إعلان
إعلان

في ذكرى ولادة الفنان الأسطوري بابلو بيكاسو .. الأكثر شهرة وإشكالية وإنقلابية وغلاء ..بقلم :أديب مخزوم

#سفيربرس

إعلان

في 25 تشرين الأول – اكتوبر من عام 1881ولد الفنان الأسطوري بابلو بيكاسو في اسبانيا ، وفي مطلع حياته، أنتقل إلى فرنسا ، وما لبث أن أطاح بقادة الإنطباعية والنيو إنطباعية في مدرسة باريس، ولقد عاش في فرنسا حياة مديدة، أمتدت حتى عام 1973 ..

وأعمال بابلو بيكاسو لا تزال هي الأكثر رواجا وشهرة وجاذبية وإشكالية وثورية وإنقلابية, وستبقى كذلك ولقرون طويلة, خاصة وان العالم أجمع ينظر إليه على أنه تجاوز حدود الاسطورة ، وتحول إلى مايشبه الخرافة ( ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى أن بيكاسو ، حتى خلال حياته ، لم يكن بحاجة إلى أموال لشراء مايريد، إذ كان يكتفي برسم أي شيء بقلمه على ورقة بيضاء، حتى يباع هذا الرسم بآلاف الدولارات ) ويذكر أنه كان في إحدى المرات يناول الطعام في إحد مطاعم باريس, فتقدمت منه فتاة تعمل في المطعم, وطلبت منه أن يرسم لها رسما سريعا على ورقة كانت في يدها, فقال لها بيكاسو: لقد أتيت إلى هنا لأتناول طعام الغداء, وليس لشراء المطعم.

وكانت إبنته بالوما قد باعت منذ سنوات، أصغر لوحة ورثتها عنه، واشترت بثمنها شقة واسعة في أرقى أحياء نيويورك, وهي تمتلك ثروة كبيرة من اللوحات التي ورثتها عن والدها, ولقد أسست شركة عالمية شهيرة خاصة بالعطور أطلقت عليها عنوان بيكاسو.
فأعماله تحتل واجهة الصدارة في بورصة الفن العالمي، وهي الأكثر قدرة على الجذب والابهار وإثارة الانتباه والجدل والتساؤلات الحادة، وبالتالي فهي بحاجة لركائز اقتصادية ومصرفية ضخمة تحقق الخطوات الأولى، في سياق إقتناء لوحاته والتأمين عليها ودراسة تقلبات المناخ في المتاحف والصالات التي ستعرضها للجمهور ،وصولا إلى عرضها في قاعة مسيطر عليها حراريا.‏
دمج الصورة الأمامية والجانبية

