إعلان
إعلان

أنقذوا القراءة، وانتشلوها من تحت أنقاض الحرب . بقلم : بيانكـــــا ماضـــــيّة

سفيربرس

إعلان

“وخير جليسٍ في الزمان كتابُ”. هكذا أخبرنا المتنبي، وتخبرنا أيضاً مقولات المفكرين والأدباء والمثقفين المدركين لأهمية القراءة في حياتهم، إذ أن الكتاب هو الملاذ الوحيد الذي من خلاله ينطلق المرء نحو آفاق أرحب من العلم والمعرفة والثقافة والأدب. كما أن القراءة من أهم أدوات تحصيل العلم ووسائله، وأداة لبناء الفرد في تخصصه، إذ تنمّي خبراته ومهاراته، كما تنمّي لغته؛ فالقارئ أقدر على الفهم والتعبير السليمين من غيره، كما أنها من أكثر الأمور نفعاً وقت الفراغ.

وكلما ازدادت رغبة القراءة لدى الفرد نمت أفكاره وتوسعت مدارك عقله واتسعت آفاق رؤاه. ولكن غاب فعل القراءة في عصرنا الحاضر، وبات الكتاب أبعد الأشياء عن حياة الناس، فالمتأمل في واقع الناشئة، وطلبة الجامعات، يرى أن القراءة لم تأخذ حقها الكافي من الاهتمام؛ فمنهم من يستثقل أعباءها فيخلد إلى الراحة والكسل، أو يميل إلى نشاطات أخرى، كالاستماع ومشاهدة القنوات الفضائية، أو تصفح المواقع الإلكترونية.

هذه التحديات التي يعانيها الجيل يجعل الواقع الحالي بحاجة إلى التغيير الجوهري، ويتطلب تعزيزاً لأدوات بناء الشخصيّة، فكيف إذا كانت أهم تلك الأدوات ألا وهي القراءة تعاني نكسةً وتراجعاً؟!

إذاً غاب فعل القراءة بشكل عام، فما الذي حلّ عوضاً عن الكتاب في عصرنا الحاضر وبات الجليس الوحيد الذي أصبح مصدراً للمعرفة والثقافة؟! ولماذا عزفت الأجيال، وأغلبية الناس عن القراءة، حتى باتت سمة واضحة على جيل بأكمله؟!

إن العزوف عن القراءة مشكلة معرفية يواجهها المجتمع عامة، ولا شك أن يكون ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية في تأخر الأمم. فالقراءة هي مصدر الوعي في المجتمعات، وهي نماء للعقول وبناء للثقافات المتنوعة، وبها تحصل الرفعة والتقدم والنماء. فالقراءة والتقدم أمران متلازمان  باعتبار أن كل أمة تقرأ هي أمة ترقى وتتقدم، على أن ذلك يبقى رهيناً باختياراتنا وهدفنا.

للقراءة في الوطن العربي صورة قاتمة، ولكن لتدارك هذا الموقف الحرج يكون بالتفكير نحو بناء جيل مثقف، محب للقراءة، قادر على المبادرة والبناء. لأن القراءة والثقافة مرتبطتان بمسألة الهوية والحفاظ على الموروث الحضاري.

مفهوم القراءة وفعلها المنتج

يشير الدكتور فايز الداية إلى أن “مفهوم القراءة كما نريدها وكما هي عليه في دنيا من أوصلهم العلم إلى المريخ ورحلات ما وراء المجموعة الشمسية، ومن استطاعوا فك شيفرات جينات اﻹنسان والكائنات، هي (القراءة المستمرة في وجوه العمل واﻻختصاص والثقافة) هي الصورة العليا التي نتطلع إليها، فنحن أمام ضرورة فعل القراءة المنتج في كل تلك الوجوه، بتنمية الخبرة واﻻستفادة مع المتعة الجمالية في اﻷدب بألوانه وفي الفنون: المحور العام هو الذي يتوجَّه إلى من هم في خضم الحياة اليومية ومساراتها، وهنا تنظم الدوائر الحكومية والشركات ما يضطر العاملين إلى إثبات الفاعلية عبر القراءة والدورات (الحقيقية!)، ومن جهة أخرى يتم عبر أدوات وزارة الثقافة وأجهزة اﻹعلام الرسمية والخاصّة ما يحفِّز على القراءة، ولهذا تفاصيله”.

وأننا في الوطن العربي “نستخدم المصدر (القراءة) وما يشتق منه في اتجاهين أولهما هو عملية المرور بالكلمات المكتوبة في الحياة اليومية في دوائر الدولة والمدرسة والدكاكين وقوائم الحساب في المطاعم أو البريد.. وهذه تبدو أمراً عادياً مألوفاً ومحدوداً بالغرض اﻵني منه، واﻻتجاه اﻵخر هو دلالة القراءة على (المطالعة) أي التتبع اﻻختياري لما في المجلات والدواوين والروايات وشؤون الفنون والكتب في مجالات متعددة، ويذهب ظن كثيرين إلى أنَّ هذا الجانب هو من الترف الزائد الذي يمكن اﻻستغناء عنه، وإذا عنَّ لنا نستطيع التقاط بعض مما فيه عبر أحاديث اﻵخرين! وهذا ما أراه مشخِّصاً لمصطلح (العزوف عن القراءة)، فالحالة الحضارية /الثقافة التي يستظل بها الناس اليوم لا تدرج القراءة ضمن الضرورات، ومن هنا نبدأ الحوار والعمل لتجاوز هذه الهوَّة. فكيف نجد جسر النجاة واستمرار المسيرة الفاعلة في سباق التقدُّم في عالم اليوم والمستقبل اﻵتي؟!”.

فيما يرى المحامي عبدالله يتيم في حديثه عن اللغة وعلاقتها بالثقافة وأثر القراءة في التقدم الفكري والأدبي “أن اللغة وعاء التراث القومي، وخزان فكر الأمة، فمنذ انبثاق الحياة مع التكوين الخلقي، استنشق الإنسان روح المعرفة، فتفاعل مع بيئته المتنوعة – شقاء وراحة وفرحاً وحزناً وشجاعة.. –  فأنتج لنا ثقافة واسعة، أصبحت حاجة أساسية وعليا للبشرية باستمرار.. كانت تارة تتوهج وتزدهر أيام الرخاء، وتارة تخبو وتفتر أيام الطغيان والحروب والكوارث..وقد كانت بلادنا رائدة ومزدهرة معرفياً بفضل نشاط مفكرينا وأدبائنا وعلمائنا الذين انكبوا بشوق على القراءة والكتابة والتأليف والتفاعل مع الشعوب الأخرى” ويشير في موضع آخر إلى “أن الإقبال الشديد على القراءة والكتابة جعل الناس تتقدم فكرياً وأدبياً على حساب التقدم العلمي المتواضع..لكن الثورة الصناعية ثم التقدم التكنولوجي – بشكل عام – ساهما في انصراف الشعب عن القراءة والإبداع الأدبي والفكري، إلى النشاط الصناعي والتكنولوجي والتجاري، هذا النشاط الذي أغراهم بربحه الوفير والسريع”.

 

أسباب العزوف عن القراءة

هذه المشكلة القديمة/الحديثة في عالمنا العربي تحتاج للوقوف عندها والبحث عن أسبابها ونتائجها وحلولها. وقد عرّفت هذه المشكلة بالملف الشائك والإشكالية المزعجة، والسؤال المحيّر الذي ردده الكثير في التجمعات الثقافية والمنتديات وغيرها. وأقيمت البحوث واستطلعت الآراء التي كان لها أثر كبير في توضيح الصورة والوقوف على أغلب مسببات المشكلة وحلولها، فلماذا أمة اقرأ لا تقرأ؟!

هل السياسات الرسمية لا تشجّع المرء على التصالح مع الكـتاب؟! رغم وجود معارض الكتاب، والمكتبات العمومية، أم أن أسعار الكـتب لا تزال أعلى بكثير من القدرة الشرائية للمواطن فضلاً عن انتشار الإنترنت بشكل كبير، وإذا قرأ المرء فكم يحتل حيز القراءة من حياته؟! وهل انشغال الشباب بالسعي وراء التكنولوجيا الحديثة له دور في تدني مستوى القراءة لديهم؟! وما تأثير الإنترنت على عزوفهم عن شراء الكتب؟! وماذا عن الحرب التي كان لها الأثر الأكبر اقتصادياً ونفسياً واجتماعياً؟!

الأديبة (والمربيّة سابقاً) ليلى مقدسي تعزو هذا العزوف عن القراءة إلى نتائج الحضارة، وعدم اهتمام الأهل بتوجيه أبنائهم، مؤكدة “أن الحضارة ذو حدين أعطت لنا الكثير من وسائل التواصل والراحة والرفاهية، لكن أبعدت الإنسان عن القراءة وأصبح شاغله التلفاز والإنترنت والهاتف المحمول لأننا في عصر السرعة. والسبب الآخر أن الأهل يهتمون بكل متطلبات الطفل ولكن لايهتمون بتوجيهه إلى المطالعة منذ الصغر وتشجيعه على الكتاب. قديماً كان في المدارس حصة للمطالعة وحصة للموسيقا والرسم وأيضا مكتبة في المدرسة. الآن ألغيت وحل الكومبيوتر. لامانع من الأجهزة الحديثة لكن الأصالة في الكتاب   والمطالعة والمعرفة. ودائما هناك خلط بين الثقافة والشهادة، الشهادة سلاح للعمل أما الثقافة فهي بحر من المعرفة تغذي الذهن والفكر وأغلب الناس يهتمون بالشهادة ويهملون الثقافة. ولكن هل للحالة الاقتصادية تأثير كبير في هذا العزوف؟! تجيب مقدسي: “لا أخال أن الحالة الاقتصادية لها تأثير كبير، فالمراكز الثقافية ودار الكتب الوطنية مشعل نور للكتب ومجانية يمكن الاستعارة أو المطالعة وقت الفراغ. تقع المسؤولية على الأهل والمدرسة لتشجيع الطفل على القراءة. في الوطن العربي عامة نسبة المطالعة مؤسفة جداً بينما نجد في الغرب المطالعة حاجة يومية، الكل يقرأ، في الحدائق في المترو، وقت الفراغ. أما في الحرب فمن الطبيعي جدا أن تخف القراءة مع سعير الحرب المجنونة والصواريخ والقذائف والدمار والجثث والدماء. ولكن كل ذلك لايلغي متعة المطالعة أو كتابة الوقائع التي تحدث. ما أحوجنا إلى أن يبقى الكتاب صديق العمر ومنهل الروح ونور المعرفة. لأنه ينقذنا من ظلام الجهل والتخلف والتعصب، ولا حل خارج نور المعرفة الواعية والمثمرة من مناهل الكتب وما أغناه، أتمنى أن يعود زمن الكتاب لنربي أجيالاً واعية مثقفة نقية تفكر وتعمل. ألم يحدث في سورية ما حدث سببه ظلام الجهل والتخلف؟!”.

 

الحل المستقبلي لمشكلة القراءة

حين ندرك أهمية القراءة في حياتنا نملك عاطفة إيجابية نحوها، والعكس صحيح. ولكن هذا الإدراك لا يكفي وحده في دفع الشباب للقراءة، فبعضهم يدركون أهمية القراءة في خلق توجهاتهم السليمة وفي بناء شخصياتهم، ورغم ذلك لا يقرؤون إذ لم يتحوّل هذا الإدراك لديهم إلى عاطفة حب للقراءة. فمن أين يأتي هذا الدافع؟!

يشير د. الداية إلى أن “المحور الذي سيكون الحلَّ المستقبلي القريب والبعيد فهو في المدرسة والجامعة، وإذا ما توفر الشرطان (اﻹيمان بالخطة والمثابرة) يمكن أن نحصد النتائج ﻷن المفترض أن جميع اﻷطفال يمرون ببعض مراحل التعليم ( إن لم يتابعوا المسار إلى تمامه)، وكل غرس للقراءة سوف يثمر بدرجات في حياتهم وفي المجتمع، وقبل أن تُقترح طرائق القراءة والترغيب والتشويق نتذكَّر الكلمة الوامضة أمامنا وكثيراً ما نتجاهلها أو ننساها!!(فاقد الشيء لا يعطيه) ولذلك ينبغي أن نسعى ليكون المعلمون والمعلمات والمشرفون والمشرفات ومن يتصدَّر لتمكين القراءة ممن يقرؤون ويحبون القراءة والكتب والمطبوعات (وما هو في شبكة المعلومات إلكترونياً)”. فمن خلال هذا السعي من أجل القراءة، نؤكد – كما يشير د. الداية- موضوع “اﻹمساك بخيوط الوعي؛ ﻷنه هو الذي يجعل القراءة جميلة ومفيدة، ولن تفلح كل أجهزة الحاسوب والهواتف شديدة الذكاء أن تمنح فائدة حقيقية، ولا أن تنقل ذكاءها لمن لا قدرة لديهم على التحليل والتعليل والموازنة للوصول إلى الصواب وتجنب العثرات ذات اﻵثار المدمرة”.

إن تنمية إعادة القراءة في مجتمعنا يحمل جميعنا مسؤوليتها، ولابد من وضع الخطط المبنية على الدراسات النظرية والميدانية لنشر عادة القراءة في أوسع نطاق ممكن.‏

وما نأمله أن يحظى موضوع القراءة باهتمام وتركيز التربويين بدءاً من رياض الأطفال مروراً بالمرحلتين الإعدادية والثانوية وانتهاء بالجامعة؛ لتصبح القراءة عادة تمارس طيلة الوقت، ولا بد من القول نهاية إن الشعوب المتقدمة هي شعوب قارئة، فلنقرأ لنتقدّم.

سفيربرس – بيانكا ماضيّة – الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *