجتماعية هي من أبرز ما تركه نجيب في التاريخ المصري، على الرغم من أن حكمه كان قصيرًا وأنه فقد السلطة سريعًا. فمن خلال فترة حكمه القصيرة، يمثل محمد نجيب مرحلة انتقالية في تاريخ مصر، حيث شكلت هذه الفترة جسرًا بين العهد الملكي والحقبة الجديدة التي سيطر فيها الزعيم جمال عبد الناصر على المشهد السياسي.
الرئيس جمال عبد الناصر (1956-1970)
وُلِد عبد الناصر في 15 يناير 1918 في مدينة الإسكندرية بمصر، وانضم إلى الجيش المصري، حيث تدرّج في الرتب وأصبح جزءاً من حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملكية في ثورة 23 يوليو 1952. ساعدته شعبيته الواسعة وقيادته لهذه الثورة على أن يصبح رئيساً لمصر عام 1956.
كان عبد الناصر أحد أبرز الشخصيات القيادية في العالم العربي، و التي ساهمت مواقفه وسياساته في تشكيل تاريخ المنطقة.حيث اعتبر رمزًا للنضال العربي ضد الاستعمار والاحتلال.
في عام 1956، أطلق العدوان الثلاثي على مصر بمشاركة إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بعد تأميم قناة السويس. أدى هذا العدوان إلى تعزيز القومية العربية ورفض الاستعمار، وبدأت مصر في التصدي للكيان الإسرائيلي. في عام 1967، اندلعت حرب الأيام الستة، والتي أدت إلى هزيمة مصر وفقدان شبه جزيرة سيناء. وعلى الرغم من هذه الهزيمة، استمر عبد الناصر في دعمه للقضية الفلسطينية، ورفع شعارات التضامن مع الفلسطينيين. في عام 1970، بعد وفاة عبد الناصر، ترك إرثًا قويًا من المقاومة ضد إسرائيل.
تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي (1956)
في 26 يوليو 1956، أعلن عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس، الذي جاء كرد فعل مباشر على سحب الولايات المتحدة والبنك الدولي دعمهم لبناء السد العالي، الذي كان يعدّ مشروعاً قومياً كبيراً لمصر. كان قرار التأميم تحدياً مباشراً للهيمنة الغربية، خاصة أن القناة كانت تُدار من قبل شركة قناة السويس الفرنسية-البريطانية.
أثار القرار غضب كل من بريطانيا وفرنسا، اللتين كانتا تتطلعان للسيطرة على ممر حيوي مثل قناة السويس، وكذلك إسرائيل التي رأت في تأميم القناة تهديداً لمصالحها. ونتيجةً لذلك، شنت الدول الثلاث – بريطانيا وفرنسا و دولة (الاحتلال) الإسرائيلية– العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956.
وعلى الرغم من الدمار الذي لحق بالمدن المصرية، مثل بورسعيد، إلا أن مصر لم تتراجع، حيث قاومت بشراسة ونجحت في الصمود. في النهاية، ومع التدخل الأمريكي والسوفيتي اللذين دعيا لوقف إطلاق النار، أُجبرت الدول المعتدية على الانسحاب من الأراضي المصرية و بحلول مارس 1957. أثار الانتصار المعنوي لمصر الإعجاب لدى الشعوب العربية وعزز مكانة الزعيم عبد الناصر كقائد قومي عربي.
المد القومي العربي وتأسيس الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961)
بعد نجاحه في التصدي للعدوان الثلاثي، أصبح عبد الناصر رمزاً للوحدة العربية، فدعا إلى تأسيس كيان عربي موحد. في فبراير 1958، أُعلن عن قيام الجمهورية العربية المتحدة، التي ضمت مصر وسوريا، كخطوة نحو توحيد الصف العربي. لكن سرعان ما واجه الاتحاد تحديات سياسية وإدارية، أدت إلى انسحاب سوريا من الوحدة في سبتمبر 1961. ورغم ذلك، ظل عبد الناصر متمسكاً بفكرة الوحدة العربية والدعوة للاستقلال من الاستعمار.
حرب الأيام الستة والنكسة (1967)
في 5 يونيو 1967، اندلعت حرب الأيام الستة، أو ما يعرف بـ”نكسة 67″، حيث شنت إسرائيل هجوماً مفاجئاً على مصر وسوريا والأردن. أدى الهجوم إلى خسارة كبيرة للأراضي العربية، حيث احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. شكّلت النكسة صدمة كبيرة لعبد الناصر وللعالم العربي بأكمله، ودفعت ناصر لتقديم استقالته، إلا أن الشعب المصري خرج في مظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء في الحكم، ما دفعه للعدول عن الاستقالة والاستمرار في الحكم.
بعد النكسة، بدأ عبد الناصر بإعادة بناء الجيش المصري، وبدأت حرب الاستنزاف (1967-1970)، التي كانت تهدف إلى استنزاف القوات الإسرائيلية على طول جبهة قناة السويس. تركزت الحرب على العمليات العسكرية المحدودة والمناوشات، وشهدت تطوراً في أسلوب المقاومة المصرية.
دعم القضية الفلسطينية
ظل عبد الناصر مدافعاً قوياً عن القضية الفلسطينية، حيث سعى إلى بناء قوة عربية مشتركة قادرة على التصدي للاحتلال الإسرائيلي. أسس في 1964 منظمة التحرير الفلسطينية وقدم لها الدعم السياسي والعسكري، وأيد نضال الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه.
الوفاة والإرث (1970)
في 28 سبتمبر 1970، توفي عبد الناصر فجأة بعد تعرضه لأزمة قلبية. جاءت وفاته كصدمة كبيرة للشعوب العربية، التي فقدت قائداً ملهمًا دعا للوحدة العربية ومناهضة الاستعمار. بعد رحيله، ترك إرثاً قوياً من القومية العربية والمقاومة، وألهم حركات التحرر العربية والإفريقية. ورغم إخفاقاته، لا يزال جمال عبد الناصر يُذكر كرائد للنضال العربي ومحفّز للوحدة العربية في مواجهة التحديات.
فترة حكم أنور السادات (1970 – 1981): الشخصية المحورية في تاريخ مصر
خلف الرئيس جمال عبد الناصر بعد وفاته في 28 سبتمبر 1970، واستمرت فترة حكمه حتى اغتياله في 6 أكتوبر 1981. تميّزت فترة حكم السادات بعدة مراحل وأحداث هامة شملت إعادة بناء القوات المسلحة، واستعادة الأراضي المصرية المحتلة، وإجراء تحولات سياسية واقتصادية ضخمة في الداخل والخارج. وفتح الباب أمام علاقات جديدة مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية.
إعادة بناء الجيش وحرب أكتوبر 1973
بعد هزيمة 1967، أولى السادات اهتمامًا خاصًا لإعادة بناء الجيش المصري، وجعل ذلك أحد أهدافه الأساسية منذ توليه الرئاسة. في 6 أكتوبر 1973، قاد السادات مصر في حرب أكتوبر أو “حرب العاشر من رمضان”، بالتنسيق مع سوريا، ضد إسرائيل بهدف استعادة الأراضي العربية المحتلة. عبرت القوات المصرية قناة السويس وحققت انتصاراً عسكرياً مهماً، مما أدى إلى استعادة جزء كبير من سيناء وأثبت كفاءة الجيش المصري. شكلت حرب أكتوبر مصدر إعجاب عالمي بقيادة السادات ومهاراته الاستراتيجية، وأدت إلى تحولات في العلاقات الدولية ومواقف القوى الكبرى تجاه المنطقة.
اتفاقية كامب ديفيد (1978)
بعد حرب أكتوبر، اتجه السادات نحو مسار جديد لتحقيق السلام مع دولة (الاحتلال) الإسرائيلية، وهو ما شكل تحولاً كبيراً في السياسة المصرية. في 1977، قام السادات بزيارة تاريخية إلى القدس، ليصبح أول رئيس عربي يقوم بخطوة كهذه. أثارت الزيارة ردود فعل متباينة داخل مصر والعالم العربي، لكنها أدت إلى بدء محادثات سلام مباشرة مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية تحت رعاية الولايات المتحدة.
في سبتمبر 1978، عُقدت مفاوضات كامب ديفيد في الولايات المتحدة برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وتم التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد، التي شملت اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل. وقّع السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن على معاهدة السلام في 26 مارس 1979 في واشنطن. نصت المعاهدة على استعادة مصر لسيناء بشكل تدريجي حتى عام 1982. وتبعت الاتفاقية خطوات عملية عززت العلاقات بين البلدين، حيث تم في عام 1980 فتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة، لتصبح مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية. ورغم أن المعاهدة أثارت معارضة عربية واسعة وتسببت في تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقرها إلى تونس، إلا أن السادات أصر على قراره لتحقيق السلام.
سياسة الانفتاح الاقتصادي:
على الصعيد الداخلي، أطلق السادات سياسة اقتصادية جديدة عُرفت بـ”الانفتاح الاقتصادي”، وهدفت إلى تحرير الاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات الأجنبية. تم فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في مصر، وفتح الباب للشركات الأجنبية، لكن هذه السياسة واجهت تحديات كثيرة. فمع ارتفاع الأسعار وازدياد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، شهدت مصر احتجاجات واسعة، أبرزها انتفاضة الخبز في يناير 1977، التي قامت ضد رفع أسعار السلع الأساسية. دفعته هذه الاحتجاجات إلى التراجع عن بعض قراراته الاقتصادية، لكنها لم تثنِه عن الاستمرار في تطبيق سياسة الانفتاح.
تصاعد المعارضة الداخلية واغتياله (1981)
مع نهاية السبعينيات، تزايدت المعارضة الداخلية للسادات بسبب سياساته، خاصة معارضته من قِبل القوى اليسارية والإسلامية التي رأت أن سياسة السلام والانفتاح الاقتصادي تعارض مصالح مصر. ورغم أنه واجه هذه المعارضة بحملة اعتقالات واسعة في سبتمبر 1981 شملت معارضين من مختلف التيارات السياسية والدينية، إلا أن الغضب الشعبي ظل مستمراً.
في 6 أكتوبر 1981، أثناء احتفاله بالذكرى الثامنة لحرب أكتوبر، تعرض السادات لعملية اغتيال من قبل مجموعة من المتطرفين الذين رفضوا سياسات السلام مع إسرائيل. كانت عملية الاغتيال صادمة لمصر والعالم، والتي أدت إلى نهاية فترة حكمه التي تميزت بالتحولات الجذرية في السياسة الداخلية والخارجية.
إرث أنور السادات:
رغم التباين في تقييم فترة حكمه، يبقى أنور السادات شخصية تاريخية مؤثرة. نجح في إعادة مصر إلى الخارطة الدولية، وفتح باب السلام مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية، واستعاد سيناء، وأرسى أسس الانفتاح الاقتصادي. ورغم الانتقادات، يعتبر البعض سياساته مقدمة لتحول مصر نحو عصر جديد سياسياً واقتصادياً، بينما رأى آخرون أن سياساته كانت خطوة نحو التفريط في المكاسب القومية التي عمل عليها سلفه جمال عبد الناصر.
فترة حكم حسني مبارك (1981 -2011): السلام والتوازن الإقليمي
وُلِد محمد حسني مبارك في 4 مايو 1928 في قرية كفر المصيلحة بمحافظة المنوفية، مصر. كانت أسرته متوسطة الحال، حيث كان والده يعمل موظفاً حكومياً.
نشأ مبارك في بيئة تعليمية محافظة، واهتم والده بتعليمه وتوجيهه نحو أهمية التعليم. وبعد أن أكمل مبارك دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه، انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة الطيران. في عام 1949، انضم إلى الكلية الجوية وتخرج منها في عام 1950، ليصبح ضابطاً في سلاح الطيران المصري. لاحقًا، أُرسل مبارك إلى الاتحاد السوفيتي للتدريب على الطائرات المقاتلة، حيث حصل على درجة الماجستير في الطيران.
بعد عودته إلى مصر، شهدت مسيرته العسكرية ترقيات سريعة. شارك في حرب 1956 ضد العدوان الثلاثي، وكان له دور فعال في تطوير سلاح الطيران المصري. في عام 1967، بعد الهزيمة في حرب الأيام الستة، عُيِّن مبارك رئيساً للأركان في القوات الجوية، حيث لعب دورًا رئيسيًا في إعادة بناء القوات الجوية المصرية.
في عام 1970، بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، عُيّن مبارك نائبًا للرئيس. عمل عن كثب مع الرئيس أنور السادات، حيث كان له دور بارز في السياسة الخارجية والعسكرية. وفي ظل فترة حكم السادات، شارك مبارك في العديد من المفاوضات، بما في ذلك تلك التي أدت إلى اتفاقية كامب ديفيد.
تسلم الرئاسة: بعد اغتيال أنور السادات في 6 أكتوبر 1981، تولى محمد حسني مبارك رئاسة مصر. جرت مراسم تنصيبه في 14 أكتوبر 1981، ليبدأ بذلك أطول فترة حكم استمرت لأكثر من 30 عامًا، منذ تأسيس الجمهورية والتي شهدت العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة، كما تخللتها تحديات كبيرة وأحداث داخلية وخارجية أثرت بشكل كبير على مصر، وانتهت بفعل ثورة شعبية في عام 2011.
تولى مبارك السلطة في 14 أكتوبر 1981 بعد اغتيال السادات، وواجه في بداية حكمه تحديات أمنية كبيرة، إذ تبنى سياسة التهدئة وحاول بناء استقرار داخلي. واجهت مصر في هذه الفترة تهديدات من الجماعات المتطرفة التي نفذت عدة عمليات إرهابية، أبرزها حادثة الأقصر في 1997 التي راح ضحيتها عشرات السياح. قاد مبارك حملة أمنية ضد المتطرفين، وسعى إلى فرض سيادة القانون والحفاظ على الأمن الداخلي.
أطلق مبارك سياسات اقتصادية تستهدف تحقيق النمو والتنمية، فبدأ تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي في التسعينيات بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف الحد من العجز المالي وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. قاد هذه الإصلاحات رئيس الوزراء عاطف صدقي، وشملت خصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة وفتح الأسواق. حققت هذه السياسات نجاحات في بعض القطاعات، حيث شهد الاقتصاد المصري نمواً ملحوظاً، إلا أن سياسات الخصخصة أدت إلى تزايد التفاوت الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع معدلات البطالة، وهو ما انعكس سلباً على الطبقات الفقيرة.
كان مبارك معروفاً بدوره الكبير في السياسة الإقليمية، حيث حرص على الحفاظ على السلام مع دولة الاحتلال (الاسرائيلية، ودعم اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات، كما لعب دوراً وسيطاً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستضاف العديد من المحادثات بين الطرفين. كما عمل على تعزيز علاقات مصر مع الولايات المتحدة، التي قدمت مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة لمصر خلال فترة حكمه.
وفي عام 1990، شاركت مصر في التحالف الدولي لتحرير الكويت بعد الغزو العراقي، وقد عادت على مصر فوائد سياسية واقتصادية، أبرزها إعفاء جزء كبير من ديونها. أدى هذا الدور إلى تعزيز مكانة مصر الإقليمية، إلا أن علاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة وإسرائيل كانت دائماً محل انتقادات واسعة.
السياسة تجاه القضية الفلسطينية
كان للرئيس الراحل محمد حسني مبارك دورٌ كبير في السياسة المصرية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث حرص على تعزيز موقف مصر كداعم رئيسي للحقوق الفلسطينية. بعد اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمها السادات مع إسرائيل في 1978، ورغم الانتقادات التي واجهها، استمر مبارك في العمل على تحقيق السلام في المنطقة ودعم الحقوق الفلسطينية.
في بداية حكمه، عمل مبارك على تعزيز العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبرها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. وكان يُنظر إلى مصر كمركز إقليمي للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في 1988، كانت مصر واحدة من الدول العربية التي اعترفت بـإعلان الاستقلال الفلسطيني الذي أعلنه ياسر عرفات في الجزائر، واعتبرت ذلك خطوة هامة نحو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
اتفاقية أوسلو (1993)
في 1993، تم التوصل إلى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي كان يُعتبر خطوة تاريخية نحو السلام. دعم مبارك هذا الاتفاق ودعا الدول العربية إلى تأييده، مشدداً على أهمية تعزيز السلام والأمن في المنطقة. وقد عُقدت قمة في 1996 في شرم الشيخ بمصر، جمعت بين الزعماء العرب والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز، بهدف تعزيز التعاون العربي في دعم المسار السلمي.
مؤتمر مدريد للسلام (1991)
في 1991، استضافت مدريد مؤتمر السلام الذي ضم أطرافًا من إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، وكان مبارك أحد الداعمين الرئيسيين لهذا المؤتمر. كانت هذه المحادثات خطوة مهمة نحو تحقيق السلام الشامل، حيث ساهمت في رسم خريطة الطريق للمفاوضات.
قمة شرم الشيخ (2005)
بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000، استمرت الجهود المصرية للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في 2005، استضافت مصر قمة في شرم الشيخ بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، بهدف تعزيز الهدنة بين الجانبين. في هذه القمة، تم التأكيد على ضرورة العودة إلى المفاوضات لتحقيق السلام الدائم.
العلاقات مع حركة حماس
على الرغم من دعم مبارك لمنظمة التحرير الفلسطينية، واجهت مصر تحديات جديدة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، حيث كانت حماس تعتبر حركة إسلامية معارضة للرؤية السياسية للسلطة الفلسطينية التي يقودها رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس. اتبعت مصر سياسة حذرة تجاه حماس، حيث سعت إلى إقناعها بالاعتراف بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وفتح قنوات للحوار.
إرث الرئيس حسني مبارك
تُعتبر فترة حكم مبارك طويلة ومعقدة، حيث أُبرزت سياسته تجاه القضية الفلسطينية كجزء محوري من سياسته الخارجية. عُرفت مصر في عهده كداعم رئيسي للحقوق الفلسطينية، وعملت على تحقيق التوازن بين دعم القضية الفلسطينية وعلاقاتها مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. ومع ذلك، تعرضت سياساته لانتقادات من بعض الفصائل الفلسطينية والعربية بسبب عدم تحقيق تقدم ملموس في عملية السلام.
في نهاية فترة حكمه، ترك مبارك إرثًا متباينًا؛ حيث يُعتبر على أنه ساهم في إرساء دعائم عملية السلام، لكنه في الوقت نفسه واجه تحديات جسيمة في الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق تسوية عادلة للقضية.
استمر مبارك في تطبيق معاهدة السلام، لكنه أراد أيضًا الحفاظ على دور مصر كقوة قومية عربية. تواجهت بين تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودعم القضية الفلسطينية.
فترة الألفية الجديدة وتزايد السخط الشعبي
مع دخول الألفية الجديدة، شهدت مصر تزايداً في الغضب الشعبي نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم البطالة والفقر والفساد. تزايدت الانتقادات ضد سياسات مبارك، خاصة مع استمرار سيطرة الحزب الوطني الحاكم، وتراجع مساحة الحريات السياسية. تصاعدت الدعوات للإصلاح السياسي، وظهرت حركات معارضة قوية مثل حركة كفاية وحركة 6 أبريل، التي طالبت بإجراء إصلاحات ديمقراطية ووقف التجديد للرئاسة لمبارك.
أثيرت في تلك الفترة قضايا التوريث، حيث كان يُعتقد أن مبارك يُعد ابنه جمال مبارك لخلافته، ما زاد من حدة المعارضة الشعبية. كما أدى تزوير الانتخابات البرلمانية في 2010 إلى تفاقم الغضب الشعبي وأصبح واضحاً أن البلاد تواجه أزمة سياسية واجتماعية.
ثورة 25 يناير 2011 وسقوط النظام
في 25 يناير 2011، انطلقت احتجاجات شعبية كبيرة تزامنت مع ما عُرف بـ”الربيع العربي”، حيث خرج ملايين المصريين إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام، وإنهاء الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية. كانت احتجاجات ضخمة وغير مسبوقة، وشملت جميع أنحاء مصر. استمرت الاحتجاجات حتى أعلن مبارك تنحيه عن السلطة في 11 فبراير 2011، ونقل صلاحياته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لتنتهي بذلك فترة حكمه.
محاكمته وما بعد التنحي
بعد تنحيه، خضع مبارك لمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد وقتل المتظاهرين، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد في 2012، لكن تمت تبرئته لاحقاً من عدة تهم.
أمضى مبارك بقية حياته بعيداً عن السياسة، وتوفي في 25 فبراير 2020 عن عمر يناهز 91 عاماً.
الرئيس محمد مرسي (2012-2013): الرئاسة القصيرة والتحديات
وُلِد محمد مرسي في 20 أغسطس 1951 في محافظة الشرقية بمصر. حصل على درجة الدكتوراه في هندسة الطيران من الولايات المتحدة الأمريكية. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في السبعينات وأصبح أحد أهم رموز قياداتها. تولى مرسي عدة مناصب داخل الجماعة، منها:
عضو مكتب الإرشاد (المكتب التنفيذي للجماعة).
رئيس الهيئة البرلمانية لجماعة الإخوان في مجلس الشعب المصري (2000-2005).
رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين.
تولي الرئاسة
بعد ثورة 25 يناير 2011، شارك محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في يونيو 2012. فاز بالانتخابات في جولة الإعادة التي تمت بينه وبين أحمد شفيق، وتولى منصب رئيس جمهورية مصر العربية في 30 يونيو 2012.
محمد مرسي، أستاذ الهندسة ورئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، أصبح أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر في يونيو 2012.، وفي فترة مضطربة جدًا لم تشهد استقرارًا سياسيًا أو اقتصاديًا. هذا الفوز كان نقطة تحول كبرى في السياسة المصرية، إذ وصل رئيس يمثل جماعة الإخوان المسلمين، لأول مرة، إلى سدة الحكم بعد سنوات طويلة من الحظر والملاحقات.
مع تولي مرسي الحكم، ورث نظامًا سياسيًا غير مستقر تمامًا، حيث كانت البلاد تعاني من اضطرابات أمنية وسياسية واسعة. كانت القوات المسلحة المصرية، بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لا تزال تحتفظ بنفوذ كبير في الحكم، وكان هناك توتر متزايد بين مرسي والجماعات السياسية الأخرى، حيث رأى العديد منهم أن تولي الإخوان المسلمين للرئاسة يهدد مدنية الدولة.
القرارات المثيرة للجدل:
1. الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012:
في 22 نوفمبر 2012، أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا منح نفسه فيه صلاحيات مطلقة وجعل قراراته محصنة من الطعن القضائي، زاعمًا أن هذا الإعلان كان ضروريًا لحماية الثورة وإكمال مسار الديمقراطية. أثار هذا القرار احتجاجات واسعة، حيث اعتبرته المعارضة بمثابة ديكتاتورية جديدة.
تسببت هذه الخطوة في اندلاع مظاهرات عنيفة في ميدان التحرير، وتمت مواجهات بين أنصار مرسي ومعارضيه، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
2. حصار المحكمة الدستورية العليا:
بعد إصدار الإعلان الدستوري، احتشد أنصار مرسي وجماعة الإخوان المسلمين حول المحكمة الدستورية العليا لمنع قضاتها من الدخول والحكم بشأن حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى.
هذا الحدث اعتُبر تدخلًا غير مسبوق في عمل السلطة القضائية، وواجه انتقادات شديدة من القضاة والسياسيين المعارضين الذين رأوا أن مرسي يستخدم جماعته للضغط على القضاء.
3. التسريبات المتعلقة بالعلاقات مع حركة حماس:
خلال حكم مرسي، تزايدت الشكوك حول وجود علاقات وثيقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وظهرت اتهامات بقيامه بتسريب معلومات سرية عن الأمن القومي المصري إلى حماس، خاصة فيما يتعلق بالحدود بين مصر وقطاع غزة.
برزت مزاعم أن قيادات من حماس دخلت مصر خلال فترة حكم مرسي، وساهمت في تعميق العلاقة بين جماعة الإخوان وحماس، مما أثار مخاوف البعض من تأثير حماس على السياسة المصرية، لكن مرسي والإخوان نفوا هذه الادعاءات، معتبرينها محاولات لتشويههم.
4. أخونة الدولة وتعيين أعضاء من الإخوان في مناصب عليا:
واجه مرسي اتهامات بالسعي إلى “أخونة الدولة” بعد تعيينه لعدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مناصب حكومية حساسة، ومنهم:
طلعت عبد الله كنائب عام في أواخر 2012، وهو تعيين أثار اعتراضات واسعة في الأوساط القانونية باعتباره خطوة لتسخير السلطة القضائية لصالح الإخوان.
تعيين محافظين منتمين إلى الإخوان في عدة محافظات، خاصة تعيين عادل أسعد الخياط محافظًا للأقصر، وهو عضو في الجماعة الإسلامية، التي كان لها تاريخ من المواجهات العنيفة. أدى هذا التعيين إلى احتجاجات من قطاع السياحة في الأقصر، وانتهى الأمر باستقالته.
5. أزمة النائب العام وتوترات مع القضاء:
أمر مرسي في أواخر 2012 بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود، وتعيين طلعت عبد الله بدلًا منه، وهو قرار اعتبر تجاوزًا لصلاحيات الرئيس وتدخلًا في استقلال القضاء. هذا الأمر أثار غضب القضاة وتسبب في مواجهات بين مرسي وجهاز القضاء. أدى هذا التوتر إلى احتجاجات كبيرة من قضاة مصر، وعزز المخاوف من أن مرسي كان يسعى للسيطرة على السلطة القضائية.
في نهاية 2012، أشرفت الجمعية التأسيسية التي كانت تحت سيطرة الإخوان المسلمين وحلفائهم على صياغة دستور جديد، تمت الموافقة عليه بسرعة في استفتاء شعبي في ديسمبر 2012. وقد اتُهمت الجمعية بإعداد دستور يركز السلطة في يد الرئيس، ويحابي الإخوان المسلمين، ويقلل من حقوق النساء والأقليات، ما زاد من حدة الانقسامات السياسية.
6. مظاهرات 30 يونيو 2013 وعزله:
في 30 يونيو 2013، خرجت مظاهرات ضخمة في مختلف محافظات مصر احتجاجًا على سياسات مرسي وحكم الإخوان. هذه المظاهرات كانت من بين أكبر الحشود التي شهدتها مصر، وطالبت بعزل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
في 3 يوليو 2013، استجاب الجيش للمطالب الشعبية وأعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع حينها، عزل مرسي من الرئاسة وتعليق العمل بالدستور، وتشكيل حكومة مؤقتة. عُرفت هذه الأحداث ب”ثورة 30 يونيو” أو “الانقلاب على مرسي”، حسب وجهة نظر الأطراف المختلفة.
7. أزمة الكهرباء والوقود والأمن:
خلال فترة حكمه، شهدت البلاد أزمات اقتصادية حادة، تضمنت انقطاعات متكررة للكهرباء ونقصًا حادًا في الوقود، مما أثار استياء المواطنين وأدى إلى تدهور الوضع المعيشي. كما زادت معدلات الجرائم بسبب ضعف الأمن، ما عمّق استياء الشعب وزاد من المطالبات بإنهاء حكم الإخوان.
8. اتهامات بالتخابر والتحريض على العنف بعد عزله:
بعد عزله، وُجهت لمرسي عدة اتهامات، منها التخابر مع جهات أجنبية، من بينها حركة حماس وحزب الله، والتحريض على العنف ضد المتظاهرين. خضع لمحاكمات طويلة حول هذه القضايا حتى وافته المنية خلال جلسة محاكمته في 17 يونيو 2019.
تعتبر فترة حكم محمد مرسي من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ مصر، حيث شهدت انقسامات سياسية ومواجهات بين مؤسسات الدولة وتوترات اجتماعية واسعة، وكلها ساهمت في نهاية حكمه السريعة.
السياسة الخارجية تجاه غزة وفلسطين:
تأرجح موقف مرسي من القضية الفلسطينية ما بين الدعم العلني لحقوق الفلسطينيين والتعاون مع حركة حماس، التي تربطها بالإخوان المسلمين علاقات أيديولوجية وسياسية وثيقة، وبين الضغوط التي مارسها الداخل والخارج عليه للحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. قام مرسي بفتح معبر رفح مع قطاع غزة وتقديم دعم معنوي لحماس، مما أثار مخاوف من علاقات غير معلنة بين حماس والرئاسة المصرية في محاولة لإيجاد نفوذ إقليمي جديد.
تسريبات العلاقة مع حماس:
اتهمت عدة أطراف مرسي بتقديم دعم غير مشروع لحماس، وحتى تسريب معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي المصري، وهو أمر نفاه مرسي وجماعة الإخوان، معتبرين أنه مجرد ادعاءات لتشويههم.
العلاقة مع الولايات المتحدة و دولة (الاحتلال) الإسرائيلية:
خلال فترة حكم مرسي، ورغم توجهاته الإسلامية ودعمه العلني لفلسطين، حرص على الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة واستمرار معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل. كانت الولايات المتحدة تضغط على مرسي لضمان احترام الاتفاقيات الدولية، كما استمر الدعم العسكري الأمريكي لمصر، مما أغضب بعض معارضيه الذين رأوا في ذلك تناقضًا مع توجهات الإخوان.
تسريبات العلاقة مع حركة حماس
خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، برزت اتهامات من عدة أطراف سياسية وإعلامية بوجود علاقة سرية وغير رسمية بين نظام مرسي وجماعة الإخوان المسلمين مع حركة حماس الفلسطينية. ومن أبرز هذه الاتهامات كان الزعم بأن مرسي سمح بتقديم دعم مالي وعسكري لحماس، بل وُجهت له اتهامات بتسريب معلومات سرية تتعلق بالأمن القومي المصري وتفاصيل حساسة عن وضع سيناء والمعابر الحدودية.
و وفقًا لبعض المصادر، تم تسريب معلومات عن تواطؤ بين جماعة الإخوان وحركة حماس، ما يُعرف في القضية الشهيرة بـقضية الهروب من سجن وادي النطرون. تم الزعم بأن قيادات من حماس و”حزب الله” تواصلت مع قادة الإخوان، وأن بعضهم دخل مصر أثناء ثورة يناير 2011 وساعدوا في عملية اقتحام السجون، بما فيها سجن وادي النطرون حيث كان مرسي محتجزًا حينها.
المحاكمات بعد العزل: بعد عزل مرسي، تم التحقيق معه ومع عدد من قيادات الإخوان في تهم تتعلق بالتخابر والتعاون مع حماس. في عام 2015، أصدرت محكمة مصرية حكمًا ضد مرسي وعدد من قيادات الإخوان بتهمة التخابر مع جهات أجنبية، من بينها حماس وحزب الله، معتبرةً أن التعاون بين الطرفين كان يهدف إلى تنفيذ عمليات من شأنها تهديد الأمن القومي المصري. حيث وُجهت اتهامات بأن مرسي قدم تسهيلات لحماس في قطاع غزة، مثل فتح معبر رفح بشكل أوسع مما كان عليه الحال سابقًا، الأمر الذي أثار قلقًا لدى بعض القيادات العسكرية والأمنية المصرية، خشيةً من أن يتسبب ذلك في اختراق أمني للحدود المصرية.
ومع ذلك، نفت جماعة الإخوان وحماس هذه الادعاءات مرارًا وتكرارًا، مشيرين إلى أنها مجرد حملة إعلامية تهدف إلى تشويه سمعتهم وإضعاف الدعم الشعبي للرئيس مرسي. واعتبر مرسي وأعضاء جماعته أن العلاقة مع حماس تأتي في سياق دعم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
العلاقة مع الولايات المتحدة و دولة (الاحتلال) الاسرائيلية
رغم الانتماء الفكري لمرسي وجماعة الإخوان المسلمين للتيار الإسلامي، وتأكيده المتكرر على دعم القضية الفلسطينية، حرص مرسي على الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وأبقى على اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل والتي تم توقيعها في 1979.
الضغوط الأمريكية: خلال فترة حكمه، كانت الولايات المتحدة تتابع الوضع في مصر عن كثب، وكانت تضغط على مرسي لضمان احترام مصر للاتفاقيات الدولية، خصوصًا معاهدة كامب ديفيد. يُقال إن مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما كانوا يتواصلون مع مرسي باستمرار لضمان عدم المساس باتفاقيات السلام مع إسرائيل، وقد أكد مرسي في أكثر من مناسبة التزامه بهذه الاتفاقية.
استمرار الدعم العسكري الأمريكي: كان استمرار المساعدات العسكرية لمصر مصدر قلق لدى بعض معارضي مرسي، الذين رأوا أن العلاقات مع واشنطن وإسرائيل تتعارض مع توجهات الإخوان وسياساتهم التي تتبنى دعم المقاومة الفلسطينية. في مارس 2013، تسلمت مصر أربع طائرات F-16 من الولايات المتحدة ضمن صفقة أسلحة تمت الموافقة عليها قبل تولي مرسي الرئاسة، مما أثار تساؤلات حول مدى استقلالية النظام في ظل استمرار تدفق المساعدات الأمريكية.
الحفاظ على الوضع في سيناء: في أغسطس 2012، تعرضت نقطة أمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية في رفح لهجوم إرهابي قُتل فيه 16 جنديًا مصريًا، ما شكل اختبارًا لسياسات مرسي في سيناء. تعهد مرسي باستعادة الأمن هناك، ونفذ عمليات عسكرية واسعة للقضاء على الإرهاب. كانت واشنطن تتابع هذه التطورات بحذر، وقدمت دعمًا استخباراتيًا لمصر في هذه العمليات.
التوازن بين الدعم لفلسطين والعلاقات مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية:
رغم دعمه المعلن للقضية الفلسطينية، حافظ مرسي على علاقة رسمية مع إسرائيل. في نوفمبر 2012، لعب مرسي دورًا في الوساطة بين إسرائيل وحماس خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، وأسفرت الوساطة عن اتفاق لوقف إطلاق النار. نُظر إلى هذا الدور بإيجابية من قِبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، حيث أظهرت قدرة مرسي على لعب دور الوسيط في المنطقة.
التعيينات المثيرة للجدل في المناصب العليا:
عمد مرسي إلى تعيين عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مناصب حكومية رفيعة، ما أثار اتهامات واسعة بالسعي إلى “أخونة الدولة”.حيث قام بتعيين محافظين محسوبين على الإخوان في عدة محافظات، مما أدى إلى توتر مع القوى المحلية. و تعيين طلعت عبد الله نائبًا عامًا لمصر، حيث اُعتبر هذا التعيين خطوة لتسخير السلطة القضائية لصالح الإخوان المسلمين.
التوترات الأمنية والاقتصادية:
واجه مرسي تحديات اقتصادية هائلة، من بينها ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الدين العام، وتراجع السياحة. كما تفاقمت الأزمات الأمنية، حيث استمرت الاضطرابات في سيناء وتصاعدت حدة الهجمات الإرهابية. ورغم محاولاته لتقديم حلول، لم يتمكن مرسي من تحقيق الاستقرار الذي كانت البلاد في حاجة ماسة إليه.
نهاية حكمه وإسقاطه: في 30 يونيو 2013،
خرجت تظاهرات ضخمة مناوئة لحكم مرسي، رافعة شعارات تطالب بعزله نتيجة ما اعتبره المعارضون تسلطًا سياسيًا وفشلًا في تحقيق تطلعات الشعب. استجاب الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لمطالب المتظاهرين، فأصدر بيانًا في 3 يوليو 2013 يقضي بعزل مرسي وتعليق العمل بالدستور وتشكيل حكومة مؤقتة، فيما عُرف لاحقًا ب”ثورة 30 يونيو”.
بعد عزله، أُلقي القبض على محمد مرسي ووُجهت له تهم متعددة، من بينها التخابر مع جهات خارجية، والتحريض على العنف، والتورط في قتل المتظاهرين. استمرت محاكمته لعدة سنوات حتى وافته المنية خلال إحدى جلسات المحاكمة في 17 يونيو 2019.
خلاصة فترة حكمه
تعتبر فترة حكم محمد مرسي القصيرة من أكثر الفترات إثارة للجدل في تاريخ مصر الحديث، حيث واجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية ضخمة، واتخذ قرارات اعتبرت مثيرة للجدل، وأسهمت في تعميق الانقسام داخل المجتمع المصري.
فترة حكم عبد الفتاح السيسي (2014 – الى الآن): الاستقرار والتوازن الأمني
وُلد عبد الفتاح السيسي في 19 نوفمبر 1954 في حي القلعة بالقاهرة، مصر. ينحدر السيسي من أسرة مصرية متوسطة الحال، حيث كان والده، محمد السيسي، موظفًا في الدولة في مجال الضرائب. تُعد أسرة السيسي من الطبقة الوسطى في المجتمع المصري، حيث كانت نشأته بسيطة بعيدًا عن الثراء الفاحش أو النفوذ الكبير. بينما تُعتبر أمه من أسرة مُتوسطة أيضًا، ويقال إن أصول والدته تعود إلى منطقة صعيد مصر.
درس عبد الفتاح السيسي في الكلية الحربية، حيث انضم إلى الجيش المصري في عام 1970، وكان من بين ضباط الجيش الذين تخرجوا في فترة ما بعد حرب أكتوبر 1973. التحق السيسي بأكاديمية الجيش المصري وتخرج فيها، وتدرج في المناصب العسكرية ليصبح أحد الضباط البارزين في الجيش المصري.
خلال سنوات خدمته في الجيش، شغل السيسي عدة مناصب مهمة في العديد من الوحدات العسكرية، وتدرج في الرتب حتى وصل إلى منصب مدير جهاز المخابرات العسكرية في عام 2010. كان معروفًا عن السيسي تفانيه في العمل العسكري، ومهاراته في التنظيم والإدارة، وقد اكتسب سمعة قوية بين قادة الجيش بسبب ولائه الشديد للنظام الحاكم في ذلك الوقت.
في 2012، تم تعيين السيسي في منصب وزير الدفاع في حكومة الرئيس محمد مرسي، الذي تم انتخابه بعد ثورة 25 يناير 2011. كان هذا التعيين بمثابة نقطة تحول كبيرة في مسار حياة السيسي السياسية. على الرغم من كونه ضابطًا في الجيش، بدأ السيسي في تلك الفترة تقوية علاقاته السياسية داخل مؤسسات الدولة، وقد دعم المشير حسين الطنطاوي، الذي كان وزير الدفاع الأسبق، السيسي خلال فترة توليه هذا المنصب.
2. الانقلاب العسكري (2013)
في 30 يونيو 2013، اندلعت مظاهرات حاشدة ضد حكم مرسي، حيث طالب ملايين المصريين بإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين. كانت هذه الاحتجاجات بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاختلافات السياسية. في 3 يوليو 2013، أقدم السيسي على الإطاحة بمرسي، حيث أعلن عن عزل الرئيس المصري ووقف العمل بالدستور. قوبل هذا الانقلاب بتأييد شعبي واسع من قطاعات كبيرة في المجتمع المصري، إلا أنه أثار جدلًا داخليًا وخارجيًا حول legality وشرعية الإجراءات المتخذة.
3. المرحلة الانتقالية
بعد الانقلاب، تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة عدلي منصور، الذي كان رئيس المحكمة الدستورية. قام السيسي بتعزيز سلطته ونفوذه داخل الحكومة، وتمت الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة. في مارس 2014، أعلن السيسي عن استقالته من منصب وزير الدفاع ليترشح للرئاسة.
4. الانتخابات الرئاسية (2014)
في مايو 2014، أُجريت الانتخابات الرئاسية، وفاز السيسي بنسبة 96.9% من الأصوات، في انتخابات قوبلت بانتقادات دولية بسبب نقص التنافسية واعتقال العديد من المعارضين. بعد فوزه، ألقى السيسي خطابًا تعهد فيه بتحقيق الأمن والاستقرار، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحسين الوضع الاقتصادي.
دعم السعودية لعبد الفتاح السيسي: توطيد حكمه وأبعاد العلاقة
منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي عام 2013، أصبح الدعم السعودي أحد الأعمدة الأساسية في تعزيز سلطته وشرعيته، وكانت العلاقات المصرية السعودية تتسم بالتعاون الوثيق في مختلف المجالات، وخاصة السياسية والاقتصادية. يأتي هذا الدعم في إطار الرؤية الاستراتيجية لكل من الرياض والقاهرة في مواجهة التحديات الإقليمية.
البداية: مرحلة ما بعد الانقلاب
بعد الانقلاب الذي قاده السيسي ضد مرسي في 3 يوليو 2013، كانت السعودية من بين أولى الدول التي سارعت بالاعتراف بحكمه، حيث عبر الملك سلمان بن عبد العزيز عن دعم بلاده الكامل للنظام الجديد. جاءت تلك الخطوة في سياق اهتمام الرياض بتحقيق الاستقرار في مصر، التي تعتبر دولة محورية في الشرق الأوسط، وتأمين حدودها الجنوبية.
الدعم المالي والاقتصادي
أحد أبرز جوانب الدعم السعودي كان المالي، حيث قدمت الرياض حزمة من المساعدات المالية لمصر تصل إلى 12 مليار دولار. تتضمن هذه المساعدات منحًا وقروضًا، تهدف إلى تعزيز الاقتصاد المصري المتعثر. في عام 2014، تم الإعلان عن توجيه السعودية نحو تقديم حزمة مساعدات تشمل استثمارات في مجالات البنية التحتية والإسكان والطاقة، وهو ما كان له أثر إيجابي على الاقتصاد المصري.
مشروعات استراتيجية
• استثمارات في قطاع الطاقة: بدأت السعودية استثمارات في قطاع الطاقة المصرية، حيث تعاونت مع مصر في مشاريع الغاز الطبيعي وتطوير شبكة الكهرباء، مما ساعد في تحسين الطاقة الإنتاجية وتلبية احتياجات السوق المصرية.
• العاصمة الإدارية الجديدة: قدمت المملكة العربية السعودية الدعم المالي والخبرات اللازمة للمساهمة في تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وهو مشروع طموح يسعى إلى إعادة هيكلة البنية التحتية للدولة.
لم يقتصر الدعم السعودي على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل شمل أيضًا التعاون العسكري. في ظل التوترات الإقليمية، خاصة بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والأزمات في سوريا واليمن، كانت هناك حاجة لتقوية العلاقات الأمنية بين البلدين. تعاونت الرياض مع القاهرة في تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات العسكرية.
على الصعيد السياسي، عملت السعودية ومصر معًا في عدة قضايا إقليمية. كان للبلدين موقف مشترك تجاه الأزمات في سوريا وليبيا واليمن، حيث دعمت الرياض موقف السيسي في محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة، خاصة مع توجه النظام السعودي نحو محاربة التطرف في إطار رؤية 2030.
تشير التقارير إلى أن دعم السعودية لعبد الفتاح السيسي لم يقتصر على المجالات الاقتصادية والأمنية، بل انتقل أيضًا إلى المشاريع الإقليمية مثل:
• مشروع الربط الكهربائي: التعاون في إنشاء مشروع ربط كهربائي بين مصر والسعودية، مما يعزز قدرة البلدين على تبادل الطاقة ويؤمن احتياجاتهما من الكهرباء.
• مشروع البحر الأحمر: كان هناك تفكير في مشاريع مشتركة في مجال السياحة والاستثمار في سواحل البحر الأحمر، مما يعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
العلاقات الثقافية والدينية
تجدر الإشارة أيضًا إلى دور السعودية في تعزيز العلاقات الثقافية والدينية مع مصر، حيث كانت تسعى الرياض إلى استعادة مكانتها كحاضنة للإسلام الوسطي، وهو ما عزز من مكانة السيسي في المجتمع المصري.
التحديات والمخاوف
على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته السعودية للسيسي، إلا أن هناك مخاوف من تأثير هذا الدعم على السيادة الوطنية، حيث بدأ البعض في مصر يتساءل عن مدى اعتماد القاهرة على الرياض، وما إذا كانت هذه العلاقة تعكس رغبة حقيقية في التعاون أو أنها تندرج ضمن استراتيجية السيطرة.
5. الخطوات الاقتصادية والاجتماعية
إجراءات التقشف: بدأ السيسي تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي صارم، شمل تقليص دعم الطاقة، وهو ما أدى إلى زيادة أسعار الوقود والسلع الأساسية، مما تسبب في احتجاجات من بعض المواطنين الذين شعروا بتأثيرات سلبية على مستوى معيشتهم.
مشروعات عملاقة: أطلق السيسي مشروعات ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات استصلاح الأراضي في مشروع 1.5 مليون فدان، ومشروعات تطوير شبكة الطرق.
6. مكافحة الإرهاب والتحديات الأمنية
تحت قيادة السيسي، تصاعدت العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة في سيناء، حيث نفذت القوات المسلحة عمليات شاملة لطرد العناصر الإرهابية. وكانت أبرز تلك العمليات هي العملية الشاملة 2018، التي استهدفت القضاء على الجماعات الإرهابية في المنطقة.
7. الاستبداد السياسي وحقوق الإنسان
حكم السيسي شهد انتقادات شديدة على الصعيد الدولي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تمت ملاحقة معارضي النظام، واعتقال الصحفيين، وحظر المظاهرات. في 2019، أُعلنت الاحتجاجات ضد الحكومة، والتي قوبلت بقوة من الأمن، ما زاد من وتيرة الاعتقالات السياسية.
9. الاستفتاء على التعديلات الدستورية (2019)
في 2019، أُجري استفتاء على تعديلات دستورية سمحت للسيسي بالبقاء في الحكم حتى 2030. تم تمرير التعديلات بنسبة كبيرة من الأصوات، ولكن تمت الإشارة إلى أن التصويت لم يكن شفافًا، وقد تم انتقاد عملية الاستفتاء بشدة.
10. التحديات المستقبلية
تواجه مصر تحديات كبيرة، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومشاكل نقص المياه بسبب بناء سد النهضة الإثيوبي، وتزايد المخاوف من تفشي الإرهاب في المنطقة. سعى السيسي إلى إيجاد حلول مستدامة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ولكن ظل التوتر مع المعارضة ومشاكل حقوق الإنسان في مقدمة القضايا التي تتطلب معالجة.
في المجمل، كانت فترة حكم عبد الفتاح السيسي مليئة بالأحداث المثيرة للجدل والتي أثرت على مسار مصر الحديث، من التحولات السياسية إلى التحديات الأمنية والاقتصادية.
في 3 يوليو 2013، شهدت مصر حدثًا تاريخيًا عندما قام عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي في انقلاب عسكري بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية ضده. أعلن السيسي عن عزل مرسي، وتشكيل حكومة مؤقتة بقيادة عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية في ذلك الوقت. جاء هذا التحول بعد شهور من الاحتجاجات ضد حكم مرسي، حيث اتهم معارضوه جماعة الإخوان المسلمين بالإفراط في السلطة وغياب التنوع السياسي.
كانت العملية السياسية بعد الانقلاب تشهد تصاعدًا في التوترات بين القوى السياسية المختلفة، وأدى الانقلاب إلى مقتل المئات من أنصار مرسي في مجزرة رابعة العدوية و النهضة في أغسطس 2013، وهي أحداث مثيرة للجدل التي استمرت تؤثر على العلاقة بين النظام المصري والمجتمع الدولي.
الترشح للرئاسة (2014)
بعد الإطاحة بمرسي، قرر السيسي استقالته من منصب وزير الدفاع في مارس 2014 ليترشح في الانتخابات الرئاسية. في مايو 2014، فاز السيسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة كبيرة وصلت إلى 96.9%، ولكن الانتخابات قوبلت بانتقادات دولية داخلية بسبب قلة التنافسية واعتقال العديد من المعارضين. تولى السيسي الرئاسة في 8 يونيو 2014، وبدأ فترة حكمه بتعهدات بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في مصر.
مع توليه الحكم، ظل السيسي محتفظا بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة و المملكة العربية السعودية، إلا أن سياساته الاقتصادية، والحقوقية، والأمنية أثارت الجدل داخل البلاد وخارجها. واستمرت التقارير الصحفية تتناول قضايا حقوق الإنسان في ظل حكمه، خاصةً في ما يتعلق بتقييد حرية الصحافة، واعتقال المعارضين، مما جعله محل انتقادات شديدة من المنظمات الحقوقية الدولية.
فترة حكم عبد الفتاح السيسي (2014 – إلى الآن) والقضية الفلسطينية
منذ تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة في عام 2014، كانت القضية الفلسطينية أحد الملفات الأساسية في السياسة الخارجية المصرية، إلا أن إدارة السيسي شهدت العديد من التطورات المثيرة للجدل في هذا الصدد، من تصريحات ورسائل لزعماء غربيين وعرب، إلى قرارات وتعاملات مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية والفلسطينيين.
الخطوات الأولية والعلاقة مع حماس
منذ بداية حكمه، ظل السيسي متحفظًا في موقفه تجاه القضية الفلسطينية. فقد تحدث في أكثر من مناسبة عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني ولكن في إطار رؤية مصرية تتماشى مع معاهدات كامب ديفيد وعلاقتها مع إسرائيل. مصر تحت حكم السيسي عززت من موقفها في الإشارة إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الأمن القومي المصري في سيناء، حيث كانت هناك فترات من التقارب والتباعد مع حركة حماس التي تدير قطاع غزة.
في عام 2015، بدأت مصر في نشر قوات أمنية على الحدود مع قطاع غزة، وأغلقت عدة أنفاق بين مصر وقطاع غزة، وهو ما قوبل بردود فعل فلسطينية غاضبة في وقتها، حيث اتهمت حماس مصر بالتواطؤ مع إسرائيل في عزل القطاع. السيسي كان حريصًا على طمأنة القيادات الفلسطينية بأن مصر تلتزم بموقفها الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن في الوقت نفسه كان يحاول تحسين علاقاته مع الغرب و دولة (الاحتلال) الاسرائيلية. فرغم التصريحات الداعمة لفلسطين، حافظ السيسي على علاقة استراتيجية مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية، حيث أكدت تقارير متعددة أن السيسي أجرى محادثات مع الإسرائيليين في عدة مناسبات لضمان استقرار الحدود في سيناء ومحاربة الجماعات المتطرفة. وفي عام 2017، قام السيسي بإرسال رسائل إلى تل أبيب مفادها أن مصر ملتزمة بمعاهدة كامب ديفيد، والتي تشكل أساس العلاقة بين البلدين، رغم الانتقادات الداخلية والخارجية التي وجهت للسيسي بسبب هذه السياسة.
وفي عام 2019، تحدث السيسي في عدة مناسبات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث شدد على أن مصر تقف إلى جانب فلسطين، ولكن في إطار آليات سياسية سلمية ومتوازنة. وكانت مصر تلعب دورًا في محادثات التهدئة بين إسرائيل وحماس بعد التصعيدات الأخيرة في قطاع غزة.
التصريحات تجاه الغرب والدول العربية
لقد أعرب السيسي عن دعم مصر الكامل لحقوق الفلسطينيين في عدة مناسبات، لا سيما في محادثاته مع قادة غربيين وعرب. وفي تصريحاته أمام الأمم المتحدة، كرر السيسي أن مصر ستظل داعمة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. وفي ذات الوقت، أشار إلى أن مصر لا يمكن أن تتجاهل أمنها القومي في سيناء، وهو ما جعل المراقبين يعتقدون أن السيسي يسعى لتحقيق توازن بين دعم الفلسطينيين وبين التزامه بمعاهدات السلام مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية.
على الصعيد العربي، كان السيسي حريصًا على التقارب مع السعودية والإمارات، وكان يصر على أهمية التعاون العربي في دعم القضية الفلسطينية. ولكن هناك من اتهم السيسي بالتخلي عن القضية الفلسطينية بشكل جزئي مقابل تعزيز علاقاته مع دول الخليج و دولة (الاحتلال) الاسرائيلية.
إقالة رئيس المخابرات عباس كامل وحادثة تسريب خرائط الأنفاق
في عام 2024، فجر الإعلام المصري والدولي قضية مثيرة للجدل بعد تسريب تقارير صحفية تفيد بأن رئيس المخابرات العامة عباس كامل قد قام بتسريب خرائط الأنفاق بين مصر وقطاع غزة إلى الجانب الإسرائيلي، وهو ما فجر موجة من الغضب داخل الأوساط الشعبية المصرية و دوائر الأمن الوطني. حيث ورد أن المخابرات المصرية كانت تقدم هذه الخرائط إلى السلطات الإسرائيلية لمساعدتها في تأمين حدودها مع قطاع غزة. في ذلك الحين، أُثيرت تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على العلاقة بين مصر والفلسطينيين، حيث اتهمت بعض الأطراف الحكومة المصرية بالخيانة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني.
رغم الإنكار الرسمي من قبل الحكومة المصرية لتلك التسريبات، فإن تلك الحادثة شكلت نقطة فارقة في العلاقة بين مصر و حماس والفصائل الفلسطينية. وقد دافعت الحكومة المصرية عن إجراءاتها بأنها جزء من مكافحة الإرهاب في سيناء، ولكن ذلك لم يخفف من حدة الانتقادات.
بالمقابل و في العام نفسه نشأت قضية مثيرة للجدل حول سفينة تُدعى “كاثرين” التي رفضت عدة دول استقبالها، بما في ذلك مالطا وناميبيا وأنغولا، وذلك بعدما تبين أنها كانت تحمل شحنة من المواد العسكرية، وفقًا للتقارير الصحفية. التي انتشرت تقاريرها في وسائل الإعلام الدولية حول سفينة “كاثرين”، التي كانت تحمل شحنة عسكرية يعتقد أنها كانت في طريقها إلى إسرائيل. بحسب تقارير مختلفة، رفضت عدة دول من بينها مالطا وناميبيا وأنغولا استقبال السفينة في موانئها، حيث جاء الرفض نتيجة لموقفهم المبدئي ضد توريد الأسلحة إلى دولة (الاحتلال) الاسرائيلية أو أي طرف يشارك في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، خصوصًا في وقت كانت فيه التوترات في المنطقة في أعلى مستوياتها. تلك الدول كانت قد رفضت السماح للسفينة بالرسو في موانئها بناءً على اعتراضات حقوقية تتعلق بالقانون الدولي.بسبب اشتباهها في أن السفينة كانت تحمل مواد عسكرية قد تُستخدم في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. و في 15 اكتوبر 2024، قالت صحيفة “الديلي تليغراف” البريطانية إن مالطا وأنغولا وناميبيا قد رفضت السماح للسفينة بالرسو في موانئها، بناءً على المخاوف المتعلقة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. وبالمقابل أيضا و في 20 اكتوبر 2024، نشرت وكالة “أسوشيتد برس” تقريرًا يفيد بأن السفينة كانت في طريقها إلى إسرائيل عبر البحر الأبيض المتوسط، وأن السلطات المالطية قد أعلنت أنها ستمنع السفينة من التوقف في موانئها بسبب الشحنة المشبوهة.
لكن وفقا لتقارير مثبتة أفادت بأن السفينة “كاثرين” قد تم استقبالها في ميناء الإسكندرية، وهو ما أثار جدلًا داخليًا، حيث بدأت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية في إطلاق بيانات تطالب مصر بالتحقيق في محتويات الشحنة، معتبرة أن استلام هذه الشحنة يشكل انتهاكًا لمبادئ حقوق الإنسان ودعمًا لآلة الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
عبر بعض النقاد المحليين في الصحافة المصرية عن قلقهم من تأثير استقبال السفينة على سمعة مصر في العالم العربي، حيث كانت الحكومة المصرية قد أعلنت في وقت سابق دعمها للقضية الفلسطينية، واعتبر البعض أن استقبال السفينة يمثل تناقضًا مع هذا الموقف. لكن و مع تطورات الموقف أصدرت الحكومة المصرية بيانًا رسميًا يفيد بأنها تدرس الأمر بعناية وأن الشحنة التي كانت على متن السفينة لم تكن تحتوي على مواد محظورة أو مخالفة للقوانين الدولية، مشيرة إلى أن السفينة كانت ترفع علم تنزانيا وأنها كانت قد مرت عبر المسار المعتاد في البحر الأبيض المتوسط.
في المقابل، تم تسليط الضوء على العلاقات المتزايدة بين مصر و دولة (الاحتلال) الاسرائيلية في السنوات الأخيرة، وخاصة في مجالات التعاون الأمني والاقتصادي، مما جعل بعض المراقبين يعتقدون أن هذه الحادثة قد تكون جزءًا من سياسة مصرية تسعى لتوسيع التعاون مع دولة (الاحتلال) الاسرائيلية رغم الدعم الظاهر للفلسطينيين.
القرار المصري كان مثارًا للكثير من الجدل، حيث عبر العديد من النشطاء عن استيائهم من هذا القرار في وقت كان يُنتظر فيه من مصر، باعتبارها دولة ذات ثقل في العالم العربي، اتخاذ موقف أقوى تجاه دعم القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل المحاولات المستمرة لدعم المقاطعة الدولية لدولة (الاحتلال) الاسرائيلية.
عكس هذا الحدث بشكل واضح الانقسامات والضغوطات التي تواجه مصر في علاقتها مع الدول الغربية و دولة (الاحتلال) الاسرائيلية، في وقت يحاول فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب بينما يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية بسبب علاقته مع الكيان الإسرائيلي. يبرز هذا الحدث التحديات التي تواجه الحكومة المصرية في موازنة دعمها للقضية الفلسطينية مع مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. حيث لا يزال هذا الموضوع يثير النقاش داخل الأوساط السياسية والإعلامية، حيث يدور الجدل حول مدى تأثيره على صورة مصر في العالم العربي وكذلك على مسار السياسة المصرية تجاه دولة (الاحتلال) الاسرائيلية في المستقبل.
خاتمة:
وبينما تُسطر الصفحات تاريخ مصر، تظل تلك الحلقة المفرغة من الخيانة والوطنية تتكرر، فهل سيصحى الشعب المصري ذات يوم، كما فعل في الماضي، وهل ستأتي اللحظة التي تتطلب من الشعب المصري إعادة الحسابات، والنظر في أي الاتجاهات يسيرون.؟ وهل سيكون هناك ضوءًا في الأفق يقودهم نحو ثورة تكتب مستقبل مصر من جديد نحوالاستعداد للمضي قدمًا نحو العدالة؟ فمن رحم المعاناة تنبع الثورات، وتبقى الشعوب حية مهما طال الظلام.
#سفيربرس _ بقلم : ميرال حسن