إن الإنجاز الثوري الحقيقي لبيكاسو كان في أنه وضع الأساس المتين لتحوّل فني من نوع آخر، لقد حقق ذلك بالتخلي عن الموروثات الجمالية التي سادت الفن عدة آلاف من السنين.‏ ومن الواضح أن فنان العصر بيكاسو كان يبحث عن مفاهيم جمالية جديدة ومغايرة، ومن النوع الذي اعتدنا على تسميته بالفن الحديث.‏
ولعل أبرز الإشكاليات الراسخة على الإطلاق في النقد التشكيلي العالمي المعاصر، تكمن في مدى الإحاطة التاريخية بالفترة الانعطافية أو الانقلابية التي أطاحت في العقد الأول من القرن الماضي، بقادة ورموز الانطباعية والنيوانطباعية في مدرسة باريس.‏
وإذا كان «بيكاسو» يمثل الوثيقة التأسيسية الرسمية المتداولة في أكثر الكتابات النقدية المعاصرة، فإن هناك من يؤكد ونحن مع هذا الرأي، أن الفنان الفرنسي «جورج براك» قد سبق «بيكاسو» في ابتكار الاتجاه التكعيبي (التفكيكي والتركيبي).‏
فقد أحاط النقد العالمي المعاصر بيكاسو بهالة من القداسة والعظمة والنبوة، وأخفى الثاني أو على الأقل وضعه في مرتبة ثانية، مع أن الشواهد التي بين أيدينا تؤكد أن الاتجاه التكعيبي كان إبداعا مشتركاً «لجورج براك» و«بابلو بيكاسو» على حد سواء .
والكتابة عن فن بيكاسو تثير تساؤلات وإشكاليات لا تنتهي، لأنه كان ينتقل من أسلوب إلى آخر، ومن تقنية إلى أخرى، وبخلاف معظم الفنانين الذين يعتبرون الأسلوبية، هي الخطوة الأولى التي تؤكد عنصر الشطارة والمهارة، وهذه النظرة تحدة من المراوحة في اجترار وترداد المفردات التشكيلية الجاهزة بطرق انفعالية وافتعالية في أكثر الأحيان.‏
وتكاد تكون فصول سيرة حياته في تناقضاتها الصاخبة واللامعقولة بمثابة صورة صادقة عن تحولاته وتنقلاته الأسلوبية والتقنية.‏ فقد كان دائماً يطالب بالحث على التساؤل عن أصل أو جوهر الأشياء، ويحث على الابتكار في كل شيء، وعدم التسليم تسليماً ساذجاً، وذلك للوصول إلى قيم وحقائق جديدة وإحداث الأثر المزلزل، وإرساء اليقين بالحقائق الجمالية الخاصة والمبتكرة.‏ إن المسعى العظيم لبيكاسو كان في أنه أخرج الفن من مداره ووضعه في مدار جديد، ولا يزال العالم كله يدور في فلك فن بيكاسو بعد مرور أكثر من مئة عام على إطلاق لوحته الشهيرة فتيات أفنيون التي غيرت مجرى الفن في القرن العشرين.‏
إن هذا العمل هو أول علامة حقيقية قام بها الإنسان منذ عهد الإغريق للاعتراف بأن العمل الفني ليس تجسيداً كلاسيكياً أو رومانسياً أو واقعياً أو انطباعياً. وباختصار منذ مئات السنين حتى مجيء بيكاسو، كان العالم مشغولاً بمسألة ذهنية لا تتغير، وهي قائمة على مسلمات تقليدية ومثالية.‏
بابلو بيكاسو من مواليد مالقا – اسبانيا العام 1881 , ساهم والده الذي كان يعمل أستاذا للرسم في توجيهه نحو اكتساب أسرار حرفة الرسم التقليدي وإعداده ليعمل في تشكيل صياغة لوحات الأزهار والأشكال الصامتة والمناظر, إلا أن بيكاسو سرعان ما تمرد على تعاليم والده , وقام في العام 1900 بزيارته الأولى إلى باريس, حيث استأجر محترفا في شارع رافينان, وبرز اهتمامه بالحركة الفنية الحديثة, ومر من العام 1901 إلى العام 1904 بما يسمى بالمرحلة الزرقاء, وفي تلك المرحلة، ظهر تأثره بألوان تولوز لوتريك الكئيبة, و استطالة أشخاص الغريكو الغامضة ،التي عكس من خلالها أجواء الحزن ،على نحو يتفق مع طبيعة الأجواء البائسة التي عبر عنها في لوحاته, وهي موضوعات المشردين والبؤساء والأمهات الفقيرات ، ثم تحول إلى المرحلة الوردية .
وحدة التنوع الأسلوبي
في العام 1907 توجه بيكاسو نحو الاختبار الفني والبحث عن جدلية جمالية جديدة, فلم يعد الوجه في لوحاته وجها بل أصبح قناعا كالنحت الإفريقي , حيث أعطته العناصر الإفريقية بساطة في الشكل ومسطحات ذات زوايا تخلق عند تقاطعها طابعا جديدا للمساحة, من أبرز لوحات تلك المرحلة لوحته الشهيرة (فتيات افنيون ) التي كانت المؤشر الأول في انعطافه نحو التكعيبية, الاتجاه الذي استوحاه بيكاسو وبراك من نتاج سيزان. ففي نفس العام الذي وضع فيه بيكاسو أول خطوة على طريق الفن التكعيبي, كان جورج براك قد حقق نفس الاكتشاف عندما عاد من إجازة الصيف حاملا معه مجموعة لوحات لمناظر خلوية رسمها بطريقة سيزان, إلا أن ما يميز بيكاسو عن غيره من قادة الفن الحديث, انه كان متمردا حتى على تجاربه, كان يتناسى نقطة الوصل ويعود من جديد إلى نقطة الصفر في البحث عن المجهول, اللا نهائي, لذا يمكن اعتباره أول الفنانين التجريبيين في القرن العشرين, وقد توصل بيكاسو إلى ابتكار طريقته المميزة, التي اتبعها في أكثر لوحاته, وهي الطريقة التي دمج فيها ما بين الصورة الأمامية للوجه والصورة الجانبية, وبقي بيكاسو أمينا لهذه الطريقة, رغم محاولاته الدائمة, إدخال أختبارات جديدة حاول من خلالها ترجمة التساؤلات الفنية الكبرى التي طرحت في عصره .

وفي العام 1937 رسم لوحته البانورامية الضخمة (الجورنيكا ) التي عكست موقفه الرافض لوحشية الحروب النازية, وفيها مزج بين عدة مذاهب فنية.
وهو لم يكن على اتفاق كامل في الرأي مع التجريديين, فالتجريد, وعلى حد تعبيره– هو أكبر خطأ في الفن الحديث، كان يبحث بعيدا عن ضجيج التجمعات, عن يقظة فنية مستقبلية, عن تحولات جديدة في بحر الفنون الحديثة. ويبلغ عدد اللوحات التي رسمها خمسين ألف لوحة بأسعار لم يحلم بها أي فنان معاصر. مما يجعل شركات التأمين تحجم عن التأمين عليها .

كان بيكاسو نعمة لا تقدر بثمن لباريس (علما بأنه في الأصل اسباني ) توجه إلى فرنسا منذ فتوته, بعد أن اختلف مع والده حول مفهوم الفن, فوالد بيكاسو كان فنانا فاشلا، وقال بيكاسو عن لوحات والده: أنها لا تصلح إلا لحجرات الطعام. حتى إنه رفض فيما بعد أن يوقع لوحاته باسم والده, وأصبح يوقعها باسم بيكاسو وهو جده من أمه.
لقد تعززت وترسخت في الحياة الثقافية المعاصرة ثقافة الأسلوب، وأصبح المساس بها، مهما بلغت المغريات اللااسلوبية، خطراً واتهاماً يضع التجربة الفنية في دائرة الالتباس والضعف والانفصام، ويضفي نوعاً من القساوة على تعابير الحالة العاطفية الانفعالية، ويعرض صاحب العمل الفني والأدبي للانتقاد والانتقاص والتشكيك، بحجة الارتباك والركاكة والاضطراب والضياع والانقسام.‏
والسجال الحاد الذي يمكن أن يثار في سياق الحديث عن ثقافة الأسلوب، ينطلق من حقيقة مفادها أن بعض كبار المبدعين في هذا العصر، لم يلتزموا بمرتكزات وخصائص البحث الأسلوبي، فبيكاسو على سبيل المثال كان يستلهم ويجرب ويطلق العنان ليده لترسم وتبتكر دون فواصل وحدود ونقاط ارتكاز اسلوبية، حيث كان يتنتقل بين التقنيات التصويرية والغرافيكية والنحتية والخزفية، ويتغير ويتحول من أسلوب إلى آخر في كل مجال فني خاضه، حتى لا يكرر أشكاله وتكويناته ومناخاته اللونية.‏
إلا أن هذا الشعور بتعددية الأجواء والمناخات والوسائل والتقنيات في فن بيكاسو سرعان ما يتغير وينقلب رأساً على عقب، عندما نكتشف في أعماله جرأة مدهشة وحيوية مذهلة في صياغة إيقاعات وعناصر الأشكال البصرية. فهو كان ينوع في الأساليب والتقنيات ويحرك الأشكال ويلامس أجواء الخط التصاعدي الأسلوبي، ويتجه بشكل تدريجي نحو إمكانية اختزال العناصر وقطعها وتفكيكها لالتقاط الزوايا التعبيرية الأكثر جمالية وحداثة وتعبيرية،وهذا ما أسميه بوحدة التنوع أو بوحدة الاختلاف الأسلوبي والتقني الذي هو أرقى درجات الإبداع، وفيه نشعر ببصمة الفنان الخاصة بكل عمل من أعماله المجسدة بكل الوسائل والنقنيات .

#سفيربرس _ بقلم : الناقد الفني الإعلامي أديب مخزوم

سفيربرس ـ الفنان بابلو بيكاسو
سفيربرس ـ الفنان بابلو بيكاسو
سفيربرس ـ الفنان بابلو بيكاسو
سفيربرس ـ الفنان بابلو بيكاسو
إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *