إعلان
إعلان

الصراع الشيعي ـ الشيعي يهدد مستقبل العراق ـ بقلم : د. عبير الحيّالي

#سفيربرس ـ لندن

إعلان

حلم العراقيون بفتح صفحة جديدة في تاريخ بلادهم السياسي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأدى إلى سقوط نظام صدام حسين في عام 2003.  غير أن الصراع في العراق أخذ منحى آخراً، تحت ضغوط التجاذبات الإيرانية- الأمريكية من جهة، وسيطرة سلسلة من الحكومات المتتالية الفاسدة والمفتقرة إلى المصداقية من جهة أخرى. فانفجرت الساحات العراقية بموجة من الاحتجاجات العارمة المطالبة بتغيير حكومة وصفت من قبل منظمة الشفافية الدولية بأنها أكثر الدول فساداً في العالم، حيث احتل العراق الغني بالنفط المرتبة 168 من أصل 175 بلداً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، وفي ظل هذه الضغوط الداخلية والخارجية، ماهي ملامح الصراع العراقي المستقبلي إذا لم يتم إيجاد حلاً لهذه الازمة المعقدة؟

هناك الكثير من الأسئلة التي مازالت تحتاج إلى توضيح في مسألة احتلال العراق، والطريقة التي تم من خلالها ترتيب أوراقه السياسية خلال الستة عشرة عاماً الماضية. حيث فرضت الميليشيات المسلحة الشيعية وجودها على الساحة السياسية والعسكرية العراقية، بعد سيطرتها على موارد الدولة فأصبح لكل منها موارده الخاصة وقواته المتمرسة على القتال، مما أدى إلى خلق صراعاً بين الأخصام الإسلاميين الشيعة أنفسهم.

تجسد التدخل الإيراني المبالغ فيه في الشأن العراقي من خلال الدعم السياسي والعسكري لبعض فصائل “الحشد الشعبي”، الذين استطاعوا الوصول إلى رأس العمل السياسي في العراق بالحصول على 47 مقعداً برلمانياً في انتخابات 2018، كنتيجة لدورهم العسكري في هزيمة “داعش” في عام 2017. وهو الدور الذي كان من المفترض أن يلعبه جيش عراقي وطني مدرب ومجهز ليكون قادراً على الوقوف بوجه أي محاولات تستهدف السيادة العراقية. ولكن واقع الحال أن إيران تمكنت من التأثير على مراكز القرار في العراق عن طريق بناء ميليشيات تعمل ضمن تحالفات إقليمية فرضتها السياسة الإيرانية بغض النظر عن نتائجها على الداخل العراقي. وهو ما يشكل الخطر الأكبر على مستقبل العراق ووحدته، وخصوصاً أن واشنطن اللاعب الدولي الأكبر في المشهد السياسي العراقي تخشى من وجود فصائل تقدم الولاء إلى إيران على غرار حركة أنصار الله الحوثية في اليمن وحزب الله في لبنان. وقد انعكس ذلك في الضغوطات الأمريكية المستمرة على الحكومة العراقية لمحاولة السيطرة على هذه الميليشيات، وتعزيز التواجد الأمريكي على الأراضي العراقية، وهو ما يضع البلاد في مهب رياح الصراعات الأمريكية- الإيرانية التي ترتفع وتيرتها بشكل مستمر، ويعطي الولايات المتحدة مسوغات تدخلات عسكرية أكبر وأشمل في العراق تقود إلى تصعيد مجهول النتائج.

ولكن الاتجاه الشيعي الآخر وهو “التيار الصدري” بقيادة مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي البارز، لم يكن راضياً عن هذا التمدد القوي لإيران، كما دعا إلى ضرورة تبنى سياسة أكثر استقلالًا تعكس المصالح الوطنية العراقية في المقام الأول، وكبح جماح التدخل الإيراني، وهو ما يطالب به شريحة واسعة من العراقيين. ومن الجدير بالذكر هنا أن التيار الصدري لا يشكل تيارًا معاديًا لإيران، ويعكس ذلك تصريحات مقتدى الصدر وزياراته المتكررة إلى إيران. ولكن المعيار الحاكم لهذا الفريق هو تقديم المصلحة الوطنية العراقية والسعي إلى إيجاد آليه تحكم هذه العلاقة بمنظومة تعاون سياسي واقتصادي يحفظ للعراق سيادته وأمنه. ولذلك سعى مقتدى الصدر إلى الانفتاح على بعض الدول العربية وبناء علاقات جيدة معها أملاً في خلق توازن استراتيجي جديد للعراق. فرضت هذه الانقسامات الشيعية-الشيعية تداعيات كبيرة على المشهد السياسي العراقي خلال المرحلة الحالية، يتمثل أبرزها في دائرة الفعل ورد الفعل التي تسود المظاهرات المناهضة للحكومة، فهناك قتلى ومختطفين من قادة الحراك الشعبي يرفع المتظاهرون أصابع الاتهام بوجه الميليشيات الموالية لإيران، وكرد فعل نراقب مشاهد حرق وهجوم لمقرات هذه الأحزاب والتكتلات. مثل هذه الانقسامات وعدم القدرة على احتواء الأزمة تزيد من احتمالات الانزلاق إلى مستنقع الحرب الأهلية التي سيحصد ثمارها إما إيران أو الولايات المتحدة..

والسؤال هنا كيف من الممكن أن يتفادى العراق هذه الحرب المهددة، بالإضافة إلى القضاء على الفساد الذي تحول إلى قاعدة وليس استثناء، وانتشر وساد عن طريق فساد الساسة أنفسهم الذين وظفوا السلطة لممارسة الفساد، ووظفوا الفساد للوصول إلى السلطة.   بالعودة إلى تاريخ العراق والذي ارتبط إلى حد ما بالتقاليد الدينية الشيعية فإن آية الله علي السيستاني الذي يتمتع بنفوذ اجتماعي وديني واسع جداً، من الممكن أن يكون صمام الأمان الذي يمنع من الانزلاق في حرب أهلية. كما يحتاج العراق إلى إجراء إصلاحات بنيوية في نظامه السياسي والعسكري وتأهيل جيش وطني بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية وبعيداً عن الميليشيات، ليتم النأي بالعراق عن أي حرب وكالة بين الطرفين الإيراني والامريكي على الاراضي العراقية.  ولذلك فإن استمرار الحراك الشعبي وتمسك المتظاهرين بمطالبهم وتبديل النظام السياسي الفاسد بنظام يرقى بقدراته على الخروج بالعراق من أزماته، وتلبية الطلبات المطروحة في الحراك الشعبي.

سفيربرس ـ بقلم : د. عبير الحيّالي ـ رأي اليوم

باحثة في السياسة والعلاقات الدولية

لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *