إعلان
إعلان

مآلاتُ العُبورِ السُّورِيِّ الأخيرِ (7) . بقلم : د. منصور جاسم الشامسي

#سفيربرس _ الإمارات العربية المتحدة

إعلان

(7) هذا خبرُ عبد الرحمنَ بنِ مُعاويةَ الأمويّ قبلَ رحيلهِ من دِمَشقَ

(استهلال ومشهد تاريخي:

فَرّ الأميرُ أبو المُطَرفِّ عبدُ الرحمن بن معاويةَ (الداخل بالأندلس) من الموت، من بلاده؛ سوريا المضطربة، مقرِّ مُلك آبائه، الخلفاءِ الأمويين، دمشقَ مركزِ الخلافةِ الأمويةِ، في العصور الوسطى الإسلامية، حيث اجتاحت سوريا جيوشُ الثورة العباسيّة، قادمةً من الشرق الإسلامي، وأحدثت القتلَ والتّشريدَ في أفرادِ البيتِ الأُمويّ الحاكم، فكثُرَ القتلُ والحرقُ في العاصمةِ الأمويةِ دمشقَ، ووصلَ عبدُ الرحمن إفريقية (تونس الحالية) متخفياً، مُستتراً، عن طريقِ مصرَ وبرقةَ (ليبيا)، واختفى هناك. ثم استأنفَ سيرَه نحو المغربِ الأقصى، قربَ مدينةِ طَنجةَ، حيث نزل عندَ أخوالِهِ المغاربة؛ قبيلة نَفْزَة. في سنة 136 للهجرة (753 للميلاد)، الذين نصروه، وآووه، بعد تشردّهِ، وبدأ عبدُ الرحمن بن معاوية يُعدّ العدّة لدخول الأندلس).

الإيقاع الشعري/ ما قاله الشاعر عن سوريه وعبدالرحمن الداخل، وكلاهما في الجرح سواء/ هذه هي القصيدة؛

يَتباعَدُ، عنّا، هذا الأنيقُ،
المُلهَمُ /
هَكذا،
يأخُذُهُ الطَّريقُ تِلْوَ الطّريقِ،
يَتلاشى نُثارُهُ،
خَرَجَ، بَيْنَ عَسَسٍ وخَسْفٍ، خائفاً يَتَرَقَّبُ /
صافِقاً خَلْفَهُ النَّوافِذَ والأبْوابَ،
لَمْ يأبَهْ بالأزهار المتناثِرَةِ عِنْدَ عَتَباتِهِ، تَشْعُرُ بوَحْشَةٍ؛ كالمُسْتَلْقي المَريضَ، لَنْ تَرى سيّدها الحَنون بعدَ الآن /
يا لِلْوجْهِ الباسِمِ /
يَغيبُ في الأزْمِنَةِ العَرَبيّة في حَرْبٍ في نَفْيٍ في حَيْرَةٍ،
يَخْتَفي عَنِ الأنْظارِ /
يَصيرُ إلى هَباءٍ،
فَناءٍ،
صَحْوٍ،
لا نَعْلَمُ /
هذا الفِناءُ قَدْ أظْلَمَ /
غَدَتِ الأحْياءُ تَخْلو مِنْ آثارِهِ
كانَ حُلْماً، قَبْلَ مَصْرَعِ الحُبِّ،
وتهاوي البَلَدِ الجَريحِ في حُطامِهِ.

طائرٌ مِنْ دِمَشْقَ إلى طَنْجَةَ، كأنَّهُ حَياةٌ في قَبْرٍ،
هاتِ النُّبوءةَ قَبْلَ سَفَرِكَ، وأَخْبِرْنا عَنِ الأيّامِ القادِمَةِ، يا مَلِكُ، شَفّافٌ أنْتَ، كما عَهِدْتُكَ، فَنَحْنُ في عَصْرِ القُنْبُلَةِ النُّوَويّةِ؛ ثَقيلٌ وطْؤها، وأخْشى على الحُبِّ العَرَبِيِّ أنْ يَتَراخى، يَتَكَسَّرَ، تَدوسَهُ عَجَلاتُ قِطارٍ مَشْبوهٍ، وسَنابِكُ جَحْفَلٌ أسْوَدَ، وتَتكوَّمَ في طُرُقاتِهِ بَقايا مَنْجَمِ فَحْمٍ مَحْروقٍ، وسُعالٍ، وغُبارٍ، وأعْمِدَةُ أَدْخِنَةٍ،
مَنْ يَنْهَضُ بالأعْباءِ؟
مَنْ يُقيمُ الأعْمِدَةَ /
وقَدْ أَخَذْتَ النَّصْرَ مَعَك /
والابْتِكارُ مَخْبوءٌ تَحْتَ حِزامِكَ،
والمُسْتَقْبَلُ كانَ هُنا وَرْدَةً واحِدَةً، وقَدْ أخَذْتَها /
فَهَلْ تُشَيِّدُ سُوريا بَعْدَكَ قُصورَها؟

على الخَواصِرِ،
يا أصْدقائي،
اكتُبوا تاريخَهُ،
انظُروا إلَيْهِ، على قَلَقٍ يَقْتُلُ القَتْلَ، ويَمْشي مَعَ المَوْتِ، يَرْتَدي مِعْطَفَهُ،
يَمُرُّ على صَخَبِ الشّوارِعِ، لا أَحَدَ يَعْرِفُهُ،
لِثامُهُ المَغْرِبيُّ/ الصَّحْراويُّ أنْجاهُ،
لا تُرى إِلّا عَيْناهُ /
ونَهارٌ مِنْها يَبْرُقُ،
ارْتداهُ /
عِنْدَ النِّزالِ وتَقاطُرِ الأَسْلِحَةِ.

وأَسْمعُ أنَّ القَمَرَ لَنْ يَزورَ دِمَشْقَ بَعْدَ عَبْدِ الرَّحْمنَ بنِ مُعاويةَ / راحلٌ إلى صَنْهاجة /

يقولُ عَبْدُ الرَّحْمن:
– “ذاهِبٌ عَنْكِ، يا دِمَشْقُ، إلى بَني أُمّي؛ أخْوالي السُّنْدُسِ المَفاخِرِ المَغارِبَةِ،
الجُنْدِ الغالِبَةِ / العادِلَةِ،
قَدْ شَدّوا الأَحْزِمَةَ /
“نَفْزَةُ” مَوْطني الآخَرُ/
فَقَدْ قَتَلَني بنوِ أبي.
الفُصولُ الأَرْبَعَةُ،
مِنْ بَعْدي، سَتَفْرِضُ ضَرائبَها على الدّاخلين إلَيْكِ،
وذاكَ القُفْطانُ المغربي؛ أخَذْتُهُ لابِنَةِ خالي، يَطيرُ مَعي”.

وتناسلَ عَبْدُ الرّحمن بَعيداً عَنْ سوريا /
كانْ يُعْطيني مِنْ وَقْتِهِ
تَهْبِطُ الأشْياءُ عِنْدَهُ
تَسْبَحُ بَيْنَ يَدَيْهِ،
يُجَوْهِرُها
ثُمَّ تَخْرُجُ الإشارةُ
في كَوْنٍ
ظَلَّ واقِفاً
يَنْتَظِرُ المَسافاتِ أنْ تَضيقَ، ونَلْتَقي بَعْدَ هَجْرٍ، نَأتي مِنْ كُلِّ قاطِعٍ، نَلْحَقُ بِمَنْ طارَ مَعَ الرّيح،
وإنْ ظَنَّنا أنّهُ جالِسٌ في مَكانِهِ.

سَلاماً أيَّتُها العاصِمَةُ العَربيَّةُ،
كَما تَرَيْنَ،
ها أنَذا أخْطو وَحيداً، الآنَ، لا تَسْنِدُني خُطُواتُكِ ولا خُطواتُهُ /
كُلُّ الطُّرقاتِ مَنْفِيَّةٌ
كُلُّ شَيءٍ تَغَيَّرَ
تَحَرَّكْ
باتّجاهِ أفْلاكٍ جَديدةٍ/
لا حَيّةٌ أنْتِ فأزورُكِ
ولا مَيْتَةٌ أنْتِ فأنْساكِ
ويَداكِ جَناحانِ مَكْسورانِ، فلا أنْتِ حَمامةٌ تَطيرينَ إلى داري، ولَسْتِ عَروساً أزورُها في مُلْكِها.
ضاعَ فَتاكِ / وضِعْتِ / وضِعْتُ /

لا تَسْنُدُني أنْوارُ وَجْهٍ خالَطَتْ دَمي وجالَتْ بِهِ لِحاظُهُ /
وها أنَذا أُسْدِلُ ستائرَ مَنازِلِهِ
حينَ خَرَجَ باكِراً تَسوقُهُ أقْدارُهُ
يَجُرُّ أحْشاءَهُ والذُّعْرَ،
ومَدائِنُهُ مُتَساقِطَةٌ
واحِدةً تِلْوَ الأُخْرى
وسَقَطَ حُسامُهُ المُرْهَفُ
عِنْدَ الخَدِّ الأحْمَرِ المُرْهَفِ
البارِقِ
اللّامِعِ
في الظُّلُماتِ /
وغاصَ الحُبُّ بِتلاوينِهِ في التُّرابِ
جَفَتْهُ عاطِرَةُ الأنْفاسِ،
تَرْميهِ بحَصاها،
والغَزَواتُ تَفيضُ بِمَوْتاها /
قَلْبُهُ المُتَصَدِّعُ، بَيْنَ صُدوعِها، صَدْعُ دِمَشْقَ الغائرُ، لا يَتَوَقَّفُ عَنِ التَّصَدُّعِ / لا يَتْعَبُ هذا العَذابُ الشَّرْقِيُّ /
تَتَخَفّى الشَّمْسُ
غَريبةً، هَشَّةً، باتَتْ،
تُشيحُ عَنْهُ /
وعَنْ مُلْتَهِبٍ، ومُحْتَرقٍ،
وشامٍ مَكْلومٍ، وشَفَقٍ،
لا تَحْتَفِظُ
بمِرْآةِ الشُّروقِ
بَعْدَ
عَبْدِ الرَّحمن.

الشَّمْسُ تَتَعَثَّرُ في الدُّروبِ السوريَّةِ
لا تَعْرف لُجَيْنَ الماءِ
و لا رَوْضَةً، تَتَثَنّى، كانَ يَزورُها المادِحونَ، ولا غَديرَ /
خَلَعَتْ أرْدِيَتَها وتَنَكَّرَتْ لِجِهاتِها
فلا شَرْقَ عربيٌّ مِنْ لُؤلؤٍ مَنْثورٍ
ولا غَرْبَ عَرَبيٌّ كالمِسْكِ الفَتيقِ.
رأيْتُهُ /
يُغْلِقُ كُلَّ الصُّوَرِ. لا يَثِقُ بأحَدٍ. تائهٌ بَيْنَ خُروجِهِ المَكْسورِ وحَماقَةٍ هَزَّتِ الكَمالَ.
وهَتَكَتِ المَسافاتِ الدّافئةَ بَيْنَنا،
وعُهودَ الصَّداقَةِ.

هَكذا،
تَخاصَرْنا في وَقْتِ الْهَدْمِ،
الخاصِرَةُ المُزَيَّنَةُ بالغَرائبِ الجاذِبَةِ وصُدْفَةِ اللّقاءاتِ،
قابِضةٌ على الإشاراتِ بَيْنَ اثْنَيْنِ،
والفِكْرُ الحَقيقيُّ مُخْتَنِقٌ يأكُلُهُ السَّحَرَةُ على مَرْأى مِنْ فَيارزَ مَذْهولةٍ،
أعْزلَ تَرْحَلُ عَنّا.
وأنا صَديقُكَ الّذي بَقيتُ بَعْدَكَ،
لِيَ القُلوبُ المَصْفوفَةُ، قَدْ أوْصَيْتَني بها،
ولَكَ الحُبُّ الأوَّلُ والمؤجَّلُ.
أسْتَدْركُ العَواطِفَ بِحُضورك.
وفي غِيابِكَ، أشْتَري كُلَّ عِطْرٍ غالٍ جَديد،
أرُشُّهُ على ذِكْراكَ /
فأنا /
أعْلَمُ أنّكَ سَيِّدٌ في الحُبّ ومَرْفَئي،
وماذا أقولُ لَها /
حينَ تَسْتَيْقِظُ تَسْألُ عَنْكَ،
عَنْ شَكْلِ النّهارِ الذي شَطَرَ الكَوْنَ، وشَطَرَ قَلْبَها / حينَ لا تَراكَ مِنٍ حَوْلِها.
آسى لِذاتِ التّصاويرِ، حينَ تُهَرْوِلُ عِنْدَ كُلِّ بَرْقٍ، تَبْحَثُ عَنْكَ / حَتّى البُروقُ غَدَتْ عَصِيَّةً أنْ تَدُلَّ عَلَيْكَ /

وَداعاً عَبْدَ الرَّحْمنِ بنَ مُعاوية /
لَكَ أقاليمُكَ الجَديدةُ / المَغْرِبُ البَعيدُ يُناديكَ،
لَكَ المَجْهولُ،
لَكَ المُقَدِّمَة، “فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً “،
وإحْذَرْ غَدْرَ الطّريق،
أمّا أنا /
فلا تَقْلَقْ عَليّ،
أمْضي بَيْنَ الحُلُم والطّينِ، وأنْشَغِلُ بِحكايَتِكَ، وحكاياتِها؛ رَفيقةِ الجِهاتِ الأرْبعِ والأُخْرى القادمةِ، حامِلاً مَصابيحَ لا تُرى، أبَحْتُ لِلْوَرْدِ أنْ يَسْتُرَني، حتّى غَدَوْتُ كأوْراقِ شَجَرٍ، في حَديقةٍ مُهْمَلَةٍ، لا يَمُرُّ بها الجُنودُ.
لِعَيْنَيْكَ /
لا أمْدَحُ الزَّمَنَ السّوريَّ بَعْدَكَ،
حَتّى تَبْسُطَ لي جَناحكَ مِنْ قُرْطُبَةَ، ويَدْنو فَضاءً عِطْرياً ساحِراً زَرَعْتُهُ هُناك.

# سفيربرس _ بقلم  : د. منصور جاسم الشامسي
1 يونيو 2023

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *