إعلان
إعلان

سوسيولوجيا الهدية وأصول التهادي. بقلم : أ.د. عبدالله المجيدل

#سفيربرس

إعلان

تُعد الهدية أحد جوانب السلوك البشري الذي استحوذ على اهتمام كثير من الباحثين في حقل الأنثروبولوجيا. ولعل مارسيل موس من أكثر المهتمين بمكانة الهدية في المجتمعات الإنسانية، إذ يرى موس أن التبادلات والتعاقدات داخل الحضارة تكون على شكل هدايا، تبدو نظريا بطريقة اختيارية، ولكنها في حقيقة الأمر إلزامية”. ثم يطرح تساؤلا رئيسا :“ما القاعدة، المبنية على الحق والمصلحة، التي تلزم المُهدى برد الهدية(بمعنى تقديم هدية للمًهدي) لدى المجتمعات ذات النمط المتخلف أو البدائي؟ ويريد موس أن يفهم الدوافع التي تجعل الناس في كثير من المجتمعات ملزمين ليس فقط بالإهداء، ولكن كذلك بقبول الهدية والرد عليها. وتدخل هذه التساؤلات في سياق مشروع يحاول فهم آليات المعاملات الاقتصادية والتبادل داخل المجتمعات “البدائية” و”المتخلفة”. ولا يخص هذا التبادل الأشياء المادية من عقارات ومنقولات فقط، بل يمتد إلى تبادل التقدير والاحترام والولائم والطقوس، والخدمات العسكرية والنساء. ويخلص موس إلى أن الهدية تمثل ترابطا لالتزامات ثلاثة: هي العطاء وقبول العطاء والرد عليه بإعادة الغرض نفسه أو ما يوازيه أو ما هو أثمن، في حين يرى ليفي- شترواس أن موس ارتكب خطأ من خلال محاولته تفسير السبب الداعي إلى إعادة الهبة اعتمادا على البعد الديني، فلو كان موس أكثر تأنيا لفهم أن التبادل يشكل العنصر الرئيس للظواهر التي كان يدرسها. فمنح الهدية وقبولها والرد عليها يمثل حقيقة واحدة هي التبادل. وبحسب ليفي- شترواس فإن كل ما هو اجتماعي هو عبارة عن تبادل أو مجموعة من التبادلات، تبادل الأشياء (الاقتصاد) والكلمات (الثقافة)، والتي ينبغي البحث عن أصولها في البنى اللاواعية للروح، في حين يرى الفيلسوف جاك دريدا أنّ مفهوم الهدية يتضمن طلبًا ضمنيًا بأنّ الهدية الحقيقية يجب أن تتجاوز أي مصلحة ذاتية أو تفكير حسابي
والهدية في اللغة هي: مال جرى اهدائه إلى أحد من أجل إكرامه، وقد أورد ابن منظور في لسانه بأن لهَدِيَّةُ: ما يُقدَّم لشخصٍ من الأشياء إكرامًا له وحُبًّا فيه أو لمناسبة سارّة عنده، ويُقال أهديت للرجل بمعنى بعثت له هدية و إكراماً له، وأما معناها اصطلاحاً فهو تمليك شيء للغير بغير عوض يُرتجى منه، ومن الهدايا الموثقة تاريخياً، إهداء أرسطو لكتابه «سر الأسرار» المعروف بعنوان «السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة» إلى تلميذه قائد اليونان الأكبر الإسكندر الذي تعلّم على يديه أنواع المعارف الإنسانيّة الأساسيّة كالشعر، والسياسة، والأخلاق، والطب، والفصاحة، والطبيعة، والسلوك، والغذاء، والقيادة. وقد أباح الإسلام الهدية بين المسلمين، والحديث النبوي الشريف يقول: ” تهادوا تحابوا ” .ولكن الإسلام اشترط أن تكون النية مخلصة لله تعالى عند تقديم الهدية، والحذر من أن تدخل في باب الرشوة التي يحرمها الإسلام وبالنسبة للتعريف الشرعي للهدية، فيمكن القول عموماً: إن الهدية هي دفع عينٍ سواءً أكانت مالاً أو سلعة إلى شخصٍ معين الذي يراد بالهدية هذا الشخص المعين لأجل الألفة والثواب، من غير طلبٍ ولا شرط. لأنه لو قال: أهدني أو أعطني ربما صارت رشوة.
وتحتوي متاحف الفن الإسلامي حول العالم أنماطاً من الهدايا منها الكتب المزينة بالذهب والرسومات والتي صُنعت خصيصاً للأمراء، مروراً بالمجوهرات والمنسوجات والأواني والمستلزمات الشخصية والتحف، ويعد كتاب “الذخائر والتحف” لمؤلفه القاضي الرشيد بن الزبير من القرن الخامس الهجري، من أهم وأشمل الكتب المتخصصة بأخبار تبادل الهدايا والتحف، وذكر الكنوز وغرائب المقتنيات، وتوريث الثروات، ونفقات الأموال بالمناسبات السعيدة عند العرب من العصر الساساني إلى العصر الفاطمي، في كامل العالم الإسلامي، من السند حتّى الأندلس. ومن أبرز الهدايا عند العرب والمسلمين في القرون الوسطى، وهي الأموال بالدرهم والدينار، والذهب والفضة واللؤلؤ والأحجار الكريمة، والكتب الأدبية والعلمية بكل أجناسها، والطيب والعطور، على أنواعها، والكسوة والثياب الفاخرة، المجوهرات والتحف والتماثيل والأسلحة والأواني والقطع المزينة على أنواعها، كما تذكر الأخبار الدواب للركوب وأبرزها الخيول والبغال (التي توازي السيارة في عصرنا هذا)، وأنعام للمأكل كالطيور وحيوانات أخرى للصيد واللهو كالصقور والكلاب والفهود، ولا ننسى طبعاً الهدية المفضلة عند القدماء ألا وهي الجواري والغلمان، كما أن إهداء الرقيق كان مقبولاً وشائعاً في كل الحضارات القديمة. ومع التطور الحضاري اشتملت قائمة الهدايا على البرادات وانماطاً من الأطعمة من مثل:(تنكات الجبنة، والزيت)، وصولاً إلى ثورة المعلوماتية إذ تمددت قائمة الهدايا لتأخذ مساراً إلكترونياً بأن تًهدى الوحدات الهاتفية، ولا نعلم في الأيام القادمة بماذا سيتحفنا أصول التهادي من أنواع الهدايا.

#سفيربرس . بقلم : أ.د. عبدالله المجيدل 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *