إعلان
إعلان

ثقافة الحوار وفنّا المناظرة والخطاب في مشروع شبابيّ لكشّاف الصليب المقدّس

# سفيربرس ـ بيانكا ماضيّة

إعلان

لم تكن مناظرةً أو لعبةً شبابيّةً أو مسابقةً وحسب، بل كانت طريقاً وصفحةً مليئةً بالمعلوماتِ والخبراتِ وبطرائقِ التفكير، وأسلوباً حضاريّاً للحوارِ والنقاش، والإدلاءِ بالآراءِ وتقديمِ الحججِ مدعّمةً بالأدلةِ والبراهين لموضوعاتٍ وقضايا تخصُّ شريحةَ الشباب، وهم يحاولون الخروجَ من واقعِ الحرب الذي رزحوا تحت نيرِه مدة ثماني سنوات..

فنُّ المناظرةِ عبارةٌ عن محاورةٍ ومجادلةٍ ومُحاجّة بين طرفين من أجل الوصولِ إلى الحقِّ وبيانِه، أو دحضِ باطلٍ وإزهاقِه، وتكون هذه المناظرةُ بين طرفين غيرِ متوافقيْن في الرأي، وقد يكونُ في كل طرفٍ أكثرَ من فرد. وفيها يتناوب المتناظران الكلام، ويعقِّب كلٌّ منهما على الآخر، معضِّداً وجهةَ نظرِه بأدلةٍ أعدَّها أو استجدَّت لديه، ومفنِّداً رأيَ مُناظرِه وما يطرحُه من حججٍ وبراهين. وفيها يركزُ المتناظران جهودَهما على الدليلِ والبرهان، ويعتمدان على الإقناعِ العقليّ. ويكونُ للمناظرة مديرٌ، ومِن مهامِّه بيانُ موضوعِ المناظرةِ للجمهور، وتوزيعُ الوقتِ على المتناظريْن، وتحديدُ مَن يبدأ ومن يعقِّب، وتقديمُ كلِّ متحدِّثٍ، وإعلانُ ما انتهى إليه المتناظران، والتدخلُ إذا اقتضى الأمر، كأن يحاول أحدُ الطرفين الاستئثارَ بالوقت، وتضييعَ الفرصةَ على مناظره، ونحو ذلك. ولهذا الفنّ أهدافٌ بعيدةٌ أولها الرقيُّ باللغة العربية، أما القريبةُ فتكمنُ في تنميةِ مهاراتِ التفكيرِ النقديّ والبحثِ والتحليل، وتطويرِ القدرةِ على بناءِ الحججِ والبراهين باستخدامِ المنطقِ والأدلةِ وتوصيلُها بلغةِ خطابٍ صحيحةٍ وسليمةٍ، معززةٍ بالثقة بالنفس.

كما تعرَّف المناظرة بأنها شكلٌ من أشكالِ الخطاب العام، وهي عبارة عن نقاشٍ رسمي، ومواجهةٍ بلاغيةٍ بين متحدثين اثنين أو أكثر حول قضيةٍ معينةٍ ضمن فترةٍ محددة، ومن الصفاتِ الواجبِ توافرها في المتحدِّثِ بالمناظرةِ سرعةُ البديهةِ، والفصاحةُ والقدرةُ على الردِّ في الوقت الذي يطرحُ فيه الخصمُ الموضوعَ أو القضيةَ المعينةَ للنقاش، وأن يكون ملماً ومطلعاً وذا مخزون معرفيّ وثقافيّ واسع. وانطلاقاً من هذا الهدف، قام كشّافُ الصليبِ المقدس ضمن الفعالياتِ الثقافيّةِ والاجتماعيّةِ التي يقوم بها، وعلى مدى ثلاثةِ أيام، بتنظيمِ مشروعِ فنّ المناظرة الذي شاركتْ فيها عشرةُ فرقٍ من فرقِ الكشّافةِ والأخوياتِ التابعة لكنائس حلب.

جاء المشروعُ بعنوان The great debaters (المناظرون العظماء)، وهدفُه نشرُ ثقافةِ المناظرة ، إذ يقدّمُ كلُّ كشّافٍ من فرق الكشّافةِ والأخوياتِ فريقاً للدخولِ في المسابقة، بعد التدرُّبِ على أساليبِ المناظرة، وكيفيّةِ الإلقاءِ أمام جمهور، وكيفيّةِ إنشاءِ ملفٍ، والدخولِ في اللعبةِ واستراتيجيّتها، (كابتن، وحكم، متحدث أول) إلى آخر مايتعلق بهذه اللعبة، المشروع. تألفت لجنةُ الحكم من حكامٍ ثلاثةٍ وهم: نور أمير براق (محكِّمة في المناظرات الدوليّة)، توفيق وزّار (محكِّم في الأمانة السورية للتنمية ومدرِّب)، وغيث مكتبي (مدير في الأمانة السورية للتنمية، مدرّب) والحكم الرابع هو الجمهور عبر التصويت.

بدأ هذا المشروعُ في العام الماضي إذ شاركتْ فيه عشرةُ فرق أيضاً، وتمّت متابعتُه في هذا العام مع إدخالِ فنٍّ آخرَ، ألا وهو فنُّ الخطاب؛ لتكتسبَ شريحةُ الشبابِ مهاراتٍ وخبراتٍ أكبرَ في فنَّي المناظرةِ والخطاب، وصولاً إلى ثقافةِ الحوارِ المتضمّنةِ طرحَ الرأي، وتقبُّلَ الرأي الآخرِ ومعرفةِ طرائقِ التفكير. ثقافة الحوار حاجة أساسيّة في المجتمع لمعرفة تفاصيل ومصادر هذا المشروع القيّم الذي نظّمه كشّاف الصليب المقدّس بحلب، فقد كان لنا وقفة مع الشاب حبيب كاغاص رئيس الكشّاف، فقال: “مصادرنا لهذا المشروع عديدة، وأهمها الأمانة السورية للتنميّة التي قدمت مراجع عديدة حوله، ولكننا لم نأخذ الصيغة جاهزة من مصادرنا جميعها، وإنما أنشأنا الصيغة الخاصّة بكشّاف الصليب، وقمنا بتدريب الشباب عليها. لعبةُ المناظرة تغني المجتمع كثيراً، إذ تقدّم ثقافة الحوار، وتعلّم كيفية التحاور، عدا عن الوقفة على المسرح التي تعلّم آلية التحدّث بطلاقة وأساليبه، فوجدنا أنه من الضروري أن تنتشر ثقافة الحوار في المجتمع لأنه يشكّل حاجة أساسيّة، لهذا بدأنا بهذا المشروع”. المواضيع المقدّمة في هذه المناظرة كانت هدفاً من أهدافها، عدا عن أمور أخرى حدثنا عنها كاغاص متابعاً كلامه: “هدف المناظرة بشكل عام هو تقديم حالتي الإثبات والنفي من خلال الأفكار أو المعلومات المطروحة، فلديّ فكرة أؤمن بها، وأحاول الدفاع عنها بأدلّتي وحججي (الإثبات)، ولذلك عملنا على إيجاد الشخص الآخر المخالف للفكرة التي أطرحها وبالتالي أسلوب أو آلية دفاعه عن رأيه المخالف لرأيي (النفي)، ما يجعلني أفكّر في طريقة تفكير الآخر، فأقوم بالدفاع عن فكرته المطروحة. هذا الأمر يطرح فكرة تقبّل الأفكار الأخرى، لكن في النهاية لكلِّ فرد رأيُه الخاص.

وبالتالي نتفهم وجهات نظرنا”. وعن لجنة الحكم والأمور التي استندت إليها في اختيارها للفريق الفائز، يشير السيد حبيب: “التحكيم يتمّ استناداً إلى أربع نقاط، الأولى الاستراتيجية وطريقة اللعبة والالتزام بشروطها، الثانية المضمون (ملف الفكرة ويعتمد على مراجع وأسس)، والثالثة الأسلوب (كيفية التحدث، وقفة الشخص على المسرح، تأثير الحديث في المتلقي”. خبرات ومهارات مكتسبة وعن أهمية هذه المناظرة تحدثت الشيفتين جود مشامش، لتؤكد بأنها: “لخبرة جميلة جداً أن ندير فرقاً وننظّمها، ونتابع أدقّ التفاصيل العامة والخاصة، كي نظهر بأجمل صورة ككشاف وكبطولة، وكي نستطيع إيصال الخبرة لفرق الكشّافة والأخويات، ونتعلّم بالتالي خبرات أخرى، من عمل جماعي وتنظيم وظهور أفراد يستطيعون المناظرة، والتدريب.. اشتغلنا منذ العام الماضي ونتابع مسيرتنا في هذا المشروع. وقد اكتسبنا خبرات عديدة من خلال تفاصيل المشروع وقيامنا بالعمل فيها، وبالتالي متابعتنا تكمن في تعليم هذه الخبرات المكتسبة للآخرين وعلى أوسع نطاق والتي تتميز بالجودة المطلوبة”. وعما إذا كان هذا المشروع يحمل أفكاراً أخرى للعمل عليها في المراحل المقبلة، تقول مشامش: “في العام الماضي بدأنا كمناظرة، ومن فكرة المناظرة خرجنا بفكرة (فنّ الخطاب) ومن خلاله يقدم شخصٌ ما قضية معينة للجمهور ضمن مدة محددة، وفي هذا العام كان هناك مواضيع لافتة لطرحها كقضايا من مثل: “الحياة تستحق العيش” و”المستحيل مجرّد كلمة” هذه القضايا تبث روح الأمل في نفس من يتلقى ويتابع، وخاصة في مرحلتنا هذه بعد الحرب التي يئسنا منها؛ لنخرج من حالة اليأس والإحباط إلى مرحلة العمل والحياة. فالأشخاص الذين يطرحون هذه القضايا يتعلّمون كيفية إلقاء أفكارهم لإقناع الجمهور، معتمدين على أنفسهم ودون الاستعانة بآخرين. في المناظرة هناك ثلاثة أشخاص (فريق متكامل) يوصلون أفكارهم إلى الجمهور، بينما في فنّ الخطاب فيعتمد على شخص واحد يوصل فكرته إلى الجمهور”.

حوار حضاريّ وراق الدكتورة رغدة لحدو حدثتنا عن أهميّة هذه المناظرة بالقول: “بغض النظر عن النشاط بحدّ ذاته، ففكرة أن نجمع الشباب ونسمع آراءهم ونجمعهم مع بعضهم؛ ليسمعوا آراء وأفكار بعضهم، وكيفية تفكيرهم، وطريقة تحليلهم للأمور، وأن نقدّمَ لهم هذه المهارة من خلال فرصة ظهورهم أمام جمهور… هذه القضايا بحدّ ذاتها إنجاز كبير جداً. فبغض النظر عن التفاصيل، وكيفية الترتيب والتنسيق والتنظيم والتي أداها كشّاف الصليب المقدّس بجهود يُشكر عليها، أجد أن هذه الفكرة مهمة جداً، وإذا استمرت واشتُغل عليها أكثر، وأعطينا فرصة لهؤلاء الشباب في أن يسمعوا أفكار بعضهم البعض هي قضية مهمة جداً، والأهمّ في كل هذا أن نسمع رأياً مخالفاً ومناقضاً لرأينا، هنا الأهمية العظمى، فما اعتدنا عليه مثلاً أن نكون على رأي واحد، ولكن ما لسنا معتادين عليه هو أن نسمع الرأي الآخر المخالف لرأينا، هنا يجب أن يكون الحوار بطريقة حضاريّة وراقية، وبدون حدّة أو توتّر، وهي ثقافة يجب أن نتعلم عليها، وهي قبول الرأي الآخر ومعرفة كيفيّة الرد عليه بطريقة حضاريّة وراقية. هذا ما أراه مهماً في كل هذه التظاهرة، فإذا حققناه يكون إنجازاً رائعاً جداً”. وعن طريقة التفكير وأهمية المواضيع المطروحة، تتابع د. لحدو: “هذا يأتي إضافة إلى ماذكرناه، لأننا أولاً نعمل على تثقيفهم، ونفتح عيونَهم على احترام الآخر، ثانياً اختيار القضايا المهمة للشباب، فالذكاء لدى هؤلاء الشباب يكمن في أنهم اختاروا قضايا ومواضيعَ تمسّ شريحتهم، وتعالج وضعنا الحالي، فهم لم يأتوا بمواضيع غير واقعيّة بل من صلب واقعنا، لذلك فإن هؤلاء الشباب يعملون على البحث عن القضايا التي تمسّ حياتهم بالفعل، لكن نحن عادة نستسهل الأمور، نأخذ فكرة ونتناقش بها من دون أسسٍ ومن دون مراجعَ، فهم الآن يتعلّمون بأنه من الضروري عدم إعطاء أيّ رأي من دون الاطلاع والمعرفة والعلم والتي تؤكد الفكرة بالأدلة والبراهين، وأؤكد أن المشاركين اكتسبوا مهارة في التكلّم، وتعلّموا ثقافة الحوار، وسماع الرأي الآخر، وبالتأكيد فقد تعلموا أيضاً أموراً مهمة جداً في المواضيع التي طرحوها (استخدموا النت، والمراجع) فأصبحت لديهم معلومات حقيقيّة وذات مصداقيّة”. فوائد المشروع والتقينا الشيف أنطوان دهين من كشّاف الصليب المقدس؛ ليحدثنا عن دوره في هذا المشروع، فقال: “دور كشاف الصليب مقتصر عموماً على تنظيم هذا المشروع إذ أننا ننقسم إلى فرق عديدة، وكلُّ فريق لديه مهمته الخاصة ( فريق التدريب- فريق التنظيم- الفريق اللوجستي – فريق الديكور)، وفي هذه السنة ( السنة الثانية للمشروع) كنتُ في الفريق اللوجستي، وكانت مهمتي على المسرح هي “مسؤول الكواليس” تتمثل في تقديم الدعم اللوجستي لكل أمور المسرح والفرق التي تصعد عليه.

أما في السنة الأولى للمشروع فقد شارك كشاف الصليب بالمناظرة، وتمثل بفريق مكون من ثلاثة أشخاص ،وكنتُ حينها كابتن الفريق. وعن الفائدة التي خرج منها، كشاب جامعي، من هذا المشروع، يتابع: “فوائد هذا المشروع عديدة تتلخص في النقاط الآتية:1- تعلّم أسلوب راق في الحوار- 2- تقبُّل الرأي الآخر وعدم الاستهزاء به (رغم مخالفته كلياً للرأي الشخصي )-3- تعلّم كيفية البحث والتقصي عن مراجع موثوقة تدعم حجج كل فريق والاستشهاد بها-4- تسليط الضوء على أمور تهم المجتمع بشكل عام، والشباب بشكل خاص-5- النهوض بالسوية الفكرية للمجتمع وخلق جيل واع من الشباب الراقي القادر على الوصول إلى حل كثير من المشكلات، بعيداً عن التعصب والتمسّك بالآراء الشخصية، ما يؤدي إلى خلق مجتمعٍ متماسكٍ قادر على تقبل الآخر رغم اختلافه”.

أخيراً: (المستحيل مجرّد كلمة) و(الحياة تستحق العيش) و(كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم) جملٌ من بين تلك الجمل التي تضمّنها فنّ الخطاب في المشروع، فيما جاءت الجمل الجدليّة التي تحاور فيها الشباب وناظر: (أهداف التنمية المستدامة غير قابلة للتحقيق في الدول النامية) و(يجب إلغاء المشافي الخاصّة عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص) و(الهجرة تساهم في بناء المجتمعات المضيفة) و(التكنولوجيا تضرّ بالمجتمعات) و(الدراسة عبر الانترنت أكثر وسائل التعليم فعاليةً)! فهل اكتسب الشبابُ معرفة وعلماً بفنّي المناظرة والخطاب بعد اشتغالهم في هذا المشروع؟! وهل أيقنوا أن أهداف التنمية المستدامة قابلة للتحقيق في الدول النامية؟! .

وهل وجدوا ضالّتَهم وتلمّسوا طريقاً نحو الحياة والعمل؟! وهل اقتنعوا بأن وطنهم يستحق أن تبذل الجهود الكبيرة من قِبلهم لإعادة بنائه وتطويره وبالتالي حاجة هذا الوطن إليهم في هذه المرحلة تحديداً؟! أسئلة جديرٌة كانت بالحوار والجدال، والأهمّ الوصول إلى أفكار إيجابيّة تخدم الإنسان والمجتمع والوطن، والابتعاد عن الأفكار السلبيّة المُحبطة والميئسة، وهذا ما كانت عليه مناظرةُ كشّافِ الصليب المقدس.

# سفيربرس ـ بيانكا ماضيّة ـ الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *