صانع اللوحة. بقلم : بيانكا ماضيّة

كان يعيدُ تشكيلَ الزمنِ والأشياءِ بذهنِه ويديه حين جلسَ بعد طولِ عناءٍ، معرَورِقَ الجسدِ، تكاد حبّاتُ العرقِ تتساقطُ من أخمصِ قدميه.

انتهى للتوِّ من صهرِ أفكاره في مجمرِها، واستعدَّ ليسحبَها صفائحَ يتجلّى فيها ذاك التكوينُ الذي لطالما رسمَه في خياله. كان هذا الرجلُ وحيداً إلا من ذكرياتِه وماضيه، فالحاضرُ الذي أرخى عليه بظلالِه جعله يستعيدُ الماضي بكلِّ ألقِه المفقود.
ولأنه بحاجة لمن يحدّثه عن ذاك الماضي، طالعته امرأةٌ مشغولةٌ بأكبر قضيّة في هذا العالم، وبأصغرِها.. راح يتأملُ حضورَها، وحروفَها ونصوصَها وصورَها وتجلّياتِها، فدبّت الرغبةُ في داخلِه؛ ليحدِّثَها عن ماضيه الذي يحمل تلك المعاني التي تبحثُ عنها.
كان قد عارك الحياةَ، واستطاع أن يجدَ لنفسِه عرشاً يمارسُ فيه كلَّ الطقوسِ المشتهاة لديه: التشكيل، والتلوين، وصياغة اللوحة كاملةً..وطقسٌ واحدٌ فقط لم يكن قد استطاعَ أن يجسّدَه إلا في خيالِه، إذ استعصى عليه؛ لارتباطِه بأنثى، أنثى واحدة فقط، هي التي تستطيع أن توصلَه إلى جماليةِ اللوحةِ الكاملة.
ولهذا بقي هذا الطقسُ يعيدُ تشكيلَ تفاصيلِه في خيالِه كلما أراد هذا الرجلُ أن يتلمّسَ الشكلَ النهائيَّ، فتعددتْ تلك التفاصيلُ، ووجدتْ لنفسِها غيرَ حالةٍ وصورةٍ وتكوين، وتكاثرتْ ونمتْ وتطوّرت حتى وصلتْ إلى مشهدِها الكاملِ، ولكن بقي السؤالُ مدويّاً في داخلِه: أينَ أنتِ؟!!.

#سفيربرس. بقلم: بيانكا ماضيّة